قصة في إلحاح الذباب
08-11-2007, 11:39 PM
فأمَّا الذي أصابني أناَ من الذِّبَّان، فإنِّي خَرَجتُ أمشي في المبارك [اسم نهر بالبصرة والمعنى أمشي في شاطئه] أريدُ دَيْرَ الربيع، ولم أقدِرْ على دابَّةٍ. فمررتُ في عُشْبٍ أَشِبٍ [ملتفٍّ] ونباتٍ ملتفٍّ كثيرِ الذِّبَّان، فسقط ذبابٌ من تلك الذِّبَّان على أنفي، فطردتُه، فتحوَّل إلى عيني، فطردتُهُ، فعاد إلى مُوقِ عيني، فَرُحْتُ في تحريكِ يديَّ فتنحَّى عَنِّي بِقَدْرِ شدَّة حركتي وذَبِّي عن عيني -ولذِبَّان الكَلإَِ والغِياَضِ والرِّياضِ وَقْعٌ ليس لغيرها- ثُمَّ عادَ إليَّ فَعُدْتُ عليه، ثُمَّ عاد فعدتُ بأشدّ من ذلك، فلما عاد استعملتُ كُمِّي فَذَبَبْتُ به عن وَجْهِي، ثمَّ عاد، وأنا في ذلك أَحثُّ السَّير، أؤَمِّل بسرعتي انقطاعه عنِّي فلما عاد نزعتُ طَيْلَساني [كساء مدوّرٌ أخضر خاص بالعلماء والمشايخ] من عُنُقِي فذببتُ به عنِّي بَدَلَ كُمِّي، فلما عاود ولم أجدْ له حِيلَةً استعملتُ العَدْوَ، فعدَوْتُ مِنه شوطاً لم أتكلفْ مثله مذْ كُنتُ صبيًّا، فتلقاني الأندلسيُّ فقال لي: مالك يا أبا عثمان! هل مِنْ حادثة؟
قلتُ: نعم [أكبر الحوادث]، أريد أن أخرجَ من موضعٍ للذِّبَّان عَلَيًّ فيه سلطانٌ!
فضحك حتى جلس، وانقطع عنِّي، وما صدَّقتُ بانقطاعه عنِّي حتى تباعد جداً.
قصة مع أبو عثمان الجاحظ من كتاب الحيوان الجزء الثالث.
تحية للجميع.:)
دمتم في رعاية الله وحفظه