دراسة: الأذكياء يقللون من قدراتهم والفاشلون يبالغون.. ما السبب؟
31-03-2018, 01:08 AM


الزهراء جمعة/صحفية ومترجمة



مقدمة المترجمة
كم مرة قرأت عن ضرورة امتلاك الثقة بقدراتك على النجاح، أو شاهدت مقطع فيديو يحمسك أن تصدق أنك مختلف عن الآخرين، أو أخبرك أحدهم أن عليك أن تثق بنفسك وأن تؤمن أن بإمكانك فعل أي شيء، ماذا لو كان ما يجب عليك حقا هو عكس ذلك تماما! فأحيانا على المرء الاعتراف ببساطة أن أمرا ما خارج قدراته وليس بإمكانه فعله.

نص التقرير
في أحد أيام عام 1995، قام رجل ضخم وممتلئ الجسد في منتصف عمره بسلب مصرفين من مصارف مدينة بتسبرغ في وضح النهار. لم يكن الرجل مقنّعا ولم يتعب نفسه حتى بأي نوع من أنواع التنكر، كما أنه ابتسم لكاميرات المراقبة قبل مغادرته لكل مصرف منهما.

لاحقا في تلك الليلة، ألقت الشرطة القبض على ماك آرثر ويلر الذي كان مندهشا للغاية. وعندما أظهروا له أشرطة المراقبة، حدق ويلر في الشاشات غير مصدق، وتمتم قائلا: "لكنني وضعت العصير على وجهي!"، وعلى ما يبدو، ظن ويلر أن فرك عصير الليمون على وجهه سيجعله غير مرئي لكاميرات الفيديو. فعصير الليمون على كل حال يستخدم كحبرٍ خفي، لذا طالما لم يقترب ويلر من مصدر حرارة، كان ينبغي أن يكون خفيا تماما. وخلصت الشرطة إلى أن ويلر لم يكن مجنونا أو تحت تأثير جرعات من المخدرات، بل كان مخطئا للغاية فحسب!




جذبت القصة انتباه عالم النفس ديفيد دونينغ في جامعة كورنيل، فأرسل طالب الدراسات العليا الذي يتدرب تحت يديه، جوستين كروجر، للاستيضاح عن الأمر ودراسته. ووجدا أنه في حين أن الجميع تقريبا كان لديهم آراء إيجابية عن قدراتهم في مختلف المجالات الاجتماعية والفكرية، فإن بعض الناس يخطئون ويبالغون في تقييم قدراتهم ويحسبون أنها أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع. يسمى "وهم الثقة" هذا الآن "تأثير دونينغ كروجر"، ويُعنى بوصف التحيز المعرفي لتضخيم التقييم الذاتي.


وللتحقيق في هذه الظاهرة ودراستها مختبريا، صمم كل من دونينغ وكروجر بعض التجارب الذكية. في إحدى الدراسات، طرحا على طلاب المرحلة الجامعية سلسلة من الأسئلة في القواعد النحوية والمنطق والنكات، ثم طلبا من كل طالب أن يقوم بتقدير درجاته الكلية، وكذلك ترتيبه النسبي مقارنة بالطلاب الآخرين. ومن المثير للاهتمام أن الطلبة الذين سجلوا أدنى مستوى في هذه المهام المعرفية دأبوا دائما على المبالغة في تقدير نجاحهم، بفارق كبير عن الواقع. وقدر الطلاب الذين كانوا في الربع الأدنى في الأداء أن أداءهم أفضل من ثُلثي الطلاب الآخرين!

ويمتد "وهم الثقة" هذا ليتجاوز الفصول الدراسية ويتخلل الحياة اليومية، ففي دراسة تالية، غادر دونينغ وكروجر المختبر وذهبا إلى نادٍ للرماية حيث طرحا أسئلة تخص السلامة على هواة الأسلحة. وعلى غرار النتائج التي توصلا إليها سابقا، قام أولئك الذين كانت إجاباتهم الصحيحة قليلة للغاية بالمبالغة في تقدير معرفتهم بالأسلحة النارية. وكذلك يمكن ملاحظة تأثير دونينغ كروجر خارج مجال المعرفة العلمية، حيث يمكن ملاحظته في تقييم الناس الذاتي لعدد لا يحصى من قدراتهم الشخصية الأخرى. فمثلا إذا شاهدت أي عرض مواهب على شاشة التلفزيون اليوم، سترى الصدمة على وجوه المتسابقين الذين لا ينجحون في الاختبارات ويرفضهم الحكام. في حين أن الأمر قد يبدو كوميديا لنا، ففي الحقيقة لا يدرك هؤلاء الأشخاص مدى الضلال الذي أحدثه بهم تفوقهم الوهمي.


إنه بالتأكيد أمر معتاد أن يبالغ الناس في تقدير قدراتهم. فقد وجدت إحدى الدراسات أن 80% من السائقين يصنفون أنفسهم بأنهم فوق المتوسط، وهي استحالة إحصائية. وكذلك وجدت اتجاهات مماثلة عندما يقيم الناس شعبيتهم النسبية وقدراتهم المعرفية. والمشكلة هنا هي أنه عندما يكون الناس غير أكفاء، فإنهم لا يخطئون في استنتاجاتهم ويختارون خيارات غير موفقة فحسب، بل إنهم كذلك يُحرمون من القدرة على تصحيح أخطائهم.



ما يثير الانتباه، أنه بقدر ما يبالغ الطلاب الضعفاء والراسبون في تقييم قدراتهم يقلل الطلاب المتفوقون من أنفسهم
مواقع التواصل



وفي دراسة دامت نصف عام دراسي لطلاب الجامعات، تمكن الطلاب جيّدو المعدلات من التنبؤ بشكل أفضل بأدائهم في الامتحانات المستقبلية بعدما منحوا تقييما حول درجاتهم ونسبتهم المئوية. ومع ذلك، فإن أصحاب أسوأ أداء في الاختبارات لم يعترفوا بذلك، رغم التقييمات الواضحة والمتكررة أنهم لا يحسنون صنعا في دراستهم. لذا بدلا من التوتر أو الحيرة أو التفكير فيما يخطئون في فعله، يصر الأشخاص غير الأكفاء على أن طرقهم صحيحة. كما كتب تشارلز داروين في "نشأة الإنسان" (1871): "أحيانا يولد الجهل الثقة أكثر من المعرفة".
ومن المثير للاهتمام، يفشل مرتفعو الذكاء كذلك في تقييم قدراتهم الذاتية، فبقدر ما يبالغ الطلاب الضعفاء والراسبون في تقييم قدراتهم يقلل الطلاب المتفوقون من أنفسهم. وفي دراستهما الكلاسيكية، وجد دونينغ وكروجر أن الطلاب ذوي الأداء العالي، الذين كانت درجاتهم المعرفية في الربع العلوي، يقللون من كفاءتهم النسبية. ويفترض هؤلاء الطلاب أنه إذا كانت هذه المهام المعرفية سهلة بالنسبة لهم، فلا بد أنها سهلة أو حتى أسهل بالنسبة للجميع. ويمكن لما تسمى "متلازمة المدعي" هذه أن تكون النقيضة لتأثير دونينغ كروجر، حيث وفقا لها يفشل المتفوقون في التعرف على مواهبهم ويحسبون أن الآخرين مساوون لهم في الكفاءة. والفارق هنا هو أن أصحاب الكفاءة والمؤهلين قادرون على إجراء تقييم ذاتي صحيح إذا ما منحوا تقييما خارجيا ملائما، بينما لا يستطيع غير المؤهلين فعل ذلك.


وهنا يكمن المفتاح في عدم انتهاء المطاف بنا مثل سارق المصارف المعتوه. ففي بعض الأحيان نجرب طرقا تؤدي إلى نتائج مرغوبة، ولكن في أوقات أخرى -مثل فكرة عصير الليمون- تكون طريقتنا غير ملائمة أوغير عقلانية أو حمقاء أو ببساطة طريقة غبية. والخدعة هي ألا تقع فريسة لأوهام التفوق عن الآخرين وتتعلم أن تقوم بإعادة تقييم دقيق لكفاءتك الحقيقية.

فعلى كل حال -وكما قال كونفوشيوس- المعرفة الحقيقية هي أن يعرف الشخص مدى الجهل الذي يعيش فيه!

__________________________________________________ ___________

مترجم عن: أيون