تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى القرآن الكريم > قسم القراءات

> اختلاف القراءات أسبابه وأنواعه وفوائده ودرء الشبهات عنه

  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
اختلاف القراءات أسبابه وأنواعه وفوائده ودرء الشبهات عنه
17-05-2018, 04:25 PM
اختلاف القراءات أسبابه وأنواعه وفوائده ودرء الشبهات عنه
أحمد سعد الخطيب



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

القراءات جمع قراءة، والقراءة في اللغة: مصدر قرأ.
وفى الاصطلاح: مذهب من مذاهب النطق في القرآن، يذهب إليه إمام من الأئمة مخالفاً به غيره، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف، أو فى نطق هيئاتها.
وعلم القراءات:
هو:" علم يعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقاً واختلافاً، مع عزو كل وجه لناقله".
فموضوع علم القراءات إذن: كلمات القرآن الكريم من حيث أحوال النطق بها، وكيفية أدائها.

نشأة القراءات:
الزمن الذي نشأت فيه القراءات القرآنية هو نفسه زمن نزول القرآن الكريم، ضرورة أن هذه القراءات، قرآن نزل من عند الله، فلم تكن من اجتهاد أحد، بل هي وحي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد نقلها عنه أصحابه الكرام - رضي الله عنهم - حتى وصلت إلى الأئمة القراء، فوضعوا أصولها، وقعدوا قواعدها في ضوء ما وصل إليهم، منقولاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم - وعلى ذلك، فالمعول عليه في القراءات، إنما هو التلقي بطريق التواتر، جمع عن جمع يؤمن عدم تواطؤهم على الكذب، وصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو التلقي عن طريق نقل الثقة عن الثقة وصولاً كذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويضاف إلى هذا القيد قيدان آخران سيذكران في محلهما عند الحديث عن شروط القراءة الصحيحة، أو ضوابط قبول القراءة.
وانطلاقاً من ذلك وبناءً عليه، فإن إضافة هذه القراءات إلى أفراد معينين، هم القراء الذين قرؤوا بها ، ليس لأنهم هم الذين أنشئوها أو اجتهدوا في تأليفها، بل هم حلقة في سلسلة من الرجال الثقات الذين رووا هذه الروايات ونقلوها عن أسلافهم، انتهاءً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي تلقى هذه القراءات وحياً عن ربه - جل وعلا، وإنما نسبت القراءات إلى القراء، لأنهم هم الذين اعتنوا بها وضبطوها ووضعوا لها القواعد والأصول.

ما سبب اختلاف القراءات؟:
لقد عرفنا فيما مضى أن هذه القراءات منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أن الوحي قد نزل بها من عند الله.
والإجابة عن السؤال المطروح، لمسها الصحابة وقت نزول القرآن واقعاً لا نظرية، وذلك أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا من قبائل عديدة، وأماكن مختلفة، وكما هو معروف أنه كما تختلف العادات والطباع باختلاف البيئات، فهكذا اللغة أيضاً، إذ تنفرد كل بيئة ببعض الألفاظ التي قد لا تتوارد على لهجات بيئات أخرى، مع أن هذه البيئات جميعها تنضوي داخل إطار لغة واحدة، وهكذا كان الأمر، فالصحابة عرب خلص بيد أن اختلاف قبائلهم ومواطنهم أدى إلى انفراد كل قبيلة ببعض الألفاظ التي قد لا تعرفها القبائل الأخرى مع أن الجميع عرب، والقرآن الكريم جاء يخاطب الجميع، لذلك راعى القرآن الكريم هذا الأمر، فجاءت قراءاته المتعددة موائمة لمجموع من يتلقون القرآن، فالتيسير على الأمة، والتهوين عليها هو السبب في تعدد القراءات.
والأحاديث المتواترة الواردة حول نزول القرآن على سبعة أحرف تدل على ذلك:
جاء فى الصحيحين - عن ابن عباس رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"، وزاد مسلم:" قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلال ولا حرام".
وأخرج مسلم بسنده عن أبى بن كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أَضَاة بنى غفار، قال:" فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه، فقد أصابوا".
والأحاديث الواردة في هذا المقام كثيرة، لكنى أكتفي بما ذكرت، والمزيد في مظانه، ويؤخذ من ذلك ما يلي:
1. إن الأحرف السبعة جميعها قرآن نزل من عند الله، لا مجال للاجتهاد فيها.
2. أن السبب فى هذه التوسعة هو التهوين على الأمة، والتيسير عليها في قراءة القرآن الكريم.

