تفسير إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ....
08-05-2014, 08:09 PM
السلام عليكم
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
بعد توقفنا لمراجعة السورة العظيمة والتي لا تقبل صلاة أحدنا بدنها،نعود لمواصلة نقل التفسير فبالله التوفيق
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
بعد توقفنا لمراجعة السورة العظيمة والتي لا تقبل صلاة أحدنا بدنها،نعود لمواصلة نقل التفسير فبالله التوفيق
يقول الله عز وجل (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) (( إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ )) وقد تقدم الكلام على البسملة ، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها وإنما يؤتى بها في الابتداء ابتداء السور إلا سورة براءة، وليست آية من الفاتحة وإن كان الموجود في المصاحف أنها آية ولكن القول الراجح وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعليه عامة أصحابه أنها ليست آية من الفاتحة وهو الذي دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن الله: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال:هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) ، فعلى هذا تكون الآية الأولى (( الحمد لله رب العالمين )) والثانية (( الرحمن الرحيم )) والثالثة (( مالك يوم الدين )) والرابعة (( إياك نعبد وإياك نستعين )) والخامسة (( اهدنا الصراط المستقيم )) والسادسة (( صراط الذين أنعمت عليهم )) والسابعة (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) ، وهذا كما أنه الموافق لما دلت عليه السنة فهو الموافق أيضاً للسورة لفظاً ومعناً، أما لفظاً فالآيات الثلاث الأولى كلها في حق الله عز وجل، والآيات الثلاث الأخيرة كلها لحق الإنسان (( اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم. غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) كلها للإنسان، والآية الرابعة الوسطى فإن الله قسمها نصفين بين الله وبين العبد، هذا هو القول الراجح في الفاتحة أنها سبع آيات أولها الحمد لله رب العالمين . أما السورة التي نبتدئ بها الآن فهي قوله تعالى (( إذا السماء انشقت )) انشقت: انفتحت وانفرجت كقوله تعالى: (( وإذا السماء فُرجت )). وكقوله تعالى: (( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان. فبأي ألاء ربكما تكذبان. فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان )). إذاً فانشقاقها يوم القيامة. (( إذا السماء انشقت )). (( وأذنت لربها وحقت )) أذنت: بمعنى استمعت وأطاعت أمر ربها عز وجل أن تنشق فانشقت بينما هي كانت كما وصفها الله تعالى (( سبعاً شداداً )). قوية كما قال تعالى: (( والسماء بنيناها بأيد )). أي بقوة فهذه السماء القوية العظيمة تنشق يوم القيامة تتشقق تتفرج بإذن الله سبحانه وتعالى (( وأذنت لربها وحقت )) أي حق لها أن تأذن، أي تسمع وتطيع؛ لأن الذي أمرها من؟ أمرها الله ربها خالقها عز وجل، فتسمع وتطيع، كما أنها سمعت وأطاعت في ابتداء خلقها، ففي ابتداء خلقها قال الله تبارك وتعالى: (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين )). فتأمل أيها الآدمي البشر الضعيف كيف كانت هذه المخلوقات العظيمة تسمع وتطيع لله عز وجل، هذه الطاعة العظيمة في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق. في ابتداء الخلق قال: (( ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين )) في انتهاء الخلق (( إذا السماء انشقت )) . (( وأذنت لربها وحقت )) حُق لها أن تأذن تسمع وتطيع. ثم أعاد قال: (( وأذنت لربها وحقت )) تأكيداً، تأكيداً لماذا؟ لاستماعها لربها وطاعتها لربها. (( وإذا الأرض مدت )) هذه الأرض التي نحن عليها الآن هي غير ممدودة، أولاً: أنها كرة مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً ـ أي ممتدة قليلاً ـ فهي مدورة الآن، ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً، وفيها المنخفض، فيها الأودية، فيها السهول، فيها الرمال، فهي غير مستوية لكن يوم القيامة (( وإذا الأرض مدت )) أي تمد مدًّا واحداً كمد الأديم يعني كمد الجلد، كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تُمد حتى إن الذين عليها ـ وهم الخلائق ـ يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، لكن الآن لا يمكن لا ينفذهم البصر، لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: ( يسمعهم الداعي، وينفُذُهُم البصر ) . (( وإذا الأرض مدت )) . (( وألقت ما فيها وتخلت . وأذنت لربها وحقت )) (( ألقت ما فيها )) ما الذي فيها؟ فيها جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة، تلقي هذه الجثث فيخرجون من قبورهم لله عز وجل، كما بدأهم أول خلق، أي كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، وأنت خرجت من بطن أمك حافياً أو منتعلاً؟ أجيبوا حافياً، كاسياً أو عارياً؟ عارياً،نعم مختوناً أو أغرل؟ أغرل، إلا أن بعض الناس قد يخلق مختوناً لكن عامة الناس يخرجون من بطون أمهاتهم غرلاً كذلك تخرج من بطن الأرض يوم القيامة حافياً ليس عليك نعال، عارياً ليس عليك كساء، أغرل لست مختوناً، ولما حدّث النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قالت عائشة: يا رسول الله: الرجال والنساء؟ قال:" الرجال والنساء "، ظاهرة عوراتهم؟ نعم، لكن الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك، الأمر شديد، كل إنسان لاهٍ عن نفسه (( لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه )) . والإنسان إذا تصور الناس في ذلك الوقت إذا تصور مجرد تصور فإنه يرتعب ويخاف، وإذا كان عاقلاً مؤمناً عمل لهذا اليوم، ولهذا قال الله عز وجل (( وإذا الأرض مدت . وألقت ما فيها وتخلت . وأذنت لربها وحقت )) أذنت يعني استمعت وأطاعت لربها وحقت فبعد أن كانت مدورة فيها المرتفع والنازل صارت كأنها جلد ممتدة امتداداً واحداً. ثم قال عز وجل: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً )) الكادح: هو الساعي بجد ونوع مشقة وقوله: (( إلى ربك )) يعني أنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك، كدحاً يوصل إلى الله، يعني أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى، إلى من؟ إلى الله، لأننا سنموت وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل، فمهما عملت فإن المنتهى هو الله عز وجل (( وأن إلى ربك المنتهى )). ولهذا قال: (( كادح إلى ربك كدحاً )) حتى العاصي كادح كادحًا غايته الله عز وجل (( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم )). لكن الفرق بين المطيع والعاصي: أن المطيع يعمل عملاً يرضاه الله، يصل به إلى مرضاة الله يوم القيامة، والعاصي يعمل عملاً يغضب الله، لكن مع ذلك ينتهي إلى الله عز وجل إذاً قوله: (( يا أيها الإنسان )) يعم كل إنسان مؤمن وكافر (( إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه )) الفاء يقول النحويون: إنها تدل على الترتيب والتعقيب، يعني، فأنت ملاقيه عن بعد أو عن قرب؟ عن قرب (( إن ما توعدون لآت )) . وكل آت قريب (( وما يدريك لعل الساعة قريب )). وإذا شئت أن يتبين لك أن ملاقاة الرب عز وجل قريبة إذا شئت أن يتبين لك انظر ما مضى من عمرك الآن، لو مضى لك مئة سنة كأنما هذه السنة ماذا؟ ساعة واحدة. كل الذي مضى من أعمارنا كأنه ساعة واحدة. إذاً هو قريب، ثم إذا مات الإنسان، هل تظنون أن البرزخ الذي بين الحياة الدنيا والآخرة هل تظنونه طويلاً؟ هو قريب، قريب كاللحظة، الإنسان إذا نام نوماً هادئاً ولنقل نام أربعاً وعشرين ساعة، وقام إيش يقدر النوم هذا ،؟ أكيد بدقيقة واحدة مع أنه نام أربعاً وعشرين ساعة، فإذا كان هذا في مفارقة الروح في الحياة يمضي الوقت بهذه السرعة، فما بالك إذا كانت الروح بعد خروجها من البدن مشغولة إما بنعيم أو جحيم، ستمر ملايين السنين على الإنسان وهو كأنه لا شيء، لأن امتداد الزمن في حال يقظتنا ليس كامتداد الزمن في حال نومنا، أليس كذلك؟ توافقوني على هذا؟ فالإنسان المستيقظ من طلوع الشمس إلى زوال الشمس مسافة يحس بأن الوقت طويل، لكن لو كان نائماً؟ نعم, ما كأنها شيء، والذي أماته الله مئة عام ثم بعثه (( قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم )). وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وتسع سنين، فلما بُعثوا قال بعضهم لبعض: كم لبثتم؟ قالوا: (( لبثنا يوماً أو بعض يوم ))، وهذا يدل على أن الإنسان يتعجب كيف تذهب السنوات على هؤلاء الأموات؟ نقول نعم، هذه ملايين السنين لكن ما كأنها إلا دقيقة واحدة، يعني حال الإنسان بعد أن تفارق الروح بدنه سواء كانت مفارقة كلية أو جزئية غير حاله إذا كانت الروح في البدن، فإذا كانت الروح في البدن يعاني من المشقة والمشاكل والهواجيس والوساوس أشياء تطيل عليه الزمن، لكن حال النوم يتقلص الزمن كثيراً، في الموت يتقلص أكثر وأكثر، فهؤلاء الذين ماتوا منذ ملايين السنين أو آلاف السنين، كأنهم لم يموتوا إلا اليوم لو بعثوا لقيل لهم كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وهذه مسألة قد يرد على الإنسان فيها إشكال، ولكن لا إشكال في الموضوع مهما طالت المدة بأهل القبور فإنها قصيرة، ولهذا قال: (( فملاقيه )) أتى بالفاء الدالة على إيش؟ الترتيب والتعقيب، وما أسرع أن تلاقي الله عز وجل. ثم قسّم الله عز وجل الناس عند ملاقاة الله تعالى إلى قسمين: منهم من يأخذ كتابه بيمينه –وأسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- ، ومنهم من يأخذ كتابه من وراء ظهره. من هنا (( فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حساباً يسيراً . وينقلب إلى أهله مسروراً . وأما من أوتي كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبوراً . ويصلى سعيراً . إنه كان في أهله مسروراً . إنه ظن أن لن يحور . بلى إن ربه كان به بصيراً )) لم يفسر الشيخ هذه الآيات. "وهيب".(( فلا أقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر إذا اتسق. لتركبن طبقاً عن طبق )). هذه الجملة مكونة من قسم، ومُقسم به، ومقسم عليه، ومُقسِم، فالقسم في قوله: (( لا أقسم بالشفق )) قد يظن الظان أن معنى (( لا أقسم )) نفي، وليس كذلك بل هو إثبات و (( لا )) هنا جيء بها للتنبيه، ولو حذفت في غير القرآن لاستقام الكلام ولها نظائر مثل (( لا أقسم بهذا البلد )). (( لا أقسم بيوم القيامة )). (( فلا أقسم برب المشارق )). (( فلا أقسم بما تبصرون )). وكلها يقول العلماء: إن (( لا )) فيها للتنبيه، وأن القسم مثبت، أما المقسِم فهو الله عز وجل فهو مُقْسِم ومُقْسَم به، يعني أنه فهو سبحانه مقسم، أما المقسَم به في هذه الآية فهو الشفق وما عطف عليه. فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟ وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟ قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن العربي ، نزل باللسان العربي وإذا كان من عادتهم أنهم يؤكدون الكلام بالقسم صار هذا الأسلوب جارياً على اللسان العربي الذي نزل به القرآن. وقوله: (( بالشفق )) الشفق هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس. وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء وبعضهم قال إذا غاب البياض وهو يغيب بعد الحمرة بنحو نصف ساعة، لكن الذي عليه الجمهور، ويقال: إن أبا حنيفة رحمه الله رجع إليه: هو أن الشفق هو الحمرة وإذا غاب هذا الشفق فإنه يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب (( والليل وما وسق )) هذا أيضاً مقسم به معطوف على الشفق، يعني وأقسم بالليل وما وسق وهذان قسمان الليل وما وسق: الليل معروف، فما معنى (( ما وسق ))؟ أي ما جمع، لأن الليل يجمع الوحوش والهوام وما أشبه ذلك، تجتمع وتخرج وتبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض. (( والقمر إذا اتسق )) القمر معروف. ومعنى (( إذا اتسق )) يعني إذا جتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار. فأقسم الله عز وجل (( بالليل وما وسق )) أي ما جمع. وبالقمر لأنه آية الليل
يُتبع إن شـــــاء الله.........