شهادات رقية في المحاكم لمواجهة "تسونامي" الطلاق
23-10-2017, 05:56 AM


بلقاسم حوام

صحافي ورئيس قسم المجتمع بجريدة الشروق



لجأ عديد القضاة والمحامين مؤخرا إلى اعتماد نوع جديد من الشهادات للتخفيف من "تسونامي الطلاق" الذي غزا المحاكم وتجاوز عتبة 65 ألف حالة سنويا، ولا يتعلق الأمر بشهادات طبية أو عقلية للمتحاكمين، بل هي شهادات تصدرها جمعيات ومعاهد معتمدة للرقية الشرعية، تثبت إصابة أحد الزوجين بمرض روحي يتمثل في سحر أو عين أثر على سلوكه وقراراته، ما ساعد الكثير من المحامين في تجميد الكثير من قضايا الطلاق التي لم تعد مؤسسة بسبب لجوء الأزواج إلى الرقية الشرعية ما ساعدهم على الشفاء..
هو واقع جديد في المحاكم ساهم في تغيير منحى الكثير من قضايا الشقاق الزوجي حسب ما أكده للشروق محامون ورقاة ومختصون في علم النفس.
أكد المحامي حسان براهيمي توجه الكثير من المحامين إلى اشتراط شهادات الرقية الشرعية للأزواج المقدمين على الطلاق والخلع، وهو الأمر الذي ينصح به بعض القضاة في جلسات الصلح، بسبب تفشي ظاهرة السحر والشعوذة التي دمرت، حسبه، الكثير من العائلات الجزائرية، وكشف المحامي أنه شخصيا اشترط في الكثير من القضايا إحضار أحد الزوجين المتخاصمين شهادة الرقية الشرعية التي تمنحها جمعيات ومراكز الرقية المعتمدة وهي حسب المحامي كثيرة وتقدم هذا النوع من الخدمة.
أزواج يتراجعون عن الطلاق بعد الرقية الشرعية
وأردف محدثنا قائلا "90 من المائة من قضايا الطلاق التي عالجتها على مدى 11 سنة سببها الأول إصابة أحد الزوجين بسحر أو عين، ما يجعل تصرّفاته غير عادية وقراراته مضطربة، فيلجأ الزوج إلى طلب الطلاق والزوجة إلى الخلع، ويصل الأمر بالأزواج إلى ارتكاب جرائم بشعة، الضحية الأولى فيها الأطفال، والغريب في الأمر أن الكثير من الأزواج تراجعوا عن الرغبة في الفراق بعد إقدامهم على الرقية الشرعية وهو الأمر الذي دفعني إلى نصح كل زوج يريد تطليق زوجته بنقلها إلى مركز معتمد للرقية الشرعية من باب العلاج الروحي الذي بات أكثر من واقع ..".

وسرد لنا المحامي حسان براهيمي عديد قضايا الطلاق التي استقبلها في مكتبه والتي تبيّن فيما بعد أن أحد الزوجين كان مصابا بعين أو سحر، القضية الأولى تتعلق بقضية رجل غاضب أراد تطليق زوجته بسبب ذهابها الى بيت أهلها دون إخباره وتماديها في الثرثرة فنصحه المحامي بالرقية وبعدها تراجع الزوج عن الطلاق وأكد أنه ظلم زوجته بسبب الوساوس التي كانت تنتابه وكان يصدقها، وبعد الرقية تغيّرت نظرته إلى زوجته وأصبح يحبها وندم على رغبته في الطلاق، ولولا الرقية الشرعية لتحوّلت حياته الى جحيم.
قضية أخرى حكاها لنا المحامي بطلها شرطي طلّق زوجته بدافع الشقاق الزوجي، وبعد ثلاث سنوات من الطلاق جاءها وطلب منها الرجوع مؤكدا لها أنه كان مصابا بسحر التفريق ولم يكن يتحكم في وساوسه وقراراته، وبعد إقدامه على الرقية تغيّرت نظرته إلى زوجته وأولاده خاصة وأنه لم يبحث عنهم طيلة ثلاث سنوات، والغريب في الأمر أن الراقي أكد إصابته بسحر شديد كان يصوّر له أن زوجته غير مسؤولة وغير صالحة ما دفع الزوج إلى طلب الطلاق.
وأضاف حسان براهيمي أن القانون الجزائري لا يعترف بالغيبيات ولا يصنف الجن في خانة الاتهام، غير أن انتشار السحر في المجتمع وغياب ثقافة الرقية الشرعية تسببا في دمار الكثير من العائلات وساهما في انتشار قضايا الطلاق ما دفع المحامين وبعض القضاة الى اعتماد شهادات الرقية الشرعية للإصلاح بين الزوجين.
الشيخ بلحمر: السحر والعين من أكثر أسباب الطلاق في الجزائر

