الأمازيغية في الجزائر.. بين الدسترة السياسية والهوية الثقافية
05-05-2016, 10:37 AM
الأمازيغية في الجزائر.. بين الدسترة السياسية والهوية الثقافية



للمرة الأولى في تاريخ الجزائر الحديث، يجري اقتراح اعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للجزائر جنباً إلى جنب مع اللغة العربية، وهو ما يُعتبر إنجازاً كبيراً للمطالب القديمة المتجددة في الجزائر بترسيم الأمازيغية وعدم اعتبارها لغة وطنية فقط.

ينصّ المشروع الصادر عن الرئاسة الجزائرية يوم 5 كانون الثاني/ يناير 2016 على إحداث مجمع جزائري للأمازيغية وأن تعمل الدولة على ترقية الأمازيغية وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية، كما أشار المشروع إلى أن الأمازيغية تعدّ مكوّناً أساسياً للهوية الجزائرية، شأنها في ذلك شأن العروبة والإسلام.

تاريخياً، وإبان استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي، تجاهلت حركة "تعريب" الجزائر المكوّن الأمازيغي وعملت على تحجيمه في الحيّز السياسي والإعلامي والثقافي، الأمر الذي تسبب في تغذية خلافات متداخلة الأبعاد وصلت في كثير من الأحيان إلى درجة الاحتجاجات المباشرة. يُذكر أن بداية المطالب الأمازيغية تعود إلى عام 1980 في منطقة القبائل الجزائرية حين تمحورت المطالب حول اعتراف أكبر بهم وبثقافتهم، وقد استجابت الدولة لجزء من مطالبهم عام 2002 عندما اعترفت بالأمازيغية لغة وطنية، وخصصت لهذه اللغة حيزاً من الإعلام الرسمي.

يتزامن الحدث الجزائري المذكور مع اتخاذ منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة قرار ضم احتفالات رأس السنة الأمازيغية إلى قائمة الثراث العالمي اللامادي باعتبارها تقليداً تاريخياً عريقاً تمارسه مجموعة بشرية وتتداوله الأجيال. كما اشتمل قرار اليونسكو، الذي اتخذ يوم الأحد 3 كانون الثاني/ يناير 2016، على ضم أبجدية تيفيناغ (الأمازيغية) باعتبارها تراثاً إنسانياً لامادياً، وتم تصنيف الطبق الأمازيغي الأصيل الكسكس في قائمة التراث الثقاقي اللامادي.

ما خلف العربية والأمازيغية.. ماذا عن دسترة الحق في الثقافة؟
تطرح الصيغة الحالية لدسترة الحق في الثقافة في الجزائر عدداً من الإشكاليات وتحمل بعضاً من الأسئلة المعلقة، وهذا ما يرصده د. عمار كساب، خبير السياسات الثقافية ومنسق المجموعة الجزائرية للعمل على السياسات الثقافية قائلاً:
"نظرياً، تعتبر دسترة الثقافة مكسباً جديداً للشعب الجزائري بصورة عامة وللناشطين في المجال الثقافي بصورة خاصة، فبدسترة الثقافة تصبح هذه الأخيرة حق من الحقوق المبدئية للمواطن الجزائري، الذي يمكنه أن يطالب بحقه الدستوري إذا لم توفر له الدولة المنشآت الثقافية والموارد المالية المناسبة حتى يتسنى له التمتع بالثقافة. وستكون بذلك الدولة مجبرة على الإبقاء على ميزانية ثقافة معتبرة.

ما يطرح عدة إشكاليات هو الصيغة التي اقترحت بها دسترة الثقافة. من بين هذه الإشكاليات هو عدم تحديد آليات الحق في الثقافة للمواطن وكيفية وصوله الى الثقافة، لأن الحق في الثقافة كما هو معروف دوليا مبني على حقين، وهما حق الاستمتاع بالمواد الثقافية والفنون وحق التعبير الثقافي أي ممارسة الفنون. وجاءت المادة وكأنها تعطي الحق للمواطن في استهلاك الثقافة فقط وتجاهلت حقه في الابداع وممارسة الفعل الثقافي.

وتفادياً لهذه الإشكالية قام البرلمان التونسي بإضافة حق الابداع والتعبير الثقافي في دستور 2014: (الحق في الثقافة مضمون. حريّة الإبداع مضمونة، وتشجّع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعّم الثقافة الوطنية في تأصّلها وتنوّعها وتجدّدها، بما يكرّس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات. تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه).

أما الإشكالية الثانية التي تطرحها الصيغة الحالية لدسترة الثقافة هو عدم تعريف الثقافة، فعلى أي ثقافة يتحدث مشروع الدستور الجديد؟ لذلك كان على من كتب مشروع الدستور أن يعطي تعريف للثقافة الجزائرية وذلك بالأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد الهوية الوطنية حتى يتفادى أي تأويل خاطئ.

أما عملياً، فتطبيق هذه المادة بإتاحة حق الثقافة لكل المواطنين الجزائريين سيكون صعباً جداً خاصة وأن الاستراتيجية الثقافية التي اعتمدتها وزارة الثقافة منذ عدة سنوات هي مركزية الفعل الثقافي في العاصمة وبعض المدن الكبيرة، فكيف ستصل الثقافة ريفنا وصحرائنا الكبيرين؟ ولذلك يجب على وزارة الثقافة البدء وبسرعة في لا مركزة الفعل الثقافي وإعطاء الجمعيات الثقافية والفنية المحلية إمكانيات أكبر لأنها الوحيدة القادرة على إيصال الثقافة في المناطق النائية والمعزولة.

إذا نعم، دسترة الثقافة مكسب ولكنه مكسب هش لا يمكن تطبيقه إذا لم تكن هناك سياسات عمومية قوية في مجال الثقافة".

الأمازيغية في الجزائر.. أبرز المحطات
- عام 1949: ينشب صراع بين قبائل في حزب الشعب الجزائري حول هوية الأمة الجزائرية بين العروبة والإسلام من جهة والأمازيغية وما قبل الإسلام من جهة ثانية. ينتهي ذلك الصراع حينها بإقصاء دعاة الأمازيغية من قيادة الحزب.
- حقبة الاستعمار الفرنسي: خلال فترة الصراع ضد الاستعمار الفرنسي، يتراجع الجدل حول المسألة الأمازيغية وتخف حدته.
- بعد الاستقلال: يطفو الصراع مجدداً مترافقاً مع مرحلة "تعريب الجزائر" في عهد الرئيس بومدين، ويتم تأسيس الأكاديمية البربرية في باريس نهاية الستينيات.
- عام 1980: تندلع حركة احتجاجية عرفت بـ "أحداث القبائل" بسبب قيام السلطات بمنع منظّر الأمازيغية مولود معمري من إلقاء محاضرة في جامعة تيزي وزو حول "الشعر القبائلي القديم".
- عام 1985: السلطات تعتقل العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية.
- خلال التسعينيات: وبالتزامن مع ظاهرة الإرهاب في مناطق واسعة من الجزائر، تشهد الجزائر موجات من الإضرابات المطالبة بالاعتراف بالمكوّن الأمازيغي في البلاد. ويقوم النظام الجزائري بإدخال الأمازيغية في تعليم منطقة القبائل ويُنشأ "المحافظة السامية للأمازيغية" ويحُدث نشرات إخبارية تلفزيونية ناطقة باللغات الأمازيغية الرئيسة الثلاث.
- عام 1996: الرئيس الجزائري اليمين زوروال يعدّل الدستور معتبراً المكوّن الأمازيغي واحداً من المقومات الأساسية للهوية الجزائرية بجانب الإسلام والعروبة.
- عام 2001: تندلع احتجاجات واسعة إثر وفاة شاب في أحد مقرات الشرطة في ولاية تيزي وزو. يرفض المحتجون الاعتراف بالتنظيمات الحزبية القبائلية، ويؤسسون تنسيقية جديدة ويرفعون لائحة مطالب عرفت باسم "لائحة القصر" وتتكون من 15 مطلباً كان أهمها هو تلبية المطلب الأمازيغي بكل أبعاده الهوية الحضارية والثقافية دون استفتاء شعبي ودون شروط مسبقة. يدخل النظام في مرحلة تفاوضية على المطالب تنتهي بإعلان الرئيس بوتفليقة بترسيم الأمازيغية دون إجراء استفتاء شعبي.

الفرنسية تهدد العربية والأمازيغية!
بعيداً عن تسييس الصراع حول الاعتراف بالهوية الأمازيغية واعتمادها كلغة رسمية للبلاد، فإن الحقائق اليومية تشير إلى تسيّد اللغة الفرنسية عند كل من العرب والأمازيغ على حساب لغاتهم المحلية الأصلية.

إذ شهد العقد الأخير في الجزائر عودة قوية لحضور الفرنسية بين أوساط الشعب، الأمر الذي يهدد مستقبل العربية والأمازيغية على حد سواء ويحصر قضية صراع اللغتين العربية والأمازيغية في بعده السياسي فقط.

لم تتمكن الدولة الجزائرية أصلاً من تعريب الجزائر وفرض اللغة العربية كلغة وطنية، الأمر الذي من شأنه أن يجبر الدولة في الجزائر على اعتماد سياسة ثقافية واضحة وجدية إزاء مكوناتها الثقافية بعيداً عن استخدام الصراع لأغراض سياسية بحتة.

الأمازيغية في بعدها المغربي.. ليبيا والمغرب
في تداعيات التطور في الجزائر، استقبل الأمازيغ في ليبيا الخبر بتفاؤل كبير بأن مطالبهم في ليبيا قد تلقى استجابة مماثلة في المستقبل القريب.

يمثّل الأمازيغ الليبيبون حوالي 15% من مجمل السكان، ويطالبون بترسيم الأمازيغية في الدستور الليبي دون أن يعتمده البرلمان الليبي، ومن المتوقع أن يطرح الموضوع على استفتاء عام.

أما في المغرب فقد ارتفعت أصوات نشطاء أمازيغ مغاربة مطالبين بجعل رأس السنة الأمازيغية الذي يصادف يوم 13 كانون الثاني/ يناير، عيداً وطنيا وعطلة رسمية.

ويطالب النشطاء الأمازيغ بالاعتراف بهذا اليوم عيداً وطنياً كما هو الشأن بالنسبة للسنتين الهجرية والميلادية، وذلك عبر عريضة لجمع التوقيعات ستوجه للمؤسسات المعنية. ومن شأن الاعتراف بتخصيص عيد وطني أمازيغي، الإقرار بالحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ في المغرب، حيث تعتبر الأمازيغية مكوناً أساسياً من مكونات الهوية المغربية التي أقرها دستور عام 2011 في المغرب.
التعديل الأخير تم بواسطة mohamed yakon ; 05-05-2016 الساعة 10:40 AM