الحرب على الستر والحشمة بدعوى اختلاف الأعراف الاجتماعية!!؟
02-07-2017, 05:15 PM
الحرب على الستر والحشمة بدعوى اختلاف الأعراف الاجتماعية!!؟
أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

الحرب على (الستر والحشمة) ما تفتأ تخبو نارها حتى يهيج ويلتهب هنا وهناك وهنالك شرارها، ولا يخفى على البصير هوية حامل لواء هذه الحرب الضروس، إنهم: أرباب العَلْمَنَة الذين لا يملون من نشر سمومهم وشبههم على المرأة المسلمة في البلاد الإسلامية التي كن فيها النسوة عبر قرون محتشمات في اللباس التقليدي الساتر حتى سعى أرباب الغِش لأمتهم، وأصحاب الشؤم على أهليهم وبني جلدتهم بل على أنفسهم إلى العمل على تحرير المرأة من أحكام دينها وشرع ربها، ومسخها عن هويتها، وتفريغها من الاعتزاز بحجابها.
فصرفوا المرأة المسلمة عن العفة والحشمة والستر إلى التفسخ والتردي في المنحدر الذي تردت فيه المرأة في ديار الكفر، فقدموا لها الإغراءات الدنيوية المثيرة، والزخارف الفانية، والموديلات الجذابة الكذابة، والنماذج الفاضحة الفادحة التي تؤجج الشهوات، وتحمل على قلة الحياء من رب الأرض والسماوات.
وقد اتخذ هؤلاء الأقزام جملة من الدعاوى لأجل ذلك من أشهرها:" اعتبار اختلاف الأعراف الاجتماعية فيما يخص اللباس وتطوره!!؟".
فأقول: الأعراف والعادات عند كافة العلماء ليست أحكاما شرعية، بل هي: (مناط للحكم الشرعي)، وهذا هو معنى قول الفقهاء:" اختلاف حال لا اختلاف حكم".( أنظر حاشية ابن الخياط على شرح الخرشي لفرائض خليل – رحمة الله على الجميع - ص: 8).
فلا يتصور من عاقل - فضلا على من شم رائحة الفقه - أن يخالف في ذلك، ولذا، فغاية بني علمان مكشوفة، وعادتهم في الإطاحة بأحكام دين الله معلومة، وسنة الله في هتك أستار أمثالهم مسطورة.
فكيف يصح الاعتماد على الأعراف فيما جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمه!!؟.
وكيف تجعل العادات حاكمة على دين رب الأرض والسماوات!!؟.
أما أمرت الشريعة الإسلامية بالستر!!؟.
فلماذا يا مدعي النظر تَدْعون إلى مخالفة ذلك تمسكا بالعرف الفاسد الذي شاعت فيه الألبسة المكشوفة، والأزياء المفضوحة!!؟.
قال الإمام المجتهد محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله في:( الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم-: 1/ 202):
" وأجمعوا على وجوب الحجاب للنساء ".
أما نهت الشريعة الإسلامية عن العري!!؟.
فلماذا يا مدعي الفكر تَدْعون إلى التكشف: استنادا إلى العادات الفاسدة التي ظهرت فيها أفخاذ النسوة، بل أكثر من ذلك!!؟.
لقد أجمع العلماء على تحريم التبرج كما حكاه الإمام الصنعاني رحمه الله في:( حاشيته : منحة الغفار على ضوء النهار: 4/2011-2012): نقلا عن:( حراسة الفضيلة: ص: 110): للشيخ بكر بن عبد الله رحمه الله.
فلا شك أن الفقهاء اعتبروا اختلاف الأعراف في الفقه الإسلامي، لكن بشرط عدم مخالفته لدين الله تعالى، حيث تَلْزَم المرأة لباس قومها وبلدها عند احتجابها بالشروط الشرعية، والضوابط المرعية، وإلا فلا صحة لعرف خالف المنصوص إجماعا "، لأن العرف مهما صادم الشارع، أصبح على المكلف بتطبيق الشريعة: أن يعمل بالنص، ويهمل العرف، إذ الشريعة إلزامية، وما شرعت إلا لكي تنفذ نصوصها وتحترم، فلا يجب تعطيلها بالعمل على خلافها، وإلا لم يعد للشريعة معنى!!؟": كما قال العلامة: الشاطبي المالكي رحمه الله في:( الموافقات: 2/183).
وقال العلامة: ابن عاصم الغرناطي المالكي رحمه الله في نظمه:(مرتقى الوصول إلى علم الأصول: ص: 742 مع شرحه):
العرف ما يعرف بين الناس ** ومثله العادة دون باس
ومقتضاهما معا مشروع ** في غير ما خالفه المشروع

وقال الشيخ: محمد مولود بن أحمد فال الشنقيطي المالكي رحمه الله في (إشراق القرار) :
فالعرف إن خالف أمر الباري ** وجب أن يُنبذ في البراري

ومن نفيس ما جادت به قريحة العلامة: ابن عاشور المالكي رحمه الله في هذا الصدد: تقرير أن اعتبار العرف: مناطا للحكم الشرعي في الشريعة الإسلامية، لأن حاجة الناس إلى العرف: فطرة قديمة أحس به الإنسان منذ أيامه الأولى، والمعنى: أن مراعاة العادات في الفقه الإسلامي يرجع إلى موافقة:(الفطرة النقية)، فكيف يستند إليها فيما يخالفها!!؟، فتأمله فإنه دقيق.
يقول العلامة: ابن عاشور رحمه الله:"..من هنا: تعلم أن القضاء بالعوائد يرجع إلى معنى (الفطرة)، لأن شرط العادة التي يقضى بها: أن لا تنافي الأحكام الشرعية، فهي تدخل تحت أحكام الإباحة، وقد علمت أنها من الفطرة، إما لأنها لا تنافيها، وحينئذ، فالحصول عليها مرغوب لفطرة الناس، وإما لأن الفطرة تناسبها، وهو ظاهر":( مقاصد الشريعة الإسلامية ص: 61).

وختاما أقول :
مدافعة دعاوى التفسخ والعري ونزع الحجاب: لا تكون بثقافة الصُراخ والتنفيس عن النفس بالمظاهرات والاعتصامات1، وإنما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما تقتضيه قواعد الشريعة وتحتمه، وبالدعوة إلى الله بما تقتضيه ضوابط الملة وتوجبه.

هوامش:
1) فائدة: يقول الشيخ عبد الحق التركماني حفظه الله:
" .. المظاهرات من الوسائل الموغلة في القدم، واشتهرت عن الرومان واليونان خاصة، والأوربيين عامة، ومن نظر في (قصة الحضارة) لديورانت: لاحظ كثرة المظاهرات في أوربا قبل الثورة الفرنسية وبعدها، لكنها صارت بعد الثورة الفرنسية من:" الحقوق المدنية" التي تصونها الدساتير والقوانين الوضعية، لهذا ظهر هذا السلوك عند المسلمين في عهد الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية!!؟، وربما كان الاستعمار نفسه يشجِّع على ممارسته، ليغرس في المسلمين بعض سننه ومفاهيمه في السياسة والاجتماع، وقد ذكر الأستاذ: محب الدين الخطيب رحمه الله في:(مجلة الفتح: السنة الأولى، عدد:64): خبر أول مظاهرة نسائية في سوريا عام 1927م في ظل الاحتلال الفرنسي!!؟، وقد كان العلماء الربانيون يدركون أن هذا السلوك الاجتماعي الجديد لا خير فيه، ففي ثورة المصريين على الانكليز سنة 1919م: جاهر العلامة: محمد حامد الفقي رحمه الله بإنكار المظاهرات، وبيَّن أن خروج الاحتلال لا يكون بها، بل بالعودة إلى الكتاب والسنة وإصلاح العقائد والعبادات.
وصدق رحمه الله في ذلك، فقد شهدت تلك المظاهرات: خروج هُدى شعراوي فيها سافرةً، فكانت أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب!!؟. (الأعلام للزركلي: 8/78).