جحافل الأزمات و محافل الأحزاب
02-06-2015, 12:10 PM
جحافل الأزمات و محافل الأحزاب
. يقول أهل السياسة أحيانا في الاعتذار إلى الضعفاء
المساكين أيها العقلاء! إن هذا لا يمكن أن يحدث
والمعنى السياسي أيها البُله! إنه لا يمكن أن يحدث إلا هذا...
للأديب الرافعي
لاسم جبهة التحرير وقع واثر عند المواطن الجزائري كأثر الخمر في النفس .و الخمر في الكاس تبدو ماء و في البدن تخفي انفاس ؛فجبهة التحرير قهرت جحافل التفت حولها , لحزب جبهة التحرير محافل ليست سوى بعض من التهريج .رجال جبهة التحرير يعرفون الخنادق جيدا واليوم لا يعرفون سوى الفنادق .رجالها قاتلوا وسقطوا في ميدان الشرف من اجل وطن واليوم يتقاتلون على بقايا سلطة وأشلاء وطن .قاتلوا بالخنجر والرماح والروح اليوم بالحناجر على المهازل .كان لجبهة التحرير رجال مواقف وهمم صنعت المستحيل واليوم لها رجال يصدرون الوهم ليحصلوا المواقع .كان لها رجال لا يعرفون سوى ساحة القتال واليوم من بعهم اخرون لا يقاتلون إلا في وسائل الإعلام
اصبحت جبهة التحرير رواية جميلة تروى على مسامع الصبان . وحزب جبهة التحرير اليوم سيف مصنوع من خشب موشى بالذهب في ايادي غرة وحدها تراه الصارم البتار , جبهة التحرير تستمد استمرارها من عراقة التاريخ والأحداث وحزب جبهة التحرير يستمد بقاءه من بإدعائه النسب لجبة التحرير وأنه الوارث الوحيد يفرض سطوته ويستولي على دواليب الحكم كما يستولي زوج الام على املاك انائها .
في اللحظة الراهنة اكتسح حزب جبهة التحرير وسائل الإعلام كان الناس على دين ابائهم فأصبحوا على هوى إعلامهم .النصر كله للأمين العام ووفاق بينه وبين السلطة معلن واختلاف مستتر وبين المعلن والمكتوم و الانتقال من القاعات المضيئة الى السراديب المظلمة تتحول المطالب والحقوق الى همسات وصفقات مشكوك في قيمتها بل في نتائجها , وهنا يتوجس العارفون ريبة , يقلق الانتهازيون على مصالحهم ويتخوف المواطنون على مستقبلهم.
إن من طبائع الأشياء وحقائق الأمور ان الزمن لا يترك سرا مكنونا الى ما لا نهاية فلابد ان تجد الحقيقة ثغرة تطل منها . والظاهر يصرف النظر عن حقائق الأوضاع ان السلطة تستنزف سندها الشرعي كما تستنزف احتياطها . وقد تداري الوفرة المالية بعض العجز لكنها لن تحل ازمة وطن
الشعب لا ينظر للدولة اسرعت أم أبطأت بل ينظر هل أحسنت أم أساءت ,كما أن الإصابة لا تستلزم التأخير ,كذلك الخطأ لا يبرره الإسراع . أن ما تفعله السلطة وما هو مطلوب أدنى بكثير مما في قدرتها , و النتيجة بما فعلته ولم تفعله تمضي الى حالة الجمود وحافة الانتحار وأحيانا بدون لزوم .
إننا عشنا ونعيش في موقع جغرافي , أرادت دائما الإمبراطوريات الغابرة والقوى الغالبة أن تسيطر عليه .ثم استجدت الموارد الاقتصادية مما أستوجب الإلحاح على السيطرة الى درجة القتل أن كان لازما.
وأن نحن تغافلنا عن مجيء الآخرين الينا للسيطرة فنحن نتهرب من الحق والجغرافيا , وأن نحن تغافلنا عن وصولنا مرات بأقدامنا الى حالة الانتحار فنحن نهرب من المسؤولية والتاريخ
وعلينا ان لا نعلق كل مآسينا على العامل الخارجي وقد نريح انفسنا وصفنا العامل الخارجي كصراع إرادات وصراع قوى لها مطالبها وهي تعتمد قديما على الغزو وسيلة , الآن على التدخل الى حد الانتهاك اسلوبا وقد زحفت الينا ابتداء من جيوش روما الى جيش فرنسا وأخرى الآن ترقب وتتأهب .علينا ان ندرك ان ما هو موجود يختلف كثيرا على ما هو مطلوب وان والواقع و المتوقع متصادمان. وليس للوهم ان يعوض الفجوة بين الواقع والمتوقع فقد زادت الأوهام مثلما تزيد جرعة المخدر من طول استعمالها . فما بدا مهدئا إعلاميا تحول الى إدمان سياسي وتحول الإدمان السياسي الى حالة من الازدواجية وصلت الى درجت الانفصام.