حب بين الجدار و صحن الألمنيوم....
12-02-2017, 10:10 PM
حكم على الشاب ياسر بالحبس الانفرادي لمدة عشرين
سنة فأُودع الزنزانة المخصصة لذلك، وكان مما ترسب
في ذهنه من معلومات أن الزنزانة الخلفية مخصصة
للإناث من نفس نوع عقوبته أي الحبس الانفرادي .
و من لحظتها لم يكن له من هام شغل إلاّ البحث عن
قناة تمكنه من الإتصال بجارته الجنب للتعبير لها عن
أنها قد شغفته حبا و عن رغبته الجامحة في مشاركتها
همومها للتخفيف عنها بإعتباره الرجل الشاب الذي تتكسر
على صدره الصخور ويحبس به عنها الرياح العاتية والعواصف
الهوجاء .
ومن الوسائل التي اهتدى إليها لتحقيق غرضه
أنه كان يضع رأسه في الزاوية المجاورة للزنزانة الخلفية
ثم يضع صحن الألمنيوم، الذي يتناول فيه وجباته، على
إحدى أذنيه أمّا الأخرى فعلى الجدار المشترك، ثم ينادي
مطلوبته فتتناهى إليه ردا على ذلك أصوات مناجاة
عرف من خلالها أن إسم المعنية هو "هيام" يأتيه متقطعا
كأنه إرتداد صوت من جبل شاهق " هيـ ـ ـ ــ ـ ـ ـاممم .
مرت الأيام والأشهر والأعوام وياسر ما انفك مطلقا عن
عادته بل أصبح يخطط للمستقبل الزاهر مع هيام وقبل ذلك
في كيفية الإتصال بها بشكل مباشر، إلا أن كل محاولاته باءت
بالفشل الذريع لكن الحلم بل أحلام وأماني باتت وأضحت و
أمست وصارت الشغل الشاغل لتفكيره و أصبحت أنسه و
رفقته في الزنزانة حتى بلغت الفترة التي قضيت من
الحبس و هو على هذا الحال نصف المدة المقررة أي عشر
سنين بالتمام والكمال، و بالنظر إلى حسن سلوكه و في
الحقيقة إلى إنشغاله التام الشبيه باللاّوعي بمحبوبته قررت
إدارة السجن إستبدال عقوبة الحبس الإنفرادي بالسجن في
زنزانة جماعية في جناح آخر.
وعندما جاء عون السجن ليخبره بذلك وينقله رفقته إلى
إقامته الجديدة، توسّل منه ياسر و ترجاه أن يبلغ تحياته
الحارّة لجارته هيام و أن يطلب منها إنتظاره إلى حين إنتهاء
عقوبته. نظر السجّان إلى مرافقه مستغربا فمتبسما ثم
أخبره بأن السجينات لم يقمن بالجناح المقابل لزنزانته
منذ خمسين سنة و حتى إقامتهن به لم تدم إلاّ ثلاثة أعوام.
لم يتمالك ياسر نفسه و فقد السيطرة على عواطفه فانفجر
ضاحكا و هو في طريقه إلى زنزانته الجديدة وكادت قهقهاته
أن تلغي التخفيف الذي حظي به و من ثم إعادته إلى زنزانته
الإنفرادية لكن هذه المرة دون ونيس ولا أحلام بعدما اكتشف
أنه كان ضحية معلوماته المتقادمة و صدى مناجاته المرتدة من
جدار محبسه إلى أذنيه مرورا بصحن الألمنيوم .
إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

سبحان الله يا فارج الهم وكاشف الغم ، فرج همي
ويسر أمري وارحم ضعفي وقلة حيلتي وارزقني من
حيث لا احتسب يا رب العالمين .