مشوار زعيم هدية إلى جريدة الشروق اليومي
18-01-2007, 02:17 PM
اعداد: جغادر فيصل سكيكدة
نهاية عام 2006 كانت نهاية لحقبة في تاريخ العراق ولكنها لم تكن نهاية لصدام حسين الذي سيظل يجمع ويفرق الناس في قبره في قريته التي ولد فيها قبل 68 عاما. وفاة صدام حسين كانت ايضا نهاية لحقبة من الرؤساء وزعماء العالم الثالث الذين جاؤوا وجسدوا احلام بلادهم القومية في مرحلة ما بعد الاستعمار، وانتهوا في غالب الحال لاقامة انظمة شمولية ذات طابع استبدادي، وسيظل صدام حسين حالة دراسة مهمة في التاريخ السياسي العالمي، ذلك انه حكم بلدا صعبا وقاسيا، وشهد انقلابات دموية وسحل في الشوارع واعتقال المعارضة، واضطهاد الناقمين علي النظام، وصدام حسين الذي جاء علي بطاقة حزب البعث واكد سلطته علي العراق في عام 1979 بعد تقاعد الرئيس السابق احمد حسن البكر،
الذي عمل صدام نائبا له مدة عشرة اعوام كرس عبرها شخصيته وقدرته وقام بتأميم النفط العراقي وبناء دولة حديثة، ارتفعت فيها معدلات التعليم، ووصل التحديث الي معظم البلدات والقري، واقام تحالفا مع الشيوعيين لم يعمر طويلا، قبل ان يرتد عليهم او يرتدوا عليه، وقام بعملية تطهير واسعة في صفوف حزب البعث قبل ان يصبح الحاكم الاوحد للعراق. ولاكثر من عشرين عاما تسيد صدام الساحة السياسية العراقية وخاض ثلاثة حروب، وقمع الكثير من الثورات والانتفاضات، وتصدي للعديد من المحاولات الانقلابية، وانتهي صدام الذي كان مهما في معادلة الحرب الباردة، وكحرز ضد التمدد الايراني معزولا، حتي من اقرب جيرانه العرب بعد ان اجتاح الكويت بسبب الحصار الامريكي والدولي الذي حصد مليون عراقي، بسبب الجوع والامراض، ثم جاء الاحتلال الامريكي عام 2003 لينهي عهد صدام الذي رمز اليه بتحطيم تمثاله في ساحة الفردوس، واختفائه ومن ثم القبض عليه، في بئر قرب بلدته حيث ظهر بصورة مهينة، قصد من اعلانها بهذه الطريقة انهاءه، ولكن صدام عاد ولعامين لقفص الاتهام في محكمة مثيرة للجدل، عانت من التدخلات السياسية ومن القضاة الذين استقالوا او اقيلوا او من اصحاب السوابق، وقتل محامي دفاع وتهديد فريقه، واخيرا جاء الحكم عليه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، والاستئناف الذي رفض ومن ثم التعجيل في اعدامه صباح عيد الاضحي. كل نقطة ومرحلة من مراحل حياة صدام تظل مثارا للجدل، فهو مجرم وقاتل عند اعدائه وهو مقاوم وزعيم حافظ علي وحدة العراق بالنسبة لانصاره في العراق وخارجه، وملفه مفتوح خاصة انه اخذ معه اسراره للقبر، واسكت بقرار امريكي بحسب التحليل الذي قدمه روبرت فيسك في اندبندنت اون صاندي ، فالمحكمة الجنائية اضاعت فرصة تاريخية، عندما لم تقم بفتح كل ملفات النظام السابق والتي حاكمته علي جريمة تظل ثانوية اذا اخذنا بعين الاعتبار حجم الجرائم التي يتحدثون عنها والمقابر الجماعية، وحملة الانفال وحلبجة والحرب العراقية ـ الايرانية. واعدام صدام الذي قصد منه انهاء عام 2006 الذي كان دمويا بكل المقاييس عراقيا وامريكيا سيترك العراق ومصيره مفتوحا علي كل الاحتمالات، فهوية العراق الان تحددت من خلال ولاءات عدد من الجماعات التي تسيدت المشهد السياسي بعد انهيار صدام ونهب العاصمة ليس من المغول الامريكيين ولكن من ابناء العراق انفسهم، حرق المكتبة الوطنية، نهب الوزارات، ونهب المتحف الوطني العراقي، ثم جاء الفساد بحسب ما اظهر تقرير بيكر - هاميلتون الذي يتحدث عن اقتصاد يقوم علي سرقة النفط وتهريبه. بالتأكيد فالعراق عشية اعدام صدام حسين هو عراق بلا مخرج وعراق فقد البوصلة الا البوصلة التي تؤشر للجماعات التي تحكمه وبالتأكيد فالهدية التي قصد الرئيس الامريكي جورج بوش إعطاءها لشعبه ستنسي عندما افتتح العام الجديد بالاعلان عن بلوغ عدد قتلي الجيش الامريكي في العراق ثلاثة الاف جندي واكثر من 20 الف جريح، 12 الفا جراحهم خطيرة.
وهنا كان احد مراسلي هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي في امريكا قد قال ان الرئيس بوش نام مبكرا ليلة اعدام صدام وامر مساعديه بعدم ايقاظه حتي لو اعدم صدام، ولكن بيان الرئيس جاء بعد دقائق من اعدام صدام، وهنا يثور تساؤل هل ثأر بوش اخيرا من صدام، وانتقم لوالده الذي كشف عن محاولة لاغتياله اثناء زيارة الكويت بعد اخراج القوات العراقية منها، ويظل السؤال واضحا وشرعيا في ظل قراءة ما كشف عنه بوب وودورد مؤرخ البيت الابيض، الذي كشف ان بوش الابن جاء بعقلية الثأر وهزيمة كلينتون الذي هزم والده. وحقيقة اعلان بوش بعد اسبوع من هجمات ايلول (سبتمبر) 2001 في 17/9/2001 ان صدام يجب ان يذهب تؤشر لهذا الاتجاه. ايا كان ما يقال فان ما لاحظته نيويورك تايمز من نبرة انتصارية عند القبض علي صدام حسين في نهاية عام 2003 اختفي يوم اعلان اعدامه، واكتفي بوش ببيان صحافي. ارث صدام سيظل مفتوحا علي التحليل، قسوته وقسوة نظامه، هزائمه، حلمه ببناء الدولة القومية الحديثة، اخطاؤه، اعتزازه بنفسه لحد الغرور، وصوله للسلطة كتعبير عن انتصار القرية علي المدينة، طفولته القاسية التي فتحت مجالا امام الكثير من التحليلات النفسية للدخول في عقلية نظامه الشمولي، هويته القومية وشعاراته الوحدوية، بناؤه لصورته التي احتلت الجدران والاماكن العامة، واخيرا اعدامه الذي قدم تجليا اخر عن صورته، فثباته امام المشنقة، ورده علي ممثلي التيار الذين اوكلت لهم مهمة اعدامه، وضبطه لنفسه تجعل منه في انظار مؤيديه شهيدا وبطلا، ظل يدافع عن عروبة العراق وفلسطين حتي آخر زفرة في حياته، بالتأكيد جاء الاعدام المتعجل ليعطي صدام المنبر الاخير لتأكيد صورته في عيون الكثيرين، وفي الوقت الذي كذبت فيه تصريحات بعض السياسيين فان الصورة التي شاهدها البلايين لم تكذب. وسنعثر من الان فلاحقا علي اكثر من وجه لصدام، وكلها تدور بين رمزية الموت علي المشنقة وشيطنته في الغرب، باعتباره سفاح بغداد وستالين الذي اكد صورته ولم يخف صدام اعجابه به في اكثر من حديث صحافي، ولكن علي خلاف ستالين وبينوشيه وهتلر ، فكلهم ماتوا بشكل طبيعي او انتحروا كما في حالة هتلر، او ماتوا في النسيان كما في حالة بول بوت الا صدام الذي اعدم. وهو اول زعيم عربي يموت بهذه الطريقة في بلده في ظل الاحتلال. صدام الرجل والزعيم سيبقي حقلا للقراءات المتناقضة فهو شخصية لا يمكن تبسيطها من خلال تفسير الجنون والنرجسية او جنون العظمة والبطولة من خلال العودة للتاريخ. فهناك من يشير الي ان صدام كان لا يثق باحد الا نفسه، وكان يعاني من الخوف من معارضيه، وكان يعتقد انه في قلب كل الحكاية العراقية. وبحسب ديفيد هيرست فان صدام كشخصية لن يكون محطا للاهتمام من جانب كتاب السيرة الذاتية ولكنه سيكون حالة دراسة جيدة في علم السياسة من خلال قدرته علي تدمير خصومه والبقاء في السلطة. وهناك صورة الرجل الحي الخجول كما لاحظ سعيد ابو الريش الذي كتب سيرة عن الرئيس العراقي السابق، حيث لاحظ ان يديه ناعمتان، ولم ينظر اليه، الكاتب عندما كان يتحدث معه، وظل ملتزما بالصمت مستمعا، ولم يسأل الا بقدر.