العربية الأنسب لكتابة الأمازيغية وتوحيد الجزائريين
23-02-2016, 10:23 PM

أدار الندوة: حسين لقرع / تغطية: نادية سليماني- سعيد باتول



أجمع خبراء تربية وباحثون حلوا ضيوفاً على ندوة "الشروق" حول الأمازيغية، على تثمين قرار اعتماد الأمازيغية لغة وطنية ورسمية بموجب المادة 3 مكرّر من الدستور المُعدّل الذي صادق عليه البرلمان مؤخراً؛ إذ سحبَ هذه الورقة المهمّة من الاستغلال السياسي المفرط الذي تعرّضت له على مدار نصف قرن من الزمن، ورمى الكرة في منطقة الباحثين وخبراء اللغة واللسانيات الذين ينتظرهم مجهودٌ ضخم لبعث هذه اللغة وتطويرها وإثرائها بآلاف المصطلحات في مختلف مجالات العلم والمعرفة، ما ينعكس إيجاباً على تحسين مستوى تعليمها واستعمالها لدى الجزائريين، لاسيّما إذا تمكّنت الأكاديمية المزمع إنشاؤها من وضع لغة معيارية لجميع أمازيغ الجزائر.
إلا أن المشاركين في الندوة اختلفوا حول الحروف الموحّدة التي ستُكتب بها اللغة الأمازيغية؛ ففي حين دعا الخبير في اللسانيات بجامعة تيزي وزو الدكتور صالح بلعيد، وعبد القادر بوعلي، أستاذ اللسانيات بجامعة تلمسان، والخبير في التربية عبد القادر فضيل، وأستاذُ علم الاجتماع والإعلامي أحسن خلاص إلى كتابتها بالحروف العربية، أبدى عزيري بوجمعة مدير البحث والتعليم بالمحافظة السامية للأمازيغية، ميلا إلى كتابتها بالحروف اللاتينية متحججاً بأن الكثير من البحوث أُنجزت بها، في حين اتَّخذ الباحث والكاتب والبرلماني السابق أرزقي فرّاد موقفا وسطا بين الطرفين يقنّن الأمر الواقع، وذلك بالدعوة إلى إنشاء ثلاثة مخابر تتكفّل بكتابتها بالحروف الثلاثة: العربية واللاتينية وتيفيناغ، و"تأجيل" مسألة "توحيد" الحروف التي ستُكتب بها الأمازيغية، والتركيز أكثر على تطوير هذه اللغة وتعميم تدريسها حتى تنتشر في أوساط الجزائريين بمختلف مناطق الوطن .

