تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > منتدى الأخبار العالمية

> وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-01-2007
  • الدولة : فيينا/ النمسا
  • المشاركات : 6,483
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • سعاد.س is on a distinguished road
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 05:50 AM
القاهرة (رويترز) - توفيت يوم الاربعاء بمستشفى في العاصمة المصرية الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة عن 84 عاما إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.

وأبلغت الشاعرة العراقية ريم قيس كبه وهي من أسرة الملائكة رويترز ان نازك الملائكة التي عانت من أمراض الشيخوخة في الأيام الأخيرة تدهورت صحتها يوم الأربعاء فجأة ثم فارقت الحياة وستشيع جنازتها ظهر الخميس وتدفن بمقبرة للعائلة غربي القاهرة.

ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم 23 أغسطس اب عام 1923 في أسرة تحتفي بالثقافة والشعر فكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو (أم نزار الملائكة) أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا.

ودرست الشاعرة الراحلة اللغة العربية في دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 كما درست الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة. ثم درست اللغات اللاتينية والانجليزية والفرنسية وأكملت دراستها في الولايات المتحدة عام 1954 حيث حصلت بعد عامين على شهادة الماجستير في الادب المقارن من جامعة وسكنسن.

والملائكة لقب أطلقه على عائلة الشاعرة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية.

وعملت الملائكة بالتدريس في كلية التربية ببغداد ثم بجامعة البصرة ثم بجامعة الكويت وتعد من أبرز رواد الشعر العربي الحديث الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة حين كتبوا شعر التفعيلة متخلين عن القافية لأول مرة في تاريخ الشعر العربي.

ونشرت الشاعرة قصيدتها الشهيرة (الكوليرا) عام 1947 فسجلت اسمها في مقدمة مجددي الشعر مع الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب (1926- 1964) الذي نشر في العام نفسه قصيدته (هل كان حبا؟) واعتبر النقاد هاتين القصيدتين بداية ما عرف فيما بعد بالشعر الحر.

وسجلت نازك الملائكة في كتابها (قضايا الشعر الحديث) أن "بداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947 في العراق. ومن العراق بل من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت بسبب تطرف الذين استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا العربي الاخرى جميعا.

"وكانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة (الكوليرا) وكنت قد نظمت تلك القصيدة 1947 أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن وقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر. وقد ساقتني ضرورة التعبير الى اكتشاف الشعر الحر."

وصدر ديوانها الاول (عاشقة الليل) عام 1947 ببغداد ثم توالت دواوينها التالية ومنها (شظايا ورماد) عام 1949 و(قرارة الموجة) عام 1957 و(شجرة القمر) عام 1968 و (يغير ألوانه البحر) عام 1970. كما صدرت لها عام 1997 بالقاهرة مجموعة قصصية عنوانها (الشمس التي وراء القمة).

ومن بين دراساتها الادبية (قضايا الشعر الحديث) عام 1962 و(سايكولوجية الشعر) عام 1992 فضلا عن دراسة في علم الاجتماع عنوانها (التجزيئية في المجتمع العربي) عام 1974.

ورحبت الشاعرة شعرا بثورة رئيس الوزراء العراقي الاسبق عبد الكريم قاسم عام 1958 لكنها اضطرت لترك العراق وقضت في بيروت عاما كاملا بعد انحراف قاسم الذي "استهوته شهوة الحكم."

ورغم غياب نازك الملائكة عن المنتديات الثقافية في السنوات الاخيرة فانها ظلت في دائرة الضوء اذ حصلت على جائزة البابطين عام 1996 وجاء في قرار منحها الجائزة أنها "شقت منذ الاربعينيات للشعر العربي مسارات جديدة مبتكرة وفتحت للأجيال من بعدها بابا واسعا للابداع دفع بأجيال الشعراء الى كتابة ديوان من الشعر جديد يضاف الى ديوان العرب... نازك استحقت الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري."

كما أقامت دار الاوبرا المصرية يوم 26 مايو ايار 1999 احتفالا لتكريمها " بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي" وشارك في الاحتفال الذي لم تشهده نازك الملائكة لمرضها شعراء ونقاد مصريون وعرب بارزون اضافة الى زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة الذي أنجبت منه ابنها الوحيد البراق ....


رحمها الله ( إنا لله وإنا اليه راجعون )

منقول


سعاد
  • ملف العضو
  • معلومات
محمد عبد الكريم
مستشار
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2007
  • المشاركات : 2,593
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • محمد عبد الكريم is on a distinguished road
محمد عبد الكريم
مستشار
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 10:29 AM
السلام عليكم.
-شكرا الأخت سعاد....على النعي
-رحم الله الشاعرة والمفكرة ، الكبيرة، نازك الملائكى...واسكنها فسيح جنانه، والهم ذويها ، والأمة العربية،الصبر والسلوان..."ان لله وانا اليه راجعون"
-المبدعين الكبار.....يبقى ابداعهم خالدا......
-عندما نقرأ "شعر"، نازك الملا ئكة في هذا العصروفي هذا الزمن الرديء بالذات...ندرك فعلا، اننا "نصعد"، نحو الأسفل...........(سقوط حر)
-شكرا....سعاد،
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ذياب رضا
ذياب رضا
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 08-03-2007
  • الدولة : العلمة\الجزائر
  • العمر : 50
  • المشاركات : 791
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • ذياب رضا is on a distinguished road
الصورة الرمزية ذياب رضا
ذياب رضا
عضو متميز
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 11:16 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان لله وان اليه لا راجعون .
هكذا نفقد الشاعرة التي ابدعت في الشعر الحر .والناقدة المبدعة .
لو اجتمعت الامة على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك .ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيءلم يضروك الا بشيءقد كتبه الله لك .
http://redhamido.maktoobblog.com/
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-01-2007
  • الدولة : فيينا/ النمسا
  • المشاركات : 6,483
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • سعاد.س is on a distinguished road
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 11:33 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبد الكريم مشاهدة المشاركة
السلام عليكم.
-شكرا الأخت سعاد....على النعي
-رحم الله الشاعرة والمفكرة ، الكبيرة، نازك الملائكى...واسكنها فسيح جنانه، والهم ذويها ، والأمة العربية،الصبر والسلوان..."ان لله وانا اليه راجعون"
-المبدعين الكبار.....يبقى ابداعهم خالدا......
-عندما نقرأ "شعر"، نازك الملا ئكة في هذا العصروفي هذا الزمن الرديء بالذات...ندرك فعلا، اننا "نصعد"، نحو الأسفل...........(سقوط حر)
-شكرا....سعاد،
الشكر لكم اخوتي

