“العيش معًا”… والمدرسة العليا للرياضيات!!؟
01-08-2018, 03:06 PM
العيش معًا”… والمدرسة العليا للرياضيات!!؟
أبو بكر خالد سعد الله
أستاذ جامعي قسم الرياضيات / المدرسة العليا للأساتذة- القبة

احتضنت جامعة مستغانم خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 19 جويلية مؤتمرا في الرياضيات فريدا من نوعه تحت شعار “العيش معًا”؛ وتم الإعلان أثناءه عن عزم وزارة التعليم العالي على فتح “مدرسة عليا للرياضيات” في بلدية أميزور (بجاية).

“العيش معًا”!!؟:
تأسست “اللجنة الدولية لدراسة الرياضيات وتحسين تعليمها” عام 1950 بإيطاليا في أعقاب الحرب العالمية الثانية نظرا “لنقص في عدد مدرّسي” هذه المادة و”تكاثر اللاجئين واليتامى”.
ولذلك ارتأى المؤسسون الأوروبيون لهذه اللجنة تبنّي شعار “العيش معًا” بين الأوروبيين الذين كانوا يتقاتلون بالأمس القريب.
ذلك هو منطلق إنشاء هذه اللجنة التي برمجت تنظيم مؤتمرها السبعين في الجزائر، وهي ترى أن الوضع الحالي ووضع 1950 في باب “العيش معًا” لهما نقاط مشتركة… وأن “العيش معًا صار ضرورة”.
ولا ندري كيف أن هذه اللجنة وجدت أذنا صاغية في الجزائر!!؟، وتبنت تنظيم المؤتمر مؤسسة “جنة العارف” متكفلةً بالتنظيم المحلي للمؤتمر.
وقد شاهدنا على شاشة التلفزيون شيخ الزاوية العلوية السيد خالد بن تونس إلى جانب وزير التعليم العالي يفتتحان هذا المؤتمر، كما قرأنا في الصحافة: أن أحدهم صرح بأن الأمر يتعلق بأول مؤتمر دولي في الرياضيات تنظمه الجزائر!!؟.
والكل يعلم: أننا جميعا نميل إلى استعمال صفة “الدولي” في تظاهراتنا كلما حضر أجنبي فيها، كما نهوى في جميع الأحوال لفت الانتباه إلى أننا نحتل المرتبة الأولى في كل شيء!، ورغم أن هذا المؤتمر استقطب حسب وسائل الإعلام عددا من الأجانب، فهو ليس المؤتمر الدولي الأول ولا الأخير بالجزائر في حقل الرياضيات.
نذكر، على سبيل المثال: أن المدرسة العليا للأساتذة-القبة نظمت عام 1986 أول مؤتمر دولي في تاريخ الرياضيات العربية، وأن جامعة الوادي بالتعاون مع نفس المدرسة والمركز الدولي للرياضيات البحتة والتطبيقية احتضنت تظاهرة دولية في الرياضيات (الهندسة) عام 2005 شارك فيها عدد كبير من الأجانب (أساتذة وباحثين وطلبة)، وبطبيعة الحال، فما أتيْنا على ذكره لا يمثل سوى عينة بسيطة من المؤتمرات الدولية الكثيرة التي نظمت بالبلاد في الرياضيات.
والحقيقة أننا لم نستوعب كيف نزجّ بالرياضيات البريئة في جبهة شعارها “العيش معًا” رغم أن شيخ الزاوية خالد بن تونس برر ذلك بوجود الرياضيات في حواسيبنا وهواتفنا النقالة وغيرها من التجهيزات الحديثة!، وهو تبرير لا نرى فيه أساسا منطقيا لمبدأ “العيش معًا”… ولو قيل أن ما ذكره الشيخ دليل على أن الرياضيات لها تطبيقات في كل مجالات الحياة لكانت الحجة دامغة.
نعتقد أن رفع شعار “العيش معًا” في مرحلة من المراحل يوحي للمواطن بوجود حالة حرب وعداءات قائمة بين أفراد المجتمع الواحد (كما كان الحال خلال وبعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا، مثلا). ونحن في الجزائر، والحمد لله، لسنا في تلك الظروف التي كانت مأساوية… وحتى لو كُنّا (لا قدّر الله)، فما نظن أن الرياضيات كفيلة بأن ترفع عنا هذا الضرّ!!؟.
يتحدث مؤسسو اللجنة الدولية لتبرير تأسيسها عن نقص في مدرسي الرياضيات بعد الحرب العالمية، ويقولون أنهم أرادوا التعامل مع الألمان (أعداء البارحة)… أما نحن فلدينا فائض من أساتذة الرياضيات لم تتمكن وزارة التربية من استيعابه، فكيف نقارن الأمس الأوروبي الحالك باليوم الجزائري المشرق في موضوع الرياضيات ونربطه بشعار”العيش معًا”!!؟.

المدرسة العليا للرياضيات:
لقد صرح وزير التعليم العالي في افتتاح المؤتمر أن الرياضيات في بلادنا والعالم في “اندثار”!، والواقع أن الرياضيات لم ولن تندثر، وكل ما في الأمر: أن الإقبال عليها تضاءل في عدد من البلدان، وهذا راجع بوجه خاص إلى نقص التوظيف لحملة الشهادات في الرياضيات، وليس المجال هنا للدخول في أسباب هذا العزوف، فالأسباب واضحة لدى الخبراء والمعضلة تكمن في إيجاد الحل… وليس شعار “العيش معًا” وأهله بقادرين على الإتيان به!.
كما أعلن الوزير أن الوصاية قررت إنشاء مدرسة عليا للرياضيات ببجاية، ستكون “مرجعا” في هذا العلم، وذكر الوزير سببين لتبرير هذا القرار: الأول ھو “العرفان” لمدينة بجاية بما قدمته للرياضيات خلال القرنين 12م و 13م، وأما السبب الثاني، فهو أن هذه المدرسة مطلب للأسرة الجامعية. ثم -حسب ما ورد في الصحافة على لسان الوزير- ستمكن هذه المبادرة من استغلال الفضاء الجامعي الموجود في بلدية أميزور “حتى لا يبقى شاغرا”.
ونحن نجد في هذا المنطق غرابة لأسباب عديدة نكتفي بذكر ثلاثة منها:
السبب الأول: منذ عام 2000 (أي منذ 18 سنة) و”الأسرة الجامعية” الجزائرية في الداخل والخارج المعنية بالرياضيات وتطويرها في البلاد تطالب بإنشاء مركز بحث في الرياضيات يكوّن نخبة، ويكون “مرجعا” في هذا العلم، والملفات الخاصة بهذا المطلب بحوزة السلطات لحد الساعة، ولم تحرك ساكنا سوى أنها تنوي فتحه في مدينة سيدي عبد الله (غرب العاصمة)!، فإن كان الهدف من إنشاء المدرسة العليا للرياضيات أن تكون “مرجعا”، فمركز البحث السابق الذكر أولى بذلك على أكثر من صعيد.
السبب الثاني: الكل يعلم أن هناك ثانوية تسمى “ثانوية الرياضيات” بالعاصمة هدفها: تكوين نخبة، وتخرجت منها عدة دفعات، أليس من الأنسب -إن كان المسعى جادا- التنسيق بين هذه الثانوية والمدرسة المزمع إنشاؤها!!؟، لا يبدو أن القوم فكروا في هذا التنسيق.
السبب الثالث: المدرسة العليا للرياضيات التي ترمي إلى تكوين نخبة لا بد أن يتوفر فيها أرقى المكونين في هذا الاختصاص!، فأين هؤلاء؟، كيف ستنتقيهم الوصاية؟، كيف ستأتي بهم إلى القطب الجامعي بأميزور، وقد قررت فتح المدرسة بعد نحو شهر من الآن؟، كيف ستوفر لهم الظروف المواتية حتى يؤدوا مهامهم على أكمل وجه!!؟.
هكذا يتم تسيير شؤوننا العلمية: نأتي بمؤتمر دولي في الرياضيات، ليعلّمنا سبل “العيش معًا”، وننشئ مدرسة عليا للرياضيات من العدم حتى لا “تندثرالرياضيات!!؟.