بوجمعة عزيري: الحروف اللاتينية هي الأقدر على التعبير عن الأمازيغية


أكّد بوجمعة عزيري، مدير التعليم والبحث بالمحافظة السامية للأمازيغية، أن أفضل عمل نقوم به لإنجاح تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، هو في إبعادها عن التوظيف السياسي، معتبرا أنه لو رُسّمت هذه اللغة في فترة السبعينيات "لكان أفضل وتقبّلها المجتمع بسهولة، أما الآن فالأمر يحتاج إلى مجهودٍ أكبر". وبخصوص غياب أكاديمية للأمازيغية، أكد عزيري، أنه "غير مؤثر"، حيث قال "المهم هو العمل الميداني والتحسيسي في المجتمع.. يجب أن لا نفرضَها قهرا على المواطن، وإنّما أن نُحبّبه في هذه اللغة، فهي عنصرٌ مهمّ من هويته لابد من استرجاعه"، وحسبه، هذا التحسيس كان منذ زمن "لكنه كان محظورا"، أما الآن فأنشئت معاهد للأمازيغية في جامعات عديدة، تخرّج فيها آلافُ الأساتذة بشهادة ليسانس. وأكّد عزيري، أن المحافظة السامية للأمازيغة، أصدرت مئات الكتب عن هذه اللغة من تأليف دكاترة ومختصين، وقواميس صغيرة، كما أنشأت الدولة في أوائل التسعينيات معاهد لتعليم اللغة والثقافة الأمازيغية، في تيزي وزو، وبجاية والبويرة، وألّفنا 10 قواميس لمختلف اللهجات، إذن لا خوف من الانطلاق من شيء مؤسّس وموجود". وشدّد المتحدث على ضرورة اعتبار الأمازيغية هوية، بدل اختزالها في حروفٍ وقواعد.
واعتبر ضيف "الشروق"، أن تدريس الأمازيغية شابَهُ ضعف التأطير، فبلغة الأرقام، خلال الموسم الدراسي 1995-1996 أدخلت الدولة، الأمازيغية في 16ولاية ببرنامج ثري، يشرف عليه 233 أستاذ يؤطرون أكثر من37 ألف تلميذ "الإشكال أن 50 من المائة من الأساتذة كانوا متعاقدين وخضعوا لتكوين مدّته 21 يوماً فقط، وآخرون كانوا يدرّسون مواد أخرى مثل الفرنسية والعربية وجُلبوا لتدريس الأمازيغية لأنهم أمازيغ". لتتراجع لاحقا هذه اللغة من 16 ولاية إلى 9 ولايات فقط، لأنها مادة اختيارية لا إجبارية، فضلاً عن برمجتها في آخر الدوام.. وهو ما يجعلنا نطالب بجعل مادة اللغة الأمازيغية إجبارية".
وبخصوص الحرف الذي ستدرّس به الأمازيغية، اعتبر عزيري أن اللهجات هي "أمّ اللغات"، ولكن كل الظروف متوفرة الآن لتكوين أمازيغية وسط "لكننا لا نريد لغة مخبرية يرفضها الشعب، بل نريد نموّا طبيعيا للهجات ولغة لها جذورٌ في المجتمع.. وهو ما جعلنا نتعاون مع وزارة التربية الوطنية، لإنشاء لجنة مشتركة مُكوّنة من اختصاصيين". وحسبه، فإن تلميذ السنة الأولى ابتدائي عندما يدرس الأمازيغية، لابد أن يدرسها بلهجته التي تعلّمها في منزله، ونترك أمر اللغة المعيارية لأكاديمية الأمازيغية التي ستنشأ مستقبلا.
وأضاف "أنشأنا لجنة مكوّنة من أكاديميين ومختصّين تجوب مختلف ولايات الوطن، لجمع المادة حول مختلف المصطلحات، لغرض تكوين قاموس أمازيغي مشترَك، مع تنظيم ندوة دولية شهر مارس المقبل حول القواميس الأمازيغية". وأنكر المتحدّث الاتهامات الموجّهة للمحافظة السامية للأمازيغية، بشأن محاولتها فرض الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية، موضحا "ارتأينا استعمال الحرف اللاتيني لأننا لم نتلقّ أعمالا بالحرف العربي، أما حجّتنا العلمية، فبعض الحروف التي تسمى الصائتة les voyelles، غير مجسّدة في العربية، ولا أحد قام بتكييف الحروف العربية لكتابة الأمازيغية "المسؤولية في ذلك يتحمّلها المعرّبون، في حين أن الذين يكتبون الأمازيغية بالحروف اللاتينية كيّفوها معها، فأضحت هذه الحروف الآن أقدر على التعبير عن الأمازيغية".
وبخصوص عدم تحمّس المحافظة السامية للأمازيغية للحروف الأصلية للأمازيغية، وهي التيفيناغ، خصوصاً وأنه يمكن اللجوء إليها لحسم الصراع بين أنصار كتابة الأمازيغية بالحروف العربية وأنصار كتابتها بالحروف اللاتينية، أجاب عزيري قائلاً: الجميع في منطقة الطوارق يكتب بالتيفيناغ، لكن هذه الحروف غير موجودة في باقي مناطق الوطن، ما يصعّب عملية تعميم تدريسها ونشرها، التيفيناغ لم يأتِ بنتيجة في المغرب لأنه حرفٌ غير مكيّف، والأحسن ترك الدولة تفصل في هذا الأمر".

الأستاذ أحسن خلاص: على الدولة استعادة ما انفلت منها مُنذ ثلاثة عقود


ثمّن خلاص أحسن، إعلامي وباحث في علم الاجتماع، النقاشَ المفتوح هذه الأيام حول اللغة الأمازيغية، والذي أشرك جميع فئات المجتمع، من مثقفين معرّبين وفرنكفونيين لمحاولة بلورة فكرة موحدة، وهو شيء ايجابي. ودعا خلاّص إلى تجنّب كل أنواع الاحتكار عند طرح موضوع الأمازيغية، مع وجود نظرةٍ مركزية نابعة من طبيعة الدولة، حيث قال "اللغة الفرنسية تغلغلت في المجتمع وأصبحت رسمية رغم عدم دسْترتها، بسبب طبيعة الدولة الموروثة من العهد الاستعماري، وبالنسبة للأمازيغية فمثلا مولود معمري كان يُدرّس بالأمازيغية في الجامعة المركزية، ولما سُئل عن ذلك ردّ: لا يوجد قانونٌ يحظرها أو يبيحها..." وكثيرٌ من المختصين حاولوا تطوير الأمازيغية باستخدامها في العلوم، لكن التساؤل المشروع: هل هذه اللغة جاهزة لذلك؟ والحل حسب خلاص، يكون بتسخير إمكانيات الدولة لتكريس الأمازيغية ميدانياً كلغة رسمية، وفي إطار الدولة المركزية، التي يجب عليها أن تستعيد ما انفلت منها منذ 3 عقود، والمُسارعة إلى احتواء هذا الملف حتى "لا يصبح مبررا لطلب الانفصال وزعزعة الاستقرار الوطني"، حسب قوله.
وفي سؤال حول الحرف الواجب اعتماده لتدريس الأمازيغية، ردّ "لهجاتنا فيها تقاربٌ كبير، لكن من الناحية السوسيولوجية لابدّ من ترغيب التلميذ في هذه اللغة من خلال التأقلم وممارستها شفهيا أكثر من الممارسة المكتوبة" والدليل على تطور الممارسة الشفهية للأمازيغية، أنها لم تخترق الصحافة المكتوبة بعدُ، مع ضعف الإقبال على الكتب والروايات المكتوبة بها. ويُفضّل محدثنا كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، لأنه يعزز اللحمة الوطنية بين الجزائريين ويجعل هذه اللغة أكثر قَبولاً بينهم.

الدكتور صالح بلعيد: "معركة الحرف" ستُفسد عُرس تعميم تدريس الأمازيغية

اعتبر الدكتور صالح بلعيد، باحث في اللسانيات بجامعة تيزي وزو، أن تعميم تدريس الأمازيغية على 32 ولاية، يبدو مهمّة صعبة التحقيق، في ظل نقص الإطارات وغياب المنهجية، لأن الأمازيغية غائبة حتى في مدارس بولاية تيزي وزو. كما أن الإشكال الذي سيُطرح سيكون حول حرف كتابتها، هل سيكون عربيا أم لاتينيا أم ستُكتب بالتيفيناغ؟
وأوضح فكرته قلائلاً: "الآن بعض ولايات الشمال فقط هي من تكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني، أما مناطق مثل باتنة وغرداية والصحراء فتكتبها بالحرف العربي أو التيفيناغ، وهذا الاختلاف هو ما سيُفسد فرحة تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، والذي صاحبته تخوفاتٌ من ما سيُسمى "معركة الحرف"، والتي تمنّى بلعيد أن تكون "سلمية بعيدة عن التطرّف والتعصّب"، موضِّحاً "الغالبية سترفض العودة إلى حرف التيفيناغ الذي عفا عنه الزمان، والبعض يتنكَّر للكتابة بالحرف اللاتيني لارتباطه بلغة الاستعمار، وكثيرون سيتحيّزون للحرف العربي".
لكن - حسب بلعيد- المتمسِّكون بالحرف اللاتيني "سلاحهم قوي، ويمثلون النخبة الفكرية، ولهم تأثير في الإعلام والقرار السياسي، أما المتحيزون للعربية فتأثيرهم محدود في القرار السياسي، أمّا الطرف الثالث فلا يحمل أي سلاح، بل يمثل الأصالة وليس له حُجّة علمية في الدراسات المعاصرة. لأنه منذ 1863 أُغلق البحث في موضوع "الأصل" لا وجودَ الآن لمن هو أصيل، والحديث في الأمر نوعٌ من الطوباوية وبحث في الوهم لأنه مع التداخل الحاصل في المجتمعات نتيجة الرّحلات والهٍجْرات والتأثير والتأثّر، لم يعد ما هو أصيلٌ موجوداً".
وفي حال الانتصار لحرفٍ معيّن، فسيكون حسب الدكتور بلعيد "للحرف العربي الجامع والموحّد، خاصة وأن المدرسة الجزائرية تخرِّج جيوشا يتكلمون العربية، أما الحرف اللاتيني فمستعملٌ في بعض ولايات الشمال فقط.. مستقبل الأمازيغية في كتابتها بالحرف العربي، الذي سيساهم في زيادة فضول المواطن لتعلّمها، لكنه سينفر منها إذا كانت بالحرف اللاتيني؛ فدولٌ تراجعت حضارتها عندما تخلت عن الحرف العربي مثل تركيا، في وقت تطوّرت إيران بلغتها الفارسية المكتوبة بالعربية.
وشدّد المتحدث، على ضرورة معالجة موضوع تدريس الأمازيغية، ضمن الأبعاد اللغوية والحضارية والبينية والمستقبلية، وتحقيق المصلحة العامة. وحسبه "منذ دخول الفاتحين إلى اليوم، لم يختلف الجزائريون أبدا في مشكل اللغة، فالأمازيغ حملوا اللغة العربية وطوّروها في نحوها وقواعدها وجعلوها لغة عالمة، أما الأمازيغية فلا توجد نصوصٌ على أنها كانت لغة دولة.. ماسينيسا والدولة البونيقية والبيزنطيون كتبوا بالحرف اللاتيني، وحتى مع دخول فرنسا، كان يُلقى الشعر والمدائح الدينية والقصائد البينية وحكاية الجدات بالحرف العربي".
واعتبر الدكتور بلعيد، أن الأمازيغية ليست بديلا عن العربية، بل هي لغة ثانية تتكامل مع العربية وتتصارع مع الفرنسية. كل بلدٍ اعتمد لغتين عاش صراعا، الدول المتقدمة عندها لغة واحدة.
ومن شروط أهلية المختص للحديث في موضوع تدريس الأمازيغية، أن يكون مختصا في اللسانيات، يتقن الأمازيغية والعربية، متفتحاً على اللغات الأجنبية، عنده مؤلفات في الأمازيغية والعربية، وليس له توجّه سياسي إيديولوجي، يحتكم إلى الأبعاد الوطنية. وأن تكون لأكاديمة الأمازيغية أو أيّ لجنة تدرس الموضوع، خطوط حمراء وخريطة طريق، لتفادي حدوث "حرب ضروس"، أو "معركة الحرف"، المختص عليه أن يقدّم الأفكار، والقيادة السياسية هي التي تقرِّر بناءً على الأبعاد الاجتماعية والحضارية والوطنية، لتخرج بقرارٍ حازم لا رجعة فيه.

الأستاذ عبد الناصر بوعلي: كتابة الأمازيغية بالحرف العربي تُجنّبنا النعرات والحساسيات

رحّب عبد القادر بوعلي، أستاذ اللسانيات بجامعة تلمسان، بقرار تعميم تدريس اللغة الأمازيغية أو "اللغة المازغية" على حدّ قوله (لأن مصطلح "الأمازيغية" حسبه خطأ شائع في اللغة العربية) على 32 ولاية عبر الوطن، ولكن لابدّ أن تؤخذ الأمور بـ"تريُّثٍ وتروي"، حتى ولو أصبحت "المازيغية" لغة دستورية وطنية، وقال "لابد من إنشاء أكاديمية تدرس بأي حرف ستُكتب الأمازيغية، والتي تُعتبر لغة سامية وأختاً للعربية"، وفضّل المختصُّ كتابتَها بالحرف العربي، تجنبا للنعرات والحساسيات، وحسبه "بعض الدول التي اعتمدت لهجاتٍ محلية، ظهر فيها صراع، وهو ما تعيشه بلجيكا حاليا، التي سمحت بتدريس لهجة محلية فتحوّلت المنطقة إلى إقليم". وأضاف "عندما تنَصَّب أكاديمية اللغة "المازغية"، فالكفاءات موجودة؛ لأن الأمازيغية تعتبر "لغة تواصل وهي إرثٌ عربي، وتنتمي لفصيلة اللغات الحامية التي صمدت، وانتقلت من جيل إلى آخر بطريقة شفوية، ولم يكن لها قواعد تركيبية وإعرابية في الكتب".
والإعلان عنها مؤخرا كلغة رسمية مع تعميم تدريسها هو أكثر من ضرورة، لكن وفق خريطة طريق: "... لا نريد اختلافاتٍ نحن في غنى عنها الآن، لأن عامل وحدة اللغة يُعتبر مهمّا في الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو ما نجده في الدول الإفريقية والأوروبية المتوحّدة، أما الدول التي تعدّدت لغاتُها فظهرت فيها نعرات تفرقة، ويؤكد الباحثون أن البلاد المجزّأة لغوياً تتراجع إلى الخلف".
ليطرح الأستاذ بوعلي سؤالا: هل يوجد في الجزائر تعدد لغات؟ ويجيب: "أقول إن الازدواجية ظاهرة طبيعية تعرفها كل الدول، والأمازيغية انسجمت مع العربية في عزّ محنتها، ولو رُسّمت بعد الاستقلال مباشرة لتفادينا مناقشة هذا الموضوع الحسّاس الآن".

النائب محمد بابا علي: إذا خُيّرت بين الحروف اللاتينية والعربية أختار الحروف العربية


اعتبر محمد بابا علي، نائبٌ برلماني عن ولاية تمنراست، أنه بعد تعميم تدريس الأمازيغية، باعتبارها لغة رسمية وهوية شعب، لابد من تنصيب أكاديمية الأمازيغية لتصبح لغة موحّدة، ووصف بابا علي قرار وزارة التربية الوطنية بـ"الخطير جدا والمتسرّع والمتعارض مع الدستور"، ليتساءل: "كيف سيَدرس ويكتب الميزابي والشاوي والترقي... اللغة الأمازيغية؟ بأيّ حرف؟ بهذا القرار المتسرع سنخلق قضية ثانية في البلاد، وستصبح لدينا أمازيغيات متعددة"، والمفترض حسب المتحدث، قبل اتخاذ القرار، أن نكوّن هيئة تضم كوادر من جميع الأمازيغيات، من تمنراست وتيزي وزو وغرداية وباتنة... تتناقش بلغة أكاديمية لمدة عامين حول حرف الأمازيغية، لنعلن تعميمها على المدارس في العام الثالث، وحسبه المادة موجودة، تستلزم فقط جمعها أكاديمياً من طرف مختصين في اللغة واللسانيات وليس سياسيا، مشددا أنّ "على السياسيين أن يسكتوا". وبخصوص أنسب حرف لكتابة الأمازيغية، ردّ بابا علي "أنا عضو في حركة جمعوية، وأمازيغي من الجنوب، أنطقها بصفةٍ كاملة بالأحرف والكتابة، أرفض كتابتها بأي حرف آخر ما عدا التيفيناغ، ولكن اذا خُيّرت بين الكتابة بالحرف اللاتيني والعربي فسأختار العربي، إيمانا بهويتي وديني ولغتي تاماهاق وليس الترقية التي أعتبرها مصطلحا جديدا عرفناه مع قدوم ابن خلدون إلى المنطقة".
وكرّر المتحدث تخوّفه، من أن تعميم تدريس الأمازيغية من دون تنصيب أكاديمية تختار حرف كتابتها، هو خطأ كبير وقرار استعجالي، مضيفا "السياسيون انتهى دورُهم، فليتركوا النقاش والبحث للأكاديميين.. جميع مشاكل البلد من سياسي واقتصادي وثقافي.. سببها إقصاء الخبراء والمختصين". ليخلص إلى أن الجزائر مع جعلها الأمازيغية لغة وطنية، فتحت بابا جديدا على التاريخ، وأكدت هوية هذا الشعب "... يجب أن نقوم بشدة ونتشارك الرأي، ونترك مناقشة الأفكار للكوادر الكثيرة في المجتمع.. اليوم جميع المناطق تضمّ خبراء وأكاديميين سواء لدى الطوارق أو المزابيّين أو الشاوية أو منطقة القبائل، الأكاديمية الواجب إنشاؤها عليها أن تبتعد عن الكوطات وحديث الصالونات والولاءات السياسية، حتى لا ندفع الثمن غاليا مستقبلا".