تحية

سعاد
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-01-2007
  • الدولة : فيينا/ النمسا
  • المشاركات : 6,483
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • سعاد.س is on a distinguished road
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 11:37 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ذياب رضا مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان لله وان اليه لا راجعون .
هكذا نفقد الشاعرة التي ابدعت في الشعر الحر .والناقدة المبدعة .

هي تكتب الشعر الحر أخي رضا ..
لكنها تبقى شاعرة كبيرة..يحكي لنا التاريخ عنها في احترام كبير..
وهي معنا ..ستبقى خالدة..فالعظماء لا يموتون!

تحياتي

سعاد
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية bassem1231
bassem1231
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 21-03-2007
  • الدولة : الجزائر الحبيبة
  • المشاركات : 1,124
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • bassem1231 is on a distinguished road
الصورة الرمزية bassem1231
bassem1231
عضو متميز
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ذياب رضا
ذياب رضا
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 08-03-2007
  • الدولة : العلمة\الجزائر
  • العمر : 50
  • المشاركات : 791
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • ذياب رضا is on a distinguished road
الصورة الرمزية ذياب رضا
ذياب رضا
عضو متميز
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 11:51 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد.س مشاهدة المشاركة
هي تكتب الشعر الحر أخي رضا ..
لكنها تبقى شاعرة كبيرة..يحكي لنا التاريخ عنها في احترام كبير..
وهي معنا ..ستبقى خالدة..فالعظماء لا يموتون!

تحياتي

سعاد
تعلمت الشعر الحر منها .وبعهدي ساظل .......!!!!
سنحلم انا نسير الى الامس لا الغد
وانا وصلنا الى بابل ذات فجر ندي
لو اجتمعت الامة على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك .ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيءلم يضروك الا بشيءقد كتبه الله لك .
http://redhamido.maktoobblog.com/
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية عايدة
عايدة
مشرفة شرفية
  • تاريخ التسجيل : 16-05-2007
  • الدولة : الجزائر الحبيبة
  • المشاركات : 6,106
  • معدل تقييم المستوى :

    23

  • عايدة will become famous soon enough
الصورة الرمزية عايدة
عايدة
مشرفة شرفية
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 12:00 PM
نَازِك المَلائِكَة
تُشْبِهِيْنَ المَقَامَ الَّذِي لا يَرُدُّ السَّلامَ
إِلا عَلَى حَافِظِ النَّصِّ . يَا أُمَّنَا ، قَدْ يُغَيِّرُ
أَلْوَانَهُ البَحْرُ ، أَو لا يُغَيِّرُ ، لا فَرْقَ ..
أَعْلَى مِنَ البَحْرِ وَالَّلونِ مَا بَحَّرَ البَحْرَ فِي أَطْلَسِه .
طَرَقْتِ الطَّرِيقَ الحَرَامَ ، وَصَارَ الحَرَسْ
يَطْرُقُونَ الطَّرِيقَ الحَرَامَ ..
هَلْ أَسْتَطِيعُ نِسْيَانَ أَنَّكِ أُنْثَى ؟ .. إِذَاً ، كَيفَ
رَوَّضْتِ خَيلَ الزَّمَانِ ، وَأَنْتِ فَرَسْ ؟

مرثية الشاعر السعودي امجد الحسن

رحم الله الشاعرة نازك الملائكة
  • ملف العضو
  • معلومات
محمد عبد الكريم
مستشار
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2007
  • المشاركات : 2,593
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • محمد عبد الكريم is on a distinguished road
محمد عبد الكريم
مستشار
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 04:12 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ذياب رضا مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان لله وان اليه لا راجعون .
هكذا نفقد الشاعرة التي ابدعت في الشعر الحر .والناقدة المبدعة .
غيّب الموتُ أمس الأربعاء 20 يونيو 2007 الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة التي كانت في السنوات الأخيرة نزيلة بشكل دائم في أحد مستشفيات القاهرة عن أربعة وثمانين عاما ، وقد شُيِّعتْ جنازتها ظهر اليوم الخميس 21 يونيو ودفنت بالقاهرة .
ولدت الشاعرة نازك الملائكة في 23 أغسطس عام 1923 في بيت أدبي ، وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1944 بدرجة امتياز ، وأكملت دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث حصلت على الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس ، ثم عادت للعراق لتعمل أستاذة مساعدة بكلية التربية جامعة البصرة
وقد أصدرت عددا من الدواوين الشعرية منها :
عاشقة الليل
شظايا ورماد
قرارة الموجة
شجرة القمر
مأساة الحياة وأغنية للإنسان
للصلاة والثورة
يغير ألوانه البحر
ومن إصداراتها في النقد
قضايا الشعر المعاصر .
التجزيئية في المجتمع العربي .
الصومعة والشرفة الحمراء .
سيكولوجية الشعر .
وتعد الشاعرة نازك الملائكة من رواد شعر التفعيلة في الوطن العربي ، حيث كتبت قصيدتها الشهيرة ( الكوليرا ) عام 1947 ، وهو نفس العام الذي شهد أيضا كتابة قصيدة ( هل كان حبا ) للشاعر العراقي بدر شاكر السياب ، هاتان القصيدتان اللتان يؤرخ بهما النقاد لحركة شعر التفعيلة .

