مخاطر الاختبارات
18-05-2017, 12:48 PM

مخاطر الاختبارات

عبد السلام بن صالح العييري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر لله شكرًا شكرًا، الحمد لله الذي خلق ورزق، وأطعم وأنعم، وهدى ووقى، ومنع وكفى، وأعطى ومنع، له الفضل والخير، نحمده على كل نِعمة في كل وقت.

الحمد لله على نعمة الإيجاد والإمداد والإعداد، كم له من النِّعم علينا من قديمٍ أو حديث، أو خاصةً أو عامة، يكفي سِتره علينا، ويكفي أن حمدنا له يحتاج إلى حمد، وشكرنا يحتاج إلى شكر، خلقنا من عدم، كبَّرنا من صِغر، هدانا من ضلالة، كسانا من عُري، أطعمنا من جوع، سقانا من عطش، فالحمد لله لا نُحصي ثناءً عليه.

الحمد لله على نعمة الهواء والماء والغذاء والدواء والكهرباء والإيواء.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي الرحمة والهدى خير الحامدين، خير الشاكرين، يعمل العمل وقد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، فيُسأل، فيقول: ﴿أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا فصلى الله على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، ما اتصلت عينٌ بنظر، وأذنٌ بخبر، وأرضٌ بمطر.

أما بعدُ:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.

هذه الأيام هي: حصاد العام للطلاب والطالبات، ولا بد من توجيهات هي رسائل موجَّهة للطلاب، وأخرى للمعلِّمين، وثالثة للوالدين، ثم متفرقات.


أما ما أوجهه للطلاب:

فالحرص على الدعاء، والاستعانة بالله -عزَّ وجلَّ-والتوكل عليه، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، والصبر والتحمل، وتعويد النفس على الجلوس الطويل، والانقطاع عن وسائل التواصل والقنوات؛ لأنها تُشغل وتُشتت الذهن، وتُضيِّع الوقت﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.

ومن التوجيهات:

المحافظة على الكتب المتضمنة لذكر الله تعالى، وما فيها من لفظ الجلالة، ووضعها في الحاويات.
أن تبدأ بالبسملة والاستعانة بالله -عزَّ وجلَّ- عند استلام الأسئلة، وأن تكون حريصًا على الهدوء والسكينة، وأن تُقدِّم الأسئلة السهلة.
ألا تواصل المذاكرة من الليل إلى الصباح؛ لأن الجهد الطويل المتتابع مع المفاجأة بأسئلةٍ لم يتوقعها سببٌ في الإحباط، سببٌ في التعب والإعياء.
الحذر من تعاطي المنشطات التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات، فهي ربما أوهمت نشاطًا، وأوهمت حفظًا، لكنها لا تصب العلم في الذهن، ولا تجعل الطالب من كونه غافلًا بليدًا لا يحفظ، لا يفهم، لا يعي، لا يحرص، لا يتأدب؛ في ليلة يحفظ جميع المنهج؛ هذا ما يُصوره رفقاء السوء، ومُرَوِّجُو المخدرات.

ومن التوجيهات:

الرجوع مبكرًا للبيت بعد الاختبار، فهي أحرج فترة يكثر فيها الضياع، وتقع فيها المشاكل؛ لغفلة الآباء وعدم المتابعة من بعضهم، فمن تجمعاتٍ عند المدارس إلى مجمعاتٍ تجارية، إلى مقاهٍ، إلى أماكن مشبوهة يختلط فيها الكبير والصغير بلا رقيب ولا حسيب.

ومن التوجيهات:

تغيير المكان والارتياح من عناء المذاكرة للرجوع لها بنشاط،
أن يبحث الطالب عن دوراتٍ وتوجيهات للطريقة الصحيحة للمذاكرة، والتعامل مع الأسئلة في القاعة.
ربما يسهل الغش ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ.
ربما يسهل الغش يكون في متناول الطالب نظره قوي الطالب الذي بجانبه قد شرع ورقته من غير شعور ولا ترتيب، فيستطيع أن ينظر لكل شيء أو يسمع كلمات، أو يكون المراقب غافلًا، فتذكر حديث النَّبي
: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا»، وتذكر حديث: «كل جسمٍ نبت مِن سُحتٍ فالنار أولى به»؛ بل عليك ألا ترضى بذلك، وأن تُنكر، وأن تُبلِّغ أولياء الأمور في المدارس.
والنوم المبكر والمرتب يُعين على الإنجاز والتفوق، بعد الانتهاء من الإجابة حتى الخروج من نصف الوقت، حتى الخروج من الاختبار من المناسب أن يُدخل الطالب معه مصحفًا يقرأ فيه؛ ليحصل على الأجر ويقطع الملل، وربما ختم أجزاء في أيام الامتحانات، والمذاكرة في المساجد طيبة، لكن لا بد من التأدب بآداب المسجد، والمحافظة على المسجد، وأما المذاكرة الجماعية، فتحتاج إلى إشراف وضبط، وإلا صارت مضيعة للوقت.

* * *
وأما الرسائل التي أوجهها للمعلِّمين:

oفأقول لهم: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، وأذكرهم بحديث النَّبي : «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

o فمن ذلك: مراعاة الطلاب من ناحية وضوح الأسئلة وسهولتها، وألا يتحدى الطلاب بالأسئلة الغامضة، فتأديب الطلاب في الأسئلة النهائية لا جدوى منه ولا فائدة، ولن ينتفع الطالب، ربما يؤدَّب لانشغاله وعبثه ولعبه أثناء الدراسة في اختبارات أعمال السنة، لكن في النهائي لا يحتاج إلى كثيرٍ من ذلك.

oكذلك التجاوز عن الأمور الغامضة الدقيقة من الإجابات مما يجد له مخرجًا، ألا يُشغِل المعلم الطلاب أثناء القاعة بالكلام الجانبي مع المعلمين والطلاب؛ لأن كل إزعاجٍ أو تشويش منه هو أذى للطلاب، ولا ينشغل عنهم بالجوال، بل يُراقب ديانةً وأمانةً وحرصًا، وأن يعتبر كل طالبٍ من هؤلاء الذين يُراقبهم، أن يعتبر كل واحدٍ منهم كأبنائه، فيرحمهم ويُحسن إليهم، ويوجههم، ويلطف بهم؛ لأن الطالب قد دخل بتوتر، ولو كان المعلم أو كبار السن في وضعهم لتوتروا أيضًا.

o وعلى المعلم أن يكون عنده لمسةٌ أبوية رحمةٌ إنسانية، فيسأل فاقد الأبوين أو فاقد أحدهما عن دروسه ونتيجته، ويفرح له ويشجعه ويدعو له، فكم من يتيمٍ أو يتيمة يتمنى من يقف معه ويسأل عن حاله، وفي الإحسان إليهم فضلٌ عظيم، وتصور أن هذا اليتيم هو ابنك، فالموت لا يستثني أحدًا، قد يكون ابنك يتيمًا في الاختبارات القادمة، وكم من يتيمٍ شق طريقه في العلم والثقافة والتقدم بتوجيهٍ كريم من معلمٍ عاقل، من معلمٍ رحيم أحسن إليه ووجهه.
أحد التجار من الموجودين الآن -بارك الله في عمره وعمله وذريته- جاوز الثمانين، ويُضحي كل سنة لمعلمٍ علمه في المرحلة الابتدائية، وقد بنى له مسجدين أو ثلاثة، كل سنة يُضحي عنه أضحية فأكثر، يقول:
" لأني كسبت مالًا وأنا صغير، فوجهني توجيهًا سليمًا ألا أعبث به، فاستفاد منه فكرة تجارية، ثم صار إلى ما صار إليه الآن".
هذا الوفاء المطلوب.
* * *
وأما الرسالة للوالدين:

فأقول لهم ما قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا، وكذلك ما جاء في الصحيحين عن النَّبي
-عليه الصلاة والسلام-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

ومن التوجيهات للوالدين: تهي
ئة الجو المناسب، وعدم إشغال الأبناء وإثقالهم بالطلبات أيام الاختبارات، ممكن الأب يُؤجل بعض الطلبات أو يتحامل على نفسه ويأتي ببعض الأمور، ويترك إشغال أبنائه.

وكذلك متابعتهم وتشجيعهم، والدعاء لهم، التقليل من الزيارات والاستضافات، فلا يزور ولا يُزار؛ لأن الزيارة إما أن يزور أو يُزار يُشغِل أو يُشغَل، وكل مشغولٍ فلا يُشغَّل.

ومن ذلك: الحذر من السماح للبنت أن تذاكر في بيت صديقاتها مهما بلغت البنت من العلم والثقافة والديانة، ومهما بلغت البنت الأخرى كذلك، فمثل هذا الجو في جو الغفلة يحصل ما لا تُحمد عقباه
، وليس شكًّا في الناس أو في الآخرين أو في الأبناء، لكن هذا من الضبط والحزم؛ لأن بعض الناس ربما يَفسد أبناؤه بين يديه تحت نظره، فكيف إذا غابت عنه البنت ساعات!!؟.

وألا يُقارن ابنه بالآخرين، ويُفضلهم عليه، فلا يقُل الأب لأحد أبنائه: كُن مثل أخيك، وهم متقاربون بالعمر، ولا مثل ابن فلان، مثل ابن عمك، بالذات إذا كان هذا التوجيه أمام الآخرين، فهو يُحرجه يهدم شخصيته يُضعفه.

عدم تضخيم أمر الاختبارات مما يجعل الابن خائفًا مهزوزًا مُحطمًا.


مساعدة الأبناء في دروسهم، ومناقشتهم، والتأكد من المعلومات لديهم، ففي مواد ومعلومات يعرفها الأب من ثقافته العامة أو دراسته السابقة، فيُشارك الأبناء
ويسألهم في المواد التي يُحسن.

وألا تترك أبنا
ءك الوقت الطويل بانتظارك عند مدارسهم ولو أخذت إجازةً لأجلهم، فالمحافظة على رأس المال أولى من الربح.

وألا تتأخر بهم عن الذهاب للمدرسة، فيتأخر الطالب على الاختبار، ولا يملك من الأمر شي
ئًا فيدخل متوترًا، ربما تغيب عنه بعض المعلومات بسبب تأخر الأب.
* * *
وأما الرسائل المتفرقات:

فالشكر مزجى لمديري المدارس، ولقائديها، وللمعلمين، فهم يبذلون جهدًا لا يعلم به إلا من دخل بين المعلمين، أما من يتحدث وهو في بيته أو في مكتبه، أو لا يُراجعه في اليوم إلا عشرة أشخاص لو دخل بعض الفصول ووجد أربعين طالبًا كل طالبٍ له طلب، له نفسية، له رغبة، له محبة، له كره، يُحب ويكره، يقدح ويمدح، يُشغِل ويُزعِج، يرضى ويكره، كيف يتعامل مع هؤلاء؟.

بعض الأبناء أهله لا يتحملونه في التعامل معه، كيف يُريد الأب أن يُصلح المعلم ابنه في دقائق معدودة، والعدد يفوق الأربعين في بعض الفصول، فلا ننسى الشكر لهم وإن كان التقدير والامتيازات والجوائز ربما غائبة عن كثيرٍ من مجتمعاتنا لهذه الفئة الغالية، وهي فئة المعلمين، فما خرج عالِمٌ أو قائدٌ أو مهندس أو طبيب إلا من تحت تعليم معلم، حتى العلماء الذين لم يدرسوا في المدارس والجامعات خرجوا من تعليم العلماء، فيبقى الفضل لله
-عزَّ وجلَّ- ثم للمعلم، وبعض المعلمين ربما أقرب للأبناء من آبائهم.

وكذلك الشكر موصولٌ لرجال الأمن سلَّمهم الله في الحرص على أمن وسلامة الطلاب والطالبات، فهم يجعلون جزءً
ا، بل يُلزمون أن يبقوا أمام المدارس وقت دخول الطلاب وانصرافهم، فاللهم أتم علينا الأمن والإيمان.

تعاني بعض المدارس من عدم توفر بردات المياه، فلو تبرع أحدٌ بمياهٍ مُبردة تُوزع على الطلاب يدفعون بها عطشهم، ربما يأتي الولد منذهل
ًا لم يُفطر، ولم يأتِ بماء، ولا يستطيع أن يقف عند بقالة، فذهب عن باله شُرب الماء:«ففي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ».

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعني وإياكم بما فيه من العلم والحكمة، والهدى والرحمة، والإيمان والبيان.

وصلى الله وسلم على النَّبي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.