آفاق نشر العربية
11-04-2017, 01:10 PM
آفاق نشر العربية
محمد البوزيدي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
مقدمة:
لقد كانت اللغة العربية لزمن ليس باليسير لغةً حضارية رائدة في العالم، كما أنها من أقدم اللغات التي لا تزال تتمتع بسماتٍ لفظية وتركيبية وصرفيةٍ ونَحْوية وأدبية وخياليةٍ وتعبيرية، إنها أم اللغات الناشئة في شبه الجزيرة العربية.
فما هي أهميتها؟.
وما خصائصها؟.
وما آفاق نشرها؟.
أولا: مايلخص أهمية اللغة العربية:
• أنها لغة إنسانية محافظة على تاريخها اللُّغويِّ والنَّحْوي منذ قديم الزمان.
• هي لغة عدة شعوب وقبائل؛ كعاد وثمود وغيرها؛ مما ساهم في اكتساحها للجزيرة العربية وبلاد الشام.
• هي لغة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وقد عزَّز ذلك من مكانتها لدى العرب والمسلمين.
• مساهمتها في نهوض العديد من الحضارات، خصوصًا الأوروبية؛ مما حذا بالأوروبيين إلى تعلُّمِها وفهمها.
• خصوصيتها اللُّغوية؛ فهي متميزة عن لغات العالم ببيانها ووضوحها.
• عدة كلمات في اللغات السامية ذات أصل عربي؛ مما عزَّز التقارب بين العربية ولغات العالم الأخرى.
ثانيًا:خصائص اللغة العربية وآفاق نشرها:
من خصائص اللغة العربية التي تميِّزُها عن كافة لغات العالم الأخرى:
• الأصوات: فنظام النطق من أهم أنظمة الكلام اللُّغوي فيها، فيستخدم الحلق والحنجرة واللسان لنطق الحروف والكلمات، وبناءً على ذلك تقسم أصوات العربية إلى أقسام؛ كأصوات الإطباق وأصوات الحنجرة وغيرها.
• المفردات: فاللغة العربية مجموعة من الكلمات، ومعجمُها من أكثر المعاجم الغنية بالمفردات والتراكيب؛ حيث يحتوي على أكثر من مليون كلمة، والمفردات اللُّغوية عبارة عن جذور ثلاثية للكلمات الأخرى، فينتج الجذر اللُّغويُّ الواحد العديدَ من المفردات.
• اللفظ: أي طريقة نطق الكلمات في العربية، وتلفُّظ الكلمات اعتمادًا على استخدام حركات لُغوية، يطلق عليها مسمَّى التشكيل؛ حيث يتغير اللفظ في كل كلمة بناءً على طبيعة تشكيلها.
• الصرف: وهو أسلوب المفردات؛ حيث يعتمد على نظام جذر الكلمات التي تكون ثلاثية في الغالب، وقد تُصبِح رباعية في بعض الأحيان، كما تتميز العربية عن غيرها بوجود صيغ للكلمات الخاصة بها، فمن الممكن تحويل الكلمة المفردة للمثنى أو الجمع، وغيرها من الطرق التي تستعملها العربية في تصنيف الكلمات.
• النحو: عليه تتأسس الجملة في اللغة العربية، وتقسَّم الجمل العربية إلى نوعين؛ وهما: الجملة الاسمية، والجملة الفعلية، ولكل نوع من هذه الجمل قواعدُ وأسس نَحْوية يجب استخدامها في صياغتها؛ حتى تساهم في نقل الأفكار الخاصة بها، والنحو يعتمد كذلك على استخدام عدة أدوات تربط بين الجمل، والعديد من الوسائل المحافظة على سلامة مبناها؛ ولهذا تصنف العربية من اللغات المحافظة على نظام نَحْوي خاص بها، مساعد في إعراب جُمَلها، وبيانِ طرق كتابتها.
ورغم المحاولات الحثيثة للنهوض بالعربية وإرجاعها لسابق عهدها، فإن تعزيز رقي العربية ما يزال يشقُّ طريقَه؛ مما يستوجب فتح قنوات الحوار بين الأجيال، وتحفيز روح المبادرة التطوعية، ومنها مشاركة الأسرة والمدرسة في الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية احتفاءً يليق بلغة القرآن الكريم.
ويمكن استعراض بعض الآراء المعبرة عن نظرتها لحال اللغة العربية:
ر1: اللغة العربية وللأسف في تراجع.
ر2: اللغة العربية في حاجة ماسة إلى اهتمام وتفعيل دور المربِّين بالمدارس.
ر3: اللغة العربية غلبت عليها اللهجاتُ العامية وألفاظ الواتس اب.
ر4: واقع العربية حاليًّا لا بأس به.
ر5: نحتاج إلى الكثير من التوعية لاستخدام العربية في جميع تعاملاتنا؛ فهي لغة القرآن الكريم.
ر6: حاليًّا أجد ضعفًا في اللغة العربية واستخدامها بناءً على قواعدها الصحيحة، خاصة في المخاطَبات، أما في النطق والمحادثات، فحدِّث ولا حرج.
ومما يستنتج أن اللهجات المحلية (الدوارج) عنصر فاعل من عناصر ضعف اللغة العربية عند الناشئة، كما أن كثيرًا من مفرداتنا المحلية لها أصلها في اللغة العربية الفصحى؛ مما يستوجب تحفيز المتعلمين على استعمال مفردات وعبارات فصيحة في محاوراتهم بدل المفردات والعبارات الدارجة.
وفيما يخص دعم مدارسنا للغة العربية ودورها تجاهها، يمكن استعراض الآراء الآتية:
رأي1: لابد من دعم اللغة بالنشاطات الثقافية في المدرسة وخارجها.
ر2: المدرسة لم تقم بأي دور تجاه انتشار اللغة العربية.
ر4:أكيد يوجد لها دور، فلا يمكننا إنكار دور المؤسسات التعليمية، لكني أعتقد أن المشكلة في أفراد المجتمع.
ر5:يكمن الدور في تقبُّل المعلم بالتحدث باللغة العربية، وليس دور معلم اللغة العربية فقط، بل جميع التخصصات.
ر6:نعم للمدرسة دور مهم في تفعيل الأنشطة والبرامج لنشر اللغة.
ر7: لا يوجد واقع لما يدرس للأسف.
ر8:ضرورة الاهتمام بالمتعلمة أكثر؛ لتعزيز اللغة العربية لديها من خلال الحوارات.
ر9:أهتم بجانب التطبيق الواقعي وما تعززه المدرسة، لو أنها مثلًا جعلت مجلة تصدر شهريًّا بأقلام التلاميذ تكون دورية بين الأقسام لتتم المنافسة ويكتبون بلغة عربية فصحى.
ومن بين الأسباب التي تحدُّ من انتشار اللغة العربية في زمننا الراهن:
• كثرة اللهجات المحلية.
• توجه الأفراد لتعلم لغات أجنبية.
• سيادة الإنجليزية والفَرنسية في البرمجيات.
• أجهزة التواصل السريع، خصوصًا الدردشات المعتمدة للتسجيل الصوتي وانتشار الثقافة الأجنبية ولغة النت.
• غياب الحرص على التحدث بالعربية، مع الميل للتحدث بالعامية.
• إغفال المناهج الجديدة للإملاء والإعراب، وعدم إظهار أهمية اللغة العربية لدى الطلاب.
• عدم اهتمام المربِّين بنشر الفصحى واستخدامها في حياتهم اليومية وفي تربيتهم الأسرية.
وفيما يخص دور المربي في النهوض بالعربية وانتشارها، يمكن اقتناص الآراء الآتية:
ر1: الدور يبدأ من المنزل؛ بتعليمها لأبنائي، والممارسة الفعلية أمامهم؛ حتى تكون مألوفة لهم، فيسهل عليهم النطق بها وممارسة ذلك.
ر2: دوري بوصفي مربيًّا في نشر اللغة العربية تحبيب الطلاب في اللغة وبيان أهميتها وأنها لغة القرآن، وعمل الجهد في الأنشطة المساعدة على ترسيخ اللغة في أذهانهم.
ر3: الأمل والتفاؤل والتشجيع على التكلُّم بالفصحى والكتابة بالعربية رغم كل شيء.
ر4:دوري هو: استخدام اللغة العربية الفصحى، واستخدام الألفاظ الجزلة حتى لو كنت أتكلم أكثر من لغة، وأحرص دائمًا على استخدام لغتي الأمِّ العربية.
ويشار إلى أن تعزيز اللغة العربية يستدعي التمييز بَدْءًا بين النشر الداخلي للغة والنشر الخارجي لها؛ ولذلك لن تجد في العالم لغةً تنتشر في الخارج ولا تتطور في الداخل غير العربية فيما يخص بلدنا، إذا علمنا هذا نعلم معه أن وضع اللغة العربية في الخارج مزدهرٌ أفضل من وضعها داخل العالم العربي، فهي تزداد انتشارًا ويزداد الإقبال عليها خارج أوطانها، حتى إنك إن أردت مثلًا أن تعرف أين تُعلَّم العربية أفضل تعليم، فستجد ذلك في الجامعات الغربية، ولن تجده في الجامعات العربية، ستجد أن أفضل وسائل الإعلام التي تتحدث لغة عربية فصيحة هي وسائل إعلام أجنبية.
وعلى العموم دون أن ننكر الجهود المبذولة في وسائل الإعلام العربية في الفضائيات العربية، فاللغة المستعملة في وسائل الإعلام الوطنية ليست في مستوى لغة وسائل الإعلام الأجنبية.
ولعل مختلف المبادرات التي تنهض بقراءة العربية هي: بشائر صحوة، وأولى خطوات سد الفجوات وتجاوز القصور.
وتبقى مبادرة:(تحدي القراءة العربي) الطموحة - التي أطلقها نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - من أكبر المبادرات التي خلقت حركية قرائية هامة في كل البلدان العربية في التاريخ المعاصر، لتشجيع أكثر من مليون طالب على صعيد الوطن العربي على المشاركة في قراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي، فالقراءة مفتاح المعرفة، والمعرفة مفتاح النهضة الحضارية، وتعزيز الانفتاح المعرفي والثقافي يبدأ من الطفولة، وغرس حب القراءة في نفوس الصغار هو غرس لأسس التقدم والتفوق لبلداننا[1].
لقد أكدت نتائج الاستقصاء الميداني الذي شمل 148 ألفًا و294 مشاركًا ومشاركة من كافة الدول العربية - (606880 طالبًا وطالبة من مختلف المراحل التعليمية، و87614 من غير الطلبة المنتمين لشرائح اجتماعية ومهنية مختلفة) - أن الشعوب العربية لم تهجر القراءة تمامًا، قد تكون الجاذبية الورقية تراجعت نوعًا ما، لا سيما في صفوف الأجيال التي فتحت أعينها على التكنولوجيات الحديثة، لكن ممارسة وفعل القراءة للنصوص والمستندات لم تتراجع، بل تضاعف تحت تأثير الوسائط التكنولوجية وتطبيقاتها.
وتشير مجمل الأرقام التي كشف عنها مؤشرُ القراءة العربي إلى أن منسوب القراءة في أغلب الدول العربية في ارتفاع كبير، ورغم أنه ليس في أسمى حالاته، لكن هذا دليلٌ إيجابي على وجود قاعدة أساسية قابلة للتمتين والترقية[2].
خاتمة:
إن المطالبة بتعزيز اللغة العربية من حيث الانتشار، في التعليم والإعلام والصناعة والمؤتمرات هي: دعوة للوزارات والمنظمات والجامعات والمراكز للإقبال على ذلك، في مساهمة بينة تنطلق من خصائص اللغة العربية العظمى؛ إذ هي: لغة الدين والثقافة والحضارة، كما أنها ولجت نسيج حضارات وثقافات متنوعة، وهي بحضورها الدولي - بناءً على عدة مؤشرات - تحتل أمكنة متقدمة، فالدول الناطقة بها كثيرة، والدول التي تعتمدها لغة رسمية متعددة، والمنظمات التي تعتمدها ضمن اللغات الدولية الستِّ متنوعة، وأهمها منظمة الأمم المتحدة، أضِفْ إلى ذلك إقبال ثُلة من العلماء والمثقفين والسياسيين على النهل منها ثقافةً وتكلمًا.
وتمكين اللغة العربية ودعمها: مسؤوليةُ الجميع، فليس اللُّغوي في قسمه هو المَعْنِي بنشرها، وإنما على الدبلوماسي مهمة في قطاعه، والتاجر في تجارته، والصناعي في صناعته، والتربوي في مدرسته، والرياضي في رياضته، فلكل مسلم عربي أو أمازيغي أثرٌ في نشر العربية وتمكينها.
ومن الأولويات الداعمة لذلك: تمكينُها في النظم؛ من إعلام وتعليم وتجارة، ومما يستتبعها ترقية مستواها لدى الشباب والجيل الآتي، فنشاطُ الإرادة وتكاثف الجهود لتنويع سبل نشر اللغة العربية مجالٌ كبير ومتنوع، يبدأ بدعم تأسيس مراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في جميع أنحاء العالم، وكذا تنفيذ برامج تدريب معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها من أبناء البلدان غير العربية، واستثمار ثقافتنا العربية وحضارتنا الإسلامية للتعريف بها وبقيمتها الحضارية، ودعم مصادر تعليم اللغة العربية والاشتغال بها، والاهتمام بمجالات البحوث والدراسات المتخصصة في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مع إطلاق مبادرات دولية كبرى لدعم حضور العربية في المنظمات، وتفعيل الاختبارات الدولية والمسابقات والجوائز الدولية.
هوامش:
[1] نجوى لغريس وأحمد أوزي؛ قراءة مختصرة في تقرير مؤشر القراءة العربي، العدد 67، يناير 2017، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص151، 152.
[2] المرجع نفسه، ص 159، 160.