وهذه نماذج من أشعارها
===================
1 - ( الكوليرا )
===================
سكَنَ الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كلِّ فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
* * *
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى , موتَى , لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
* * *
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداء
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
* * *
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مَزَّقَـهُ ما فعلَ الموتْ
( 1947)

======================
2 - ( مرثية يوم تافه )
======================

لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ
وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ
وغداً تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ
عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ
وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا
لم تجد حتى بقايا

انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ
وبكتْ حتى حماقاتي التي سَمّيتُها
ذكرياتي
انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه
غيرُ ذكرى نَغَمٍ يصرُخُ في أعماق ذاتي
راثياً كفّي التي أفرغتُها
من حياتي , وادّكاراتي , ويومٍ من شبابي
ضاعَ في وادي السرابِ
في الضباب .

كان يوماً من حياتي
ضائعاً ألقيتُهُ دون اضطرابِ
فوق أشلاء شبابي
عند تلِّ الذكرياتِ
فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ
في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ .

كان يوماً تافهاً . كان غريبا
أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي
إنه لم يكُ يوماً من حياتي
إنه قد كان تحقيقاً رهيبا
لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها .
هي والكأسُ التي حطّمتها
عند قبرِ الأمل الميِّتِ , خلفَ السنواتِ ,
خلف ذاتي

كان يوماً تافهاً.. حتى المساءِ
مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ
كلُّها حتى المساءِ
عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ
صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه
عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ
وامّحتْ حتى بقايا ألمي , حتى ذنوبي
وامّحى صوتُ حبيبي
حملت أصداءه كفُّ الغروبِ
لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي
غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي
وصدى يومٍ غريبِ
كشحوبي
عبثاً أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي
1948

===================
3 - ( مر القطار )
===================

الليل ممتدُّ السكونِ إلى المدَى
لا شيءَ يقطعُهُ سوى صوتٍ بليدْ
لحمامةٍ حَيْرى وكلبٍ ينبَحُ النجمَ البعيدْ،
والساعةُ البلهاءُ تلتهمُ الغدا
وهناك في بعضِ الجهاتْ
مرَّ القطارْ
عجلاتُهُ غزلتْ رجاءً بتُّ أنتظرُ النهارْ
من أجلِهِ .. مرَّ القطارْ
وخبا بعيداً في السكونْ
خلفَ التلال النائياتْ
لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ
وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْ
أتخيلُ العرباتِ والصفَّ ا لطويلْ
من ساهرينَ ومتعبينْ
أتخيلُ الليلَ الثقيلْ
في أعينٍ سئمتْ وجوهَ الراكبينْ
في ضوءِ مصباحِ القطارِ الباهتِ
سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ
أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ
في أنفس ملّت وأتعبها الصفيرْ
هي والحقائبُ في انتظارْ
هي والحقائبُ تحت أكداسِ الغبارْ
تغفو دقائقَ ثم يوقظها القطارْ
وُيطِلُّ بعضُ الراكبينْ
متثائباً، نعسانَ، في كسلٍ يحدّق في القِفارْ
ويعودُ ينظرُ في وجوهِ الآخرينْ
في أوجهِ الغُرَباء يجمعُهم قطارْ
ويكادُ يغفو ثم يسمَعُ في شُرُودْ
صوتاً يغمغمُ في بُرُودْ
" هذي العقاربُ لا تسيرْ !
كم مرَّ من هذا المساء؟ متى الوصولْ ؟"
وتدقٌّ ساعتُهُ ثلاثاً في ذُهُولْ
وهنا يقاطعُهُ الصفيرْ
ويلوحُ مصباحُ الخفيرْ
ويلوحُ ضوءُ محطةٍ عبرَ المساءْ
إذ ذاكَ يتئدُ القطارُ المُجْهَدُ
... وفتىً هنالكَ في انطواءْ
يأبى الرقادَ ولم يزلْ يتنهدُّ
سهرانَ يرتقبُ النجومْ
في مقلتيه برودةٌ خطَّ الوجومْ
أطرا فَهَا .. في وجهِهِِ لونٌ غريبْ
ألقتْ عليه حرارةُ الأحلام آثارَ احمرارْ
شَفَتاهُ في شبهِ افترارْ
عن شِبْهِ حُلْمٍ يفرُشُ الليلَ الجديبْ
بحفيفِ أجنحةٍ خفيّاتِ اللُحونْ
عيناهُ في شِبْهِ انطباقْ
وكأنها تَخْشَى فرارَ أشعةٍ خلف الجفونْ
أو أن ترى شيئاً مقيتاً لا يُطَاقْ
هذا الفتى الضَّجِرُ الحزينْ
عبثاً يحاول أن يرَى في الآخرينْ
شيئاً سوى اللُغْزِ القديمْ
والقصّةِ ا لكبرى التي سئمَ الوجودْ
أبطالهَا وفصولهَا ومضَى يراقبُ في برودْ
تَكْرارَها البالي السقيمْ
هذا الفتى.....
وتمرُّ أقدامُ الَخفيرْ
وُيطل وجهٌ عابسٌ خلفَ الزُجاجْ،
وجهُ الخفير!
ويهزُّ في يدِهِ السِراجْ
فيرى الوجوهَ المتعَبة
والنائمينَ وهُمْ جلوسٌ في القطارْ
والأعينَ المترقبة
في كلّ جَفْنً صرخةٌ باسمِ النهارْ،
وتضيعُ أقدامُ الخفير الساهدِ
خلفَ الظلامِ الراكدِ

مرَّ القطار وضاع في قلبِ القفارْ
وبقيت وحدي أسألُ الليلَ الشَّرُود
عن شاعري ومتى يعودْ ؟
ومتى يجيء به القطارْ ؟
أتراهُ مرَّ به الخفير
ورآه لم يعبأ به .. كالآخرينْ
ومضى يسيرْ
هو والسِّراجُ ويفحصانِ الراكبين
وأنا هنا ما زلتُ أرقُبُ في انتظارْ
وأوَدُّ لو جاءَ القطارْ ....
1948

===================
4 - ( أنا )
===================

الليلُ يسألُ مَن أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون ؟
الريحُ تسألُ مَنْ أنا
أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنَى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإذا فضاءْ !
والدهرُ يسألُ مَنْ أنا
أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأملِ الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمساً جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ مَنْ أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَلّ يحجُبُه سرابْ
وأظلّ أحسبُهُ دَنَا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ

=======================
5 - ( عاشقة الليل )
=======================

ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّـــي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليـلِ في الوادي الكئيبِ
* * *
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شهد الوادي سُـــرَاها
أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــا
ومَضتْ تستقبلُ الوادي بألحــانِ أساهــا
ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّـي شَفَتاهــا
آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهــا
* * *
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نَهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ
* * *
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ
هوَ ذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنِّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّـي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
* * *
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسمـاءِ ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء
* * *
طيفُكِ الساري شحـوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّـه الليلُ العـريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْقَ فما يدري الوميضُ
* * *
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُـولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالِماً تحتَ النخيـلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ إلى الكفَينِ في الظلِّ الظليـلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميـلِ
* * *
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ
ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ
4-4-1945
=================================
6 - ( الخيط المشدود في شجرة السرو )
=================================

- 1 -
في سوادِ الشارعِ المُظلم والصمتِ الأصمِّ
حيثُ لا لونَ سوى لونِ الدياجي المدلهمِّ
حيثُ يُرخي شجرُ الدُفلى أساهُ
فوقَ وجهِ الأرضِ ظلاَّ ،
قصةٌ حدّثني صوتٌ بها ثم اضمحلا
وتلاشتْ في الدَّياجي شفتاهُ
-2-
قصةُ الحبّ الذي يحسبه قلبكَ ماتا
وهو ما زالَ انفجاراً وحياةَ
وغداً يعصرُكَ الشوقُ إليَّا
وتناديني فتَعْيَـى ،
تَضغَظُ الذكرى على صَدركَ عِبئا
من جنونٍ ، ثم لا تلمُسُ شيئا
أيُّ شيءٍ ، حُلمٌ لفظٌ رقيقُ
أيُّ شيءٍ ، ويناديكَ الطريقُ
فتفيقُ .
ويراكَ الليلُ في الدَّرْبِ وحيداً
تسألُ الأمسَ البعيدا
أنْ يعودا
ويراكَ الشارعُ الحالِمُ والدُفْلى ، تسيرُ
لونُ عينيكَ انفعالٌ وحبورُ
وعلى وجهك حبٌّ وشعورُ
كلّ ما في عمقِ أعماقِكَ مرسومٌ هناكْ
وأنا نفسي أراكْ
من مكاني الداكن الساجي البعيدْ
وأرى الحُلْمَ السَّعيدْ
خلفَ عينيكَ يُناديني كسيرا
..... وترى البيتَ أخيرا
بيتنا ، حيثُ التقينا
عندما كانَ هوانا ذلك الطفلَ الغَرِيرا
لونُهُ في شفتَينا
وارتعاشاتُ صِباهُ في يَدَيْنَـا
-3-
وترى البيتَ فتبقى لحظةً دونَ حِراكْ :
" ها هو البيتُ كما كان ، هناك
لم يزلْ تَحجبُهُ الدُفْلَى ويَحنو
فوقَهُ النَّارنجُ والسروُ الأغنُّ
وهنا مجلسنا ...
ماذا أُحسُّ ؟
حيرةٌ في عُمق أعماقي ، وهمسُ
ونذيرٌ يتحدَّى حُلمَ قلبي
ربما كانت .. ولكن فِيمَ رُعْبِي؟
هي ما زالتْ على عَهد ِهَوَانا
هي ما زالتْ حَنانا
وستلقاني تحاياها كما كنا قديما
وستلقاني ... " .
وتمشي مطمئناً هادئاً
في الممرِّ المظلم الساكن ، تمشي هازئا
بِهتافِ الهاجسِ المنذر بالوَهْم الكذوبِ :
" ها أنا عُدت وقد فارقتُ أكداسَ ذنوبي
ها أنا ألمحُ عينيكِ تُطِلُّ
ربما كنتِ وراءَ البابِ ، أو يُخفيكِ ظلُّ
ها أنا عُدتُ، وهذا السلَّمُ
هو ذا البابُ العميقُ اللونِ ، ما لي أُحجمُ ؟
لحظةً ثم أراها
لحظةً ثم أعي وَقْعَ خُطاها
ليكن.. فلأطرقِ البابَ ... "
وتمضي لَحَظَاتْ
ويَصِرُّ البابُ في صوتٍ كئيبِ النبراتْ
وتَرى في ظُلمةِ الدهليزِ وجهاً شاحبا
جامداً يعكسُ ظلاً غاربا :
" هلْ .. ؟ " ويخبو صوتُكَ المبحوحُ في نَبْرٍ حزينْ
لا تقولي إنها... "
" يا للجنونْ !
أيها الحالِمُ ، عَمَّن تسألُ ؟
إنها ماتتْ "
وتمضي لحظتانْ
أنت ما زلتَ كأنْ لم تسمعِ الصوتَ المثُيرْ
جامداً ، تَرْمُقُ أطرافَ المكانْ
شارداً ، طرفُك مشدودٌ إلى خيطٍ صغيرْ
شُدَّ في السرْوة لا تدري متى ؟
ولماذا ؟ فهو ما كانَ هناك
منذُ شهرينِ ، وكادتْ شفتاكْ
تسألُ الأختَ عن الخيطِ الصغيرْ
ولماذا علَّقوهُ ؟ ومتى ؟
ويرنُّ الصوتُ في سمعكَ : " ماتت.."
"إنها ماتتْ.." وترنو في برودِ
فترَى الخيطَ حِبالاً من جليدِ
عقدتها أذرُعٌ غابت ووارتها المَنُونْ
منذ آلافِ القُرونْ
وتَرى الوجهَ الحزينْ
ضخَّمتْهُ سحُبُ الرُّعب على عينيكَ . "ماتت.."
-4-
هي " ماتتْ " لفظةٌ من دونِ معنى
وصَدى مطرقةٍ جوفاءَ يعلو ثم يَفْنَى
ليسَ يعنيكَ تَواليه الرتيبُ
كلّ ما تُبصرُهُ الآنَ هو الخيطُ العجيبُ
أتراها هي شَدَّتهُ ؟ ويعلو
ذلك الصوتُ المُملُّ
صوتُ " ماتتْ " داوياً لا يضمحلُّ
يملأُ الليلَ صُراخاً ودويّا
" إنَّها ماتت " صدى يهمسهُ الصوتُ مليّا
وهُتافٌ رددتُه الظلماتُ
ورَوَتْهُ شجراتُ السروِ في صوتٍ عميقِ
" أنّها ماتت " وهذا ما تقولُ العاصفاتُ
" إنّها ماتتْ " صَدىً يصرخُ في النجمِ السحيقِ
وتكادُ الآنَ أنْ تسمعهُ خلفَ العروقِ
-5-
صوتُ ماتتْ رنَّ في كلِّ مكانِ
هذه المطرقةُ الجوفاءُ في سَمع الزمانِ
صوتُ " ماتت " خانقٌ كالأفعوانِ
كلُّ حرفٍ عصبٌ يلهثُ في صدركَ رُعبا
ورؤى مشنقةٍ حمراء لا تملكُ قلبا
وتَجَنِّي مِخلبٍ مختلجٍ ينهش نَهشا
وصدى صوتٍ جحيميٍّ أجَشَّا
هذه المطرقةُ الجوفاءُ : " ماتت "
هي ماتتْ ، وخلا العالَمُ منها
وسُدَىً ما تسألُ الظلمةَ عنها
وسُدَىً تُصغي إلى وقعِ خطاها
وسُدَىً تبحثُ عنها في القمر
وسُدَىً تَحْلمُ يوماً أن تراها
في مكانٍ غير أقباءِ الذِّكَرْ
إنَّها غابت وراء الأنْجُمِ
واستحالتْ ومضةً من حُلُمِ
-6-
ثم ها أنت هنا، دونَ حراكْ
مُتعَبَـاً ، تُوشِكُ أن تنهارَ في أرض الممرِّ
طرفُكَ الحائرُ مشدودٌ هناكْ
عند خيطٍ شُدَّ في السَّرْوَةِ، يطوي ألف سِرِّ
ذلك الخيطُ الغريبْ
ذلك اللغزُ المُريبْ
إنَّـه كلُّ بقايا حبِّكَ الذاوي الكئيبْ .
-7-
ويَراكَ الليلُ تَمشي عائدا
في يديك الخيطُ ، والرعشةُ ، والعِرْقُ المُدَوِّي
" إنَّها ماتتْ .. " وتمضي شاردا
عابثاً بالخيط تطويهِ وتَلوي
حول إبْهامِكَ أُخراهُ ، فلا شيء سواهُ ،
كلُّ ما أبقى لك الحبُّ العميقُ
هو هذا الخيطُ واللفظُ الصفيقُ
لفظُ " ماتتْ " وانطوى كلُّ هتافٍ ما عداه
1948

===========================
7 - ( مرثية امرأة لا قيمـة لها )
" صور من زقاق بغداديّ "
===========================

ذهبتْ ولم يَشْحَبْ لها خَدٌّ ولم ترجفْ شفاهُ
لم تسْمعِ الأبوابُ قصَّةَ موتِها تُرْوَى وتُرْوَى
لم ترتفعْ أستارُ نافذةٍ تسيلُ أسىً وشَجْوَا
لتتابعَ التابوتَ بالتحديـقِ حتى لا تـراه
إلا بقيَّـةَ هيكلٍ في الدربِ تُرْعِشُه الذِّكَرْ
نبأٌ تعثَّرَ في الدروبِ فلم يَجد مأوىً صـداهُ
فأوى إلى النسيانِ في بعضِ الحُفَـرْ
يَرثي كآبَتَهُ القَمَرْ .
* * *
والليلُ أسلمَ نفسَهُ دونَ اهتمـامٍ ، للصَّباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ
بِمُواءِ قِطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظـامْ
بِمُشاجراتِ البائعين ، وبالمـرارةِ والكفاحْ
بتراشُقِ الصبيان بالأحجارِ في عُرْضِ الطريقْ
بِمَساربِ الماءِ المُلَوَّثِ في الأزِقَّـةِ ، بالرياحْ
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ
في شبهِ نسيانٍ عميقْ
* * *
9-7- 1952

===========================
8 - ( غرباء )
===========================

أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنـا
نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا?
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ
يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:
مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ
غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيـرِ
كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعـوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا
وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري
إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى,
غُربَاءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ
كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ
خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ
أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ
غُربَاءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ
يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ ? عينانا ذبـولٌ وبـرودٌ
أوَلا تسمعُ ? قلبانا انطفاءٌ وخُمـودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ
ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ
غُربَاءْ
نحن من جاء بنا اليومَ ? ومن أين بدأنـا ?
لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين .. فدَعنـا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا
بعضُ حـبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا
قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا
غُربَاءْ
( 1948)

===========================
9 - ( أغنية حب للكلمات )
===========================

َفيمَ نخشَى الكلماتْ
وهي أحياناً أكُُفٌّ من ورودِ
بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدودِ
وهي أحياناً كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ
رشَفَتْها، ذاتَ صيفٍ، شَفةٌ في عَطَشِ
* * *
فيم نخشى الكلماتْ ؟
إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ
رَجعُها يُعلِنُ من أعمارنا المنفعلاتْ
فترةً مسحورةَ الفجرِ سخيّهْ
قَطَرَتْ حسّا وحبّاً وحياةْ
فلماذا نحنُ نخشى الكلماتْ؟
* * *
نحنُ لُذْنا بالسكونِ
وصمتنا، لم نشأ أن تكشف السرَّ الشِّفاهُ
وحَسِبنا أنّ في الألفاظ غُولاً لا نراهُ
قابعاً تُخْبئُهُ الأحرُفُ عن سَمْع القرونِ
نحنُ كبّلنا الحروف الظامئهْ
لم نَدَعْها تفرشُ الليلَ لنا
مِسْنداً يقطُرُ موسيقَى وعِطْراً ومُنَى
وكؤوساً دافئهْ
* * *
فيم نخشى الكلماتْ؟
إنها بابُ هَوىً خلفيّةٌ ينْفُذُ منها
غَدُنا المُبهَمُ فلنرفعْ ستارَ الصمتِ عنها
إنها نافذةٌ ضوئيّةٌ منها يُطِلّ
ما كتمناهُ وغلّفناهُ في أعماقنا
مِن أمانينا ومن أشواقنا
فمتى يكتشفُ الصمتُ المملُّ
أنّنا عُدْنا نُحبّ الكلماتْ؟
* * *
ولماذا نحن نخشَى الكلماتْ ؟
الصديقات التي تأتي إلينا
من مَدَى أعماقنا دافئةَ الأحرُفِ ثَرّهْ ؟
إنها تَفجؤنا، في غَفْلةٍ من شفتينا
وتغنّينا فتنثالُ علينا ألفُ فكرهْ
من حياةٍ خِصْبة الآفاقِ نَضْرهْ
رَقَدَتْ فينا ولم تَدْرِ الحياةْ
وغداً تُلْقي بها بين يدينا
الصديقاتُ الحريصاتُ علينا، الكلماتْ
فلماذا لا نحبّ الكلماتْ؟
* * *
فيمَ نخشى الكلماتْ؟
إنّ منها كلماتٍ مُخْمليات العُذوبَهْ
قَبَسَتْ أحرفُها دِفْءَ المُنى من شَفَتين
إنّ منها أُخَراً جَذْلى طَروبهْ
عَبرَت ورديّةَ الأفراح سَكْرى المُقْلتين
كَلِماتٌ شاعريّاتٌ، طريّهْ
أقبلتْ تلمُسُ خَدّينا، حروفُ
نامَ في أصدائها لونٌ غنيّ وحفيفُ
وحماساتٌ وأشواقٌ خفيّهْ
* * *
فيمَ نخشى الكلماتْ؟
إن تكنْ أشواكها بالأمسِ يوماً جرَحتْنا
فلقد لفّتْ ذراعَيْها على أعناقنا
وأراقتْ عِطْرَها الحُلوَ على أشواقنا
إن تكن أحرفُها قد وَخَزَتْنا
وَلَوَتْ أعناقَها عنّا ولم تَعْطِفْ علينا
فلكم أبقت وعوداً في يَدَينا
وغداً تغمُرُنا عِطْراً وورداً وحياةْ
آهِ فاملأ كأسَتيْنا كلِماتْ
* * *
في غدٍ نبني لنا عُشّ رؤىً من كلماتْ
سامقاً يعترش اللبلابُ في أحرُفِهِ
سنُذيبُ الشِّعْرَ في زُخْرُفِهِ
وسنَرْوي زهرَهُ بالكلماتْ
وسنَبْني شُرْفةً للعطْرِ والوردِ الخجولِ
ولها أعمدةٌ من كلماتْ
وممرّاً بارداً يسْبَحُ في ظلٍّ ظليلِ
حَرَسَتْهُ الكلماتْ
* * *
عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاةْ
فلمن سوف نُصلِّيها ... لغير الكلماتْ ؟
(1954)

===========================
10 - ( في وادي العبيد )
===========================

ضاع عُمْري في دياجيرِ الحياة
وخَبَتْ أحلامُ قلبــي المُغْرَقِ
ها أنا وحدي على شطِّ المماتِ
والأعاصيــرُ تُنادي زورقي
ليس في عينيّ غيـرُ العَبَراتِ
والظلالُ السودُ تحمي مفرقي
ليس في سَمْعيَ غيرُ الصَرَخاتِ
أسفاً للعُمْـــرِ، ماذا قد بَقِي ؟
سَنَواتُ العُمْر مرّت بي سِراعا
وتوارتْ في دُجَى الماضي البعيدْ
وتبقَّيْتُ على البحْر شِراعـا
مُغرَقاً في الدمْع والحزنِ المُبيدْ
وحدتـي تقتلُني والعُمْرُ ضاعا
والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً "جديدْ"
وظلامُ العيْش لم يُبْقِ شُعَاعـا
والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي ويَبِيـدْ
أيُّ مأساةٍ حياتي وصِبايــا
أيّ نارٍ خلفَ صَمْتي وشَكاتي
كتمتْ روحي وباحتْ مُقْلتايا
ليتها ضنّتْ بأسـرار حياتـي
ولمن أشكو عذابـي وأسَايا ؟
ولمن أُرْسـلُ هذي الأغنياتِ ؟
وحوالـيَّ عبيـدٌ وضحايـا
ووجودٌ مُغْـرَقٌ فـي الظُلُماتِ
أيُّ معنىً لطُموحي ورجائـي
شَهِدَ الموتُ بضَعْفـي البَشريّ
ليس في الأرض لُحزْني من عزاءِ
فاحتدامُ الشرِّ طبْعُ الآدمــيِّ
مُثُلي العُلْيا وحُلْمي وسَمَائـي
كلُّها أوهامُ قلبٍ شاعــريِّ
هكذا قالوا ... فما مَعْنى بَقائي ؟
رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقــيِّ
لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـدِ
بين أَمواتٍ ... وإِن لم يُدْفَنـوا
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيــودِ
وتماثيلُ اجتـوتْها الأَْعيُـــنُ
آدميّونَ ولكـنْ كالقُــرودِ
وضِبَاعٌ شَرْســةٌ لا تُؤمَــنُ
أبداً أُسْمعُهـم عذْبَ نشيـدي
وهُمُ نومٌ عميـقٌ مُحْـــزنُ
قلبيَ الحُرُّ الـذي لم يَفْهمـوهُ
سوف يلْقَى في أغانيــه العَزَاءَ
لا يَظُنّوا أَنَّهم قـد سحقـوهُ
فهو ما زالَ جَمَالاً ونَقَــاءَ
سوف تمضي في التسابيح سِنوهُ
وهمُ في الشرِّ فجراً ومســاءَ
في حَضيضٍ من أَذاهْم ألفـوهُ
مُظْلمٍ لا حُسْنَ فيه ، لا ضياءَ
إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ فكأسـي
مُشْرِقٌ بالضوءِ والحُبِّ الوَريقِ
وجَمَالُ الليلِ قد طهّرَ نفسـي
بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ
أبداً يملأ أوهامــي وحسِّـي
بمعاني الرّوحِ والشِعْرِ الرقيـقِ
فدعوا لي ليلَ أحلامي ويأسي
ولكم أنتم تباشيرُ الشُــروقِ
8-8-1946

