۞ « الـشَّـهِـيـدُ يُــغْـفَـرُ لَـهُ كُلُّ ذَنْـبٍ إِلاَّ . . . »
25-01-2018, 08:16 PM


۞ « الـشَّـهِـيـدُ يُــغْـفَـرُ لَـهُ كُلُّ ذَنْـبٍ إِلاَّ . . . »


ــــ سُـؤَالٌ :

كيف نوفّق بين هذين الحديثين :
1 ـــ عـن عـمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يُغْـفَـرُ لِلـشَّـهِـيدِ كُـلُّ ذَنْـبٍ إِلاَّ الـدَّيْـنَ ) .
2 ـــ عـن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلانٌ شهيدٌ ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجل فقالوا: فلانٌ شهيدٌ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلا إني رأيتهُ في النار في بُردةٍ غَـلَّها أو عـباءة ) ، ثم قال لي : ( يا ابن الخطاب قم فنادِ في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ) فقمت فناديت في الناس » .

فالحديث الأول ينص على أن ذنوب الشهيد تُغفر إلا الدين ، في حين أن الحديث الثاني نص على أنه لم يُغفر لذلك الشهيد ؛ لأنه غَـلَّ من الغنيمة ، أوليس الغُـلول ذنباً غير الدين يجب أن يغفر وفقاً للحديث الأول ؟ أرجو التوضيح.


الْـجَـوَابُ :

الحمد لله ...
ــــ أَوَّلاً :
روى مسلم (1886) عَـنْ عَـبْدِ اللَّهِ بْنِ عَـمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَـلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يُغْـفَـرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ) .
وروى مسلم (114) عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَلَّا ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ) ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ) قَالَ : فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ : أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " .
فهذان حديثان صحيحان ، رواهما مسلم رحمه الله في صحيحه ، وليس بينهما بحمد الله اختلاف : فالحديث الأول يدل عـلى أن الشهيد يغفر له كل ذنب عمله فيما بينه وبين ربه ، إلا الدين ؛ فإنه لا يغفر له ؛ لتعلقه بحقوق الآدميين ، فحقوق الآدميين لا تكفرها الشهادة .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا الدَّيْن ) فِيهِ تَنْبِيه عَلَى جَمِيع حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَأَنَّ الْجِهَاد وَالشَّهَادَة وَغَيْرهمَا مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لَا يُكَفِّر حُقُوق الْآدَمِيِّينَ , وَإِنَّمَا يُكَفِّر حُقُوق اللَّه تَعَالَى " انتهى من " شرح مسلم " (29/13).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر الصَّحِيح " إِنَّ الشَّهِيد يُغْفَر لَهُ كُلّ شَيْء إِلَّا الدَّيْن " فَإِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الشَّهَادَة لَا تُكَفِّر التَّبِعَات , وَحُصُول التَّبِعَات لَا يَمْنَع حُصُول دَرَجَة الشَّهَادَة , وَلَيْسَ لِلشَّهَادَةِ مَعْنًى إِلَّا أَنَّ اللَّه يُثِيب مَنْ حَصَلَتْ لَهُ ثَوَابًا مَخْصُوصًا ، وَيُكْرِمهُ كَرَامَة زَائِدَة , وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيث أَنَّ اللَّه يَتَجَاوَز عَنْهُ مَا عَدَا التَّبِعَات , فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ لِلشَّهِيدِ أَعْمَالًا صَالِحَة وَقَدْ كَفَّرَتْ الشَّهَادَة أَعْمَاله السَّيِّئَة غَيْر التَّبِعَات ، فَإِنَّ أَعْمَاله الصَّالِحَة تَنْفَعهُ فِي مُوَازَنَة مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّبِعَات ، وَتَبْقَى لَهُ دَرَجَة الشَّهَادَة خَالِصَة , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَال صَالِحَة فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة , وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى من " فتح الباري " (193/10) .
وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : " أَرَادَ بِالدَّيْنِ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لَيْسَ المدين أَحَقَّ بِالْوَعِيدِ وَالْمُطَالَبَةِ مِنْهُ مِنْ الْجَانِي وَالْغَاصِبِ وَالْخَائِنِ وَالسَّارِقِ " انتهى من "تحفة الأحوذي" (302/5)، بتصرف يسير .
ــــ ثَـانِـيًّـا :
الغنيمة حق من حقوق الآدميين ، بل هي من أعظم حقوق الآدميين ؛ لتعلقها بالمال العام ، قال الحجاوي في "الزاد" (ص: 97) :
" وتُملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب ، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال ، فيخرج الخمس ، ثم يقسم باقي الغنيمة : للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه ، ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ، ويشاركونه فيما غنم " انتهى .
والغلول : السرقة من الغنيمة قبل القسمة ، قال النووي رحمه الله : " ( الْغُلُول ) الْخِيَانَة , وَأَصْله السَّرِقَة مِنْ مَال الْغَنِيمَة قَبْل الْقِسْمَة " انتهى .
فالشهادة لا تكفر الغلول ؛ لأن الشهادة لا تكفر حقوق الآدميين ، كما سبق .
فقول السائل : " أوليس الغلول ذنباً غير الدين " ؟ فيقال : الغلول ذنب متعلق بحقوق الآدميين ، والمقصود بالديْن في الحديث حقوق الآدميين ، لا خصوص الدين .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الغلول يمنع من إطلاق الشهادة على الغالّ ؛ فلا يستحق بذلك غفران كل الذنوب .
قال النووي رحمه الله :
" الْغُـلُول يَمْنَع مِنْ إِطْلَاق اِسْم الشَّهَادَة عَلَى مَنْ غَلَّ إِذَا قُتِلَ " انتهى .
قال القاري رحمه الله :
" وَفِيهِ بَحْثٌ ؛ إِذْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ شَهَادَتِهِ ، كَيْفَ وَقَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخِدْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهِيدِ ألّا يَكُونُ عَلَيْهِ ذَنَبٌ أَوْ دَيْنٌ بِالْإِجْمَاعِ " انتهى من " مرقاة المفاتيح " (6/ 2583) .
وقد يقال : إن الغـلول يَحْرم الشهيد من الوصول إلى مقام الشهادة العـليا ، والذي به يُغـفر له كل الذنوب ، وإن كان لا يَحْـرمه من أصل الشهادة وفضيلتها . والله أعـلم .



•• عـن موقع : الإسلام .. سؤال وجواب ••





« رَبِّ اغْـفِـرْ لِي وَلأَِخِي وَأَدْخِلْـنَا فِي رَحْمَتِـكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ »

التعديل الأخير تم بواسطة ** رشاد كريم ** ; 26-01-2018 الساعة 09:10 AM