عيد الاستقلال... بأية حال عدت يا عيد ... بقلم الأستاذ اليزيد عياش ... تربية بدنية ورياضية
10-07-2020, 03:59 PM
عيد الاستقلال... بأية حال عدت يا عيد ... بقلم الأستاذ اليزيد عياش ... تربية بدنية ورياضية
احتفلت الجزائر الأحد الماضي المصادف لتاريخ 05 يوليو 2020 م بالذكرى ال 58 لعيد الاستقلال والشباب ، هاته الذكرى التي نستعيد فيها أجمل وأوروع البطولات التي خاضها سلفنا ضد المستدمر الفرنسي الغاشم ، فمنهم من قضى نحبه ابان الثورة التحريرية والمقاومات الشعبية فالتحق بربه ونحسبه قد نال مرتبة الشهادة عنده ، ومنهم من بقي حيا بعد الثورة وعاش مع الشعب فرحة التحرر والحرية والاستقلال من مستدمر جاء ليبقى للأبد في هاته الأرض المباركة طامعا في جعلها أرضا فرنسية زاعما أن أصلها مسيحي ، وأن هذا الأخير جاء ليعيدها الى حضنها الحقيقي منطلقا من المقولة التي روجها مفكروه انذاك والتي تقول :" امسحوا القشرة السطحية للإسلام فسيظهر لكم جوهر الجزائر المسيحية " ، فما كان منه الا ان استخدم كل الوسائل المتاحة لديه لطمس هوية هذا الشعب من خلال المدارس التعليمية والتربوية التي أسسها في مختلف مناطق هاته الارض محاولا من خلال مناهجه التعليمية والتربوية ومقرراته الدراسية والحركات التنصيرية أن يغير ما بإمكانه تغييره في المزاج النفسي للفرد المكون لهاته الأمة ، بالمقابل وقف سدا منيعا في وجه كل الحركات الاصلاحية الدينية أو الفكرية التي كانت ترمي الى مواجهة مخططاته الشيطانية ومحاولة الحفاظ على هوية الامة ، وذلك من خلال تكريس مجموعة من الممارسات القمعية والتعسفية ، وخير مثال على ما ذكرناه ما قام به المستدمر الفرنسي ضد جمعية العلماء المسلمين الاصلاحية من قمع وقتل وتضييق واتهام واغراء ضد مؤسسيها وروادها الكبار أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الابراهيمي والشيخ العربي التبسي والطيب العقبي وغيرهم كثير ، كما أوقف لها الكثير من جرائدها التي كانت تصدرها وعلى رأسها جريدة السنة النبوية (1933م) ، وجريدة الشريعة المطهرة (1933م ) ، وجريدة الصراط السوي ( 1933م -1934 م ) ، وسن بعدها قانون 08 مارس 1938م يسمى بقانون العقاب الرهيب ، والذي قال عنه الامام بن باديس رحمه الله ما يلي : " إن قرار 8 مارس 1938، هو القرار الجائر الذي أصدرته وزارة الداخلية الفرنسية الذي حمل المرسوم اسمه، والهدف منه تضييق دائرة التعليم العربي الحر، ومنع العلماء من التدريس حيث نص القرار على “إغلاق المدارس العربية الحرة التي لا تملك رخصة العمل، ومنع كل معلم تابع للجمعية من مزاولة التعليم في المدارس المرخصة إلا بعد أن يتحصل على رخصة تعليم تقدمها له السلطات المعنية (1)”.والواقع أنها شددت من الإجراءات التعسفية لتقف حاجزا حقيقيا أمام المدارس التي لم تكن لها رخص تسمح لها بمزاولة نشاطها، لأن الإدارة الفرنسية رفضت أن تمنح لها الرخص رغم العديد من الطلبات التي سبق وأن تقدمت بها، ومن بين العراقيل التي وضعتها الإدارة الفرنسية في وجه المعلمين المنتسبين إلى جمعية العلماء، أنها تشترط على كل من يتقدم بطلب للحصول على رخصة الموافقة لممارسة التعليم إتقانه اللغة الفرنسية وهو الشرط الذي يفتقر إليه معظم معلمي المدارس التابعين لأعضاء الحركة الإصلاحية، ويعد شرطا تعجيزيا يفضي في النهاية إلى المنع " ، الا ان كل هاته الممارسات الاستدمارية باءت بالفشل ولم تزد الشعب وقادته من ساسة وعسكريين ومفكرين واصلاحين الا اصرارا وعزما للمضي نحو تحقيق الحرية والانعتاق من ربقة مستدمر غاشم ، وهذا من خلال التوجه في الأخير الى استخدام طريق العمل المسلح وتفجير أعظم ثورة في القرن العشرين الا وهي ثورة نوفمبر المجيدة ايمانا منهم بالمقولة التي تقول : " أن ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة " ، وبالفعل تحقق لهم ما كانوا يصبون اليه بعد ان دفعوا الغالي والنفيس من ارواحهم واموالهم ودمائهم الزكية من أجل شيء لا يقدر بثمن الا وهو الحرية والاستقلال ، فكان هذا بتاريخ 05 يوليو 1962 م ؛ هذا التاريخ الذي تم تخليده كيوم وطني نحتفي به في كل سنة بعيد يسمى عيد الاستقلال والشباب ، وهذا ما فعلناه في الايام القليلة الماضية ان احتفينا بذكرى مرور 58 سنة من عيد الاستقلال والشباب ، لكن هناك سؤالان نود طرحهما في هذا المقام والاجابة عنهما الا وهما : ما حال الجزائر سياسيا واقتصاديا وتربويا واجتماعيا بعد مرور 58 سنة من الاستقلال ، هل لو سمح لشهدائنا بالعودة مرة ثانية والوقوف على حالنا ، هل كانوا سيرضون به ام ماذا ؟
ان حال الجزائر في الشق السياسي بعد مرور 58 سنة من استعادة السيادة الوطنية هو حال لا يختلف كثيرا عن سابقيه ، فالنظام السياسي الحالي حديث العهد بالرئاسة جاء بعد انتفاضة شعبية عارمة قامت ضد النظام السابق بزعامة عبد العزيز بوتفليقة ، هذا الاخير الذي عاث نظامه فسادا بمقدرات الأمة ومقوماتها ، فما كان من الشعب ان ثار ضده وقام بإسقاطه واسقاط حلمه بحكم الجزائر لعهدة خامسة وأسقط معه ايضا الكثير من رموزه التقليدية التي جثمت على صدور الجزائريين لسنوات طويلة ، بل جرت الكثير منهم ايضا الى دهاليز المحاكم ومنها الى اسوار السجون في قضايا مختلفة : كاستغلال المناصب والنفوذ والاستفادة من امتيازات غير مستحقة وقضايا تبديد المال العام ، في نظام سياسي تميز في مراحله الاخيرة بسيطرة الاوليغارشيا المالية على سلطة القرار وانفرادها بحكم البلاد ورقاب العباد وتمييع الحياة السياسية والحزبية ، لكن بسقوط هذا النظام ورموزه وبعد مخاض عسير تم اجراء انتخابات رئاسية في موعدها الثاني الذي حدد لها وبمرافقة القيادة العسكرية تم انتخاب رئيس جديد يعتبر ايضا احد رجالات النظام السابق بالرغم من عزوف الكثير من الكتلة الناخبة عن الانتخاب الا انه تم فرض سياسة الامر الواقع واجراء الانتخابات بمن حضر بحجة الحفاظ على الدولة واستقرارها ، فتم انتخاب السيد عبد المجيد تبون كرئيس للجزائريين الذي ورث الكثير من الأعباء الثقيلة التي تركها له النظام السابق ، والتي يأتي على رأسها الفساد الأخلاقي المستشري في اعلى الهرم السياسي للدولة (الدولة العميقة ) ،وباقي مكوناتها وهياكلها التنظيمية والادارية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية ..... الخ ، الى جانب كل ذلك نجد ايضا ارثا آخر لا يقل اهمية عن السابق الا وهو مسألة استرجاع ثقة الشعب في حكامه ، والتي صارت أكثر حدة وعمقا عما كانت عليه من قبل ، لكن هناك مؤشرات سلبية تجعلنا نشك في الكثير من الاحيان أن هذا النظام سلوكيا لن يختلف عن سابقيه في الشق السياسي أو الاقتصادي أو التربوي أو الاجتماعي أو حتى أكثر في بعض الجوانب الحياتية ، وهذا ما نستشرفه من خلال هاته الفترة القصيرة من حكمه من خلال عدم امتلاكه لمشروع مجتمع طموح ينهض بالفرد والمجتمع ، بالمقابل سعيه الحثيث نحو اقرار مشاريع قوانين على مستوى وثيقة الدستور المطروحة او القوانين العضوية ( قانون العقوبات ) تضيق من الحريات الفردية والعامة بحجة الحفاظ على أمن الوطن ، الى جانب اقرار ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطن المغلوب وتضعف من قدرته الشرائية وتزيده اللاثقة أكثر بالسلطة وتفقده الأمل منها نهائيا مما ينعكس سلبا على أدائه الاجتماعي والاقتصادي في عملية التنمية الوطنية ، أما في الشق الاقتصادي فالملاحظ أن هذا النظام لن يختلف عن سابقيه ايضا في هذا الجانب وخير دليل على ذلك أن توجهاته الاقتصادية ريعية من خلال الخطة الاقتصادية والاجتماعية التي اطلقها مؤخرا الرئيس المنتخب وانتهاجه نفس السياسة الاقتصادية التي أساسها الريع الباطني ، وهذه المرة بالتوجه لاستغلال موارد اخرى كالمناجم مثلا بدل الاعتماد فقط على المورد الطاقوي السابق الذي صار لا يستجيب لتطلعات الدولة المالية وسياساتها الاجتماعية المتبعة بسبب الهبوط الحاد لأسعاره وعدم توفر مؤشرات ايجابية توحي بارتفاعها على الاقل في المنظور القريب ، هذا ما يأخذنا للقول أن ما تم التغني به في البداية أن الدولة ستتوجه نحو تبني اقتصاد المعرفة والاقتصاد المنتج الولاد للثروة لا الريعي هو مجرد ديماغوجية مقيتة تعودنا على سماعها دائما على السنة من حكمونا الا انها بقيت مجرد سراب لا أثر له في واقعنا وبه صار الجزائري مصير حياته معلق بسعر برميل بترول ، وبالحديث عن اقتصاد المعرفة نتحدث عن مشكلة اساسية أرقت مسؤولينا منذ الاستقلال وهو الفشل في التأسيس والتأصيل لمنظومة تربوية وتعليمية راقية كما فعلت الامم الاخرى التي بنت نهضتها على النهوض بالفرد من خلال التأسيس لنظم تعليمية وتربوية ناجحة ترفع من قيمة الفرد أخلاقيا وتثمن ذكائه وتستثمره في النهوض بالبلد من نواحي مختلفة ، من خلال التأسيس للفرد المنتج للفكرة المبدعة الولادة للثروة ، هذا الفرد الذي سيكون هو المحور الاساس الذي نبني به ما يسمى باقتصاد المعرفة ، لكن الملاحظ للآسف أن سياسة هذا النظام لا تعطي اولوية للمنظومة التربوية والتعليمية في صلب حديثها عن التنمية المستدامة الا بالحديث عن الاجور واستيراد المناهج ( الافكار الميتة والمميتة ) ، وهذا ما يجعلنا نكون متشائمين تجاه أي خطة تنموية توضع بعيدا عن جعل الانسان هو محورها ، وخير دليل على ذلك نتأمل النموذجين التعليميين والتربويين التركي والهندي اللذان كان مصدرا اشعاعهما النهضوي كلا من مشروعي " الفاتح " بتركيا ، و مشروع " اكاديمية خان " بالهند ، والحديث عن الفرد يقودنا للحديث عن المجتمع والعلاقة الطردية بينهما ، أي أن الرقي بالفرد وصلاجه يعني بالضرورة رقي المجتمع وصلاحه والعكس صحيح ، ولفهم حركة المجتمع وسيرورته التاريخية وطريقة النهوض به علينا ان نعطي أهمية للدراسات والابحاث الاجتماعية والانتربولوجية التي تقام في هذا الجانب على مستوى جامعاتنا او الجامعات الاخرى بغية الاستفادة منها واستغلالها في النهوض بالفرد والمجتمع والامة ككل ، وهذا ما يقودنا للحديث عن علم الاجتماع وأهميته في عملية النهضة والرقي في سلم الحضارة ، ولنا في ارث مالك بن نبي رحمه الله الذي تركه الكثير من الحلول لمشاكلنا الاجتماعية والحضارية التي نعاني منها ، لكن للأسف يلاحظ أن كل انظمتنا منذ الاستقلال ادارت ظهرها لعلم الاجتماع ولأفكار مفكرنا رحمه الله واعتقد أن هذا النظام لن يختلف كثيرا عن سابقيه في تكرار ذلك ، وما حالنا مع خريجي جامعاتنا من دراسي علم الاجتماع الا مرآة عاكسة لحال الامة ككل .
أما حال شهدائنا ان سمح لهم العودة والوقوف على حال جزائرنا بعد مرور 58 سنة من الاستقلال فهو بالتأكيد لن يسرهم لأننا كجيل استقلال فشلنا في معركة التعمير حيث انتصروا هم في معركة التحرير وبقي استقلالنا منقوصا ما دمنا لازلنا نعاني تبعية سياسية وفكرية ولغوية واقتصادية وتربوية وتعليمية نحو مستدمر الأمس ولم نستطع ان نتحرر بعد نفسيا وذهنيا وثقافيا عنه فما بالك ان نتحرر عنه في ميادين أخرى ؛ فالتحرر الحقيقي هو تحرر العقول لا تحرر الاوطان . لكن ما نرجوه حقا ان يكون حالنا في الذكرى ال 59 من عيد الاستقلال والشباب في أفضل حال وأن لا يتكرر على السنتنا هذا الشطر الأول من البيت الذي قاله المتنبي رحمه الله : عيد بأية حال عدت يا عيد

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار