ملاعب الكرة.. “يا قاتل يا مقتول”!
22-10-2018, 05:47 AM




توفيق عمارة صحافي بالقسم الرياضي



عاد شبح الموت ليخيم على الملاعب الجزائرية بعد الأحداث الخطيرة جدا، التي عرفتها مباراة أهلي البرج ومولودية الجزائر وسقوط العديد من الجرحى وسط اللاعبين، بعد اقتحام أنصار البرج أرضية الملعب واعتدائهم على لاعبي المولودية، ما كاد يودي بحياة اللاعب عبد الرحمن حشود إثر تعرضه لاعتداء بالسلاح الأبيض، فضلا عن إصابات أخرى خطيرة وسط زملائه، الأمر الذي يبرز خطورة الوضع الحالي في الملاعب الجزائرية بعد أن تعدى الوضع من كونه مجرد عنف “كروي” إلى قضية “موت مبرمج” ذكر الجزائريين بقضايا مماثلة كانت أودت بحياة اللاعب الكاميروني إيبوسي في تيزي وزو، وكادت تنهي حياة اللاعبين فيصل باجي وعبد القادر العيفاوي سنتي 2002 و2012 في بجاية وسعيدة على التوالي.
وكانت أحداث العنف التي عرفتها بعض الملاعب منذ بداية الموسم الجاري بمثابة تهديد مبكر لما قد يحدث مستقبلا، مع اشتعال المنافسة بخصوص حسابات اللقب والصعود والسقوط، التي تخضع في الجزائر لمعايير “خارجية” أكثر منها كروية، فالترهيب والكواليس هي في الأساس محدد رئيسي لنتائج المباريات الكروية، بدليل ما يحدث في الملاعب بصفة أسبوعية ومنذ سنوات دون النجاح في وضع حد نهائي لهذه الظاهرة الخطيرة، ويرجع الكثير من المتابعين هذه الأخيرة إلى أضلاع المعادلة الكروية من مسيرين ومدربين ولاعبين وحتى مسؤولي مختلف الهيئات الكروية ووصولا إلى الأنصار، الذين يعدون المحرك الأساسي لمعادلة العنف، وغالبا ما يكونون أداة بيد مسؤولي الأندية عن سابق معرفة وأحيانا بطريقة غير مباشرة.
الفاف شاهد “ما شافش” إلا “الفندق”


ورغم بوادر العنف الظاهرة جليا منذ بداية الموسم الجاري، إلا أن الاتحاد الجزائري لكرة القدم ورئيسه خير الدين زطشي، انشغل بأمور أخرى بعيدة عن حقيقة وواقع كرة القدم الجزائرية، حيث أكثر من خرجاته الإعلامية للحديث فقط عن مراكز التكوين وإلغاء مشروع “فندق روراوة” المحور الأبرز والرئيس في “مشروعه الكروي”، واستنزف زطشي كل قدرته و”علاقاته” ووقته وجهده وتفكيره في إلغاء “فندق روراوة” دون الالتفات إلى المشاكل الفعلية الأخرى، بدليل أنه قام بخرجات ميدانية شرق ووسط وغرب الوطن من أجل متابعة “التهليل” و”التولويل” لمراكز التكوين، في وقت كان يفضل فيه متابعون أن يكرس ذلك الجهد لمحاولة إيجاد حلول لظاهرة العنف في الملاعب قبل أن تسقط أرواحا أخرى وتجعل كرتنا حديث العالم “سلبيا”، ونفس النهج سار عليه رئيس الرابطة، عبد الكريم مدوار، الذي “يفتخر” ببرمجته “اللامعة” ويلوح بـ”عصا الطاعة” للأندية ويكثر من سفرياته “الترفيهية”، دون التفكير في الحلول “العميقة” لظاهرة العنف دون المرور عبر عقوبات لجنة الانضباط.
وفاة مناصر في القسم الشرفي الموسم الفارط لم يحرك مسؤولينا

ولم يكن لسقوط ضحية في لقاء فريقي عين الكبيرة وعين الطويلة “الهاوي” الموسم الفارط، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع كرويا من حيث النتائج وحتى القيمة الربحية المادية، محركا لمسؤولي كرة القدم الجزائرية من الوصاية والفاف والرابطة ومختلف الرابطات الأخرى، للبحث عن إجراءات وقائية سريعة، بدليل ما حدث بعد ذلك في عدة ملاعب أخرى، سواء في المحترف الأول أم الثاني وحتى في الأقسام الجهوية، ما دام أغلب رؤساء الأندية وحتى اللاعبين والمدربين يوظفون تصريحات “مؤججة” للعنف وفي بعض الأحيان للكراهية في سبيل البحث عن انتصارات تنقذ رؤوسهم، ويستغرب الكثير من المتابعين التصريحات الموسمية لكل رؤساء الأندية الذين يتحدثون عن أهداف لا تقل عن لعب الأدوار الأولى، في وقت لا يجرؤ أي أحد منهم على الحديث عن الأهداف الواقعية كاللعب على البقاء مثلا، ما يرفع سقف طموحات الأنصار الحالمين بالتتويجات قبل أن يصطدموا بواقع ضعف فرقهم ومحدودية مستوى لاعبيهم، الأمر الذي يدفعهم إلى التعبير عن غضبهم باللجوء إلى التخريب والعنف، في حين إن بعض المسيرين يسعون إلى هذه الطريقة لتهريب منافسيهم، في ممارسة لا ينكرها مسؤولو الأندية، من أجل الحصول على نقاط الفوز، إلى درجة أنها تحولت إلى عادة في ظل غياب المستويات الكروية العالية على المستطيل الأخضر.
هؤلاء ماتوا وآخرون نجوا.. ماذا ينتظر مسؤولونا..؟

والغريب أن ما حدث في البرج وتجنب سقوط أرواح جديدة بقدرة قادر، كانت بوادره ظاهرة منذ فترة طويلة وسبقته تجارب دامية، كان ضحيتها لاعب شباب بلوزداد السابق فيصل باجي في لقاء شبيبة بجاية على ملعب الوحدة المغاربية، عندما نجا من الموت بعد طعنه بخنجر، ونفس الشيء بالنسبة إلى لاعب اتحاد العاصمة عبد القادر العيفاوي الذي طعن بخنجر في سعيدة أيضا، قبل أن يقتل مهاجم شبيبة القبائل ألبرت إيبوسي في ملعب 1 نوفمبر بتيزي وزو سنة 2014، وهي كلها أمثلة تبرز تنقل العنف الدموي من المدرجات إلى داخل المستطيل الأخضر، وتحول عرق اللاعبين إلى دماء، ما جعل الكثير منهم يفكر حتى في اعتزال كرة القدم والابتعاد عنها في الجزائر بسبب تحولها من مجرد لعبة ورياضة إلى “مقبرة” بسبب الحسابات الشخصية الضيقة التي “تفترش الضحايا من أجل الوصول إلى أهدافها “الشيطانية”، ومقابل كل هذا بقي المسؤولون الفاعلون في الرياضة وكرة القدم الجزائرية يتفرجون على ما يحدث دون وقف “نزيف الدماء” في الملاعب، في وقت لا يستبعد متابعون حدوث كارثة كتلك التي عرفها ملعب “بور سعيد” في مصر عندما توفي 72 شخصا سنة 2012 في مباراة المصري والنادي الأهلي.