كشف الراقي المعروف وصاحب عيادة بشائر الشفاء الشيخ بلحمر في تصريح الشروق اليومي أن السحر والعين والشعوذة أكثر أسباب الطلاق وخراب البيوت في الجزائر، مستنبطا هذه النتيجة من ممارسته اليومية للرقية، ومؤكدا أنه يستقبل في جمعية بشائر الشفاء المتخصصة في الرقية يوميا أكثر من 70 زوجا غالبيتهم القصوى مصابة بسحر أو عين، وهو الأمر الذي يعكس –حسبه- مدى انتشار السحر في المجتمع الجزائري، بسبب الحسد وضعف الوازع الديني وهشاشة الروابط العالية.
هذه أعراض السحر لدى الأزواج
وأضاف المتحدث أن الزوج المسحور يقوم بتصرفات خارجة عن سيطرته تتمثل في اعتقادات ووساوس خاطئة عن زوجته وبيته، حيث تتنامى في نفسه الكراهية ويصبح البيت بالنسبة له مثل السجن فيلجأ مجبرا إلى تطليق زوجته وطردها من المنزل، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة التي تلجأ إلى طلب الخلع بسبب كراهيتها الشديدة لزوجها بسبب إصابتها بسحر أو عين، وبعد عرض هؤلاء الأزواج المسحورين على الرقية الشرعية تتفتح عقولهم وأبصارهم ويندمون على ما فعلوا، غير أن الكثير منهم حسب بلحمر يتجاوزهم الزمن ولا يستفيقون إلا بعد خراب أسرهم، وتشرّد أطفالهم، وهذا ما يستوجب حسب المتحدث على الزوجين الإقدام على الرقية الشرعية والاقتراب من الله قبل إقدامهم على الطلاق.
وعن شهادة الرقية الشرعية أكد الشيخ بلحمر أن جمعية بشائر تمنحها للأزواج الذين يقصدون الجمعية للرقية وهي بمثابة شهادة طبية تبين مدى إصابة المريض بسحر أو عين، وأكد المتحدث أن المواطنين يطلبون هذه الشهادة بسبب ثقتهم في شخصه وجمعيته باعتبارها شهادة موثوقة ومعتمدة. وعن مدى إقبال المواطنين على الرقية الشرعية أكد محدثنا أن عيادته تستقبل يوميا مئات المواطنين القادمين من مختلف الولايات ما يدل على انتشار ثقافة الرقية لدى الجزائريين، وهو ما ساعد على شفاء الكثيرين من الأمراض الروحية التي عادة ما ينكرها الأطباء وحتى المحاكم.
الأستاذ حامق: السحر من أكثر مسبّبات الأمراض النفسية وسط الأزواج

أكد الأستاذ الجامعي والمختص في علم النفس محمد حامق أن السحر والعين من أكثر مسببات الأمراض النفسية وسط الأزواج، والتي ينجر عنها إصابة أحد الزوجين بأمراض الوسواس القهري والشك وسرعة الانفعال والكراهية والبكاء الشديد والنفور..، حيث يقدم الشخص المسحور حسب المتحدث بتصرّفات لا إرادية سرعان ما يندم عليها، وهو الأمر الذي يزيد من حدة الشقاق الزوجي الذي ينتهي عادة بالطلاق.
وبيّن الأستاذ حامق أنه استقبل عديد الأزواج الذين يعانون من العجز الجنسي والعقم وكثرة الخلافات على أبسط الأمور وعند البحث في الأسباب النفسية والتوغل فيها والتنسيق مع الرقاة تبين أن أغلبهم مصابون بسحر التعطيل أو التفرقة.
وشدّد المتحدث على ضرورة التنسيق بين الرقاة وأطباء الصحة العقلية والمختصين في علم النفس لتقديم علاج متكامل للمصابين بمختلف الأمراض النفسية والروحية لأنها أمراض متعدية فالمصاب بمرض نفسي يسهل تأثره بالسحر والعين والمصاب بالسحر تتولد عنده عقد نفسية واضطرابات عقلية تصل إلى الجنون وهذا ما يتطلب من وزارتي الصحة والشؤون الدينية ضرورة التنسيق لفتح معاهد معتمدة لتكوين الرقاة والعمل جنبا إلى جنب مع الأخصائيين النفسانين وأطباء الصحة العقلية.