كتاب يكشف الستار عن حياة محمد أسد قبل اعتناقه الإسلام
18-04-2009, 06:37 PM
كتاب يكشف الستار عن حياة محمد أسد قبل اعتناقه الإسلام
المستشرق الألماني المسلم المعاصر مراد هوفمان يعتبره مؤلفاً نادراً

غلاف كتاب «محمد أسد من جاليزيا إلى شبه الجزيرة العربية»
مراد ولفريد هوفمان

يكشف كتاب «محمد أسد من جاليزيا إلى شبه الجزيرة العربية» الصادر بالألمانية، عن جزء مهم من حياة هذا المستشرق اليهودي الأصل الذي اعتنق الإسلام، وقضى ردحاً من عمره في الجزيرة العربية. وقد حصلت «الشرق الأوسط » على حق نشر هذا العرض للكتاب من كاتبه د. مراد هوفمان من خلال د. عبد الرحمن الشبيلي، الإعلامي والباحث السعودي المعروف، الذي سبق أن نشر مقالاً حول هذا الموضوع في «الشرق الأوسط» بتاريخ 21 ـ 9 ـ 2008. وهذا العرض نشر لأول مرة باللغة الإنجليزية في «المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية» عام 2002، ثم عام 2003 في «مجلة مراجعة مفردات الكتب الإسلامية»، وترجمه إلى العربية محمد يونس (ماجستير من جامعة فيينا). أما «جاليزيا» الموجود اسمها في عنوان الكتاب، فهي المنطقة التي ولد فيها المستشرق محمد أسد، وكانت تتبع الإمبراطورية النمساوية. وهنا نص المقال الذي يستعرض الكتاب.