المراد بالأحرف السبعة:
أقوال عديدة ساقها العلماء حول مفهوم الأحرف السبعة التي تواترت الأحاديث في إثبات أن القرآن نزل عليها، الأمر الذي جعل بعض العلماء يفر من ميدان النزال، ويقول: إن الحديث مشكل.
أقول: الأقوال الواردة في هذا المقام أكثرها لا تستحق الذكر لضعفها، ولا نعول عليها في مقامنا هذا، ويكفينا هنا أن نشير إلى ما يستحق الذكر، ويستأهل أن ينظر إليه بعين الاعتبار، وذلك متوافر في رأيين:
أحدهما : هو ما ذكره أبو الفضل الرازي، وقاربه فيه كل من ابن قتيبة وابن الجزري.
وحاصله: أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهى:
1- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
2- اختلاف تصريف الأفعال من ماضي ومضارع وأمر.
3- اختلاف وجوه الإعراب.
4- الاختلاف بالنقص والزيادة.
5- الاختلاف بالتقديم والتأخير.
6- الاختلاف بالإبدال.
7- اختلاف اللغات - أي اللهجات - كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام.

وقد تعصب لهذا الرأي صاحب المناهل، وساق الأمثلة لكل وجه من الوجوه المذكورة، ورجحه على غيره، مقرراً أنه الرأي الذي تؤيده الأحاديث الواردة فى المقام، وأنه الرأي المعتمد على الاستقراء التام دون غيره، وقد دافع عنه أيما دفاع بالرد على كل اعتراض وجه إليه، وإن بدا عليه التكلف في بعض هذه الردود، ومن ذلك رده على الاعتراض الثالث الذي وجه إليه.
وحاصل الاعتراض: أن الرخصة في التيسير على الأمة بناءً على هذا الرأي غير واضحة، فأين اليسر في قراءة الفعل المبنى للمجهول أو للمعلوم؟.
هنا ظهر التكلف على الشيخ في الرد - من وجهة نظري-.

وثانيهما: وهو ما ذهب إليه سفيان بن عيينة، وابن جرير، وابن وهب، والقرطبي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء.
وحاصله: أن المراد بالأحرف السبعة هي: سبع لغات في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ مع اتفاق المعاني وتقاربها، مثل:( هلم، واقبل، وتعال، إلي، وقصدي، ونحوي، وقربي)، فإن هذه سبعة ألفاظ مختلفة، يعبر بها عن معنى واحد هو:( طلب الإقبال)، وليس معنى ذلك: أن كل معنى في القرآن عبر عنه بسبعة ألفاظ من سبع لغات، بل المراد: أن منتهى ما يصل إليه عدد الألفاظ المعبرة عن معنى واحد هو سبعة.
وأصحاب هذا الرأي أيدوا كلامهم بأن التيسير المنصوص عليه في الأحاديث متوفر في هذا الرأي، ورد أصحاب هذا الرأي كذلك على الاعتراضات الموجهة إلى رأيهم ردوداً مقبولة.
ولا أستطيع أن أطيل أكثر من هذا في هذه المسالة حتى لا نخرج عن موضوعنا المقصود بالبحث، لكن ما أريد أن أقوله بعد هذا العرض: إنه بناءً على الرأي الأول: تكون القراءات التي رواها القراء بوجوه متعددة راجعة إلى الأحرف السبعة، وبناءً على الرأي الثاني: تكون راجعة إلى حرف واحد، وهو حرف قريش الذي نسخت عليه المصاحف العثمانية.