===========================
11 - دعوة إلى الأحلام
===========================

تعالَ لنحلُمَ ، إنَّ المسـاءَ الجميـلَ دنا
ولينُ الدُّجَى وخدودُ النُّجـومِ تُنـادِي بنا
تعالَ نصيدُ الرؤى ، ونعُـدُّ خُيـوطَ السَّنَا
ونُشْهِدُ منحدراتِ الرمـالِ على حُبِّـنَا
* * *
سنمشي معاً فوق صـدْرِ جزيرتنا السَّاهدة
ونُبْقي على الرملِ آثارَ أقدامِـنا الشَّاردة
ويأتي الصباحُ فيُلقي بأندائـهِ البـاردة
وينْبتُ حيث حَلُمْنا ولو وردةً واحـدة
* * *
سنحلُمُ أنَّـا صعدنا نَرُودُ جبـالَ القمرْ
ونَمرحُ في عُزلـةِ اللا نِهاية واللا بَشَرْ
بعيداً بعيداً ، إلى حيث لا تستطيعُ الذِّكَر
إلينا الوصولَ فنحن وراءَ امتدادِ الفِكَرْ
* * *
سنحلُمُ أنَّـا اسْتَحَلْنا صبيَّيْنِ فوقَ التـلالْ
بَريئَيْنِ نَركضُ فوقَ الصُّخورِ ونَرْعَى الجِمَالْ
شَرِيدَيْنِ ليسَ لنا مَنْزِلٌ غيرَ كـوخِ الخَيَالْ
وحِينَ نَنَامُ نُمَرِّغُ أجسادنا في الرِّمَـالْ
* * *
سنحلُمُ أنَّـا نسيرُ إلى الأمسِ لا للغَـدِ
وأنَّـا وصلنا إلى بابلٍ ذاتَ فجرٍ نَـدِ
حَبِيبَيْـنِ نَحْمِـلُ هـوانا إلى المَعْبَـدِ
يُبَارِكُنا كَاهِـنٌ بابلـيٌّ نَقِـيُّ اليَـدِ
* * *
28 - 9 - 1948
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ======== ===================
12 - في وادي الحياة
===========================

عُدْ بِي يا زورقي الكَلِيـلا
فَلَنْ نَرَى الشاطيءَ الجَمِيـلا
عُدْ بِي إلى مَعْبـَدِي فـإنّي
سَئِمْتُ يَا زَوْرَقِـي الرَّحِيـلا
وضِقْتُ بالموجِ أيَّ ضِيـقٍ
وما شَفَى البحـرُ لي غَلِيـلا
إلامَ يا زورقي المُـعَنَّـى
نَرْجُو إلى الشَّاطِيءِ الوُصُولا؟
والمَوْجُ مِنْ حَولنـا جِبَـالٌ
سَدَّتْ عَلى خَطْوِنَا السَّبِيـلا
والأُفـقُ مِنْ حَولنا غُيُـومٌ
لا نَجْمَ فِيه لَنَـا دَلِيـلا
كَمْ زَورقٍ قبلَنـا تَوَلَّـى
وَلَمْ يَزَلْ سَـادِراً جَهـُولا
فَعُـدْ إلى معبدي بقلـبي
وَحَسْـبُ أيامنـا ذُهـولا
* * *
حسبُكَ يا زورقـي مَسيراً
لن يُخْدَعَ القلبُ بالسَّـرابِ
وارجِعْ، كما جِئْتَ ، غيرَ دَارٍ
قد حَلُكَ الجـوُّ بالسَّحَـابِ
وَمـَلَّ مجدافُـكَ الـمُعَنَّى
تَقَلُّـبَ المـوجِ والعُبَـابِ
ولم يَزَلْ معبـدي بعيـداً
خَلْفَ الدياجيـرِ والضَّبَـابِ
يَشُوقُني الصَّمْتُ في حِمَـاهُ
وَفِتْنَـةُ الأَيْـكِ والرَّوَابـي
عُدْ بيَ يـا زورقـي إليـهِ
قَدْ حَانَ ، يا زورقي ، إِيَابِـي
مَا كَفْكَفَ البَحْرُ من دُمُوعِي
ولا جَـلا عَنّـيَ اكْتِئَابـي
فَفِيمَ في مَوْجِهِ اضطرابـي؟
وأينَ ، يا زورقي ، رِغَابِـي؟
* * *
تَائِهـَةٌ ، والحيـاةُ بحـرٌ
شَاطِـئُهُ مُبْعِـدٌ سَحِيـقُ
تَائِهـَةٌ والظـلامُ دَاجٍ
والصَّمْتُ تحتَ الدُّجَى عَمِيقُ
يَا زورقي آهِ لَـوْ رَجَعْنَـا
مِنْ قَبْل أَنْ يَخْـبُوَ البَرِيـقُ
انْظُرْ حَوَالَيْكَ ، أَيُّ نَـوْءٍ
تَجْمَدُ مِنْ هَوْلِـهِ العُـرُوقُ
البحرُ ، يا زَورقِي جُنُـونٌ
ومـوجُـهُ ثَائِـرٌ دَفُـوقُ
وَكُـلّ يَوْمٍ لـَهُ صَرِيـعٌ
في هَجْعَـةِ الموتِ لا يُفِيـقُ
وَأَنْتَ في الموجِ والدياجِي
يا زورقـي في غَـدٍ غَرِيـقُ
فَعُدْ إلى الأمْسِ ، عُدْ إليهِ
قـد شَاقَني أَمْسِيَ الوَرِيـقُ
* * *
مَاذَا وَرَاءَ الحياةِ ؟ مَـاذَا ؟
أَيُّ غُمـُوضٍ ؟ وَأَيُّ سِـرِّ
وَفِيمَ جِئْنَا ؟ وَكَيْفَ نَمْضِي؟
يـا زورقي ، بَلْ لأَيِّ بَحْـرِ
يَدْفَعُكَ الموجُ كُـلَّ يَـوْمٍ
أَيْـنَ تُـرَى آخِـرُ المَقَـرِّ
يا زورقي طَالَ بي ذُهُـولي
وَأَغْرَقَ الوَهْـمُ جَوَّ عُمْرِي
أَسْرِي كَمَا تَرْسُمُ المقادِيرُ لي
إلى حَيْـثُ لَسْـتُ أدْرِي
شَرِيدَةٌ في دُجَـى حَيَاتِـي
سَـادِرَةٌ في غُمُوضِ دَهْـرِي
فَخَافِـقٌ شَاعِـرٌ ، وَرُوحٌ
قَـالَ لـها الدَّهْرُ لا تَقَـرِّي
وَنَاطَهَـا بِالذُّرَى تُغَـنِّـي
وَتَنْظِمُ الكَوْنَ بَيْـتَ شِعْـرِ
12-6-1945م