مرت الآن عشر سنوات على رحيل محمد أسد، الأوربي المسلم الأكثر تأثيراً في القرن العشرين. لكن عدا قصة حياته التي صاغها في كتابة الواسع الانتشار تحت عنوان «الطريق إلى مكة» في عام 1954، واللقاء الصحفي الذي أجرته معه جريدة «فرانكفورتر الغيماينه تسايتونغ» في 1988، وهي الجريدة التي عمل فيها في بداية حياته الصحفية، فإنه لم تتوفر حتى قبل فترة قصيرة دراسة شاملة وكافية لحياة هذا الرجل غير العادية.
لكن هذه الفجوة اختفت الآن، على الأقل فيما يتعلق بالفترة التي سبقت اعتناقه الإسلام في برلين عام 1926، وفي القاهرة عام 1927، وهذا يعني تغطية حياته كطالب وسينمائي وصحفي، وتنتهي بتجهيزاته للسفر لأداء فريضة الحج.
وهذه التغطية نشرت في كتاب بعنوان «من جاليزيا إلى الجزيرة العربية». المؤلف باحث متواضع، ولكنه نشيط يعمل في قسم علم الشعوب التابع لأكاديمية العلوم النمساوية في فيينا. كان يبحث بلا كلل في أدق تفاصيل ـ غير مهتم بالسطحيات ـ السنوات الأولى في حياة ليوبولد فايس.
ويكتسب الكتاب قيمة إضافية بسبب بعض الجوانب التي لم تنشر حتى الآن، وبعض الصور النادرة جداً. ومن هذه الصور واحدة من عام 1932 نشرت على غلاف الكتاب، تظهر محمد أسد حليق الرأس، على هيئة شبيهة بالمهاتما غاندي بعيون سوداء تعبر عن عمق وحساسية.
ولكن الأفضل من ذلك.. احتواء الكتاب على 3 صفحات بترتيب زمني كرونولوجي لتفاصيل هذه الفترة من حياة محمد أسد، وقائمة كاملة بالمقالات التي نشرت في الصحف الألمانية، وعددها 45 مقالاً، وثلاث صفحات عن المقالات التي كتبت عنه.
وعلى الرغم من كون الكتاب بحثاً أكاديمياً دقيقاً إلا أنه يقرأ بمتعة وكأنه رواية. ولا يعتبر مفاجئاً أن يكتشف الكاتب أن بعض التفاصيل في كتاب «الطريق إلى مكة» هي محض خيال، فقد وصفت بولا حميدة أسد الكتاب قبل ذلك بأنه في الدرجة الأولى قصة حياته الروحية. (ألم يفعل يوهان ولفغانغ فون غوته نفس الشيء في كتابة الحقيقة والخيال؟). فزوجته الأولى، على سبيل المثال، إلسا شيمان (شبيخت) كانت أكبر منه بـ 22 عاما، وليس 15 عاماً، وابنها الصغير رافقهما في «رحلتي الشرق» في الأعوام (1922 - 1923)، و(1924 - 1926). ومرافقه العربي زيد لم يكن سوى إضافة روائية من محض الخيال.
لقد كشف الكاتب ويندهاغير تفاصيل أخرى أكثر أهمية.. مثل تفاصيل عن عائلة والدته فايغنباوم، ومصير والده وزوجة والده وإخيه الدكتور هاينرش فايس، وأخته الدكتورة راحيل فايس أثناء الحكم النازي، ومحاولات أسد لإنقاذهم من معسكرات الاعتقال. وأيامه في جامعة فيينا، حيث لم يدرس فقط تاريخ الفنون والفلسفة، ولكن الفيزياء والكيمياء أيضاً مع ايرفن شرودنغر الحاصل على جائزة نوبل في عام 1933.
وهناك تفاصيل لطيفة عن محاولات أسد الدخول في دائرة المثقفين البوهيميين الشهيرة في فيينا آنذاك، ولاحقاً في برلين في بداية العشرينات.
لقد أسهم الكاتب في فهم تطور شخصية أسد الثقافية من خلال لقطات قصيرة للاتجاهات الفكرية، التي صبغت الحياة السياسية والثقافية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى (التيار الفرويدي ـ نسبةً إلى سيغموند فرويد ، ومعاداة السامية، والصهيونية، ومحاولة فهم الثقافات الأخرى، والتيار اللاواقعي). هذا الربط يساعد في تحديد الأسباب التي تقف خلف النقد اللاذع، الذي مارسه أسد ضد الثقافة الغربية وانهيارها الخلقي، مقارنةً مع نيتشه وشبينغلر.
لكن الكتاب لم يعط إجابةً واضحةً حول مدى تأثير معاداة السامية المتنامية آنذاك في فيينا في تحول أسد الفكري باتجاه المشرق.
وقارن الكاتب أسد مع ثيودور هيرتزل، فكلاهما يهودي نمساوي وصحفي مندمج بالحياة الاجتماعية. فبينما اهتهم هيرتزل بالماركسية والصهيونية، وهي الشكل العلماني للفكرة الاستعلائية الكامنة خلف مقولة (شعب الله المختار) رفض أسد الصهيونية كحركة عنصرية شاذة.
وفي كل الأحوال كان يعلم أسد علم اليقين بأن فلسطين لم تكن أرضاً بلا شعب. يضاف إلى ذلك اكتشافه لجذوره الإبراهيمية، من خلال فهمه للمبادئ الإسلامية القائمة على المساواة والكونية. وأكد ويند هاجر في كتابه «انطباعي عن أسد» بأن انبهاره في السنوات الأولى بالمشرق لم يكن له علاقة بالإسلام، ولكنه كان إعجاباً وتقديراً شديدين بالعرب وكل ما يتعلق بهم. وقد تأكد هذا الانطباع في أول كتب أسد «المشرق غير الرومانسي» عام 1924، وهو الكتاب الذي لم يترجم إلى العربية حتى الآن. وللحقيقة، فإنه حتى 1927 كان يبدو أن أسدا كان يعتبر الإسلام هو دين العرب. لقد عاش بلودي، كما كان أصدقاؤه وأفراد عائلته ينادونه، حياةً مليئة بالأحداث والكبوات والتناقضات، وهذا ما يدفع إلى التساؤل - كما عبر البروفوسور غنغرش - حول ما إذا كان الكتاب يصف تفاصيل حياة إنسان واحد فقط.
وإذا كان ويند هاجر، كما آمل بشدة، عاقداً العزم على كتابة الجزء الثاني الذي يغطي حياة أسد في الإسلام من 1927 ـ 1992، وهي حياة غنية، مليئة بالأسرار والأحداث التي تستحق البحث، فإن هذا الانطباع سيتجدد مرةً أخرى. إن الحقبة الثانية في حياته لم تكن مليئة بالمغامرات فقط ـ في المملكة العربية السعودية وليبيا والهند وباكستان والولايات المتحدة والمغرب وإسبانيا - ولكنها أيضاً كانت الفترة التي تطور فيها إلى مفكر وباحث رائد في الإسلام.
لذلك، ومن أجل الوصول إلى تقييم صحيح للأثر الذي تركة أسد في مختلف جوانب العلوم الإسلامية، فإنه من المفترض على الكاتب أن يبحث بعمق أكثر في الإسلام كديانة سماوية، وليس كظاهرة ثقافية اجتماعية فقط.
وهذا العمق في البحث يحمل معه إمكانية اعتناق الإسلام، تماماً، كما حدث مع محمد أسد.
آمل أيضاً أن يترجم هذا الكتاب إلى الإنجليزية في المستقبل القريب من أجل محبي أسد، خاصة في الهند وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة. إن الكتاب متوفر بالألمانية فقط. أخيراً وللعلم، فإن الكتاب هو نتيجة بحث علمي دقيق، وواعٍ، وموضوعه يجعله من الكتب النادرة في سوق الكتب الألمانية. وهو سبب آخر لتهنئة الكاتب ودار النشر للمساهمة غير العادية في إثراء مكتبة التاريخ الثقافي الأوربي في العصر الحديث.