"دافشني" قدس الله سره!
12-12-2017, 12:39 AM



سليم عزوز





لا تثريب على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ إن دفع عداً ونقداً في لوحة 450 مليون دولار، مليون ينطح مليوناً، فقديماً قال المصريون: "من معه جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره"!

فالذي شغلني في أمر لوحة "المخلص"، التي أرسل من أجلها "ابنُ سلمان"؛ الأميرَ "بدر بن عبد الله" لدخول المزاد المنصوب عليها، أنه لم يُعرف عن الأميرين، التابع أو المتبوع، غراماً بالفن التشكيلي، أو ولهاً بالرسوم. فالمؤكد أن الأمير ولي العهد، وقد رزقه الله بسطة في الجسم، لا يوحي لبسطته هذه أن لديه ميولاً فنية، أو هويات من أي نوع، وربما تكون هوايته مرتبطة بالأكل، ولا بأس!

فكثير من الأثرياء العرب انتهوا من مرحلة اقتناء الكتب، من باب الوجاهة الاجتماعية، إلى مرحلة اقتناء اللوحات الفنية، وهذا ما كان سبباً في رواج لوحات وزير الثقافة المصري السابق "فاروق حسني"، مع أنها تنتمي للفن التجريبي الذي يفتقد لأي قيمة فنية، وعلى نحو جعل الوزير المصري يقول إن اختياره لموقع الوزير وقع عليه بالخسارة، فثمن لوحة واحدة يتجاوز راتبه كوزير لعدة سنوات، مع أن المعروف أن تقدير لوحاته ارتفع بعد اختياره وزيراً. ولأنه كان يردد بأنه فنان غالي الثمن، فقد سألته سؤالاً خبيثاً عن ثمن اللوحة الآن، وأغلى لوحها باعها قبل أن يصبح وزيراً، فتحايل، وسأل ضاحكاً إن كنت مفتشا بمصلحة الضرائب!!

رأيي أن الأرقام الفلكية للوحاته مرتبط باختياره وزيراً، وإذا كان البعض بالمقارنة يوحي أن شراء لوحاته كان رشوة لموقعه الوظيفي، إلا أنني أرى أن ذلك بسبب أن أثرياء هذا الزمان كانوا يشترون وجاهة لا فناً، وعلى طريقة من يدخل محلاً فيطلب أغلى بضاعة، باعتبارها الأجود و"زينة". فقيمة اللوحات الفنية ليست عند هؤلاء في ذاتها، ولكن في اسم الرسام، وفاروق حسني، فناناً ووزيراً، ولهذا فلا جناح على محمد بن سلمان إن اندفع لشراء اللوحة باعتبار أنها للفنان الإيطالي "ليونارد دافنشي" قدس الله سره، فرأى لذلك، أنها ستأتي له بسمعة، تعيد تدويره باعتباره فناناً أو يقدر الفن، إذا تجاوزنا القيمة المدفوعة فيها، والتي لا يمكن قبولها إلا في اطار السفه. لكن لا بأس، فقد اعتمدنا ما قاله المصريون القدماء: "من معه جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره"!

البأس الشديد، في أن هذه اللوحة، هي لـ"المخلص"، وهي ترمز لعقيدة أصحابها، ولا يمكن قبول ما حدث إلا في إطار سياسية جديدة تعتمدها السلطة في بلاد الحرمين، تتمثل في اعتماد النموذج الغربي، في الفكر ولإثبات التحضر، وليس في السياسة. والغرب الذي قبل النموذج الموغل في الرجعية من القوم سابقاً، سيقبل منهم المدنية الزائفة الآن، ولن يحاسبهم على أكثر من هذا، فلا حديث عن التعددية السياسية، أو حق الشعب في اختيار حاكمه وبرلمانه، فيكفي محمد بن سلمان، أن يفتح بلاده للحفلات الغنائية، والسماح للنساء بقيادة السيارات دون قيادة الدولة، والتحرر من الحجاب دون التحرر من بطش السلطة، ليتم اعتماده ملكاً بإرادة أمريكية وليس بإرادة الشعب السعودي، ما دامت هناك مليارات منحت لترامب، وما دامت هناك ملايين دفعت في لوحة تجسد "المخلص"، وهو المال السعودي السائب الذي استولى عليه أهل الحكم هناك، لدرجة أن يتم دفع 450 مليون دولار عداً ونقداً في لوحة، ليست للمسيح، ولكن لتخيل "دافنشي" له عليه السلام.. ولأنه كان شاذاً جنسياً، فقد جعل من صدر "المخلص" صدراً لامرأة، على نحو كان ينبغي أن يدفع الكنائس لأن تندد بهذا الشذوذ، لكن لا بأس.

البأس الشديد أيضاً؛ في الدعاية التي أطلقت عندما اعتقل ابن سلمان الأمراء السعوديين، وقيل إن ذلك لمحاربة الفساد، ثم يتم دفع هذا المبلغ عداً ونقداً لشراء لوحة لكسب رضا الغرب، وإثبات السماحة السعودية الآن، وسط صمت غربي على هذا الاعتقال، والاستيلاء على المال الخاص؛ الذي لم تعلن مصارفه بعد تأميمه، وهل يذهب إلى ترامب أم إلى لهذا السفه حتى وإن كان في المال الخاص، وهو تصرف، لو أقدم عليه رب أسرة، لجاز قانوناً لأفراد هذه الأسرة أن يحجروا عليه، لمنعه من التصرف في ماله، وذلك رداً على ما قاله مسؤول إماراتي بأن المال مالهم، وأن اللوحة ستوضع في معرض أبو ظبي، وهو تصرف غريب حقاً؛ أن يُدفع من مال الشعب في بلاد الحرمين ثمن لوحة، لكي توضع في معرض المسروقات في الإمارات، ومعظم الآثار جاءت من مصر، بواسطة الحليف المصري تاجر الآثار!

عندما يُدفع في لوحة عداً ونقداً 450 مليون دولار، فإن سؤالاً يطرح نفسه: هل هذا هو مال الشعب في بلاد الحرمين، أم من المال الخاص لولي العهد؟ ليكون السؤال: فكم ثروته لينفق كل هذه الملايين على لوحة، لكسب رضا الغرب المسيحي؟.. وألا يسري على ولي العهد ما يسري على الأمراء الذين ألقى القبض عليهم بتهمة الفساد، ليكشف عن الحقيقة في ذلك وهي أنه اعتقال لنزاع على السلطة، وبهدف الاستيلاء على أموالهم أو جزء منها؟!

وإذا كانت الأولى، فمن أعطى ولي العهد الحق ليتصرف في مال الشعب في بلاد الحرمين تصرف المالك فيما يملك، ولشراء لوحة تخالف عقيدة المسلمين، بهدف تمرير تنصيبه ملكاً بإرادة غربية، ليعايرونا بعد ذلك بأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في منطقة الطغيان السياسي، مع أن هذا الطغيان فرض علينا بإرادة البيت الأبيض؟

لا بأس، فمن معهم جنيه ومحيره يشتري به حمام ويطيره.