===========================
13 - صلاة الأشباح
===========================

َململت الساعةُ الباردةْ
على البرج , في الظلمة الخامدةْ
ومدّتْ يداً من نُحاسْ
يداً كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْ
يدَ الرَّجل المنتصبْ
على ساعة البرج , في صمته السرمديّ
يحدّقُ في وجْمة المكتئبْ
وتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّ
على القلعة الراقدةْ
على الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموت
تظَلّ تُحدَّقُ , ينطقُ فيها السكوتْ
وقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب:
"صلاةٌ , صلاهْ !"
* * *
ودبّتْ حياهْ
هناكَ على البُرْج , في الحَرَس المُتْعَبينْ
فساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْ
ظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْ
ظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْ
وعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْ
تُشير: "صلاةٌ , صلاهْ !"
فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ ,
صدَى موكبِ الحَرَسِ المقتربْ
يدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْ
فيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْ
هزيلٌ شَحِبْ ,
يَجُرّ رَمَادَ السنينْ ,
يكاد الدُّجى ينتحبْ
على وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ
* * *
وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْ
يدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ , لا يُدْركونْ
لماذا يسيرونَ ? ماذا عسى أن يكونْ ?
تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْ
أفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْ
وساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوب
وتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ ,
نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ ,
نشيد لذاك الإلهِ العجيبْ
وأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْ
على البرج كالعنكبوتْ
يدٌ من نحاسْ
يحرّكها في احتراسْ
فترسل صيحَتها في الدياجي
"صلاةٌ , صلاهْ "
* * *
وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ
رأى حارس شَبَحَيْن
يسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن ?
تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْ
وما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْ
ولكنّ عينيهما في انطفاءْ
ولفظُ "صلاة صلاهْ"
يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ
* * *
" ألستَ ترى "
" خُذْهما ! "
ثم ساد السكون العميق
ولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق
* * *
وفي المعْبَد البرْهميّ الكبير
وحيثُ الغموضُ المُثيرْ
وحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْ
يُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْ
ويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْ
على البرج مستغْرَقاً في سكوتْ ,
فيرتفعُ الصوت ضخْماً , عميق الصدى , كالزمان
ويرتجفُ الشَّبَحانْ
* * *
" من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ
" ومن ظُلُمات البيوت
" من الشُرَف الماردهْ
" من البرجِ , حيثُ يدُ العنبكوتْ
" تُشيرُ لنا في سكوتْ
" من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ
" أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ
" أتيناكَ , نحن عبيدَ الزمانْ
" وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ
" أتينا نَجُرّ الهوانْ "
" ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ
" ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ
" وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ
" أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ
" أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ
" على أعينِ المُذْنبينْ
" على أعينِ الهاربينْ
" إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ
" من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ . يا من نراهْ
" صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ
" يُحدّق , عيناه لا تغفوان
" وكفَّاه مَطْويّتانْ
" على ألفِ سرٍّ . أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ
" على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ
" نُناديهِ, دونَ دموعْ ,
" ونصرخ: آهْ !
" تعِبْنا فدعْنا ننامْ
"فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا : "صلاهْ !
" إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ ,
" ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ
" على كل باب بأيديهم الباليه
" وقد أكلتْها القُرونْ
" ولم تُبْق منها سوى كومةٍ من عظامْ
" تعبنا... فدعنا ننامْ ..
" ننامُ , وننسى يد الرجل العنكبوتْ
" على ساحة البرج . تنثُرُ فوق البيوتْ
" تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ
" حنانك بوذا , على الأعينِ الساهدهْ
" ودعها أخيرًا تموتْ
* * *
وفي المعبد البرهمي الكبيرْ
تحرّكَ بوذا المثيرْ
ومدّ ذراعيه للشبحَيْنْ
يُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْ
ويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْ
وبالرَّجُلِ المنتصبْ
على البرْج في كبرياءْ ,
" أعيدوهما! "
ثم لفَّ السكونُ المكانْ
ولم يبقَ إلا المساءْ ,
وبوذا , ووجه الزمانْ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 06-01-2007
  • الدولة : فيينا/ النمسا
  • المشاركات : 6,483
  • معدل تقييم المستوى :

    24

  • سعاد.س is on a distinguished road
الصورة الرمزية سعاد.س
سعاد.س
شروقي
رد: وفاة الشاعرة العراقية نازك الملائكة!!
21-06-2007, 05:45 PM
شكرا أخي عبد الكريم على الاضافة القيمة!
سعاد
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 05:58 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى