الحضانة في ظل قانون الأسرة الجزائري
26-09-2013, 08:33 PM
الحضانة في ظل قانون الأسرة الجزائري

الحلقة الأولى


.



الفرد الصالح هو أساس الأسرة الفاضلة ، والأسرة الفاضلة هي نواة المجتمع الخير ، ولهذا فإن الإسلام عني بالفرد منذ نعومة أظفاره قبل أي تشريع وضعي ، بل عني به قبل ذلك عندما أمر الرجل أن يختار الزوجة الصالحة والمنبت الحسن .


ومنه يعد البيت الركيزة الأساسية للتربية والمؤثر الأول في الطفل باعتباره ينشأ وينمو في ظله في أولى مراحل عمره و أن الوقت الذي يبقى فيه الطفل في المنزل أكبر من أي زمن أو وقت آخر . هذا دون أن نهمل دور المدرسة والشارع في التربية باعتبارهما كل متكامل .
والطفل في مراحل حياته الأولى يكون محل تأثر تام بما يحيط به في أجواء الأسرة أو خارجها ، فهو يولد صفحة بيضاء والمجتمع يكتب عليها ما يشاء وقد نبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أهمية تنشئة الطفل تنشئة صالحة فقال " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودّانه أو ينصرّانه أو يممجّسانه ".


حيث أن ما يحدث للطفل في هذه الفترة يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المقبلة التي يصبح من الصعب إزاحة بعضها في المستقبل سواء كانت سوية أو غير سوية .
ولأن المولود يعد رجل المستقبل الذي يحمل الرسالة في الغد، لذا فإن الطفولة تذكرنا بضخامة العبء وفداحة المسؤولية وما ينبغي أن نقوم به من توجيه ونصح وتربية و إرشاد وتعبئة روحية وخلقية حتى نقود هذه الجموع الزاحفة من هذا الجيل الصاعد ، من براعم الأمة إلى ما يبوئها سنام المجد ويوصلها بر السلام وفهم أمانة وضعها الله في أعناق الآباء .
وإن من أهداف الزواج تحقيق الأنس والراحة والطمأنينة بين الزوجين وهي الخاصية التي تلتصق بعقد الزواج لقوله تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))
وإن حفاظ الوالدين على تماسك الأسرة له الأثر الفعال في سلوك أبنائهم وحسن تكيفهم وتوافقهم النفسي والعقلي . غير أن التماسك والأنس والمودة والرحمة والتفاهم الذين هم دعامة الرابطة الزوجية ليست بالأمر الهين ، فقد تعصف مشاكل الحياة ببناء الأسرة وتؤدي إلى التنافر فتنتفي الغاية المرجوة من الزواج .


وحتى لا تصبح الحياة مستحيلة وحتى لا يهضم حق طرف على حساب طرف آخر أباح الإسلام الطلاق مع أنه اعتبره أبغض الحلال إلى الله وذلك لضرورة قاهرة و إلى ظروف استثنائية ملحة والتي تجعله دواءا وعلاجا للتخلص من شقاء محتم قد يمتد ليشمل أفراد الأسرة جميعها ، فإذا لم تجد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق يذهب كل منهما لحياة جديدة .


ومن أهم وأبرز النتائج المترتبة عن الطلاق مسألة حضانة الأطفال الناتجين عن هذا الزواج والمشاكل االتي تطرحها حول مصير الأطفال ومن يكفلهم وكيف نحافظ عليهم ؟ ومن هنا تزداد أهمية الحضانة ويعظم قدرها .


فهناك أحكام شرعية تحفظ للأولاد حقوقهم وتكفل رعايتهم منذ ولادتهم حتى البلوغ حيث اتخذها العلماء أساسا لوضع نصوص تشريعية تثبت نسبهم و تدبر رضاعتهم وحضانتهم والإنفاق عليهم وإدارة شؤونهم المالية حتى يبلغوا أشدهم . وقد أراد الشرع الإسلامي من وراء هذه الأحكام حماية الصغار من الضياع .


وقد تعهدت جل التشريعات الوضعية بعديد من الأحكام تتعلق بمصير الولد وحمايته ، وتطور الأمر إلى إبرام اتفاقيات دولية من أجل هذا الغرض ، فقد حثت اتفاقية حقوق الطفل في المادة الثالثة منها جميع الدول والمؤسسات والهيئات التشريعية والقضائية على أن يعطى الإعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال ، ونحن ندرك تمام الإدراك أن الحضانة هي من أهم الأولويات التي يجب أخذها محمل الجد .


إذن لا يحق أن نحمل الأطفال تبعات النزاع الحاصل بين والديهما والذي لا ذنب لهم فيه لكن لو تم الانفصال بين الزوجين فمن سيكفل الأطفال بعد الطلاق ؟ و ماهي معايير التميز في إسناد الحضانة لطرف دون آخر .


غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إنه حتى عند اللجوء إلى القضاء تثار إشكالات تمس بمصلحة الطفل ، وهو الأمر الذي يدعو القاضي إلى التصدي لها من خلال الدعاوى التي تعرض عليه.
فما هي هذه الدعاوى و ماهي أبرز الإشكالات التي تثار حول الحضانة ؟
إنّ الحضانة تعد من أعقد المسائل التي ينظرها القاضي ، وعليه أن يتعامل معها بكل دقة مراعيا في الأساس مصلحة المحضون في الأحكام التي يصدرها . لكن هل له في ذلك السلطة الكاملة في تقدير مصلحة الطفل أم أنه مقيد بالنصوص؟



"الحضانة في ظل قانون الأسرة الجزائري "

فاتجهنا إلى دراسة الموضوع بالرجوع إلى الكتب الفقهية مستفيدين من أحكام المادة 222 من قانون الأسرة التي تحيلنا على قواعد الشريعة الإسلامية ، كما حاولنا تحليل النصوص مواد قانون الأسرة المتعلقة بالحضانة ، بالإضافة إلى إبراز مواقف المحكمة العليا من المسائل المتعلقة بها .
ومنه تناولنا هذا الموضوع حسب الخطة التالية :
أ – في الفصل الأول : تناولنا مفهوم الحضانة وآثارها ، فتطرقنا إلى تعريفها فقها وقانونا وتبيان شروطها ثم ترتيب أصحاب الحق فيها وأهم آثارها .
ب- وفي الفصل الثاني : دعاوى الحضانة وأبرز الإشكاليات المتعلقة بها فتناولنا الدعاوى المدنية للحضانة والدعاوى الجزائية المتعلقة بمخالفة أحكامها ، ثم تكلمنا على أهم المشاكل التي تثور بمناسبة الحضانة ومنها : الزواج المختلط ، قاعدة مصلحة المحضون والمسؤولية عن أفعال المحضون الضارة .

مفهوم الحضانة وآثارها :

من أهم الآثار القانونية لانحلال عقد الزواج أو الطلاق هو وضع الطفل عند من هو أقدر على الإهتمام به والعناية بشؤونه ، والحضانة هي ضرب من هذه الرعاية بالطفولة بحيث يكفل للطفل التربية الصحية والخلقية السليمة ومن هنا فإن أحكام الحضانة هي مظهر من مظاهر عناية التشريع الإسلامي بالطفولة و كذا التشريعات الوضعية .
وعليه سنحاول في هذا الفصل أن نعرف الحضانة ونحدد شروط ممارستها مع تحديد أصحاب الحق فيها ، وترتيبهم وأخيرا الآثار المترتبة عنها .

المبحث الأول :تعريف الحضانة وشروطها وأصحاب الحق فيها :

إن الحضانة هي القيام على شؤون الطفل وكفالته بغرض المحافظة على بدنه ، وعقله ، ودينه ، وحمايته من عوامل الانحراف وطوارئ الإنحلال بما يمكنه من أن يكون فردا صالحا داخل مجتمعه مما يقتضي وضعه تحت أيدي مؤهلة لمثل هذه الواجبات ، وأن يكون لهم الحق في ذلك وفقا لقواعد الشريعة والقانون .
غير أن القانون ذكر بعضهم ورتبهم درجة بدرجة ثم ترك البعض الآخر دون ذكر صفاته ودون تحديد درجة قرابتهم من المحضون .

المطلب الأول:تعريف الحضانة:

الحضانة – بفتح الحاء – هي ضم الشيء إلى الحضن وهو جانب الشيء فنطلقها على جانب الجبل أو بطنه في قولنا « تعيش الذئاب في حضن الجبل أي عمقه ونقول " حضن الطائر بيضه " إذا جلس إليها وغطاها بجناحيه ، وعند الإنسان يطلق على عملية الحنان حين تضم الأم ابنها إلى صدرها وهي تعنقه وتلتصق به فتعطي هذه الكلمة معاني ضم الشيء وحفظه والحنان عليه

الفرع الأول :التعريف الفقهي للحضانة

عرف الفقهاء الحضانة بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير أو الصغيرة أو المعتوه الذي لا يميز ولا يستقل بأمره وتعهده بما يصلحه ووقايته مما يؤذيه أو يضره وتربيته جسميا ونفسيا وعقليا كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسؤولياتها .

والولد منذ أن يولد محتاج لمن يعتني به ويقوم على تربيته وحفظه وتدبير كل ما يلزمه في حياته لأنه يكون عاجزا في حياته الأولى عن القيام بمصالح نفسه غير مدرك لما يضره وينفعه ، والشارع الحكيم قد أناط هذا الأمر بوالدي الصغير لأنهما أقرب الناس إليه في هذه الحياة و وزع الأعباء عليهما كل فيما يصلح له أما عن تربيته ورعاية شؤونه في المرحلة الأولى فقد جعلها للأم ، وأما عن ولاية التصرف في نفس الولد وماله فقد جعلها للأب ، وقد عرفها الإمام مالك بأنها:
(( تربية الولد وحفظه وصيانته حتى يحتلم ثم يذهب الغلام حيث شاء))
أما بعض فقهاء الشافعية يعرفونها بأنها " حفظ من لا يستقل بأمره وتربيته ، بما يصلحه ويقيه ما يضره " ويرى إبن القيم أن الولاية على الطفل نوعان : نوع مقدم فيه الأب عن الأم ومن في جهتها وهي ولاية المال والنكاح ، ونوع تقدم فيه الأم و هي ولاية الحضانة و الرضاع ، و قدم كل من أبويه فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد .
أمّا الشيخ أبو زهرة فيرى أنه تثبت للطفل منذ ولادته ثلاث ولايات: الأولى ولاية التربية ، الثانية ولاية النفس ،و الولاية الثالثة هي الولاية على ماله إن كان له مال :

أمّا الولاية الأولى: فهي ولاية التربية فالدور الأول يكون فيها للنساء وهي ما يسمى بالحضانة ، فالحضانة هي تربية الولد في المدة التي لا يستغني فيها عن النساء ممّن لهنّ الحق في تربيته شرعا وهي حق للأم ثم محارمه من النساء ، فبمجرد ولادة الطفل حيا تثبت له ولاية التربية، حيث يكون في حاجة ماسة إلى من يرعاه ويقوم بشؤونه في هذه المدة التي تعتبر مرحلة حرجة في حياته ، فلا يمكن الاستغناء عن وجود النساء في جانبه خاصة .
و يرى الأستاذ صالح جمعة أنّ الولاية على النفس هي القيام و الإشراف على مصالح المولى عليه فيما يختص بنفسه منذ ولادته حتى بلوغه و تزويجه ، و يدخل في نطاقها ثلاث ولايات :
- أوّلها: ولاية الحفظ و الرعاية ، و تبدأ منذ ولادة المولى عليه حتّى بلوغه سنّ التّمييز ، و هي ما تسمى بالحضانة .
- ثانيها : ولاية التربية و التأديب و التهذيب ، و تبدأ بعد بلوغه سنّ التمييز و استغنائه عن النّساء حتى البلوغ الطبيعي مع العقل ، وهي ما تسمى بالكفالة أو ولاية الضم والصيانة .
- ثالثها : ولاية التزويج ، وهي تثبت للولي بناءا على القدرة الشرعية التي أناطها الشارع إليه في تزويج من في ولايته .

وحكم الحضانة أنها واجبة لأن المحضون يُهلك بتركها، فوجب حفظه من الهلاك كما يجب الإنفاق عليه و إنجاؤه من المهالك ، ودليل وجوب الحضانة للصغير قوله تعالى عن مريم عليها السلام :
(( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا)).

وقوله صلى الله عليه وسلم : " بحسب المرء من الإثم أن يُضَيِّعَ ما يعول " .
وتتطلب الحضانة الحكمة واليقضة والانتباه والخلق الجم،ّ حتى إنّه يُكره على الإنسان أن يدعو على ولده أثناء تربيته ،كما يُكره أن يدعو ا على نفسه و خادمه و ماله لقوله صلى الله عليه و سلم :
" لا تدعوا على أنفسكم و لا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب له " وروى أبو موسى عن إبن عباس أن أوس بن عبادة الأنصاري دخل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
( يا رسول الله إنّ لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت ، فقال :
" يا ابن ساعدة لا تدعوا عليهنّ ، فإنّ البركة في البنات هنّ المجملات عند النعمة والمعينات عند المصيبة والممرّضات عند الشّدة ثِقْلُهُنَّ على الأرض و رِزقهن على الله "

الفرع الثاني: التعريف القانوني للحضانة

نصت المادة 62 من قانون الأسرة : " الحضانة هي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسّهر على حمايته وحفظه صحة و خلقا ، ويشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك " .
وعرّفتها المادة 97 من المدونة المغربية للأحوال الشخصية بانها حفظ الولد مما قد يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه .
كما عرفتها المادة 54 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية بأنّها حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته . فخلافا للقانونين السابقين المشرع الجزائري في قانون الأسرة ركّز في تعريف الحضانة على أسبابها وأهدافها وهي رعاية الولد ، وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا .
ويرى الأستاذ عبد العزيز سعد أن التعريف الوارد في المادة 62 يعتبر أحسن تعريف على الرغم من إحتوائه على أهداف الحضانة وأسبابها وذلك لشموليته على أفكار لم يشملها غيره من القوانين العربية ، حيث أنه تعريف جمع في عمومياته كل ما يتعلق بحاجيات الطفل الدينية والصحية والخلقية والتربوية والمادية .
ومما تقدم فإنّ أهداف الحضانة تظهر فيما يلي :
أولا : تعليم الولد
ويقصد به التعليم الرسمي أو التمدرس ، وما دام التعليم إجباريا ومجانيا فكل طفل له الحق أن ينال قدرا من التعليم حسب استطاعته وامكانياته الذهنية وقدراته العقلية واستعداده الفطري والنفسي.
ثانيا : تربية الولد على دين أبيه
يجب أن يربىّ الولد على مبادئ وقيم الدين الإسلامي ، ولما كان زواج المسلم بغير المسلمة جائزا ، فإن القاضي يمنح الحق في الحضانة للأم غير المسلمة ، ولا ينكره عليها أبدا ، فهي كالمسلمة على أن تراعي أحكام الشرع في تربية الطفل .


ثالثا : السهر على حماية المحضون
إذا كانت الحضانة رعاية وحماية فلا بد أن تتخذ هذه الحماية كل أشكالها، فيجب أن لايكون الطفل عرضة لأي اعتداء مادي كالضرب أو اعتداء معنوي كالإرهاب و التخويف و الشتم ، مما يؤدي إلى زعزعة انضباط الطفل نفسيا و عاطفيا ، و ليس معنى ذلك أن يترك للطفل الحبل على الغارب و أن لا يُؤدّب كلما استدعت الحاجة ، ثم إنّ الحماية لا تكون من الغير فقط، بل لابد من حماية الطفل حتى من نفسه .
رابعا : حماية الطفل من الناحية الخلقية
و يكون ذلك بتنشئته على حسن الخلق و تهذيبه و إعداده لأن يكون فردا صالحا سويا و أن لا يُترك عرضة للشارع و رفقاء السوء.
خامسا : حماية المحضون صحيا
يجب أن يلقى الطفل العناية الصحية الكاملة ، خاصة في السنوات الأولى من حياته ، و ذلك بأن يتلقى كل التّلقيحات اللازمة
و الدورية ، و أن يُعرض على طبيب كلّما استدعت الحاجة .


المطلب الثاني: شروط ممارسة الحضانة


إن الحاضن هو من يتولى شؤون الصغير بإذن الشرع أو بأمر القاضي ذكرا كان أم أنثى ، إذ يتساوى الرجال و النساء في أهليتهم للحضانة مع اختلاف في الأولوية و تباين في الترتيب .
و عليه فالحضانة تثبت لمن كان أهلا بها بتوافر شروطها ، إذ يرى الفقهاء أن هناك شروطا عامة في الرجال و النساء و أخرى تختص بها النساء ، و البعض الآخر لابد من توافرها في الرجال .
كما أن المشرع الجزائري حصر شروط الحضانة في الأهلية بعد تعريفه لها في المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري ، إذ نصت الفقرة الثانية منها على أنّه :
(( و يشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك )) .
إذ المقصود بالأهلية هنا هو القدرة على القيام بمهمة شاقة
و محفوفة بالمخاطر تتعلق بتربية الطفل و إعداده إعدادا سليما ليكون قادرا على الإعتماد على نفسه في المستقبل .
و لتحديد هذه الشروط الغير واردة في القانون فإن المادة 222 من قانون الأسرة الجزائري تنص على أنّه : (( كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية )) .
و على هذا الأساس سنتطرق في هذا المطلب إلى شروط ممارسة الحضانة على ضوء الفقه مع الإشارة إلى موقف المشرع الجزائري منها مع الإستشهاد ببعض قرارات المحكمة العليا باعتبارها الهيئة العليا المنوط بها توحيد الإجتهاد القضائي لإبراز مدى تكريس القضاء لهذه الشروط .


الفرع الأول :الشروط العامة في الرجال و النساء


الأهلية للحضانة تثبت للرجال كما تثبت للنساء و إن تقدمت حضانة النساء على حضانة الرجال لأن المرأة بحكم الفطرة و التكوين هي الأقدر على رعاية الصغير و الأكثر صبرا على توفير احتياجاته المتنوعة و من بين الشروط العامة لممارسة الحضانة للرجال و النساء نجد :
1- العقل : لا يستطيع المجنون القيام بشؤون نفسه و بالتالي لا يكون له تولي شؤون غيره ، و يستوي في الجنون أن يكون مُطْبقًا أو متقطعا فكلاهما مانع من الحضانة ، و لا فرق بين جنون متقطع قليل أو كثير ، و لو كان من القلة بحيث لا يأتي إلا ليوم واحد في السنة ، ذلك لأن ترك المحضون لدى مثل هذه الحاضنة فيه ضرر عليه ، فقد يرد جنونها في أي وقت و إن كان نادرا أو قصيرا . و لو مثلا مرة في كل سنة ، لأن المقصود بالحضانة هو مصلحة المحضون و توفير الحماية اللازمة له ، و عليه ينبغي الإبتعاد به عن أدنى ضرر محتمل يصيبه و ذلك رعاية لمصلحته .
و المعتوه يأخذ حكم المجنون و الصغير لأنه محتاج لرعاية الغير
و بالتالي فلا يرعى هو غيره ،و لأن ولايتهما لغيرهما كالصغير فلا ولاية لهما على محضون ، إذ الحضانة من الولاية ، كما أنّه لا يتصور أن يكون الشخص قاصرا في حق نفسه لا يمكنه القيام بشؤونه الخاصة و تكون له في الوقت نفسه ولاية على غيره لأنه في حاجة إلى إشراف الغير و الأخذ بيده في شؤون نفسه فلا يصوغ له أن يتولى هو هذا الإشراف على الغير باعتبار الحضانة ولاية على النفس ، و غير العاقل لا ولاية له على نفسه ، فمن باب أولى لا تثبت له ولاية على غيره .
و إلى جانب العقل اشترط المالكية الرشد ، فلا حضانة عندهم لسفيه مُبَذِّركي لا يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما لا يليق.
و اشترط أيضا الحنابلة مع المالكية بالإضافة إلى العقل عدم المرض المنفركالجذام و البرص فلا حضانة لمن به شيء من هذه المنفرات .
أما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة فإنه يرى أن الحضانة ولاية على النفس ، فلا تكون لغير العاقل الذي لا يقوى على شؤونه إذ هو نفسه بحاجة إلى من يرعاه و هو ما ورد في نص المادة 85 من قانون الأسرة الجزائري التي تنص ، أنّه : (( تعتبر تصرفات المجنون و المعتوه و السفيه غير نافذة إذا صدرت في حالة الجنون أو العته أو السفه )) .
كما أنه لا فرق في الجنون سواء كان مستمرا أو متقطعا ، لأن الحضانة هي رعاية المحضون و حفظ مصلحته .


2- البلوغ : الحضانة مهمة شاقة لا يتحمل مسؤولياتها و تبعاتها إلاّ الكبار ، بل أن وظائفها لا يقوم بها إلاّ هؤلاء ، إذ يشترط في الحاضن البلوغ لأن الحضانة من باب الولاية و الصغير ليس من أهل الولاية .
أما استحقاق المراهقة للحضانة فلأنّها بالغة حكما ، إذا ادّعت البلوغ و هي ان ادّعت البلوغ بالعلامات كانت بالغة ما دام أن الظاهر يشهد بصدق ادّعائها ، و كون البلوغ شرط في الحاضنة ، شرطٌ سار عليه سائر الفقهاء ، لأن الطفل محتاج إلى من يخدمه و يقوم على شؤونه ، فكيف يكون له أن يتولى شؤون غيره .
و البلوغ شرط أساسي لاستحقاق الحاضن للحضانة ، لأن به اكتمال الإرادة عادة
و القضاء الجزائري اعتبر البلوغ من شروط استحقاق الحضانة باعتباره متفق عليه لدى فقهاء الشريعة الإسلامية .

3- الأمانة على الأخلاق : الأمانة صفة في الحاضن يكون بها أهلا لممارسة الحضانة و بيئة مصاحبة للمحضون ، تضمن حدّا أدنى من التربية السليمة للصغير إذ تسقط الحضانة إذا أُلقيَ بالصغير في بيئة سيئة مصاحبة له تؤثر عليه سلبا و تثير الشكوك حول سلامة تربيته ، و المناط في سقوط الحضانة مصلحة الصغير و حمايته من الضياع و صيانته من الإهمال ، حتى قال بعض الفقهاء : " إن الحاضنة لو كانت كثيرة الصلاة قد استولت عليها محبة الله تعالى و خوفه حتى شغلاها عن الولد و لزم ضياعه نُزعَ منها وسقطت الحضانة عنها " .
وعليه فلاحضانة لغير أَمِين على تربية الولد وتقويم أخلاقه كالفاسق مثلا رجلا كان أو امراة من سِِّكير أو مشتهر بالزنا أو اللهو الحرام ، في حين أن في هذه المسألة قيَّد الشيخ ابن عابدين الفسق المانع من حضانة الأم ذلك الفسق الذى يضيع به الولد إذ يكون لها الحضانة ولو كانت معروفة عنده بالفجور ما لم يصبح الولدفي سن يعقل فيه فجورأمه. ففي هذه الحالة وإن أصبح يعقل فجورها ينتزع منها الولد صونا وحفاظا لأخلاقه من الفساد لأنّها غير أمنية عليه .أما الرجل الفاسق فلا حضانة له.
كما أنه قيل أنّ الحاضنة إذا كانت تخرج كل وقت وتترك الولد ضائعا فإنها تكون غير مأمونة عليه ،فلا تكون لها حضانته إذ ليست أهلا لها .
ولقد تشدّد القضاء الجزائري في اعتبار الأمانة شرطا جوهريا في الحاضن وتكرّس ذلك في العديد من أحكامه وقراراته ،إذ يرى أنّ الحاضنة التي لا تقيم وزنا للأخلاق ولا تراعي حرمة للشرف لا تكون أهلا للحضانة لأنها غير أمينة على نفس الطفل وأدبه وخلقه ،إذ ينشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها .
فأسقط القضاء الحضانة عن الأم لأنّ المحيط الذي يعيش فيه الطفل غير مأمون على أخلاقه حيث جاء في قرار المحكمه العليا : " أنّ عدم إبصار الأم مانع لها من حضانة الأولاد الأربعة لعجزها عن القيام بشؤونهم و مراقبتهم و السهر على تربيتهم و حمايتهم من الوقوع في زلات مشينة كتلك التي قام بها أخ المطلقة الذي هتك عرض أختهم من أبيهم خاصة و أنّ من المحضوضين بنتين إن تركت حضانتهما لأمهما فلا يؤمن عليهما.
و يتشدد القضاء في موقفه هذا و أسقط حضانة الجدة للأم لأن الأم كانت أخلاقها فاسدة ، فكما أُسقِطت الحضانة عن الأم لفساد أخلاقها و سوء تصرفها يسقط حق أمها في الحضانة ، إذ كذلك الأم التي لا تقدر على تربية ابنتها لا تستطيع تربية المحضون وكبح جماحه ، وعليه فلا الأم تستحق الحضانة ولا أمها لفقدان الثقة و الأمانة فيهما" .
والقول بأنّ الحاضنة ارتكبت فعلا فاحشا ، يجب إثباته بالطرق المعروفة شرعا وهي أربعة شهود عدول من الرجال ، أو اعترافها بالفعل المنسوب إليها لأن الإعتراف سيد الأدلة .
1/ القدرة على التربية: يقصد بالقدرة الإستطاعة على صيانة الصغير في خلقه وصحته ، إذ لا حضانة لعاجز لكبر السن أو مرض أو شغل ، فالمرأة المحترفة أو العاملة إذا كان عملها يمنعها من تربية الصغير والعناية بأمره لا تكون لديها أهلية الحضانة ، أما إذا كان عملها لا يحول دون رعاية الصغير وتدبير شؤونه حينئذ لا يسقط حقها في الحضانة (1) .
إذ يرى أغلب الفقهاء أنه لا حضانة لكفيفة أو ضعيفة البصر ولا لمريضة مرضا معديا أو مرضا يعجزها ويمنعها عن القيام بشؤون الصغير ولا لمتقدمة في السن تقدما يجعلها بحاجة إلى رعاية الغير لها، ولا لمهملة لشؤون بيتها كثيرة المغادرة له ، حيث أنه يخشى من هذا الإهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به أو لساكنة مع مريض مرضا معديا أومع من يبغض الطفل ولو كان قريبا له إذ لا تتوفر له الرعاية الكافية والجو الصالح الملائم لتربيته .
فالمالكية والشافعية والحنابلة يدخلون العمى في مانع العجز، وينيطون حضانة العمياء وغيرها من العاجزات بقدرتها على القيام بشؤون المحضون ولو كان ذلك بمساعدة غيرها ، أما إذا منعها شيء من ذلك عن رعاية شؤون المحضون فلا تكون لها الحضانة .
وعليه فإنّ الفقهاء لم يشترطوا لأهلية الحضانة سوى قدرة الحاضنة على رعاية الصغير و الإشراف على تربيته و المحافظة عليه و لم يشترطوا الإبصار بل أوجبوا توافر صفات ترجع إلى المحافظة على الصغير وتوفر راحته .
أما عن موقف القضاء الجزائري في اعتبار القدرة شرط أساسي في ممارسة الحضانة فيظهر جليا في العديد من قرارات المحكمة العليا إذ جاء في أحدها أنّ القدرة على التربية شرط ضروري لأداء واجبات الحضانة فلا حضانة لكفيفة أو مريضة مرضا معديا أو مرض يُعجز عن القيام بشؤون التربية و على القاضي اللجوء إلى الخبرة للوصول إلى الحكم النّزيه
و تقدير مدى عجز الحاضنة " .
و جاء في قرار آخر : " أن الشارع اشترط في الحاضن عدة شروط من بينها الكفاية و الصحة فلا حضانة لعاجز ذكر أو أنثى لكبر السن أو مرض لا يقدر معه على القيام بشؤون المحضون و لأنه هو نفسه في حاجة إلى من يأخذ بيده " .
5- الإسلام : يرى الشافعية و الحنابلة أن الإسلام شرط لممارسة الحضانة ، فلا تثبت الحضانة عندهم للحاضنة الكافرة للصغير المسلم لأنها ولاية و لا ولاية لكافر على مؤمن لقوله تعالى : (( و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )) . فهي كولاية الزواج و المال و لأنه يخشى على دين المحضون من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها و هذا أكبر ضرر يصيب الطفل ، فعن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
إلاّ أنّ الحنفية و المالكية لم يشترطوا إسلام الحاضنة ،فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير كتابية سواء كانت أمًّا أو غيرها لأن الحضانة لا تتجاوز إرضاع الطفل و خدمته ، و كلاهما يجوز من الكافرة ، و دليلهم في ذلك ما روا ه أبو داود و النسائي : أن رافع بن سنان أسلم و أبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : ابنتي – و هي فطيم - أو شبهه و قال رافع : ابنتي ، فمالت إلى الأم ، فقال النبي صلى الله عليه
و سلم: " اللهم اهدها " فمالت إلى أبيها فأخذها .
و لأن مناط الحضانة عندهم هي الشفقة و هي لا تختلف باختلاف الدين ، لكن هؤلاء إختلفوا في مدة بقاء المحضون عند الحاضة غير المسلمة .
- فقال الحنفية : يبقى عندها إلى أن يعقل الأديان ببلوغه السن السابعة أو يتضح أنه في بقائه معها خطر على دينه كالذهاب به إلى معابدها أو تعوده على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير .
- وقال المالكية : إنّ المحضون يبقى مع الحاضنة إلى إنتهاء مدة الحضانة شرعا فإن خِيف على المحضون من الحاضنة أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين ليحفظ الولد من الفساد .
وتجدر الإشارة إلى أن الأحناف وإن رأوا جواز حضانة الكافرة إلا أنهم إشترطوا أن لا تكون مرتدة ، لأن المرتدة تستحق الحبس حتى تتوب وتعود الى الاسلام او تموت في الحبس فلا تتاح لها الفرصة لحضانة الطفل ، فإن تابت وعادت عاد لها حق الحضانة .
أما عن موقف المشرع المشرع الجزائري في هذه المسألة فقد اكدت المادة 62 من قانون الاسرة الجزائري على ان يربى الطفل على دين ابيه , ولا فرق بين المسلمة وغير المسلمة في مسألة الحضانة .
والواضح من خلال تفحص أحكام وقرارات القضاء الجزائري أنه تمسك بوقف الإمام مالك رضي الله عنه حيث ساوى بين الأم المسلمة والغير المسلمة في استحقاق الحضانة.كما انه اسقطت الحضانة عن أم مسيحية لانها حاوت تربية ابنها وفق مبادئ دينها

2- أن تكون ذات رحم محرم من الصغير : أي تكون الحاضنة رحما محرما على المحضون كأم المحضون و أخته و جدته ، فلا حق لبنات العم و العمة و بنات الخال و الخالة بحضانة الذكور لعدم المحرمية ،و لهن الحق في حضانة الإناث و لا حق لبني الخال و الخالة و العم و العمة في حضانة الإناث و لكن لهم الحق في حضانة الذكور .
3- عدم إقامة الحاضنة بالصغير في بيت يبغضه : يرى أغلب الفقهاء أن سكن الحاضنة مع من يبغضه الصغير يعرضه للأذى و الضياع ، فلا حضانة للجدة إذا سكنت مع بنتها إذا تزوجت ، إلاّ إذا انفردت بسكن آخر عنها
و هذا ما أورده المشرع الجزائري في المادة 70 من قانون الأسرة الجزائري :
" تسقط حضانة الجدة أو الخالة إذا سكنت بمحضونها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم " .
و جاءت هذه المادة تكريسا لمصلحة المحضون ليتربى تربية سوية بعيدة عن كل المشاكل التي تحيط بالطفل و تؤثر عليه سلبا في المستقبل .
4- ألاّ تكون قد امتنعت عن حضانته مجانا و الأب معسرا : إن امتناع الأم عن تربية الولد مجانا عند اعسار الأب مسقط لحقها في الحضانة ، فعدم الإمتناع يعتبر شرطا من شروط الحضانة .
فإذا كان الأب معسرا لا يستطيع دفع أجرة الحضانة و قبلت قريبة أخرى تربيته مجانا سقط حق الأولى في الحضانة .


الفرع الثالث: الشروط الخاصة بالرجال


يشترط في الرجل الحاضن بالإضافة إلى شرط العقل
و الأمانة و الإستقامة شروط خاصة بالرجال فقط و هي :
1-أن يكون الحاضن محرما للمحضون إذا كانت أنثى ، و لقد حدد الحنابلة و الحنفية سنّها بسبع سنين تفاديا أو حذرا من الخلوة بها لانتهاء المحرمية ، و إن لم تبلغ الطفلة حد الفتنة و الشهوة أعطيت له بالإتفاق ، لأنه في حالة بلوغها هذه المرحلة من الشهوة فلا يكون لابن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة ، و أجازها الحنفية إذا لم يكن لبنت العم غير ابن العم، و إبقائها عنده بأمر من القاضي إذا كان مأمونا عليها و لا يخشى عليها الفتنة منه .
2-اتحاد الدين بين الحاضن و المحضون لأن حق الرجال في الحضانة مبني على الميراث و لا توارث بين المسلم و غير المسلم ، و ذلك إذا كان الولد غير مسلم و كان ذو الرحم المحرم مسلما، فليس له حق الحضانة بل حضانته إلى ذوي رحمه المحارم من أهل دينه ، و إذا كان الولد مسلما و ذو رحمه غير مسلم ، فليست حضانته إليه لأنه لا توارث بينهما ، إذ قد بُنيَ حق الحضانة في الرجال على الميراث .


المطلب الثالث: ترتيب أصحاب الحق في الحضانة في ظل المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري
من المعلوم أن الفقهاء قدموا الحواضن بعضهن على بعض بحسب المحضون ، فجعلوا الإناث أليق بالحضانة على حساب الرجال لأنهن أشفق و أهدى إلى التربية و الرعاية و أصبر على القيام بها، و أشد ملازمة للأطفال ، ثم قدموا في الجنس الواحد من كان أشفق و أقرب ، ثم الرجال العصبات المحارم ،و اختلفوا أحيانا في ترتيب الدرجات بحسب ملاحظة المصلحة على النحو التالي ، علما بأن مستحقي الحضانة إما إناثا و إما ذكورا و إما الفريقان ، و ذلك في سن معينة ، فإذا انتهت تلك السن كان الرجل أقدر على تربية الطفل من النساء.
لقد حددت المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري ثلاثة أصناف من مستحقي الحضانة يقدم فيه صنف على آخر فنصت على أن : " الأم أولى بحضانة ولدها ، ثم أمها ، ثم الخالة ، ثم الأب ثم أم الأب ، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك و على القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة " .



الفرع الأول: الأم و من يليها من قريباتها
الولاية على الطفل نوعان ، ولاية على النفس و ولاية على المال ، فالولاية على المال هي الإشراف على شؤون القاصر المالية من استثمار، و تصرفات كالبيع و الإيجار و الرهن و غيرها ، فهذا النوع يقدَّم فيه الأب على الأم و من في جهتها ، و الولاية على النفس هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من رعاية الصحة و التأديب و التهذيب و النمو الجسمي ، و التعليم و التثقيف في المدارس و نحو ذلك و عليه فإن ترتيب الحاضنات يكون على النحو التالي :


أولا : الأم
الأم أحق بحضانة الولد بعد الفرقة بطلاق ، أو وفاة بالإجماع لوفور شفقتها ، و دليل تقديم الأم من السنّة : ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت له : (( يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاءا ، و ثديي له سقاءا ، و حجري له حواءا ، و إن أباه طلقني و أراد أن ينتزعه مني ، فقال : " أنت أحق به ما لم تنكحي " .
وقال صلى الله عليه و سلم : " من فرق بين والدة و ولدها ، فرق الله بينه و بين أحبته يوم القيامة " .
وروي أن عمر ابن الخطاب طلق زوجته أم عاصم ، ثم أتى عليها و في حجرها عاصم ، فأراد أن يأخذه منها ، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام ، فانطلقا إلى أبي بكر رضي الله عنهما ، فقال ابو بكر : " مسحها و حجرها و ريحها خير له منك ، حتى يشبَّ الصبي فيختار لنفسه " .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( الأم أصلح من الأب لأنها أرفق بالصغير و أعرف بتربيته ، و حمله ، و تنويمه ، و أصبر عليه ، و أرحم ، فهي أقدر و أصبر في هذا الموضوع ، فتعيّنت في حق الطفل تمييز المخير في الشرع.
ثم قال : و مما ينبغي أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا بل لا يقدم المعتدي ، أو المفرط على العادل البار مطلقا ، فكل ما قدمناه إنما نقدمه إذا حصل به مصلحة الحضانة ، و إن دفعت به مضرتها ، فأما مع وجود فساد من إحداهما فالآخر أولى بها بلا ريب )) .
و قال ابن القيم رحمه الله : (( التقديم و التأخير و القرعة لا تكون إلا إذا حصلت به مصلحة الولد ، و كون كل واحد من الوالدين نظير الآخر، فلو كانت الأم أصون من الأب ،و أغير منه قدمت عليه ، و لا التفات إلى قرعة ، و لا تخيير للصبي في هذه الحال ، فإن الصبي ضعيف يؤثر عليه اللعب ، فيكون عند من هو أنفع له ، و لا تتحمل الشريعة غير هذا )).
و قال ابن مودود الحنفي : (( و يكون الولد عندهن حتى يستغني عن الخدمة ، فيأكل وحده و يشرب وحده و يلبس وحده و يستنجى وحده ، و قدّره أبو بكر الرازي بتسع سنين ، و الخصاف بسبع سنين اعتبارا للغالب ، و إليه الإشارة بقول الصديق رضي الله عنه : هي أحق به حتى يشبّ ، و لأنه استغنى احتاج إلى التأديب بآداب الرجال ، و التخلق بأخلاقهم و تعليم القرآن و الحرف ، و الأب على ذلك أقدر فكان أولى
و أجدر)) .
و لهذا فإن الأم هي المدرسة الأولى للطفل ، و بالتالي لها التأثير البالغ في الحياة النفسية و استقرارها لدى الطفل من حيث تربيته و تهذيب أخلاقه،
و استقامة سلوكه ، بالإضافة إلى ذلك فالأم هي مصدر الغذاء بالنسبة للطفل في بداية تكوينه الجسدي و العقلي ، و هي كذلك منبع العطف و الحنان ، و مجر ى الحب و الشفقة ، و لهذا فالأم أولى بحضانة الطفل ، و إذا توفرت فيها الشروط لن ينازعها أحد في ذلك

أحكام الحضانة
أصحاب الحق في الحضانة
لقد جاء في نص المادة 64 من قانون الأسرة " الأم أولى بحضانة ولدها ثم أمها ثم الخالة ثم الأب ، ثم أم الأب ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك وعلى القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة " .
يلاحظ من خلال نص هذه المادة أن أصحاب الحق في الحضانة وفقا للقانون عديدو ن ولهم مراتب ودرجات محددة في الشريعة والقانون أيضا ، غير أن القانون ذكر بعضهم ورتبهم درجة فدرجة ثم ترك البعض الآخر دون ذكر صفاتهم ، ودون تحديد درجة قرابتهم من المحضون ، ولهذا سنحاول من خلال هذا المبحث وإستنادا إلى القانون وقواعد الشريعة الإسلامية أن نعطي توضيح شاملا لمستحقي الحضانة وذلك مع إحترام الترتيب الوارد في نص المادة 64 قانون أسرة ، بدءا بالأم ومن يليها ثم الإنتقال إلى جهة الأب ومن يليه ثم الأقربون درجة وأخيرا من يراه القاضي أصلح وذلك وفق مايلي :
المطلب الأول : الأم ومن يليها من أقاربها
لقد نص المشرع الجزائري على أن الأم هي صاحبة الحق في الحضانة في المادة 64من قانون الأسرة بقوله " الأم أولى بحضانة ولدها …..… " وهو النص الذي يستند إلى الحديث النبوي الشريف ، لما رواه عبد الله بن عمروا حيث جاءت إمرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي فعل زوجها الذي حرمها من حضانة إبنها فقالت " يارسول الله إن إبني هذا كان بطني له وعاء وحجري هواء وثدي له سقاء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به مالم تنكحي "
وكذلك ماروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين فصل في النزاع الذي رفع إليه بين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومطلقته ، إذ كان عاص في حضانتها ولكن عمر أراد حرمانها منه فذهب إليها ومسك الغلام وأخذ يجذبه بين يدي أمه التي راحت تلتصق به هي الأخرى فتجاذباه حتى بكى فرفعا أمرهما إلى أبى بكر الذي قال في جمع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب عمر بن الخطاب " ريحها ومسها ومسحها خير له من الشهد والعسل عندك ياعمر "
فالأم لايسقط حقها إلا لأحد الأسباب القانونية فهي حقيقة أحب الناس إلى الطفل وأرحم من غيرها ولولا ذلك ماورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله " الجنة تحت أقدام الأمهات " .
وروى في حديث أخر : " سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ فقال " أمك " قال ثم من " أمك " قال ثم من قال " أمك " فقال ثم من ؟ فقال " أبوك " . وعليه فلا حق في حرمان المحضون من أقر بالناس إليه إلا بعد أن يتعذر ضمان ذلك الحق .
وقد توقفنا كثيرا عند الأم نظرا للأهمية ذلك من جهة ومن جهة أخرى فإن أغلب النزاعات المطروحة على العدالة تكون الأم فيها خصما في طلب الحضانة .
ثم تأتي النسوة التي هي قريبات الأم من بعدها لأنهن أرحم إلى المحضون ، فإذا سقطت الحضانة عن الأم لزواجها بأجنبي أو لأي سبب من الأسباب السقوط أو حتى لوفاتها ، تلتها في المرتبة من تدلي إليها بقرابة مباشرة ، وهي أمها لأنها أقرب وأكثر شفقة على المحضون من غيرها وإذا كان المشرع في المادة 64 قد توقف عند أم الأم فحسب فإن فقهاء الشريعة الإسلامية ومنه بعض القوانين العربية لم تتوقف عندها بل تتعداه إلى جدة الأم وجدة أمها تطبيقا للقاعدة " أم الأم وإن علت " .
والملاحظ هو أن نفس الشروط الواجب توفرها في الأم هي نفس الشروط الواجب توفرها في أم الأم بالإضافة إلى عدم إقامتها مع أم المحضون المتزوجة بأجنبي، وانتقال حضانة الطفل إلى جدته يكون بقرار من القاضي ، بعد الجدة تأتي أخت الأم الشقيقة أما أم الأب تأتي مرتبتها في إستحقاق الحضانة بعد مرتبة أم الأم مباشرة وقد أخذ بذلك في نص المادة 64 من قانون الأسرة ، لأنه من المفروض أن تكون شفقة الخالة على الصبي من شفقة أمه وفي ذلك روى البراء بن عازب " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في إبنة حمزة لخالتها وقال " الخالة أم " وقد كان ذلك عندما إختصم علي وجعفر وزيد بن حارثة – رضي الله عنهم – في أيهم يحضن إبنة حمزة – رضي الله عنه – فأسلمها رسول الله لخالتها وهي زوجة جعفر .
وماتجدر الإشارة إليه هو أن الخالة الشقيقة تقدم على التي الأم والتي الأم على التي لأب فجانب الأمومة مفضل دائما على أن تتوفر في الخالة الشروط المحددة أنفا .
الأب ومن يليه من أقاربه
لقد رتبت المادة 64 دائما أب المحضون بعد الخالة مباشرة وأن كانت أم الأب أسبق من الأب في إستحقاق الحضانة عند الإمامين مالك وأبو حنيفة ، وإن كانت الحضانة من حق الأب بعد الأم وقريبتها فعلى الأب أن يوفر للطفل من ترعاه من النساء كالخادمة أو أي إمرأة تكون أمينة عليه وتتولى رعايته خاصة إن كان الولد فطيما .

ثم تأتي مرتبة الجدة لأب بعد الأب حسب ترتيب قانون الأسرة ويبدوا أن المشرع تأثر بالمذهبين الحنبلي والشافعي اللذان يقدمان أم الأب على الأب خلافا للمذهبين المالكي والحنفي اللذان يقدمان أم الأب على الأب نفسه .
وكما تكون الحضانة لأم الأب ، تكون لأمها وجدتها عملا بقاعدة " الأم وإن علت " إذا توافرت فيهن الشروط ورغم المادة 64 توقفت عند الأم فحسب .
الأقربون درجة
ما نلاحظه هو أن المادة 64 من قانون الأسرة جاءت بفئة ثالثة من مستحقي الحضانة وذلك بقولها " ... ثم الأقربون درجة..." دون ذكرهم أو تحديدهم ومن ثم نلجأ إلى نص المادة 222 من قانون الأسرة التي تحيلنا إلى قواعد الشريعة الإسلامية وذلك في حالة غموض أو غياب نص ما في أمر محدد وبالرجوع إلى كتب الفقه نجد الآراء تختلف في تحديد هؤلاء الأشخاص ، لكنهم متفقون على التصنيف التالي :
القريبات من المحارم
لقد إختلف المذاهب الأربعة في ترتيب هذه القريبات فالمذهب المالكي يرتب القريبات من المحارم إبتداء من الأخت وتقدم الشقيقة التي لأم وهذه الأخيرة على التي لأب ثم عمته أخت أبيه ثم عمه أبيه أخت جده ثم خالة أبيه ثم بنت الأخ الشقيق ثم الذي لأم وبعدها الذي لأب ثم بنت الأخت الشقيقة ثم التي لأم وتليها التي لأب وإذا إجتمع هؤلاء يقدم منهن الأصلح للحضانة وبعضهم رجح بنات الأخ على بنات الأخت .
أما المذهب الحنفي ، فيرتب القريبات الحاضنات بداية بأخوات المحضون ثم بنات الأخوات ثم الخالات على خلاف المذهب المالكي الذي يرتب الخالة بعد الأم ، ثم بنات الإخوة ، ثم عمات المحضون فخالات الأم ، ثم خالات الأب ثم عمات الأم فعمات الأب وتقدم دوما الشقيقة على التي لأم والتي لأم على الأخت لأب .
أما المذهب الحنبلي فقد قدم الأم وأمهاتها والأب وأمهاته فالجد وأمهاتها ثم الأخوات بدءا بالشقيقة فالخالة فالعمة ثم خالات أمه ثم خالات أبيه ثم عمات أبيه ثم بنات أخواته ثم بنات إخوته ثم بنات أعمامه ثم بنات عماته ثم بنات أخواته ثم بنات أعمامه ثم بنات أعمام أمه ثم بنات أعمام أبيه وأخيرا المذهب الشافعي الذي وكما هو متعارف عليه الأم أولى بحضانة إبنها ثم أم الأم وإن علت بشرط أن تكون وارثة ، أما عن القريبات من المحارم فهن الأخت ثم بنت العمة ثم بنت العم ثم بنت العم ثم بنت الخال وتقدم الشقيقات على غيرهن والتي لأب على التي لأم .
العصبات من المحارم من الرجال .
العاصب هو من يستحق التركة كلها عند إنفراده أو مابقي منها بعد أخذ أصحاب الفروض حقوقهم ، والعاصب إذا كان رجلا فلا يكون إلا عاصبا بنفسه وهذا حسب المادة 152 من قانون الأسرة التي نصت " … كل ذكر ينتمي إلى الهالك بواسطة ذكر " وقياسا على الميراث فإن حضانة الولد تعود لهؤلاء في حالة إستغراق كل الأشخاص السالف ذكرهم ، وقد حددت المادة 153 من قانون الأسرة هذا الصنف حسب أربع جهات أولها جهة البنوة ثم جهة الأبوة ثم جهة الأخوة وأخيرا جهة العمومة .
وبناء على ما تقدم فإن ترتيب هذه الفئة يكون بناء على ماجاءت به الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالميراث وولاية النكاح .
المحارم من الرجال غير العصبة
إذا لم يوجد من يقوم بحضانة المحضون من محارم أو العصبات من المحارم من الرجال أو لم يكن أهلا للقيام بممارسة الحضانة إنتقل هذا الحق إلى محارم المحضون من غير العصبة وهم على النحو الأتي الجد لأم ثم الأخ لأم ثم إبن الأخ لأم ثم العم لأم ثم الخال الشقيق فالخال لأب فالخال لأم .
من يراه القاضي أصلح للمحضون
إذا لم يوجد من يقوم بحضانة الطفل من الفئات التي سبق ذكرها ، وذلك لوجود مانع مادي كعدم قدرتهم على التكفل بالطفل المحضون أو لم يكونوا أهلا لذلك ، نص المشرع في المادة 64 من القانون الأسرة على أن للقاضي أن يختار من يراه أصلح لرعايــة المحضون ولو كان من الأقارب الذين ليست لهم حـق الحضانة مثل إبن العم ، فعلى القاضي في غموض نص المادة السالفة الذكر التي إكتفت بالنص على أن القاضي يختار من يراه أصلح لرعاية المحضون دون تحديدهم ولا ذكر مراتب إستحقاقهم أن يرجع إلى نص المادة 222 من قانون الأسرة والتي تحيلنا إلى أحكام الشريعة الإسلامية و أن يبحث في الكتب الفقهية وعلى إختلاف أنواعها في ترتيب الأشخاص المستحقين للحضانة من غير المذكورين في قانون الأسرة ، وذلك على إختلافهم ، وهذا ماسيؤدي حتما إلى تضارب الأحكام في هذا الشأن لعدم وجود ترتيب لهؤلاء المستحقين ولكن ذلك لن يكون له تأثير لأن القاضي سيراعي في كل الأحوال مصلحة الطفل العليا .



انقضاء مدة الحضانة وتمديدها مع مراعاة مصلحة المحضون .
بعد تطرقنا في المبحث السابق إلى ترتيب مستحقي الحق في الحضانة حسب ما ورد في نص المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري ، إرتئينا أن نتطرق في هذه المبحث إلى إنقضاء مدة هذه الحضانة، بالنسبة للمحضون سواء كان ذكر أم أنثى وذلك حسب ما ورد في نص المادة 65 من قانون الأسرة جزائري وإمكانية تمديدها للطفل المحضون وذلك في حالة ما إذا كان التمديد في صالحه ، إذ على القاضي عند الحكم بتمديد هذه الحضانة أن يراعى في كل الأحوال المصلحة العليا للطفل المحضون وفق ماسنوضحه بتطرقنا أولا إلى حالة إنقضاء مدة الحضانة ثم حالة تمديدها وأخيرا ربط حالة التمديد بمراعاة قاعدة مصلحة المحضون وفق مايلي :
إنقضاء مدة الحضانة
جاء نص المادة 65 من قانون الأسرة : " تنقضي مدة الحضانة للذكر ببلوغه 10 سنوات والأنثى ببلوغها سن الزواج … " .
من خلال نص المادة المذكورة أعلاه ، نلاحظ أن المشرع الجزائري قد حدد سن إنقضاء مدة الحضانة للذكر ببلوغه العشر سنوات ، ويفهم من ذلك أنه يحق لأحد الوالدين عند الحكم بطلاقهما أن يطالب بحضانة ولدهما إلا في حالة ماإذا كان سنه يقل عن العشر سنوات أما بالنسبة للأنثى فنصت المادة على أنه تنقضي حضانتها ببلوغها سن الزواج ، وبالرجوع إلى نص المادة 07 من قانون الأسرة فقد حدد المشرع الجزائري سن زواج المرأة بـ 18 سنة .
أما بالنسبة لفقهاء الشريعة الإسلامية فقد إختلفوا في تحديد مدة إنتهاء حضانة المحضون سواء كان ذكر أو أنثى ، فالإمام مالك يرى بأن حضانة الذكر تنتهي ببلوغه أما حضانة الأنثى فتنتهي بالدخول أي حتى إقترانها وليس ببلوغها سن الزواج كما هو منصوص عليه في قانون الأسرة جزائري، أما في الفقه الحنفي فقد حدد انقضاء حضانة الذكر ببلوغه سن السبع أو ثمانية سنوات أما بالنسبة للأنثى فتنقضي حضانتها ببلوغها سن التسع سنوات وهو حسب رأينا غير متطابق مع الواقع إذ أنه سواء كان الأمر يتعلق بالذكر أم بالأنثى فالسن المحدد بالنسبة لإنقضاء حضانتهما لا يتماشى مع حاجيتهما الماسة لمن يحضنهما ويتولى شؤونهما .
أما بالنسبة للفقه الحنبلي فيرى أن إنقضاء مدة الحضانة للصبي أي سواء كان ذكر أم أنثى هو نفسه وقد حدده بسن السبع سنوات أما الفقه الشافعي فيرى أنه إذا بلغ الصبي ذكر أم أنثى سن التمييز بينهما فتنقضي حضانتهما .
مايلاحظ من خلال ماسبق ذكره هو إختلاف المذاهب الأربعة في تحديد إنقضاء مدة الحضانة بالنسبة للمحضون سواء كان ذكر أم أنثى ، وبالرجوع إلى نص المادة 65من قانون الأسرة الجزائري ، نرى أن المشرع قدخالف المذاهب الأربعة في تحديده سن إنقضاء الحضانة بالنسبة للذكر أم الأنثى وذلك في سبيل مراعاة مصلحتهم العليا ، فالمشرع إجتهد في هذا المجال وذلك تماشيا مع الظروف التي يعيشها مجتمعنا وصعوبة الوضع الإجتماعي وحسب رأينا فإن ماذهب إليه المشرع الجزائري في هذه المادة هو الأقرب للصواب إذا ما أخذنا بعين الإعتبار إختلاف الزمان وتطور الظروف المعيشية وقساوة الحياة ، فمن غير المعقول أن تنقضي حضانة الطفل ببلوغه السبع سنوات سواء كان ذكر أم أنثى ، وخصوصا في حالة هذه الأخيرة أين تكون بأمس الحاجة إلى مصاحبة النساء ومعاشرتهن.
تمديد مدة الحضانة
جاء في الشطر الثاني من نص المادة 65 من قانون الأسرة " … وللقاضي أن يمدد الحضانة بالنسبة للذكر إلى 16 سنة إذا كانت الحاضنة أما لم تتزوج ثانية "
من خلال تحليلنا لنص هذه المادة نلاحظ أن المشرع الجزائري أورد إستثناءا عن القاعدة التي تقضي بانتهاء مدة حضانة الذكر ببلوغه العشر سنوات ، إذ نص على أنه يجوز للقاضي أن يقضي بتمديد مدة حضانته من سن العشر سنوات إلى غاية بلوغه السادسة عشر سنة وذلك في حالة ما إنتهت المدة القانونية لحضانته وطلب الحاضن من هيئة المحكمة تمديد ها له وذلك في حالة توفر شرطين وهما :
أن يكون الحاضن طالب التمديد هو الأم نفسها .
الشرط الثاني : أن لا تكون الأم متزوجة ثانية مع رجل آخر ليس بمحرم للمحضون معنى ذلك أنه إذا قضت المحكمة حين فصلها في موضوع الطلاق بإسناد حضانة الطفل المحضون لأمه ، وكان سنه لا يتجاوز مثلا السبع سنوات ثم بلغ سن العشر (10) سنوات وبالتالي انتهت المدة القانونية المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الأسرة ، جاز لها أن تطلب من هيئة المحكمة تمديد مدة هذه الحضانة وإبقاؤه عندها إلى أن يبلغ سن السادسة عشر من عمره ، أما في حالة عدم مطالبتها بتمديد مدة الحضانة فإنها تسقط منها كما سنوضحه حين تطرقنا إلى أسباب سقوط الحضانة .
والملاحظ من خلال نص المادة 65 من قانون الأسرة هو أن المشرع الجزائري قد أعطى الحق في المطالبة بتمديد مدة الحضانة إلا في حالة ما إذا كانت الحضانة قد أسندت لأم المحضون فقط وهذا حينما نص على أن "… إذا كانت الحاضنة لم تتزوج ثانية " ولكن اشترط عليها في هذه الحالة عدم زواجها ثانية برجل ليس ذي محرم للمحضون .
كما يستخلص بمفهوم المخالفة من نص المادة 65المذكورة أعلاه أنه لا يجوز لا للأم ولا لغيرها طلب تمديد أجل حضانة الأنثى مطلقا .
وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن السبب الذي خفض من أجله سن حضانة الذكر إلى أقل من الأنثى هو أن الذكر يفضل عدم عشرة النساء ويستغنى عن خدماتهن ابتداءا من سن الاحتلام ( المراهقة ) لأنه يأخذ في الركون إلى تقليد الرجال وتظهر عليه علامات الرجولة بينما الفتات على خلاف ذلك فكلما ازداد سنها كلما ازدادت حاجتها إلى عشرة النساء .
ما يلاحظ كذلك هو أن المشرع الجزائري أغفل عند ضبطه لموضوع الحضانة أن يتحدث عن وضعية المحضون بعد انقضاء مدة الحضانة وعموما بالرجوع إلى نص المادة 222 ق أسرة التي تحيلنا إلى أحكام الشريعة الإسلامية نجد أن أراء الفقهاء المسلمين جاءت مختلفة فمنهم من يقول بعودة المحضون إلى الأب بحكم الشرع وليس للمحضون حق الخيار بين أن يرجع إلى الأب أو إلى الأم ومنهم من يقول بأن المحضون مخير وله الحق في أن يلجأ إلى أي الوالد يستأنس إليه .
مراعاة قاعدة مصلحة المحضون
إن مصلحة المحضون أو الطفل قاعدة فقهية يصعب إفراغها في مادة قانونية ، فهي قاعدة متعارف عليها رغم عدم تحديد محتواها ، والمشرع أخذ بها دون أن يحدد لها معنا عاما ومجردا .
فقاعدة مصلحة المحضون قاعدة ذاتية أي أنها تتعلق بكل طفل على حدى ، فالقاضي ينظر إلى الظروف الخاصة بكل طفل من حيث السن والحاجيات والمحيط الذي يترعرع فيه ، كما يجب أن ننظر إلى هذه القاعدة من حيث الزمان فتطور الحياة أدى إلى تطور متطلباتها وإلى تعقيدها أيضا .
وما يمكن قوله هو أن قاعدة مصلحة الطفل قاعدة مرنة ومطاطة تتأقلم مع الظروف الزمانية ، فهي تختلف من زمان إلى آخر ومن مكان إلى آخر وخاصة من طفل إلى آخر .
ويظهر أن المشرع الجزائري قد تأثر إلى حد بقاعدة مصلحة المحضون شأنه شأن القوانين الحديثةإلا انه لم يفتح الباب على مصرعيه كما فعلت بعض التشريعات العربية ، بل جعل القاعدة أداة يرجع إليها القاضي كلما رأى في ذلك ضررا للطفل ، ولذلك نص في المادة 65 من قانون الأسرة على الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المحضون في قبول أو عدم قبول طلب تمديد حضانة المحضون إذا كان ذكرا ، فالقاضي بذلك يعتبر الحامي الأول للطفل المحضون فإذا رأى انه بقبوله لطلب الحاضنة بتمديد حضانة طفلها ضررا له رفض ذلك الطلب ولكن وجب عليه أن يعلل سبب رفضه .
فقاعدة مصلحة المحضون كما سبق وان ذكرنا هي قاعدة في نفس الوقت ذاتية تتعلق بكل طفل على حدى وهي كذلك قاعدة مرنة ومطاطة وبما أن المشرع لم يعطي تعريفا دقيقا لهذه القاعدة فهذا يفتح المجال لكل
قاضي أن يعبر عن هذه القاعدة حسب قناعته الفكرية وطريقته في التربية وحسب رأينا هذا ما سهل وسيسهل حتما عمل القضاة ، فبعدم تقيدهم بتعريف دقيق منحهم المشرع الجزائري حرية تقدير ظروف كل طفل على حدى وبحسب طريقة المعيشة وحسب المحيط الذي يمارسون فيه عملهم ، فمثلا حاجيات طفل في الصحراء تختلف عنها في المناطق الشمالية ، فقاعدة مصلحة المحضون تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر .
سقوط الحق في الحضانة وعودتها
لقد نص المشرع الجزائري في قانون الأسرة على أسباب سقوط الحضانة ونظمها في خمس مواد من المادة 66 إلى غاية المادة 70 منه ، ونص في المادة 71 عن عودة الحضانة بعد زوال سبب سقوطها ولهذا إرتأينا أن نتطرق لهذا الموضوع وفق ثلاث مطالب أساسية ففي المطلب الأول نتطرق إلى أسباب سقوط الحضانة ثم ننتقل في المطلب الثاني إلى عودة الحضانة وذلك في حالة زوال سبب سقوطها وفي المطلب الثالث إلى كيفية ممارسة دعوة إسقاط الحق في الحضانة وفق مايلي :
أسباب سقوط الحق في الحضانة
حق الحضانة لا يثبت بصفة مؤبدة لصاحبه وإنما هو أداء أو جبه القانون ، فإن قام به الحاضن كما نص عليه المشرع وإلتزم بشروطه بقي له هذا الحق إلى أن يبلغ المحضون السن القانوني المنصوص عليه في المادة 65من قانون الأسرة وإن أخل بالإلتزام من الإلتزامات المرمية على عاتقه أو فقد شرطا من شروط أهلية الحضانة وجب إسقاطها منه فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ماهي أسباب سقوط الحق في الحضانة ؟
وإنطلاقا من ذلك فإن حق الحضانة يسقط بسبب من الأسباب التالية :
سقوط حق الحضانة بالتزويج بغير قريب محرم
لقد نصت المادة 66 من قانون الأسرة الجزائري " يسقط حق الحضانة بالتزويج بغير قريب محرم. ويعني هذا أن كل زوجة وقع طلاقها من زوجها بحكم قضائي وأسندت لها حضانة أولادها منه يسقط حقها في هذه الحضانة وذلك بقوة القانون وهذا بمجرد زواجها أثناء قيام حق الحضانة مع شخص ليس له علاقة قرابة مع المحضون ، فإذا قام الأب ، أو غيره ممن لهم حق الحضانة المحضون من الأشخاص الذين ورد ذكرهم في المادة 64 من قانون الأسرة ، برفع دعوى أمام المحكمة لطلب إسقاط حق حضانة الأم فإن المحكمة ستستجيب حتما لطلبهم هذا وتقضي بإسقاط حقها في الحضانة وتمنحها إلى غيرها سواء الأب أو غيره ممن لهم الحق في ذلك وقام بطلبها .
سقوط حق الحضانة بالتنازل
نصت المادة 66 من قانون الأسرة السالفة الذكر عن سبب أخر من أسباب سقوط الحق في الحضانة وذلك بنصها على أنه " …. بالتنازل مالم يضر بذلك بمصلحة المحضون " فقد أقر المشرع في نص هذه المادة على أن للحاضنة الحق في التنازل عن الحضانة لكن قيد هذا الحق بشرط أساسي وهو أن لا يضر ذلك التنازل بمصلحة المحضون فإذا كان ذلك التنازل في غير صالح المحضون رفض القاضي طلبها هذا مادامت تتوفر فيها الشروط القانونية والشرعية للحضانة ومادامت مصلحة المحضون متعلقة بها وقد جاء في هذا الصدد عن المحكمة العليا " أن تنازل الأم عن الحضانة لايعتبر نهائي لأن حضانة الأولاد من المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص التي يمكن الرجوع فيها إعتبارا لمصلحة المحضون ... "
ففي حالة إسناد الحضانة إلي الأم أو الخالة أو الأب أو غيرهم ممن لهم الحق فيها ، وأثناء قترة قيام الحضانة جاء الحاضن أو الحاضنة أمام القاضي وطلب إسقاط حقه في تلك الحضانة فإن القاضي عند إصدار حكمه في القضية وجب أن يضع صوب عينيه دائما وأبدا مصلحة المحضون وان كان ذلك التنازل سيضر بمصلحته أم لا .

سقوط حق الحضانة بانتفاء أحد الشروط الواجب توفرها في الحاضن
لقد أورد المشرع في نص المادة 67 من قانون الأسرة على أنه " تسقط الحضانة باختلال أحد الشروط المرعية شرعا في المادة 62أعلاه ، غير أنه يجب مراعاة مصلحة المحضون في الحكم المتعلق بالفقرة أعلاه ".
يستشف من نص هذه المادة أن المشرع الجزائري أضاف حالة أخرى إذا توفرت سقط حق الحاضن أو الحاضنة في ممارسة حقها في رعاية المحضون ، وهذه الحالة المذكورة في نص المادة 67 السابقة الذكر تتعلق بتخلف أحد الشروط الواجب توفرها في الحاضن ليكون أهلا لممارسة حقه ، ومعنى هذا أن هذه الشروط كانت متوفرة فيه إذ أسندت له حضانة الطفل بموجب حكم قضائي، وبالتالي فالقاضي عند إسناد الحضانة لذلك الشخص قد رعى توفر كل الشروط الواجبة وأنه في نفس الوقت أخذ بعين الاعتبار مصلحة المحضون ، ولكن ثبت فيما بعد أن هذا الشخص قد عجز أو أهمل واجبه نحو المحضون بحيث يكون قد تركه دون رعاية ولا حماية ولا تعليم ولا تربية ، وفي هذا الصدد أقرت المحكمة العليا على وجوب توفر كل شروط الحضانة وتخلف أحدها يؤدي إلى إسقاط هذا الحق كتخلف شرط القدرة
والجدير بالذكر أن طلب إسقاط حق الحاضن في الحضانة وجب أن يرد من طرف أحد مستحقيها من أصحاب الدرجات الأخرى ، فإذا قضت المحكمة بإسقاط حق الحضانة وجب أن تسندها إلي الشخص الذي رفع دعوى إسقاط الحضانة ، ولكن وجب في كل الأحوال على القاضي عند النطق بالحكم أن يراعي في كل الأحوال مصلحة المحضون .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو حالة ما إذا أسندت الحضانة لأم المحضون وكانت هذه الأخيرة عاملة أو موظفة، فما هو موقف القانون في هذه المسألة ؟ أي كيف يمكن لها أن تقوم بعملها وبرعاية المحضون في نفس الوقت ؟ إن قانون الأسرة قد أغفل أن يتحدث على هذه الحالة لكن هناك من تطرق إلى هذه المسألة ومن بينهم الأستاذ عبد العزيز سعد الذي يرى " أن الحاضنة العاملة أو الموظفة يجب أن تكون قادرة على أن توفر للمحضون كل عناصر الرعاية والتربية والحماية المنصوص عليها في المادة 62 من قانون الأسرة سواء بعملها المباشر أو بواسطة الغير ، و إذا عجزت عن ذلك فسوف تفقد حقها في الحضانة حتى ولو كانت لا تمارس أي وظيفة أو أي عمل مأجور " .
وحسب رأينا فإن ما جاء به الأستاذ عبد العزيز سعد هو الأقرب إلي الصواب ، فصعوبة الحياة اليومية والظروف الإجتماعية القاسية قد تؤدي بالحاضنة إلى الخروج للعمل للحصول على مكسب رزق يمكنها من توفير ظروف معيشية أفضل للمحضون ، وقد تلجأ إلى تركه في دور من دور الحضانة لقضاء يوم كامل ولكن وجب عليها أن تحرس على أن يتم التكفل به على أحسن وجه وتوفير له الرعاية اللازمة إضافة إلى حراسته والتأكد من سلامته .
سقوط حق الحضانة بالتقادم
جاء في نص المادة 68 من قانون الأسرة الجزائري أنه " إذا لم يطلب الحضانة مستحقها لمدة تزيد عن سنة بدون عذر سقط حقه فيها " ، ما يعاب على نص هذه المادة أنه لم يبين صفة مستحق الحضانة إذ وكما سبق ذكره والتطرق إليه في الميحث الأول من هذا الفصل فإن أصحاب الحق في الحضانة رتبهم المشرع الجزائري حسب درجة إستحقاقهم وذلك لتعددهم وهذا ما يضفي نوع من الغموض على هذا النص ، وحسب الأستاذ عبد العزيز سعد فإنه في حالة ما إذا تخلى مستحق الحضانة بالأسبقية عنها ضمنيا ولم يطلبها في الوقت المناسب حتى مضى على ذلك مدة من الزمن تفوق السنة كاملة فإن حقه فيها سيسقط بقوة القانون ولا يطلب من القضاء إذا قدمت الدعوى إلى القضاء إلا أن يقر هذا السقوط بموجب حكم تصدره المحكمة المختصة "
معنى ذلك إذا وقع طلاق بين الزوجين وبقي الأولاد عند والدهم دون أن تطلب أمهم أو من يليها كالخالة مثلا حضانتهم في مدة تزيد عن السنة فإنه لم يعد من حق الأم ولا من حق من يليها أن يطالبوا بحقهم في الحضانة أمام المحكمة ، وهذا ما ورد في الشريعة الإسلامية أي أنه من لم يطلب حقه في الحضانة لمدة تزيد عن عام بدون عذر سقط حقه فيها ، ويبقى الطفل المحضون عند أبيه وذلك حتى بلوغه السن القانوني لإنقضاء الحضانة ، أو سقوط الحضانة من الأب بسبب الوفاة مثلا أو سبب شرعي أخر .
كذلك إذا بلغ المحضون سن العاشرة يعتبر قد وصل إلى مرحلة تسمح للأب أو لغيره طلب إسقاط الحضانة ، مالم تتمسك بها الأم خلال سنة من تاريخ نهاية العشر سنوات فإذا إنتهت السنة الحادية عشر سقط حق الحاضن في الإحتفاظ بالمحضون وذلك لعدم مطالبته بتمديد مدة الحضانة

سقوط حق الحضانة بالمساكنة
جاء في نص المادة 70 من قانون الأسرة : " تسقط حضانة الجدة أو الخالة إذا سكنت بمحضونها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم " .
من خلال تحليلنا لنص المادة 70 المذكورة أعلاه ، نستنتج أن هناك عدة عناصر وجب توفرها لتطبيق هذه المادة وللتقرير بسقوط حق الحضانة ، فأول هذه العناصر يتمثل في الأشخاص الموكل لهم بموجب حكم قضائي حضانة الطفل المحضون ويتعلق الأمر بكل من الجدة الأم والخالة أخت أم المحضون فإذا تخلف هذا العنصر أي صفة الحاضن لايمكن تطبيق هذه المادة ، أما العنصر الثاني فيتمثل في أن تأتي هذه الخالة أو الجدة إلى منزل الأم ومعها المحضون فتقيم معها في نفس المسكن إقامة مستمرة ودائمة ، لأنه لو جاءت زائرة أو لتقيم إقامة مؤقتة كقضاء عطلة الصيف مثلا " أو كانت تسكن بجوار أم المحضون لما أمكن الإدعاء بسقوط حضانتها ، أما العنصر الثالث فمفاده أن تكون أم المحضون متزوجة وأن يكون زوجها شخص أجنبي عن المحضون أي لاعلاقة له به ولاتربطه به أي قرابة محرمية .فإذا توفرت كل هذه العناصر المذكورة أعلاه في نفس الوقت أي أن تكون الحاضنة الجدة أو الخالة وأن تنتقل للعيش مع أم المحضون وأن تكون هذه الأخيرة متزوجة بغير قريب محرم للمحضون فإن حق الخالة أو الجدة يسقط بقوة القانون، ويحق لمن تتوفر فيه الشروط الشرعية والقانونية من غيرهما أن يطلب من المحكمة الحكم بسقوط الحضانة على أية واحدة منهما وإسنادها إليه .
وحسب الأستاذ عبد العزيز سعد فإن المشرع الجزائري لم يبين قصده من حصر سقوط الحضانة بالمساكنة مع أم المحضون في الخالة أو الجدة لأم دون غيرهما ، ثم أنه سكت عن جعل هذا السبب نفسه كسبب من أسباب السقوط في الحالة العكسية وهي الحالة التي تكون فيها أم المحضون مطلقة من زوج ثاني أو متوفي عنها زوجها وتنتقل لسبب من الأسباب الإقتصادية أو الإجتماعية فتسكن مع أختها أو أمها التي تقوم بحضانة إبنها هي ، كما أن المشرع سكت عن الحالة التي يقضي فيها بالحضانة إلى أم الأب وتكون تسـكن في مسكن الأب نفسه سكنا دائما قبل الحكم بالحضانة وبعده
ونحن نشاطر الأستاذ عبد العزيز سعد في هذا الطرح لأن المشرع بسكوته هذا أضحى نوع من الغموض على الأسباب والدوافع التي أخذ بها الحصر هذه المادة على الجدة والخالة لأم .
عودة الحضانة إلى مستحقيها
لقد نصت المادة 71 من قانون الأسرة على أن " يعود الحق في الحضانة إذا زال سبب سقوطه غير الإختياري " ومع ذلك فإنه إذا كان لشخص الحق في الحضانة وسلب منه هذا الحق أو يسقط عنه لسبب من الأسباب القانونية كأن يكون غير قادر على ضمان تربية المحضون على دين أبيه أو غير قادر على رعايته وضمان حمايته ، والعناية بصحته وخلقه وتعليمه ، فإن حق الحضانة سيعود إليه إذا توفر لديه السبب الذي كان ينقصه والذي سلب منه حق الحضانة من أجله .
من ذلك وجب علينا أن نميز بين حالتين ، الأولى تتمثل في سقوط حق الحضانة بسبب تطبيق قاعدة قانونية وليس لطالب الحضانة أي دور في سقوطها أي أن هذا السقوط سببه غير إختياري ، وهي الحالة التي إذا زال فيها سبب سقوط الحضانة تمكن الحاضن من إسترجاع حقه في الحضانة ، أما الحالة الثانية للسقوط هي الحالة التي تسبب فيها مستحق الحضانة بتصرفه في ذلك ويعتبر تصرف إختياري ، وسنوضح هاتين الحالتين وفق مايلي :
سقوط حق الحضانة الغير إختياري .
والمقصود في هذه الحالة بالسقوط الغير الإختياري هو توفر أحد أسباب سقوط الحضانة المنصوص عليها في المواد 66 و ما يليها من قانون أسرة جزائري والتي أدت إلى إسقاط حق الحضانة ممن كانت موكلة له بموجب حكم قضائي ، وعليه فإذا كان حق الأم في حضانة ولدها يسقط عنها بسبب زواجها بشخص أجنبي عن المحضون فإن هذا الحق سيعود إليها حتما إذا هي طلقت أو توفي زوجها ولم تتزوج من شخص عن المحضون ، أو حالة ما إذا كانت الحضانة موكلة للخالة أو الجدة الأم وسكنت مع المحضون في السكن الذي تقطن به أم المحضون وكانت هذه الأخيرة متزوجة مع أجنبي عنه فإنها تكون بذلك قد خالفت قاعدة قانونية منصوص عليها في نص المادة 70 من قانون الأسرة الجزائري ، وتسقط منها الحضانة بموجب حكم قضائي ولن تعود إليها أي إما الجدة لأم أو الخالة إلا إذا إنتقلت مع المحضون إلى سكن مستقل عن أم المحضون وبعيدا عنها نوع ما ، منه يمكن القول أنه إذا كان السقوط غير إختياري فإنه يحق للحاضن إسترجاع حقه إذا زال سبب السقوط ، وفي هذا الصدد جاء في قرار المحكمة العليا أنه " أن القضاء بسقوط الحضانة عن الطاعنة رغم زوال سبب السقوط ودون الود على الدفع المثار من طرفها فيما يخص طلاقها من غير قريب محرم رغم أن لها حق العــودة في المطالبة بالحضانة طبقا للمادة 71 من قانون أسرة مخالفة للقانون وقصور في التسبيب ، وكذلك في قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 05/02/1990 جاء فيه " من المقرر قانونا أنه يعود الحق في الحضانة إذا زال سبب سقوطها غير الإختياري ومن ثم فإن القضاة بما يخالف المبدأ يعد المخالفة للقانون "

سقوط حق الحضانة بسبب تصرف مستحق الحضانة
في هذه الحالة سبب سقوط الحضانة كما سبق ذكره ناتج عن تصرف مستحق الحضانة وبناء على رغبته واختياره ، فإن حق الحضانة لن يعود إليه أبدا بعد سقوطه إذا كان مثل هذا السقوط مترتبا عن تنازله الصريح أو إهماله وذلك بعدم مطالبته بحقه في الحضانة ، ويعتبر ذلك تنازلا وفق المادة 68 من قانون الأسرة ، وعليه فإن الأم أو الخالة أو الأب أو غيرهم من مستحقي حق الحضانة لايمكن لأحدهم أن يستفيد من أحكام المادة 71 من قانون الأسرة أي عودة حقهم في الحضانة بعد زوال سبب السقوط إذا كان حقهم هذا قد سقط بسبب تنازلهم أو بسبب عدم المطالبة بذلك خلال المهلة القانونية المحددة بسنة ، باستثناء حالة إذا كان عدم المطالبة بحق الحضانة له مبرر شرعي ، وبالتالي فإنه لا يجوز لأحد بأي حال من الأحوال أن يطلب من المحكمة أن تعيد له حقه في الحضانة إذا كان قد قرر التراجع عن التنازل أو قرر أن يطلبها بعد منحها لغيره ، وفي هذا الصدد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 25/06/1984 أنه " عدم الرد على الدفوع قصور في الأسباب متى كان من المقرر شرعا أن الحضانة تسقط على من كانت تجب له بمرور سنة كاملة دون المطالبة بها وكان من المقرر قانونا كذلك أن القرار الذي لا تكون أسبابه كافية لمواجهة من قدم من أدلة وأبدى من طلبات و دفوع في الدعوى فإن هذا القرار يكون مشوبا بالقصور في التسبيب ومخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية في مقتضياته إذا كان الثابت في قضية الحال أن الجدة لأم طالبت يإسناد الحضانة لها بعد مضي سنة كاملة من سبق إسنادها للأب مما يترتب عنه سقوط حقها في الحضانة فضلا عن كونها تسكن مع إبنتها أم البنت المحضونة فإن قضاة الموضوع بعدم ردهم على الدفوع التي تمسك بها الطاعن وخاصة فيما يتعلق بتاريخ القيام القضائي جرى على أنه لايقبل الطلب الذي يقدم بعد عام من تاريخ الفصل في الحضانة وبعد ردهم أيضا على دفع الأب الطاعن المتعلق بسكن الجدة مع إبنتها أم البنت المحضونة يشكل قصورا واضحا في التعليل ومتى كان ذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيه تأسيسا على الوجه المثار في الطعن في هذا الشأن " .
وتجدر الإشارة أنه مهما يكن من أمر فإن عودة حق الحضانة إلى من كان أهلا لها لا تكون إلا بموجب حكم من المحكمة .
دعوى سقوط حق الحضانة
لقد تطرق المشرع الجزائري قي المادة 62 من قانون الأسرة إلى تعريف الحضانة وذلك عن طريق ذكر أهدافها ثم أضاف واشترط في الحاضن أن يكون أهلا لذلك ، أي أن يكون الحاضن سواء رجل أو إمرأة عاقلا ، راشدا و أمينا على خلق المحضون وسلوكه وتربيته على دين أبيه وأن يكون الحاضن قادرا على تأمين حاجيات المحضون المادية والمعنوية خاصة منها المتعلقة برعايته والحفاظ على سلامته والوقوف على مصالحه وقد سبق لنا أن تطرقنا إلى ذلك في الفصل الأول ، ثم إنتقل المشرع في نص المادة 66 من قانون أسرة وما يليها إلى التطرق إلى أسباب سقوط الحق الشخص الموكل له الحق في الحضانة بموجب حكم قضائي .
وهذا ما يؤدي بنا إلى القول أن دعوى سقوط حق الحضانة عمن كانت قد أسندت إليه بموجب حكم قضائي يمكن رفعها من طرف أي شخص تتوفر فيه الشروط القانونية والشرعية لرفع هذه الدعوى، وترفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرة إختصاصها مكان ممارسة الحضانة ويكفي للشخص الذي يطالب بإسقاط حق الحضانة أن يستند إلى أحد الأسباب المذكورة في المادة 66 وما يليها من قانون الأسرة كزواج الحاضنة بأجنبي غير محرم للمحضون أو الاستيطان بالمحضون في بلد أجنبي أو كانت الحاضنة جدة أو خالة وسكنت مع أم المحضون المتزوجة بأجنبي إلى غير ذلك من الأسباب المحددة بموجب القانون ، أو يسند إلى انتفاء أحد الشروط الواجب توفرها في الحاضن كانحراف الحاضن أو فقد أهليته أو عدم القدرة على تكفل الحاضن بالمحضون وقد جاء في هذا الصدد في قرار المحكمة العليا على أنه " من المقرر في الفقه الإسلامي وجوب توفر شروط الحضانة ومن بينها القدرة على حفظ المحضون ومن ثم فإن القضاء بتقرير ممارسة حق الحضانة دون توافر هذا الشرط يعد خرقا لقواعد الفقه الإسلامي ، ولما كان ثابت في قضية الحال أن الحاضنة فاقدة البصر وهي بذلك عاجزة عن القيام بشؤون أبنائها ومن ثم فإن قضاة الإستئناف بإسنادهم حضانة الأولاد لهما وهي على هذا الحالة حادوا على الصــواب وخالفوا القواعد الفقهية " .
ويشترط في طالب إسقاط حق الحضانة أن يطالب في نفس الوقت إسنادها إليه هو نفسه بعد أن يكون قد قدم للمحكمة أسباب سقوط الحضانة على غيره وشروط إسنادها إليه شخصيا حيث لا يجوز لأحد أن يطلب للمحكمة إسقاط الحضانة على الغير من أجل طلب الحكم بإسنادها إلى الغير وذلك لأنه لا يحق له أن يعبر عن إرادة غيره أو يجبر غيره على ممارسة حق شخصي خالص ، ويجب على القاضي في كل الأحوال أن يراعى المصلحة الفضلى للطفل .
المبحث الرابع : نفقة المحضون وأجرة الرضاع
إن نفقة الولد واجبة على الأب كمبدأ عام ، ولا تسقط عنه إلا إذا أثبت أن لهذا الولد مالا يمكن أن ينفق منه على نفسه وذلك بقطع النظر عن كون الوالد موسرا أو معسرا طبقا لنص المادة 75 من قانون الأسرة التي تنص على أنه " يجب نفقة الولد على الأب مالم يكن له مال " ونجد نفس الحكم كذلك في نص المادة 72 من نفس القانون التي تنص على أن " نفقة المحضون وسكناه من ماله إذا كان له مال وإلا فعلى والده " ، وفي حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة ، وذلك وفق نص المادة 76 من نفس القانون التي نصت على انه " في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك " ويستشف من نص هذه المادة انه إذا كان الأب عاجز على الكسب وكان فقيرا فإنه يعتبر في حكم المعدوم وحينئذ يؤمر بها من تجب عليه نفقة الصغير بعد الأب وهي الأم ولها أن تعود على الأب أن ظهر يسره لأنه يعتبر مدينا لها بها .
التعديل الأخير تم بواسطة عزالدين بن عبد الله ; 26-09-2013 الساعة 08:35 PM