النسبة بين الأحرف السبعة والقراءات السبع:
نسبة القراءات السبع إلى الأحرف السبعة هي: نسبة الخاص إلى العام، فالأحرف السبعة تشمل جميع القراءات بما فيها السبع.
ومن يعتقد أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة، فقد أبان عن جهله، وكشف النقاب عن قلة إدراكه؛ لأن هؤلاء القراء السبعة، وهم:( ابن عامر، وابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، ونافع، وأبو الحسن الكسائى).
أقول: هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد ولدوا حين ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأحرف السبعة ، فهل معنى ذلك: أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :"أنزل القرآن على سبعة أحرف" كان عارياً من الفائدة، وبعيداً عن الواقع إلى أن ظهر هؤلاء القراء!!؟، وماذا فهم الصحابة إذن من الحديث!!؟.
ما ابعد هذا القول عن الواقع، بل ما أجهل قائليه!!؟.

أقسام القراءات وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل:
نقل السيوطي عن ابن الجزري أن أنواع القراءات ستة:
الأول: المتواتر، وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، عن مثلهم إلى منتهاه، حتى يبلغوا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثاله: ما اتفقت الطرق على نقله عن السبعة - أو غيرهم - وهذا هو الغالب في القراءات.
الثاني: المشهور، وهو ما صح سنده بأن رواه العدل الضابط عن مثله، وهكذا، ووافق العربية ولو بوجه، ووافق رسم المصحف العثماني، واشتهر عند القراء، فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، إلا أنه لم يبلغ درجة المتواتر، ومثاله: ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة، فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض، وقد ذكر كثيراً من هذا النوع: الداني في التيسير والشاطبي في الشاطبية، وغيرهما.
وهذان النوعان هما اللذان يقرأ بهما، مع وجوب اعتقادهما، ولا يجوز إنكار شيء منهما.
الثالث: ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا النوع لا يقرأ به، ولا يجب اعتقاده، ومثاله قراءة (( متكئين على رفارف خضر وعباقرى حسان ))، وقراءة ((لقد جاءكم رسول من أنفَسِكم)) بفتح الفاء.
الرابع : الشاذ، وهو ما لم يصح سنده، ومثاله: قراءة ابن السَّميفع:((فاليوم ننحيك ببدنك)) بالحاء المهملة، ((لتكون لمن خَلَفك آية)) بفتح اللام من كلمة ((خَلَفك)).
الخامس: الموضوع، وهو ما نسب إلى قائله من غير أصل، مثل القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعى، ونسبها إلى أبى حنيفة.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبى وقاص ((وله أخ أو أخت من أم)) بزيادة لفظ (( من أم)).
قال ابن الجزري:" وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحاً وبياناً؛ لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرآناً، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه" أ.هـ.