أمحند أرزقي فراد: ثلاثة مخابر ستحلّ مشكلة الحروف التي تُكتب بها الأمازيغية


رافع الباحث والمؤرخ محند أرزقي فراد، من أجل تجسيد لغة معيارية تجمع كافة اللهجات المرتبطة باللغة الأمازيغية، بعد ترسيمها كلغةٍ وطنية في التعديل الدستوري الأخير، محذرا من السقوط في الأخطاء التي وقعت سابقاً، بعدما تم اعتماد اللغة الأمازيغية وفقاً لما وصفه بـ"انتصار المقاربة السياسية على العلمية" فيما عُرف بـ"إضراب المحفظة". ويرى فرّاد أنه ليس من المعقول أن تُختزل الأمازيغية في النحو والصرف والأبجديات فقط، على اعتبار أن القضية تربوية بالدرجة الأولى، مشيراً إلى ضرورة وضع مجموعة من الأولويات قبل الوصول إلى ترسيخ اللغة الأمازيغية.
ويعتقد فراد أن النتائج لابدّ أن تتحقق على المستوى المتوسط والبعيد، وذلك من خلال اجتياز عديد المراحل أوّلها إذابة الجليد بالعمل التربوي والمعرفي الموجود بين الجزائريين والمكوّنات التي تجمع المجتمع الجزائري، ومحاولة إقناعه بأن اللغة الأمازيغية أحد أبرز مقوّمات الأمة الجزائرية وإزالة التحفظات التي تحيط بها.
وفيما اعتبر قرار ترسيم اللغة الأمازيغية ودسترتها سياسيا بحتا، كونه استجاب لموازين قوى موجودة في الميدان، لكن – حسبه - لم يضبط موعدا مُحدّدا لتنفيذها في الميدان، إلا أن ردة فعل السلطة حسبه، جاءت متأخرة بسبب غياب دولة قوية وغياب مؤسسات استشراف، معتبرا أن الدولة كان بإمكانها فتح نقاش بعد أحداث الربيع الأمازيغي واصفا استجابة السلطات سنة 1996 بـ"الانفعالية".
ودافع في نفس الوقت عن موقف عدم تحديد موعد لتجسيدها ميدانياً، وشدّد على ضرورة أن ترتبط أساساً بتأسيس أكاديمية اللغة الأمازيغية، مُعتبراً هذه الخطوة هامة وأكثر من ضرورة في الوقت الراهن.
ويقول فراد إن مرحلة الكتابة سابقة لأوانها لأنها عمل بيداغوجي بحت فهي ليست مستعجلة لأنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، أي بعد استحداث ثلاثة مخابر لدراسة وتمحيص أفضل الأحرف المستعملة لها سواء التيفينا أم العربية أم اللاتينية، وهو ما يتطلب منح فترة من الزمن قصد الوصول إلى نتيجة معينة.
وعاد ضيف ندوة "الشروق" إلى الأحداث التي دفعت الحكومة إلى الإسراع في تأسيس المحافظة السامية الأمازيغية، حيث انتقد ذلك القرار الذي وصفه بالقرار السياسي "غير المدروس"، مشيرا إلى أنه كان على الدولة تأسيس أكاديمية للأمازيغية منذ 20 سنة.
وربط فرّاد نجاح مشروع ترسيم اللغة الأمازيغية بإيقاظ الروح الأمازيغية عبر 48 ولاية، والأخذ بالفوارق الموجودة في مكوّنات المجتمع بعين الاعتبار، وفي إشارة إلى اللهجة القبائلية، أكّد فراد "ضرورة اعتماد أقوى لهجة أمازيغية موجودة كمنطلق لاستحداث لغة أمازيغية معيارية، أسوة باعتماد لهجة قريش لغة عربية لكل العرب". وبخصوص حروف كتابتها، قدّم فرّاد حلا وسطاً يمكن أن نتفادى به تأجيج الصراعات بين أنصار الحروف الثلاثة، العربية واللاتينية وتيفيناغ، ودعا إلى "تأسيس ثلاثة مخابر، يتكفل كل مخبر بالبحث وتطوير الأمازيغية بحرف من الحروف الثلاثة، وهذا لتفادي الصراعات والتركيز على الجانب العلمي والمعرفي لهذه اللغة" مضيفاً أن الأهمّ هو تطوير الأمازيغية.

الأستاذ عبد القادر فضيل: الحروف العربية هي الأقدر على التعبير عن الكلمات الأمازيغية


دعا الإطار السابق بوزارة التربية عبد القادر فضيل، إلى ضرورة توسيع مجال الأمازيغية وجعلها لغة حياة وهوية تُستعمل في جميع المراكز والهيئات، والتركيز على المجال التطبيقي لها، ومن شأن أكاديمية الأمازيغية التي رسّمها الدستور أن تهيئ الطريق لهذه اللغة. وقال فضيل إن النقطة التي أشار إليها الدستور بخصوص إنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية، مهمّة جدا؛ إذ ستعمل على تهيئة الطريق لها قبل جعلها لغة رسمية فيما بعد، فالأكاديمية ستضع، حسبه، الأسس والقواعد للغة الأمازيغية مستقبلا، فيما يكون تدريسُها بالمؤسسات الإعلامية أمرا مفروغا منه.
ويرى الأكاديمي أن الإشكال المطروح في الوقت الراهن هو: هل الترسيم مرتبطٌ بمجال التعليم أم بالتعامل بها في الإدارات والمؤسسات والمحيط العام؟ وعليه فإنه حان الوقت لفرض التعامل بها كجزء أساسي من أسس الانتماء والهوية الوطنية، انطلاقاً من فرض تدريسها في كل أنحاء الوطن، ابتداء من مرحلة التعليم المتوسّط، ولكن مع ضرورة تحبيبها للتلاميذ حتى لا يرفضوها ويعزفوا عن دراستها، مشددا على ضرورة اعتبارها وسيلة من وسائل الإحياء، وبالتالي التركيز على المجال التطبيقي وفرض التعامل بها مستقبلا في جميع المراكز والهيئات، ويتطلب ذلك تكوين معلمين ومفتشين وهيئة إدارية للإشراف على ذلك.
ويقترح الإطار السابق في وزارة التربية ضرورة وضع الأكاديمية لقواعد نحوها وصرفها، وهي المكوّنات الأساسية التي تجسِّد الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، فضلاً عن تحديد حروف كتابتها، وشدّد فضيل على كتابتها بالحرف العربي لأنه الأنسب من اللاتينية للتعبير عن مخارج حروفها الشبيهة بالعربية مثل القاف والذال والضاد والخاء، فليس هناك حروفٌ تقابلها في اللاتينية والعربية أقدرُ على التعبير عنها، كما أن الحرف العربي سيُشعر باقي الجزائريين بأن الأمازيغية مكمّلة للعربية وليست منافسا أو خصما جديدا تدخل في صراع معه، وقد سبقتنا عدة دول إسلامية إلى كتابة لغاتها بالحروف العربية.
وعن وجهة نظره بخصوص المنظومة التربوية المتّبعة في تلقين اللغة الأمازيغية، دعا فضيل إلى ضرورة الاعتماد في السنة الأولى من تعليمها على اللهجات المعتمدة، كونها أحد مكتسبات الطفل؛ أي جعل التلميذ ينطلق مما عنده، ثم يحاول المعلم دفع الطفل للتعبير عما يوضَع أمامه من صور باللغة الأمازيغية، لكن مع ضرورة استخلاص لغة مشتركة واحدة تجمع كل اللهجات لاحقاً.

الأستاذ علي ذراع: الأمازيغية تحتاج إلى النقاش الهادئ البعيد عن التعصّب


يرى المستشار الإعلامي لمؤسسة "الشروق" علي ذراع، أن الوصول إلى تجسيد الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، يتطلب تضافر جهود كل أفراد المجتمع بمن فيهم وسائل الإعلام، وتشجيع المختصّين من أجل الوصول إلى لغة مقبولة من طرف الجميع، وعليه لابد من السير بهدوء وخطى ثابتة لتأسيسها. وقال ذراع إن أول خطوة ينبغي القيامُ بها هي إيصال أطراف الصراع في المجتمع إلى قناعة مفادها أن الأمازيغية هي لغة الجميع، وهي رسالة هامّة لابد من أن تُمرَّر بهدوء لإقناع الجميع حتى المتطرفين من الجانبين، وحين يتقبلها الجميع، سيكون المشروع قد وجد طريقه للتجسيد.
ويؤكد علي ذراع أن مشكل عدم قبول بعض الجزائريين للأمازيغية لغة وطنية ورسمية مطروحٌ بشدة، وبالتالي بات لزاماً السعي إلى تحقيق التزاوج بين اللغتين العربية والأمازيغية وتحقيق التضامن بينهما قصد إيصالها إلى العالمية، مؤكدا أن مؤشر نجاحها هو أن توحِّد بين الجميع وتضع حدا للتطاحن التي أسّس له الاستعمار باعتبار الأمازيغية عنصراً من عناصر الوحدة الوطنية، واستدل بالمراحل التي مرت بها اللغة العِبرية التي كانت ميتة في حقبة من الزمن قبل أن تُطوّر وتؤسس العبرية الجديدة من خلال إدخال الكثير من المصطلحات في مختلف المجالات المعرفية والعلمية، لتتحوّل بعد ذلك إلى لغة علم.
وأضاف المتحدث أن الأمازيغية لابدّ أن تصبح لغة علم وعمل، ولن يتأتَّى ذلك إلا بالنضال الهادئ، ووضع خطة ثابتة لبناء لغة وطنية موحدة تجمع الكل حول موضوعها، وألقى ذراع بالمسؤولية كاملة على أفراد المجتمع ككل، بمن فيهم وسائل الإعلام للمساهمة في جعل هذه اللغة مقبولة لدى الجميع.

النائب مصطفى كحيلش: علينا بالتريّث في تعميم تدريس الأمازيغية

أما الأستاذ مصطفى كحيلش، نائبٌ في المجلس الشعبي الوطني، فركز أكثر على ضرورة منح الأولوية القصوى للعمل الأكاديمي بعيداً عن كل التجاذبات "في تصوري الخاص، لابد من عمل أكاديمي محض قبل الشروع في تعميم الأمازيغية وطنياً، فمن السابق لأوانه تعميمها دون دراسة. الأمازيغية بحاجة إلى نقاش خبراء حول كيفية تدريسها بحرف واحد يكون عربياً، كما أنه مادام لم تنشأ بعد أكاديمية للأمازيغية فلابد من التريث".
وأضاف كحيلش قائلا: من السابق لأوانه تعميم الأمازيغية، هذا لن ينجح إلا بعمل أكاديمي محض، وبعد دراسةٍ أكاديمية تكون بكتابتها بحرفٍ واحد. وهو الحرف العربي، ومادامت الأكاديمية لم تنصب بعد فعلينا بالتريث".