وقفات مع البدعة والسنة :
10-12-2007, 01:13 PM
بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر
وقفات بسيطة مع السنة والبدعة
ا- فرق بين البدعة اللغوية والبدعة الشرعية :
البدعة عموما يمكن اعتبارها عبارة عن كل ما هو جديد مما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويمكن تقسيم البدعة بهذا المعنى إلى قسمين : بدعة لغوية وبدعة شرعية :
ا- أما البدعة اللغوية : فنعني بها كل جديد متعلق بالمعاملات لا بالعبادات . وينطبق على البدعة بهذا المعنى أو على البدعة اللغوية الأحكام الشرعية الخمسة : الوجوب , الاستحباب , الجواز أو الإباحة , الكراهة , وأخيرا التحريم .
* من أمثلة البدع اللغوية الجائزة صنع أكلات مشهورة وجديدة وأكلها , شرب عصير جديد , لبس حذاء من الأحذية العصرية , صبغ جدران البيت بصبغة لم تكن في عصور سابقة , الكتابة على الورق بقلم حبر أو على السبورة بقلم خاص , الجلوس في المؤسسات التعليمية على كراسي وطاولات عوض الجلوس على الأرض أو على زرابي , وهكذا... ويقاس على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
* * ومن أمثلة البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة طبع القرآن وكتابته والتلفزيون والسينما والكمبيوتر والأنترنت والفيديو والمسجلة والهاتف النقال والدراجة والسيارة والطائرة والبلدية والدائرة والولاية والانتخاب والمصعد وناطحات السحاب ومكبـرات الصوت ونحو ذلك من الأمور العادية الدنيوية المبتدعة ، إن استخدمت هذه الوسائل – بطبيعة الحال - في خير ونفع وفائدة ولم يكن فيها محذور شرعي ، ولم يكن في ذلك كذلك ظلم لأحد ولا نصر لبدعة أومنكر . إن هذه الأمثلة كلها ليـست داخلة في الأحاديث المحذرة من البدع , ولكنها أمور مستحبة في الدين أو واجبة . ويقاس كذلك على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
* * * ومن أمثلة البدع اللغوية المكروهة أو المحرمة إضاعة الوقت الطويل جدا مع متابعة مباريات كرة قدم مثلا أو مع اللغو من الحديث , وكذا نوادي الميسر والقمار , والفوائد الربوية المختلفة والمستحدثة , والغناء الخليع والمائع المصاحب لموسيقى صاخبة , وتصوير النساء في الأعراس وغيرها بواسطة الكاميرا ثم عرضها للتفرج عليها من طرف أجانب من الرجال , وشرب الدخان , وتناول المخدرات , وتبني النظريات الكافرة في علم الاجتماع أو علم النفس أو الاقتصاد أو تبني نظرية التطور لداروين التي تقول بأن " جدنا " قِـردٌ وليس آدم عليه الصلاة والسلام , و ... ويقاسُ على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
ب- وأما البدعة الشرعية : فلها معنى آخر , وهو أنها طريقة مخترعة في الدّين يُقصد بها التعبّد والتقرب إلى الله تعالى, وهذا يعني أنّه لم يرد بها الشّرع ولا دليل عليها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس أو ... ولم تكن على عهد رسولـنـا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وواضحٌ من التعريف أن البدع الشرعية متعلقة فقط بالعبادات , لا بالمعاملات , كما أنه واضحٌ بـأنّ المخترعات الدنيوية لا تدخل في مفهوم البدعة الشرعية . والبدعة الشرعية مذمومة دوما عند كل العلماء , وحكمها أنها إما مكروهةٌ أو حرامٌ . والحرام منها قد يكون كبيرة من الكبائر وقد يكون صغيرة من الصغائر . والكبيرةُ من البدع الشرعية منها ما لا يُخرجُ صاحبها إلى الكفرِ , ومنها ما يُخرجُ صاحبَـها عن الملة مثل عبادة الأصنام أو سب الصحابة أو تأليه علي بن أبي طالب أو القول بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام , أو ...
2- البدعة الحسنة : البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة هي التي يسميها بعض العلماء سـنة حسنة قال فيها رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " أو
يسمونها " بدعة حسنة " , في الوقت الذي يرفضُ فيه علماء آخرون هذه التسمية ويعتبرونـها تسمية باطلة وغير شرعية .
أما الأولون : فـيـعتبـرون أن في الدين بدع حسنة وبدع سيئة . أما البدع الحسنة فهي عندهم البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة والمتعلقة بالمعاملات أو بالعادات والسياسات الشرعية والمعاملات أو بالمسائل التوفـيـقـيـة , والتي يمكن اعتبارها هي المصالح المرسلة , وأما البدع السيئة فهي عندهم البدع الشرعية التي هي دوما مكروهة أو حراما كما أنها متعلقة عموما بالعبادات وبالمسائل التوقيفية في الدين . وهؤلاء العلماء يـأخذون كلمة البدعة بمعناها اللغوي , وهي المستحدثات عموما . وبالتالي فإن بعض البدع بهذا المعنى لا يدخلها الذم لأن المستحدثَ ليس مذموما بالكلية وليس مذموما كله , ومنه فإن " العز بن عبد السلام" رحمه الله مثلا يعتبـر البدعةَ بهذا المعنى ( أي البدعة اللغوية ) بأنها قد تكون واجبة أو مستحبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة بحسب موقعها من مقاصد الشرع . إن " العز بن عبد السلام " ومعه الشاطبي ومعهما كثيرٌ من العلماء القدامى والمعاصرين يستخدمون هنا اللفظ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي كما وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتماع الناس على صلاة التراويح بقولة " نعمت البدعة هذه " . وهؤلاء العلماء يُدخلون البدع اللغوية فيما يسمى بالمصالح المرسلة التي يعتمد عليها بعضُ الفقهاء كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي . والمصالح المرسلة يُـعرفها الأصوليون بأنها المصالح التي لم يشهد الشارعُ لها باعتبار أو بإلغاء , فهي مصلحة لأنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا , وهي مرسلة من اعتبار الشارع أو إلغائه , أي أنها مسكوتٌ عنها لا نص فيها ولا نظيـر لها يقاس عليه . وهي مع ذلك وصفٌ مناسبٌ لتشريع حكم معين من شأنه أن يُحققَ مصلحة شرعية موافقة لأصول الشريعة . ومن أمثلة ذلك ما فعل الصحابة من جمع القرآن وتضمين الصناع وقتل الجماعة بالواحد , و... فهذه فتاوى وأقضيات لم يرد في الشرع نصٌّ عليها ولم يكن هناك نصٌّ له علـة تجتمع معها لنقيس عليه , وهي مع ذلك تُـحقِّقُ مصالح حقيقية شرعية لعموم المسلمين توافقُ مقاصدَ الشريعة . وقد جعل المالكيةُ المصالحَ المرسلة ضمن أصولهم وكذا الحنابلة وتوسعوا فيها كثيرُا , بينما رفضها ( فقط من حيث الشكل ) الشافعيةُ والأحناف , وإن تضمنت فتاواهم وأقضيتُـهم كثيرا منها معتمـدا على المصلحة . حتى أن الأحنافَ خصُّوا بالمصلحةِ العامَّ وقيدوا بها المطلقَ , أي أنهم لم يستطيعوا تجاهلَـها , لأن الشريعةَ أصلا مبنيةٌ على المصالحِ . ثم ولما كانت المصالحُ المرسلةُ مظـنةَ العبث بها بدعوى تحقيق المصلحة ومدخلا للـتـفَلُّـتِ من الأحكام الشرعية , فقد اهـتم العلماءُ بوضع الضوابط الكافية لحماية هذا الأصل وضبطه ليحقق مقصودَه .