ومن خلال هذا النقل: خلصنا إلى أن النوعين الأولين هما اللذان يقرأ بهما، وأما غيرهما، فلا، والنوع الأول، وهو المتواتر: مقطوع بقرآنيته بلا نزاع، وأما النوع الثاني، وهو المشهور الذي اتفقت فيه الضوابط الثلاثة المذكورة، وهى صحة السند، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه، وموافقة الرسم العثماني، ولو احتمالاً، أقول:
هذا النوع لم يوافق عليه بعض العلماء، بل اشترطوا التواتر دون صحة السند - أي لم يكتفوا بصحة السند- جاء في الإتقان تعليقاً على ذلك.
" وهذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت، لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من العربية والرسم، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله والقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أو لا". ا.هـ .
ومن ثم: قال بعض العلماء تعليقاً على هذا الرأي في محاولة لتقريب وجهة النظر حول قبول هذه القراءة، أو عدم قبولها، قال:
" إن هذا القسم - يعنى الذي استجمع الأركان الثلاثة المذكورة - يتنوع إلى نوعين:
الأول: ضرب أو نوع، استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول، وهو يلحق بالمتواتر من حيث قبوله والعمل بمقتضاه؛ لأنه وإن كان من قبيل الآحاد إلا أنه احتفت به قرائن جعلته يفيد العلم لا الظن.
قال صاحب المناهل: إن ركن الصحة في ضابط القرآن المشهور، لا يراد بالصحة فيه مطلق صحة، بل المراد صحة ممتازة، تصل بالقراءة إلى حد الاستفاضة والشهرة، وتلقى الأمة لها بالقبول حتى يكون هذا الركن بقرينة الركنين الآخرين في قوة التواتر الذي لابد منه في تحقق القرآنية.
والنوع الثاني: وهو ما لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض، وهذا فيه خلاف بين العلماء من حيث قبوله والقراءة به، أو عدم ذلك، والأكثرون على قبوله.

أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة:
سبق أن قررنا: أن القراءات مرجعها النقل الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - ولذلك، لم يكن الاختلاف بينها على سبيل التضاد في المعاني، بل القراءة إما مؤكدة لغيرها، أو موضحة، أو مضيفة إليها معنى جديداً، فتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى بمنزلة الآية مع الآية، وكما أن الاختلاف بين هذه القراءات لم يكن على سبيل التضاد في المعاني، فإنه كذلك لم يكن على سبيل التباين في الألفاظ، وقد حصر بعضهم أوجه الاختلاف بين القراءات في الوجوه الآتية:
الأول: الاختلاف في شكل آخر الكلمات أو بنيتها، مما يجعلها جميعاً في دائرة العربية الفصحى، بل أفصح هذه اللغة، المتسقة في ألفاظها، وتآخى عباراتها، ورنة موسيقاها، والتواؤم بين ألفاظها ومعانيها.
الثاني: الاختلاف في المد في الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازماً أو غير لازم، وكل ذلك مع التآخي في النطق في القراءة الواحدة، فكل قراءة متناسقة في ألفاظها من حيث البنية للكلمة، ومن حيث طول المد أو قصره.
الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها في الحروف، كالوقوف بالإمالة في التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
الرابع: الاختلاف من حيث النقط، ومن حيث شكل البنية في مثل قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا))، حيث قرئ متواتراً كذلك:((فتثبتوا))، ومع ذلك فالقراءتان متلاقيتان في المعنى، فالأولى: طالبت بالتبين المطلق، والأخرى: بينت طريق التبين، وهو: التثبت بتحري الإثبات.
الخامس: زيادة بعض الحروف في قراءة ونقصها في أخرى، مثل: قراءة ابن عامر - وهو أحد القراء السبعة- ((قالوا اتخذ الله ولدا )) بدون واو قبل (( قالوا ))، بينما قرأ غيره بالواو هكذا:((وقالوا اتخذ الله ولدا ))، ومثل ذلك قراءة ابن كثير - وهو أحد القراء السبعة كذلك - ((تجرى من تحتها الأنهار)) بزيادة (( من )) بينما قرأ غيره ((تجرى تحتها الأنهار)).
فإن قيل: ما الثابت من القراءتين في المصحف العثماني؟.
قلت: إن المصاحف العثمانية - وعددها ستة أو سبعة - أثبت فيها كل ما يحتمله الرسم بطريقة واحدة، وأما ما لا يحتمله الرسم كالزيادة والنقصان في حالتنا هذه، فإنه كان يثبت في بعض المصاحف بقراءة، وفى بعضها بقراءة أخرى.
وقد قال القرطبي في ذلك:" وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلاً منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه، إذ كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض، إشعاراً بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة". ا.هـ .

فوائد اختلاف القراءات:
مسألة اختلاف القراءات وتعددها، كانت ولا زالت محل اهتمام العلماء، ومن اهتمامهم بها: بحثهم عن الحكم والفوائد المترتبة عليها، وهى عديدة نذكر الآن بعضاً منها ، فأقول - وبالله التوفيق-:
إن من الحكم المترتبة على اختلاف القراءات ما يلي:-
1) التيسير على الأمة الإسلامية، ونخص منها الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن، فقد نزل القرآن الكريم باللسان العربي، والعرب يومئذٍ قبائل كثيرة، مختلفة اللهجات، فراعى القرآن الكريم ذلك، فيما تختلف فيه لهجات هذه القبائل، فأنزل فيه - أي بين قراءاته - ما يواكب هذه القبائل -على تعددها - دفعاً للمشقة عنهم، وبذلاً لليسر والتهوين عليهم.
2) الجمع بين حكمين مختلفين مثل قوله تعالى: ((فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن))، حيث قرئ ((يطهرن)) بتخفيف الطاء وتشديدها، ومجوع القراءتين يفيد أن الحائض، لا يجوز أن يقربها زوجها إلا إذا طهرت بأمرين: أ- انقطاع الدم، ب- الاغتسال.
3) الدلالة على حكمين شرعيين في حالين مختلفين، ومثال ذلك قوله تعالى: ((فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين))،حيث قرئ:(( وأرجلكم)) بالنصب عطفاً على ((وجوهكم))، وهى تقتضى غسل الأرجل، لعطفها على مغسول وهى الوجوه.
وقرئ ((وأرجِلكم)) بالجر عطفاً على ((رءوسكم))، وهذه القراءة تقتضى مسح الأرجل، لعطفها على ممسوح، وهو الرءوس، وفى ذلك: إقرار لحكم المسح على الخفين.
4) دفع توهم ما ليس مراداً: ومثال ذلك قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله))، حيث قرئ ((فامضوا إلى ذكر الله))، وفى ذلك دفع لتوهم وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة المفهوم من القراءة الأولى، حيث بينت القراءة الثانية: أن المراد مجرد الذهاب.
5) إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز، حيث إن كل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، وذلك من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم، حيث دلت كل قراءة على ما تدل عليه آية مستقلة.
6) اتصال سند هذه القراءات علامة على اتصال الأمة بالسند الإلهي، فإن قراءة اللفظ الواحد بقراءات مختلفة، مع اتحاد خطه وخلوه من النقط والشكل، إنما يتوقف على السماع والتلقي والرواية، بل بعد نقط المصحف وشكله؛ لأن الألفاظ إنما نقطت وشكلت في المصحف على وجه واحد فقط، وباقي الأوجه متوقف على السند والرواية إلى يومنا هذا.
وفى ذلك منقبة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بسبب إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السند بالسند الإلهي، فكان ذلك تخصيصاً بالفضل لهذه الأمة.
7) في تعدد القراءات تعظيم لأجر الأمة في حفظها والعناية بجمعها، ونقلها بأمانة إلى غيرهم، ونقلها بضبطها مع كمال العناية بهذا الضبط إلى الحد الذي حاز الإعجاب.

درء الشبهات المثارة حول اختلاف القراءات:
لا يزال المغرضون يتحينون الفرص للغض من قدر القرآن الكريم، بمحاولة إثبات التناقض في القرآن من خلال بعض ما يثبته أو ينفيه، يحاولون ذلك مع آيات القرآن الكريم بعضها مع بعض، أو يدّعون وجود التناقض بين القرآن والسنة، وكل ذلك مردود عليهم بفضل الله.
وفى مقام اختلاف القراءات ورسم الآيات في المصاحف نقول:
إن ما ادعاه الحاقدون على القرآن الكريم من المستشرقين ومن تبعهم في ذلك من الجاهلين من أتباع هذا الدين، وهم أخطر عليه من المستشرقين، فهؤلاء عداوتهم ظاهرة، بينما أذنابهم من المسلمين، فعداوتهم مبطنة تنهج أسلوب التدليس والتلبيس للتشكيك في القرآن الكريم تحت شعارات كاذبة مخادعة من قبيل:" نقد التراث!!؟"، وكما قيل:
لا يبلغ الأعداء من جاهل÷ ما يبلغ الجاهل من نفسه

لقد ادعى هؤلاء وأولئك: أن اختلاف القراءات يثبت كذب القرآن، ويقرر وجود التناقض فيه!!؟.
قلنا: وكيف وصلتم إلى هذا القرار، واجترأتم على أن تقولوا هذا الكلام الذي ((تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً )) من هول ما يحمل!!؟.
قالوا: أليس قد جاء في القرآن - قوله تعالى:(( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً))؟.
قلنا: بلى.
قالوا: ألستم تقولون إن القراءات توقيفية نازلة من عند الله عن طريق الوحي؟.
قلنا: بلى.
قالوا: أليست هذه القراءات متعددة؟.
قلنا: بلى.
قالوا: أليس في تعددها واختلافها ما يتعارض والآية القرآنية التي نفت الاختلاف عن القرآن؟.
قلنا: كلا.
قالوا: كيف تدفعون هذا التعارض، وتثبتون نقيض الدعوى؟.
قلنا: هو سهل ميسور، وتقرير الجواب كالتالي:
إن الاختلاف الذي ينفيه القرآن هو: الاختلاف في ذات القرآن بما تحمله آياته من معان، إذ لا اضطراب فيها ولا تعارض ولا تناقض، وكل ما أوهم ذلك، فقد أجاب عنه العلماء بما لا يدع مجالاً لعرضه مرة أخرى، وقد قلت في مقدمة هذا الكتاب: لا يرد على ذلك الناسخ والمنسوخ، فالتعارض بينها مدفوع بإثبات الحكم الناسخ، ونفي وإلغاء الحكم المنسوخ، فتحصل من خلال ذلك: أن التناقض والتدافع بين معاني القرآن الكريم غير موجود، وهذا هو الذي تقرره الآية الكريمة.
وأما اختلاف القراءات، وكون القرآن الكريم قد نزل على سبعة أحرف، فهو تنوع من ألفاظ القرآن، وتوسعة في النطق به، وتعدد في وجوه الأداء، دون أن يثبت ذلك اختلافاً في القرآن، ليس هذا فقط، بل إن لتعدد القراءات فوائد جمة قد ذكرت في محلها، هذه الفوائد لا تنفى عن القراءات فقط كونها سلبية، بل تثبت لها جوانب إيجابية عديدة.
يقول الشيخ الزقانى:
" إن نزول القرآن على سبعة أحرف - وتعدد وجوه قراءاته - لا يلزم منه تناقض ولا تخاذل ولا تعارض ولا تضاد ولا تدافع بين مدلولات القرآن ومعانيه، وتعليمه ومراميه، بعضها مع بعض، بل القرآن كله سلسلة واحدة، متصلة الحلقات، محكمة السور والآيات، متآخذة المبادئ والغايات، مهما تعددت طرق قراءاته، ومهما تنوعت فنون أدائه".
ويتمم الجواب عن هذه الشبهة والرد عليها جواب الإمام: الغزالي، وقد سئل عن معنى قوله تعالى:((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً))، فأجاب بما صورته:
" الاختلاف لفظ مشترك بين معان، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن، يقال هذا كلام مختلف فيه، أي: لا يشبه أوله آخره في الفصاحة، إذ هو مختلف، أي: بعضه يدعو إلى الدين، وبعضه يدعو إلى الدنيا، أو هو مختلف النظم، فبعضه على وزن الشعر، وبعضه منزحف، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة، وبعضه على أسلوب يخالفه.
وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره، وعلى مرتبة واحدة في غاية الفصاحة، فليس يشتمل على الغث والسمين، ومسوق لمعنى واحد، وهو: دعوة الخلق إلى الله تعالى، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين". أ.هـ .
وقريب من هذا ما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه:
" لا تنازعوا في القرآن، فإنه لا يختلف ولا يتلاشى، ولا ينفد لكثرة الرد، وإنه شريعة الإسلام وحدوده وفرائضه، ولو كان شيء من الحرفين -أي القراءتين - ينهى عن شيء يأمر به الآخر، كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله لا تختلف فيه الحدود ولا الفرائض، ولا شيء من شرائع الإسلام.
ولقد رأيتنا نتنازع عند رسول - صلى الله عليه وسلم -، فيأمرنا فنقرأ، فيخبرنا أن كلنا محسن…".
وملخص هذا الجواب: أن الاختلاف المنفى في الآية هو: الاختلاف بمعنى تباين النظم، وتناقض الحقائق، وتعارض الأخبار، وتضارب المعاني.
وأما اختلاف القراءات، فهو التنوع في الأداء، والتوسع في النطق في إطار ما نزل من عند الله.

