ماذا يراد بجمعية العلماء!!؟
22-05-2017, 11:47 AM
ماذا يراد بجمعية العلماء!!؟
التهامي مجوري
ففي كل العالم الإسلامي نشأت حركات إصلاحية تعمل على النهوض بمجتمعاتها، قبل سقوط الخلافة الإسلامية وبعدها: السنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان، والوهابية في الجزيرة العربية، الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية وباكستان بعد ذلك، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ونهضة العلماء في أندونيسيا...، وغير هذه الحركات الكثير الكثير، كلها أسست بمبرر شرعي لإقامة شعيرة دينية، وهي وجوب تغيير المنكر والدعوة إلى الإصلاح، ومن هذه الحركات بطبيعة الحال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي يمكن أن يضاف لمبررات تأسيسها، مبرران آخران وهما المبرر السياسي حيث أن حركات المقاومة المسلحة التي واجهت الاستعمار حين غزا بلادنا، وقد استمرت من 1830 إلى 1916، ومع ذلك فشلت في دحر الاستعمار وتحقيق مصلحة المجتمع، وذلك يقتضي ممن يفكر في النضال الوطني، تغيير طريقة النضال، الذي لا ينبغي أن يكون اندماجيا، كما أرادت له بعض رجال النخبة الجزائرية ذلك، والمبرر الحضاري الذي يفرض على الأمة عملية تحيين لمستواها الحضاري؛ لأن الأمة في واقعها يومئذ –وهي كذلك إلى اليوم بكل أسف- ليست هي الأمة التي زكاها الله ومدحها بوصفها بالخيرية.
صحيح أن التأسيس كان سنة 1931 أي عقب القرار الفرنسي بالاحتفال المئوي لاحتلال الجزائر سنة 1930، ولكن النشاط وفق منهج الجمعية كان قبل ذلك بكثير على مستوى المبادرات الفردية؛ وعندما شاع الحراك الإصلاحي، كان هناك شعور بضرورة لملمة الشتات، والشاهد على ذلك دعوات كثيرة في السر والعلن إلى تنظيم جامع، ومن ذلك دعوة الشيخ مولود الحافظي رحمه سنة 1926 على صفحات الشهاب لتأسيس حزب ديني على حد تعبيره، وقبلها مبادرة ابن باديس والإبراهيمي "جمعية الإخاء العلمي" سنة 1924، التي لم يكتب لها النجاح،. أما النشاط العلمي التربوي الدعوي العام والخاص، فقد كان قائما في أهم مجالات النشاط، بتأسيس النوادي وإنشاء الجرائد والمجلات، والتعليم بالمدارس وإنشائها، والتدريس والوعظ بالمساجد...إلخ.
ففكرة الجمعية إذا ليست مجرد رد فعل على الفعل الفرنسي الدنيء، الذي لم يستح من التصريح بالاحتفال بتشييع جنازة الإسلام في الجزائر بإقامة ذلك الحفل المئوي، وإنما هي فعل انطلق من حاجة حضارية اقتضتها الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية يومها، ولعل إشارة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى ذلك اللقاء الذي جمعه بالشيخ ابن باديس بالمسجد النبوي سنة 1913 يعد بذرة هذا العمل المثمر الذي لا تزال الجزائر تذكر فضائله عليها وعلى أهلها.
ولو كان الجزائريون يحترمون أنفسهم، كما تحترم المجتمعات المتحضرة نفسها، لاعتبروا هذه الجمعية معلما من معالمها الحضارية، ولاعتمدوا أدبياتها وخطابات رجالها مادة ثقافية فكرية لبناء الثقافة الوطنية الجامعة، إذ أن الخطاب الذي تبنته هذه الجمعية الجامعة، كان متقدما جدا عن كل خطاب سياسي كان أو نقابي أو ثقافي؛ لأن منطلقاته كانت ولا زالت حضارية شاملة وليست مجرد نزوات عابرة أو انفعالات قاصرة لاستدراج الجماهير وتكثير سوادهم وحسب.
وإذا كان البعض يستكثر عن الجمعية وصفها بالاستقلالية؛ بحجة أن أدبياتها لا تطالب بالاستقلال، فإن الأعمال الجليلة، عمل للاستقلال وليست للمطالبة به فحسب؛ لأن الجمعية جمعية علماء "وليست جمعية طلابين"، وأعمالها أعمال تتحدث عن نفسها ولا تحتاج إلى من يزكيها..، "فالحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء"، هذه عبارة وضعها ابن باديس شعارا لجريدته المنتقد، و"الاستقلال حق طبيعي لكل أمة، وقد نالته أمم دون الجزائر..، والجزائر ليست فرنسا... ولا يمكن أن تكون فرنسا ولو أرادت"، و"محال أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا"، "أما آن أوان اليأس من فرنسا؟"، لنعتمد على أنفسنا ونتكل على الله" وغير هذه العبارات الكثير مما يصلح لأن يكون دستورا للثقافة السياسية الفاعلة في بلادنا، لو كنا نعلم أو نعقل. ويضاف إلى هذه العبارات الفتاوى المعبرة عن المبادئ الاستقلالية الواضحة ومنها الفتاوى التي تمنع التجنس بالجنسية الفرنسية والمواقف السياسية التي تدين الموالين لفرنسا.
ولكن لما كان حالنا على غير هدى من الله، تنكرنا لهذه الجمعية المباركة ورحنا نتتبع عوراتها وعورات رجالها حذو القذة بالقذة كما يقال، فبعد أن منعت الجمعية من العودة إلى النشاط بعد الاستقلال بمنطق حزبي متعصب، كانت البدعة التي "تطارد" جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ ذلك الحين، وهي أن الجمعية كانت من دعاة الاندماج، لمجرد أن أدبياتها خالية من المطالبة بالاستقلال، أو أن بعض أتباعها كانوا مع فرحات عباس، رغم أن بعضهم الآخر كان في حزب الشعب، وآخرون لم يهتموا "بالتسيس الحزبي" أصلا، ولكن بعد جهد جهيد في إقناع هذه الفئات الحزبية، فهم القوم أن شعار المطالبة بالاستقلال الذي هو شعار نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب، ليس كل شيء؛ لأن المطالبة هي فرع من فروع الأفعال الاستقلالية وليست كل الاستقلال الذي يطمح إليه الشعب، وعليه فإن قوى الحركة الوطنية، منها من رأى أن تثبيت هذا الشعار في نفوس الناس مقدمة للإيمان به، ومنها من اتخذ الفعل المباشر سبيلا للاستقلال، فعمل للاستقلال من غير أن يشغل نفسه بالمطالبة به، لا سيما أن المطالبة فيها طالب ومطلوب ومطلوبا منه، والمطلوب منه غير مستعد لتحقيق ما طلب منه بلا شك الذي هو الاستعمار.
وبعد اختفاء تلك البدعة باختفاء الكثير من حامليها الحزبيين، اختفاء نسبيا، طلعت علينا بدعة ثانية وهي: نتيجة للبدعة الأولى، وهي: أن الجمعية لم تشارك في الثورة!؟، وفي أحسن الأحوال، قد التحقت بها بعد أكثر من عام، حتى أن بعض أبناء الجمعية انشغلوا بالموضوع انشغالهم بالحقيقة التي يراد نفيها، في حين أن هذه الفرية لا علاقة لها بالواقع، حيث جعلوا التركيز على البحث في أدلة المشاركة أكثر من انشغالهم برسالة الجمعية التي تعد ذلك من مسلمات النضال والرسالية، وإلا فإن المشاركة في الثورة الجزائرية كانت للجميع، بل إن الحمير شاركوا فيها بحمل الأثقال والوثائق في الجبال وساهمت في تظليل القوات الاستعمارية...، وكما قال أخونا الأستاذ محمد الهادي الحسني أتحدى أن يأتوا لي بواحد من جمعية العلماء خان الجزائر أو عمل ضد الثورة...، ولمن أراد أن يعرف الكم الهائل للمجاهدين والشهداء من أبناء الجمعية في الثورة التحريرية، فليقترب من أي كان ممن درسوا في دار الحديث أو في معهد ابن باديس..، ومع ذلك نقول دائما إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليست حزبا سياسيا، ومن ثم فإن فعلها ليس فعلا حزبيا، ومن أراد أن يقارن نشاطاتها فليقارنها بالهيئات التي من جنسها كما قال شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله، وليس بمن يختلف معها في المبادئ والوسائل والغايات...،
ثم بعد تينك الفريتين، كانت محاولات بعث الخلافات القديمة بين الجمعية وبعض الزوايا والطرق الصوفية، ورغم أن الجمعية اليوم أعلنت في أكثر من مناسبة: أن صفحة الخلافات مع الزوايا قد طويت بطي مبرراتها، ومن حق الجمعية: المحافظة على مبادئها ومعتقداتها ومواقفها من البدع والخرافات ومن الخرافيين، التي لا تزال تحن إليها بعض الطرق الصوفية، فإن بعض الذين في قلوبهم مرض لا يزالون يحنون إلى العمل على تهميش الجمعية بحيث بلغ ببعضهم: المطالبة بإلغاء الاحتفال بيوم العلم الذي ارتبط باسم الأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس، بدعوى أن العلم ليس حكرا على ابن باديس أو جمعية العلماء، كما سعى آخرون إلى تأسيس تنظيم جديد يجمع علماء الجزائر، حيث كانت مبادرة منذ سنوات استدرج إليها بعض فضلاء الجزائر، ولكن بمجرد حضور هؤلاء الفضلاء، أدركوا انحراف المسعى وسوء القصد...، فدعوا إلى التريث والتبصر، وقبر الموضوع إلى غاية الأيام القليلة الماضية، حيث اجتمع عدد من الأئمة في المجلس الإسلامي الأعلى بغرض الخروج برأي موحد بينهم من أجل تكثيف المشاركة في الانتخابات التشريعية، ولكن أحدهم قام وأعلن عن تأسيس "جمعية علماء وأعيان الجزائر"، وانتفض بعض من في المجلس ورفضوا هذا الإقحام غير المبرر.
وسلسلة ملاحقة الجمعية!!، من قبل خصومها الظاهرين والمستترين لا تزال مستمرة..، ولن تتوقف ما دامت الجمعية تتبنى نهجها الإصلاحي ببعده الحضاري الفعال، وسواء في ذلك بربطها بتيارات أخرى، كما فعلت الإدارة الاستعمارية بربطها بالعبداوية –نسبة إلى محمد عبده-، أو الوهابية نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب، وحتى أن الأستاذ الإمام رحمه الله قال ذات يوم وماذا بعد!!؟ بسبب كثرة الاتهامات وتعدد مصادرها، أو بإخراج لافتات أخرى كرفع القداسة عن الهيئات والأشخاص، أو أنها مخترقة من قبل تيارات خطيرة على الجزائر، وكأن الجمعية تدعو إلى تقديس الهيئات والأشخاص، أو أن العاملين بها جاءوا من كوكب آخر غير الكوكب البشري أو من بقعة أخرى غير الجزائر.
يتبع