ومما سبق نستنتج بأن المصالح المرسلة تكون في العادات والسياسة الشرعية والمعاملات وأمور الدنيا ومخـترعاتها لأنها معقولة المعنى , أما العبادات فلا تدخل فيها لأنها توقيفيةٌ وهي غالبا غير مقبولة المعنى . وكما قلتُ فإن بعضَ العلماء اعتبـروا البدعة اللغوية المستحبة أو الواجبة مصالح مرسلة , وسموها " بدعة حسنة " أو " سنة حسنة " . وأما البدعة الشرعية فالكل متفق على أنها سيئةٌ ولا يمكن أن تكون حسنة , وعلى أنها مكروهةٌ أو حرامٌ .
3- البدعة الشرعية:
* هي طريقة في الدين مخـترعة تضاهي الطريقة الشرعية يَـقصدُ بها صاحبُها المبالغة في العبادة من علم أو عمل أو حال .
* * أو البدعة الشرعية هي ما أُحدثَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم على أنه دينٌ وشرع بتأويل أو شبهة غير معتد بها .
* * * أو البدعة الشرعية هي أمر مستحدثٌ في الدين على مثال العبادة يُـراد به الثوابُ .
* * * * أو البدعة الشرعية هو أمر مستحدثٌ لم يكن على عهد النبوة ولم يرد فيه نص أو نظير يقاس عليه
- تماما مثل المصالح المرسلة - , ولكنه يخالفها في أنه في العبادات لا المعاملات , وأنه يُـراد بفعله المبالغةُ في العبادة ونيل الثواب .
ولما كانت العبادات توقيفية الأصلُ فيها الحظرُ والمـنعُ , ولا يجوز استحداثُ شيء فيها , فقد وصفَ الحديثُ
"كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" هذه البدعة بأنها ضلالة وأن كل ضلالة في النار وزجر الناسَ عنها . ولذلك فإن البدعة الشرعية هي دوما سيئةٌ عند كل العلماء والفقهاء , وهي إما مكروهة أو أنها حرام . ومن خلال ما سبق ندرك أن شروطا ثلاثة يلزم توافرها ليوصف الفعل بأنه بدعةٌ مذمومةٌ وهي :
ا- أن يكون الأمر مستحدثٌ .
ب- أن يكون في العبادات لا في المعاملات .
جـ- أن يقصدَ صاحـبُـه المبالغةَ في العبادة لنيل الثوابِ .
وإذا قلنا بأن علماء عدوا المصالح المرسلة بدعا لغوية حسنة أو " سنة حسنة " , فإنه لا خلاف بين العلماء جميعا في أن البدع الشرعية لا علاقة لها عند الكل , لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالمصالح المرسلة ولا بالبدع اللغوية المستحبة أو الواجبة أو المباحة ولا بالبدع الحسنة ولا بالسنة الحسنة , وذلك بسبب الفروق الأساسية بينهما , والتي يمكن أن نذكر منها ما يلي :
ا- المصالحُ المرسلة تلائمُ مقاصدَ الشرعِ بـينما تناقضُ البدعةُ الشرعيةُ ذلك .
ب- المصالحُ المرسلةُ معقولة المعنى ومناسبةٌ للحكم , بـيـنما البدعُ الشرعية غير معقولة المعنى , لأنها متعلقةٌ بالعبادات .
جـ-المصالحُ المرسلة تكون لحفظ ضروري أو حاجي بالتخفيف ورفع الحرج , وأما البدعُ الشرعية فهي زيادة تكليف وهي لذلك مضادة للتخفيف .
د- المصالحُ المرسلة تكون في العادات والمعاملات والسياسة الشرعية , وأما البدعة الشرعية فتكون بشكل عام في العبادات .
يتبع : ...