الشبهة الثانية:
قالوا كذلك: إن الاختلاف في القراءات يوقع في شك وريب من القرآن، إذا لاحظنا في بعض الروايات معنى تخيير الشخص أن يأتي من عنده باللفظ وما يرادفه، أو باللفظ ومالا يضاده فى المعنى، وذلك كحديث أبى بكرة حيث فيه:" كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب"، نحو قولك: تعال، وأقبل، وهلم، واذهب، وأسرع، وعجل" جاء بهذا اللفظ من رواية أحمد بإسناد جيد، وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه أقرأ رجلاً: ((إن شجرة الزقوم طعام الأثيم))، فقال الرجل: طعام اليثيم، فردها عليه، فلم يستقم بها لسانه، فقال: أتستطيع أن تقول: طعام الفاجر؟، قال: نعم، قال: فافعل.

الجواب عن هذه الشبهة:
إننا لا نسلم لهم أولاً : دعوى أن الشخص كان مخيراً بأن يأتي من عند نفسه بألفاظ يختارها تعبيراً عن الآية، فجميع القراءات نازلة من عند الله بالوحي، والحديث المذكور لا يدل على ما ذهبوا إليه، وسيأتي تأويله في مبحث الوقف والابتداء، وإذا لم نسلم لهم هذا، فلن نسلم كذلك: أن هذه القراءات كانت سبباً في وقوع الشك والريب من القرآن؛ لأن القراءات ما دامت نازلة من عند الله، فلا يمكن أن تكون سبباً في الريب من القرآن الذي هو من عند الله كذلك.
وأما بالنسبة للروايات المذكورة، فغاية ما تدل عليه كما يقول الشيخ الزرقانى:
" أن الله تعالى وسع على عباده خصوصاً في مبدأ عهدهم بالوحي أن يقرؤوا القرآن بما تلين به ألسنتهم، وكان من جملة هذه التوسعة: القراءة بمترادفات من اللفظ الواحد للمعنى الواحد مع ملاحظة أن الجميع نازل من عند الله تعالى، ثم نسخ الله ما شاء أن ينسخ بعد ذلك، وقد أجمعت الأمة على أنه لا مدخل لبشر في نظم القرآن لا من ناحية ألفاظه، ولا من ناحية أسلوبه ولا قانون أدائه" .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ملاحظة: لتمام الفائدة يستحسن مراجعة كتاب الأستاذ:" الخطيب" الذي اقتبس منه هذا المقال.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: اختلاف القراءات أسبابه وأنواعه وفوائده ودرء الشبهات عنه
17-05-2018, 04:29 PM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



نذكر الأفاكين المفترين المشككين في كلام رب العالمين بقول ذي القوة المتين في القرآن المبين:
[مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا].(الكهف:5).
[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ].(الحجر:5).
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ].(فصلت:41/42).

والحمد لله رب العالمين.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 11:59 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى