كيف تثبت المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمة؟
08-10-2017, 04:10 PM
كيف تثبت المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمة؟

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



نلحَظُ هذه الأيام هجمة شرسة موجهة ضد ديننا وقِيَمنا وعقيدتنا، مستهدفةً ركيزة عزيزة من ركائز مجتمعنا، ألا وهي: المرأة، متهمين ديننا بهضم حقوقها، ونحن لا نلوم الإعلام الغربي المتطرف في ذلك، بقدر ما نلوم الإعلاميين الذين هم من بني جِلدتنا، ويكتبون في صحفنا وعبر وسائل إعلامنا، فنسمع ونقرأ لبعض المستغربين ينادون بحقوق المرأة، وكأنهم أوصياء عليها دون نفسها!!؟، ويُظهر بعضهم حسرةً، زاعمين أن نصف المجتمع المسلم مُعطل، فما موقفكِ أيتها المسلمة من هذا وذاك!!؟.
من المؤلم حقًّا: أن تقف المسلمة حائرة لا تستطيع الرد على أولئك، وأشد منه ألمًا وحسرة: أن تذوب شخصيتها أمام تلكم الصيحات، وتنسى هُويتها، وأشد من ذلك وَقْعًا: أن تفقد الفتاةُ المسلمة إيمانها، وتتملص من قِيَمها، وتتنكر لثوابت إسلامها، فتنساق خلف بريق أصواتهم الزائفة، صوروا المرأة حبيسة البيت، وسجَّانها الأكبر الرجل!!؟.
وما أحسن ما ردَّت به إحدى الصالحات على المستغربين:" لا تجعلوا المرأة طعمًا في سناركم".
ومما يُستشهدُ به هنا ما طالب به أحدُ أعضاء الكونجرس الأمريكي، بقوله: " إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقًّا إذا بقيت في البيت الذي هو كِيان الأسرة".
وقال عضو آخر:" إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد، لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج، بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال".
وقالت الدكتورة إيدايلين:" إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع، هو: أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة، فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق، ثم قالت: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى البيت هو: الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه"؛ ا . هـ.
وبعدُ، فكيف يجرؤ بعض بني جلدتنا، وممن يتكلمون بلغتنا على التنكُر لقِيَمنا ومبادئ ديننا بدعوى: اللحاق بالغرب، فماذا سيقولون وهذه أقوال بعض عُقلاء وعاقلات الغرب!!؟.

المرأة المسلمة مدرسة:
إن تصوُّر الأم قاعدةً في البيت لا شغل لها، جهلٌ مُركَّب بمعنى الأسرة الحية، كما أن تصورها محلاًّ لإجادة الطهي والخدمة فحسب، ضربٌ من السلوك المُعوج، كما أنَّ المرأة ليست نصف المجتمع كما يدندنون حوله، بل هي عندنا: المجتمع كله، فالنساء حسابيًّا أكثر من الرجال، ثم هي تلد الرجال.

الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق

لقد صور أعداءُ الإسلام القضية على أن المرأة سجينة في البيت، وأن سجَّانها الغليظ هو: الرجل الذي يمسك بالمفتاح، ويتحكم فيها كيف يشاء، ونحن - معاشر المسلمين والمسلمات - نريد أن نحقق ما طالَبَنا الإسلام به بلا غُلوٍّ ولا جفاء، من إقامة أسرة مستقيمة يشترك الجنسان معًا في بنائها، وحمل تبعاتها على ما يُرضي اللهورسوله؛ ليتحقق فينا قول الباري - جل وعلا -: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾.
فالله - سبحانه وتعالى - خلق الزوجين الذكر والأنثى، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً، وجعل بينهما مودة ورحمة؛ حتى يعيش الجنس البشري على طهارة ونقاء، ويتسلسل منه الأولاد والأجيال، وجعل هناك شرعًا يُتبع ودينًا وأحكامًا، وأخبر - سبحانه وتعالى - عن جزاء الجنسين في الدنيا والآخرة بقوله: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

أسماء تُحاور الحبيب - صلى الله عليه وسلم -:
جاءت أسماء بنت يزيد الأنصارية - رضي الله عنها - إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن الله بعثك للرجالِ والنساءِ كافَّةً، فآمنَّا بك وبإلهك، وإنا معشرَ النساءِ محصوراتٌ، مقصوراتٌ، قواعدُ بيوتِكم، وحاملاتُ أولادِكم، وإنكم معشرَ الرجالِ فُضِّلْتُم علينا بالجُمَعِ والجماعاتِ، وفُضِّلْتُم بشهودِ الجنائزِ وفُضَّلْتُم علينا بالحجِّ بعدَ الحجِّ، وأعظمُ من ذلك الجهادُ في سبيل الله، وإن الرجلَ منكم إذا خرجَ لحج أو عمرةٍ أو جهادٍ، جلسْنا في بيوتِكم نحفظُ أموالكم، ونربِّي أولادَكم، ونَغزِل ثيابكم، فهل نشاركُكم فيما أعطاكم اللهُ من الخير والأجر؟، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((هل تعلَمون امرأةً أحسنَ سؤالًا عن أمور دينِها من هذه المرأة؟!))، قالوا: يا رسول الله، ما ظننا امرأةً تسأل سؤالها، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((يا أسماء، أفهمي عنَّي، أخبري مَن ورائك من النساء أن حُسن تبعُّل المرأة لزوجها وطلبها لمرضاته، واتِّبعاها لرغباته، يَعدِل ذلك كله))، فأدبرت المرأة، وهي: تُهلِّل وتكبِّر؛ أخرجه البيهقي.
ولقد قامت المرأة المسلمة بدورها الريادي في التربية والتوجيه في عصرنا الحاضر، وقبلَه في سلف هذه الأمة أمثلةٌ لا تُعَدُّ حصرًا، وكل ذلك كان إيمانًا بالله، وحسنَ تربية، ونصحًا وتوجيهًا، فبيتها دار الحضانة الأسمى، بل هو جامعةٌ يتخرج منها القادة والساسة والعلماء، والوزراء والأطباء، والمفكرين والكُتاب.
وهاكم أمثلةً من سلفنا الصالح:
يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان:" اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث، فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه وإلاَّ فلتتبعني"، هذه هي: أم أمير المؤمنين في الحديث.
وذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي - صلى الله عليه وسلم؟، قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة:" كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام؟".
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبدالله، عن جدته أم سُليم - رضي الله عنها - أنها آمنت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جعلت تلقِّن ابنها أنسًا - وكان صغيرًا - وتشير إليه: قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمدًا رسول الله، ففعل، فلمَّا كبر أتت به النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت له صحبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته - رضي الله عنه - معروفة.

مقومات إثبات المرأة جدارتها في إصلاح المجتمع:
إن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية دور المرأة المسلمة في إصلاح بيتها، ومن ثَمَّ إصلاح المجتمع، ونحن لا نُناقش الآن أهمية ذلك، بل نُطالبها بالتميز لتُثبت جدارتها كما كانت نساء السلف الصالح.
ولكي تُثبت المرأةُ جدارتها وتميُّزها اليوم في إصلاح المجتمع، لا بد لها من مؤهلات أو مقومات - وهي سهلة المنال لمن تصدق مع ربها وتخلص له - لتقوم بمهمتها في المجتمع، فتكون داعية خيرٍ، لا مدعوَّة للشر، وإليكم جانبًا من هذه المقومات.

1-الإخلاص:
وهو: إفراد الله سبحانه بالقصد في الطاعة، والإخلاص هو: روح كل عمل، والأعمال التي يستعظمها الناس، ويبذلون فيها الجهود، وربما الأموال - لا وزن لها عند الله - عز وجل - إذا فقدت الإخلاص؛ قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾، فلينتبه لشرط الإخلاص، فعليه مدار قبول العمل وبالتالي النفع به؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾.

2-العلم:
أن تكون المرأة نفسها صالحة لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟.
لن تصل المرأة ولا الرجل إلى الصلاح - فضلاً عن الإصلاح - إلا بالعلم الشرعي الذي تتلقاه من أفواه العلماء؛ سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء، كما أنه في عصرنا هذا يسهل كثيرًا أن تتلقى المرأة العلم من أفواه العلماء، وذلك بواسطة الدروس المسجلة، فإن هذه الدروس - ولله الحمد - لها دور كبير في توجيه الأسرة - والمرأة من أهم ركائزها - إلى ما فيه الخير والصلاح.
إذًا فلا بد لتميز المرأة من العلم؛ لأنه لا صلاح ولا تميز إلا بالعلم، ومن أهم ما يحسن بالمميزة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، أن تتحلى به صفة العلم، فالعلم زينة لها، ووسيلة صحيحة للعمل، ومرافق دائم في مجال الدعوة والأمر والنهي؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
إن جهالة من تأمر وتنهي فيما تدعو إليه أو تنهى عنه، قد يوقعها في حماقات كثيرة، وإشكالات عديدة، بل ربما حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة، أو تعطلت مصالح راجحة.

3-الحكمة:
أي: أن يكون لدى المرأة حكمة في الدعوة، وفي إيصال العلم إلى مَن تخاطب، والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه؛ كما قال أهل العلم، وهي من نعمة الله - سبحانه وتعالى - على العبد أن يؤتيه الله الحكمة؛ قال الله عز وجل:﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾.
وما أكثر ما يفوت المقصود ويحصل الخلل، إذا لم تكن هناك حكمة، فمن الحكمة في الدعوة إلى الله - عز وجل - أن ينزل المخاطب المنزلة اللائقة به، فإذا كان جاهلاً عُومِل المعاملة التي تناسب حاله، وإذا كان عالِمًا، ولكن عنده شيء من التفريط والإهمال والغفلة: عُومِل بما تقتضيه حاله، وإذا كان عالمًا ولكن عنده شيء من الاستكبار، ورد الحق، عُومِل بما تقتضيه حاله؛ فالناس إذًا على درجات ثلاث: جاهل، وعالم متكاسل مفرط، وعالم معاند، ولا يمكن أن نسوي كل واحد بالآخر، بل لا بد أن ننزل كل إنسان منزلته، ولهذا لما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا - رضي الله عنه - إلى اليمن، قال له: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب))، وإنما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ليعرف معاذ حالهم؛ كي يستعد لهم بما تقتضيه أحوالهم، ويخاطبهم بما تقتضيه هذه الحال أيضًا.
فينبغي أن ينزل كل واحد من المدعوين المنزلة اللائقة به، ومن الحكمة: أن تبدأ الداعية بالأقرب فالأقرب، فتكون حسنة التربية لأولادها؛ لأن أولادها هم رجال المستقبل ونساء المستقبل، وأول ما ينشئون يقابلون هذه الأم، فإذا كانت على جانب من الأخلاق وحُسن المعاملة، وظهروا على يديها وتربَّوا عليها، وسيكون لهم أثر كبير في إصلاح المجتمع؛ لذلك يجب على المرأة ذات الأولاد أن تعتني بأولادها، وأن تهتمَّ بتربيتهم، وأن تستعين إذا عجزت عن إصلاحهم وحْدها بأبيهم أو بولي أمرهم، وهكذا أخوتها وأخواتها، وأسرتها وأقاربها، كما ينبغي إلا تتوقف عندهم فقط، بل يكون لها دورٌ في المجتمع ككل.

4-الدعوة إلىالله:
ما أحسن أن تستشعر المسلمة فضلَ دعوة الأُخريات للاستقامة والعمل الصالح، فتفوز بمثل أجورهنَّ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من تبعه، دون أن ينقص من أجورهم شيئًا))، وقال بأبي هو وأمي وولدي والناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم -: ((الدال على الخير كفاعله))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يهدي الله بك رجلاً، خيرٌ لك من حُمر النَّعم)).
فلا بدَّ أن يكون لمن تُريد إثبات جدارتها، وتنال تلكم الأجور، دورٌ في تثقيف بنات جنسها، وذلك من خلال المجتمع؛ سواء أكان في أسرتها، وبين بنات أرحامها، وجيرانها، أو في المدرسة أو المسجد، أو الدار القريب من أهلها إذا زارتهم في مدينة أخرى، أو حي آخر، وتستثمر أي مناسبة نسائية في استراحة، أو قاعة أفراح، أو مشغل بالنصح والتوجيه والمذاكرة.
كذلك أيضًا من خلال المجتمع فيما بين النساء من الزيارات التي تحصل فيها من الكلمات المفيدة ما يحصل، مستثمرة المناسبات السعيدة والمحزنة بالتهنئة والتعزية، لقد كان عُلماؤنا يحرصون على ذلك، فكان لهم أثرٌ كبيرٌ، ولقد بلغنا - ولله الحمد - أن لبعض النساء دورًا كبيرًا في هذه المسألة، وأنهن قد رتَّبْنَ جلسات لبنات جنسهنَّ في العلوم الشرعية، وحلقات تحفيظ القرآن، وتفسيره، وهذا لا شك أمر طيب تُحمَد المرأة عليه، وثوابه باقٍ لها الآن وبعد موتها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
وهذا هو: الاستثمار الحقيقي للحياة وما بعد الممات، فإذا كانت المرأة ذات نشاط في مجتمعها في نشر الدعوة، كان لها أثر كبير، ودور واسع في إصلاح المجتمع، كما ينبغي لها أن تستشعر فضائل دعوة الأُخريات عبر وسائل الإعلام، محتسبةً الأجر عن الله، فتشارك بقلمها في الجرائد والمجلات الإسلامية والمنتديات، تشترك فيها؛ سواء في الذبِّ عن قيم دينها بالرد على دعاة تغريب المرأة، فرَدٌّ من امرأة على مَن يزعم تحريرها، خيرٌ في نظري من ألف ردٍّ من رجال آخرين؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، فتدعونه فلا يستجيب لكم))؛ رواه أحمد، والترمذي، وصحَّحه الألباني.
أو تكتب ابتداءً بنشر الخير الذي عندها مستثمرةً المناسبات الموسمية كالإجازات أو رمضان، أو الأعياد، أو عشر ذي الحجة، أو غيرها، وتقوم على إهدائها للأخوات وإرشادهن إلى أهم الموضوعات، والمقال القصير المقروء خير من الطويل الذي لا يُقرأ، ثم تحرص - وفَّقها الله - على البحث عن الوسائل الجديدة والمشوقة في تبليغ دعوتها، ولكن في حدود الشرع، ونحن الآن في زمن سادت فيه التقنية والمرئيات على الكتب والمؤلفات في اكتساب المعلومات.

5-القدوة الحسنة:
من السمات الحسنة المؤثرة التي ينبغي أن تتحلى بها الداعية: أن تكون قدوة حسنة للأُخريات؛ لأن التأثير بالاقتداء والتقليد له قيمة كبيرة في نفوس المدعوات، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وقدوة صالحة؛ ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - أما من أسرتْها نفسها، وأصبحت عبدةً لهواها، فلا يمكن أن تُنكر على الأُخريات.

6-الرحمة بمن تفعل المنكر والخوف عليها من عذابالله:
فإذا كانت المسلمة تنتمي لخير أمة أخرجت للناس، فلتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾.
لتثبت جدارتها في ذلك، وينبغي أن تستشعر الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر رحمة المدعوة، وأن تنظر إلى الواقعة في المنكر نظرة الشفقة عليها، والرغبة في الإحسان إليها؛ لكونها تتنازع مع الشيطان ومع هواها ومع نفسها الأمَّارة بالسوء؛ لذا ينبغي عدم إعانة هؤلاء الأعداء عليها، بل الوقوف معها وفي صفها؛ حتى تتخلص من هذا الداء الذي ألَمَّ بها؛ فقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ رواه البخاري.

7-الرفق:
وهو: لِينُ الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، وقد سلك حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - جانب الرفق في دعوة الناس، وأولئك الذين كان يحتسب عليهم؛ سواء كانوا من اليهود، أم من المشركين، أم من المسلمين، ولقد حثَّ النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عامة، ويدخل في ذلك الدعاة والمحتسبون من باب أَولَى بالرِّفق في جميع أمورهم، ومن ذلك ما جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي سواه))؛ رواه مسلم.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن يُحرَم الرِّفق، يُحرَم الخير))؛ رواه مسلم.
فلنقتدِ بالحبيب - صلى الله عليه وسلم - باللين والرحمة والعفو والتسامح؛ قال تعالى عنه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.

8-الصبر:
إذا كان الصبر ضروريًّا لكل مسلم ومسلمة، فإنه للتي تُريد إثبات جدارتها في إصلاح مجتمعها، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: أشد ضرورة؛ لأنها تعمل في ميدان استصلاح نفسها، وفي ميدان استصلاح غيرها، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم، ولقد أدرك لقمانُ الحكيم هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمَّنها التحلي بالصبر؛ قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾.
فلا بُدَّ أن تصبر الداعية إلى الله على ما ينالها من أذى؛ كما صبر الرسل والصحابة والأئمة من قبل، كما ينبغي للمرأة ألا تستسلم للواقع، وتقول: سار الناس على هذا، فلا أستطيع أن أُغيِّر، كما ينبغي ألا نغترَّ بالكثرة!!؟؛ ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾.
ولأننا لو بَقينا هكذا مستسلمين للواقع، لم يتمَّ الإصلاح؛ إذ إن الإصلاح لا بد أن يغير ما فسد على وجه صالح، ولا بد أن يغير الصالح إلى ما هو أصلح منه؛ حتى تستقيم الأمور.
ومن التحلي بالصبر: ألا تتعجل المسلمة النتائج، ولا تظن بأحد الكمال، بل تنصح بلطف وتتابع باهتمام، ولا تُهمل.

9-عبادة السر:
من المؤسف: أن ينشغل المرء بدعوة الناس عن نفسه، فسرعان ما يَنضُب معينه؛ فلا بُدَّ أن تُخصص الداعية إلى الله وقتًا كلَّ يوم وليلة للخلوة مع الله، في عبادات لا يعلمها إلا الله وحده، ومن أعظم ما يوصي به علماؤنا: قيام الليل، ودعاء الأسحار، وفي السجود وبين النداءَين، وصيام الهواجر، وصلاة الضحى، وأن يكون للداعية وِرد كلَّ يوم من القرآن الكريم، والمحافظة على الأذكار، وأن يدعو لنفسها ولمن تريد دعوتهم، ولعمامة المسلمين بـ:" يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك".
نسأل الكريم الأكرم الجَواد: أن يوفِّق ولاة أمرنا لما يحب ويرضى، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يرد كيد الكائدين لهذا الدين وهذا البلد في نحورهم، كما نسأله - وهو القريب السميع المُجيب - أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ على بلادنا أمْنها واستقرارها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

منقول بتصرف يسير، جزى الله خيرا راقمه.