عبد الحميد رميته , الجزائر
وقفات بسيطة مع السنة والبدعة
ا- فرق بين البدعة اللغوية والبدعة الشرعية :
البدعة عموما يمكن اعتبارها عبارة عن كل ما هو جديد مما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويمكن تقسيم البدعة بهذا المعنى إلى قسمين : بدعة لغوية وبدعة شرعية :
ا- أما البدعة اللغوية : فنعني بها كل جديد متعلق بالمعاملات لا بالعبادات . وينطبق على البدعة بهذا المعنى أو على البدعة اللغوية الأحكام الشرعية الخمسة : الوجوب , الاستحباب , الجواز أو الإباحة , الكراهة , وأخيرا التحريم .
* من أمثلة البدع اللغوية الجائزة صنع أكلات مشهورة وجديدة وأكلها , شرب عصير جديد , لبس حذاء من الأحذية العصرية , صبغ جدران البيت بصبغة لم تكن في عصور سابقة , الكتابة على الورق بقلم حبر أو على السبورة بقلم خاص , الجلوس في المؤسسات التعليمية على كراسي وطاولات عوض الجلوس على الأرض أو على زرابي , وهكذا... ويقاس على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
* * ومن أمثلة البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة طبع القرآن وكتابته والتلفزيون والسينما والكمبيوتر والأنترنت والفيديو والمسجلة والهاتف النقال والدراجة والسيارة والطائرة والبلدية والدائرة والولاية والانتخاب والمصعد وناطحات السحاب ومكبـرات الصوت ونحو ذلك من الأمور العادية الدنيوية المبتدعة ، إن استخدمت هذه الوسائل – بطبيعة الحال - في خير ونفع وفائدة ولم يكن فيها محذور شرعي ، ولم يكن في ذلك كذلك ظلم لأحد ولا نصر لبدعة أومنكر . إن هذه الأمثلة كلها ليـست داخلة في الأحاديث المحذرة من البدع , ولكنها أمور مستحبة في الدين أو واجبة . ويقاس كذلك على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
* * * ومن أمثلة البدع اللغوية المكروهة أو المحرمة إضاعة الوقت الطويل جدا مع متابعة مباريات كرة قدم مثلا أو مع اللغو من الحديث , وكذا نوادي الميسر والقمار , والفوائد الربوية المختلفة والمستحدثة , والغناء الخليع والمائع المصاحب لموسيقى صاخبة , وتصوير النساء في الأعراس وغيرها بواسطة الكاميرا ثم عرضها للتفرج عليها من طرف أجانب من الرجال , وشرب الدخان , وتناول المخدرات , وتبني النظريات الكافرة في علم الاجتماع أو علم النفس أو الاقتصاد أو تبني نظرية التطور لداروين التي تقول بأن " جدنا " قِـردٌ وليس آدم عليه الصلاة والسلام , و ... ويقاسُ على هذا الذي ذكرتُ مئات وآلاف الأمثلة الأخرى .
ب- وأما البدعة الشرعية : فلها معنى آخر , وهو أنها طريقة مخترعة في الدّين يُقصد بها التعبّد والتقرب إلى الله تعالى, وهذا يعني أنّه لم يرد بها الشّرع ولا دليل عليها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس أو ... ولم تكن على عهد رسولـنـا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وواضحٌ من التعريف أن البدع الشرعية متعلقة فقط بالعبادات , لا بالمعاملات , كما أنه واضحٌ بـأنّ المخترعات الدنيوية لا تدخل في مفهوم البدعة الشرعية . والبدعة الشرعية مذمومة دوما عند كل العلماء , وحكمها أنها إما مكروهةٌ أو حرامٌ . والحرام منها قد يكون كبيرة من الكبائر وقد يكون صغيرة من الصغائر . والكبيرةُ من البدع الشرعية منها ما لا يُخرجُ صاحبها إلى الكفرِ , ومنها ما يُخرجُ صاحبَـها عن الملة مثل عبادة الأصنام أو سب الصحابة أو تأليه علي بن أبي طالب أو القول بأن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام , أو ...
2- البدعة الحسنة : البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة هي التي يسميها بعض العلماء سـنة حسنة قال فيها رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة " أو
يسمونها " بدعة حسنة " , في الوقت الذي يرفضُ فيه علماء آخرون هذه التسمية ويعتبرونـها تسمية باطلة وغير شرعية .
أما الأولون : فـيـعتبـرون أن في الدين بدع حسنة وبدع سيئة . أما البدع الحسنة فهي عندهم البدع اللغوية المستحبة أو الواجبة والمتعلقة بالمعاملات أو بالعادات والسياسات الشرعية والمعاملات أو بالمسائل التوفـيـقـيـة , والتي يمكن اعتبارها هي المصالح المرسلة , وأما البدع السيئة فهي عندهم البدع الشرعية التي هي دوما مكروهة أو حراما كما أنها متعلقة عموما بالعبادات وبالمسائل التوقيفية في الدين . وهؤلاء العلماء يـأخذون كلمة البدعة بمعناها اللغوي , وهي المستحدثات عموما . وبالتالي فإن بعض البدع بهذا المعنى لا يدخلها الذم لأن المستحدثَ ليس مذموما بالكلية وليس مذموما كله , ومنه فإن " العز بن عبد السلام" رحمه الله مثلا يعتبـر البدعةَ بهذا المعنى ( أي البدعة اللغوية ) بأنها قد تكون واجبة أو مستحبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة بحسب موقعها من مقاصد الشرع . إن " العز بن عبد السلام " ومعه الشاطبي ومعهما كثيرٌ من العلماء القدامى والمعاصرين يستخدمون هنا اللفظ بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي كما وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتماع الناس على صلاة التراويح بقولة " نعمت البدعة هذه " . وهؤلاء العلماء يُدخلون البدع اللغوية فيما يسمى بالمصالح المرسلة التي يعتمد عليها بعضُ الفقهاء كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي . والمصالح المرسلة يُـعرفها الأصوليون بأنها المصالح التي لم يشهد الشارعُ لها باعتبار أو بإلغاء , فهي مصلحة لأنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا , وهي مرسلة من اعتبار الشارع أو إلغائه , أي أنها مسكوتٌ عنها لا نص فيها ولا نظيـر لها يقاس عليه . وهي مع ذلك وصفٌ مناسبٌ لتشريع حكم معين من شأنه أن يُحققَ مصلحة شرعية موافقة لأصول الشريعة . ومن أمثلة ذلك ما فعل الصحابة من جمع القرآن وتضمين الصناع وقتل الجماعة بالواحد , و... فهذه فتاوى وأقضيات لم يرد في الشرع نصٌّ عليها ولم يكن هناك نصٌّ له علـة تجتمع معها لنقيس عليه , وهي مع ذلك تُـحقِّقُ مصالح حقيقية شرعية لعموم المسلمين توافقُ مقاصدَ الشريعة . وقد جعل المالكيةُ المصالحَ المرسلة ضمن أصولهم وكذا الحنابلة وتوسعوا فيها كثيرُا , بينما رفضها ( فقط من حيث الشكل ) الشافعيةُ والأحناف , وإن تضمنت فتاواهم وأقضيتُـهم كثيرا منها معتمـدا على المصلحة . حتى أن الأحنافَ خصُّوا بالمصلحةِ العامَّ وقيدوا بها المطلقَ , أي أنهم لم يستطيعوا تجاهلَـها , لأن الشريعةَ أصلا مبنيةٌ على المصالحِ . ثم ولما كانت المصالحُ المرسلةُ مظـنةَ العبث بها بدعوى تحقيق المصلحة ومدخلا للـتـفَلُّـتِ من الأحكام الشرعية , فقد اهـتم العلماءُ بوضع الضوابط الكافية لحماية هذا الأصل وضبطه ليحقق مقصودَه .
ومما سبق نستنتج بأن المصالح المرسلة تكون في العادات والسياسة الشرعية والمعاملات وأمور الدنيا ومخـترعاتها لأنها معقولة المعنى , أما العبادات فلا تدخل فيها لأنها توقيفيةٌ وهي غالبا غير مقبولة المعنى . وكما قلتُ فإن بعضَ العلماء اعتبـروا البدعة اللغوية المستحبة أو الواجبة مصالح مرسلة , وسموها " بدعة حسنة " أو " سنة حسنة " . وأما البدعة الشرعية فالكل متفق على أنها سيئةٌ ولا يمكن أن تكون حسنة , وعلى أنها مكروهةٌ أو حرامٌ .
3- البدعة الشرعية:
* هي طريقة في الدين مخـترعة تضاهي الطريقة الشرعية يَـقصدُ بها صاحبُها المبالغة في العبادة من علم أو عمل أو حال .
* * أو البدعة الشرعية هي ما أُحدثَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم على أنه دينٌ وشرع بتأويل أو شبهة غير معتد بها .
* * * أو البدعة الشرعية هي أمر مستحدثٌ في الدين على مثال العبادة يُـراد به الثوابُ .
* * * * أو البدعة الشرعية هو أمر مستحدثٌ لم يكن على عهد النبوة ولم يرد فيه نص أو نظير يقاس عليه
- تماما مثل المصالح المرسلة - , ولكنه يخالفها في أنه في العبادات لا المعاملات , وأنه يُـراد بفعله المبالغةُ في العبادة ونيل الثواب .
ولما كانت العبادات توقيفية الأصلُ فيها الحظرُ والمـنعُ , ولا يجوز استحداثُ شيء فيها , فقد وصفَ الحديثُ
"كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" هذه البدعة بأنها ضلالة وأن كل ضلالة في النار وزجر الناسَ عنها . ولذلك فإن البدعة الشرعية هي دوما سيئةٌ عند كل العلماء والفقهاء , وهي إما مكروهة أو أنها حرام . ومن خلال ما سبق ندرك أن شروطا ثلاثة يلزم توافرها ليوصف الفعل بأنه بدعةٌ مذمومةٌ وهي :
ا- أن يكون الأمر مستحدثٌ .
ب- أن يكون في العبادات لا في المعاملات .
جـ- أن يقصدَ صاحـبُـه المبالغةَ في العبادة لنيل الثوابِ .
وإذا قلنا بأن علماء عدوا المصالح المرسلة بدعا لغوية حسنة أو " سنة حسنة " , فإنه لا خلاف بين العلماء جميعا في أن البدع الشرعية لا علاقة لها عند الكل , لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالمصالح المرسلة ولا بالبدع اللغوية المستحبة أو الواجبة أو المباحة ولا بالبدع الحسنة ولا بالسنة الحسنة , وذلك بسبب الفروق الأساسية بينهما , والتي يمكن أن نذكر منها ما يلي :
ا- المصالحُ المرسلة تلائمُ مقاصدَ الشرعِ بـينما تناقضُ البدعةُ الشرعيةُ ذلك .
ب- المصالحُ المرسلةُ معقولة المعنى ومناسبةٌ للحكم , بـيـنما البدعُ الشرعية غير معقولة المعنى , لأنها متعلقةٌ بالعبادات .
جـ-المصالحُ المرسلة تكون لحفظ ضروري أو حاجي بالتخفيف ورفع الحرج , وأما البدعُ الشرعية فهي زيادة تكليف وهي لذلك مضادة للتخفيف .
د- المصالحُ المرسلة تكون في العادات والمعاملات والسياسة الشرعية , وأما البدعة الشرعية فتكون بشكل عام في العبادات .
يتبع : ...
اللهم اغفر لأهل منتديات الشروق وارحمهم واجعلهم جميعا من أهل الجنة
من مواضيعي
0 الطمع في خدمة تقدمونها إلي ...
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!
التعديل الأخير تم بواسطة رميته ; 10-12-2007 الساعة 01:18 PM