و تفتري الكاتبة هالة وردي على النبي فقولها :عُزل محمّد في بيت عائشة، وضُرب عليه الحصار
06-12-2018, 04:20 PM
و تدعي الكاتبة هالة وردي بقولها :
"عُزل محمّد في بيت عائشة، وضُرب عليه الحصار وقد ظلّت جثّة محمّد من الاثنين إلى الأربعاء ليلًا، حتّى تعفّنت... ولعلّ ما يدلّ على عدم تقديس الصحابة لمحمّد؛ عدم حضورهم لمراسم الدفن، فضلًا عن أنّ قبره ظلّ غير معروف إلى عهد الوليد بن عبد الملك".

لا خلاف بين المسلمين من عهد أبي بكر الصديق إلى اليوم في أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دفن في حجرة عائشة .. فمن أين جاءت الباحثة بهذه الكذبة عن القبر المجهول ؟ لعلها –و هي أستاذة مفرنسة غير متحكمة في اللغة العربية - فهمت أن توسعة الوليد بن عبدالملك للحرم النبوي و تزيينه و زخرفته في عهد ولايته هو اكتشاف لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
و تناقضاتُ الكاتبة من هذا النوع كثيرة ،منها أنها تقول إن النبي مات مسموما (أي قُتِل ) ثم تتراجع و تقول :
(مراجعة سنة وفاته؛ فإذا كانت المصادر الإسلاميّة تؤكد أنّ وفاته كانت سنة 632م فإنّ هذه المصادر تشير إلى أنّ محمّدًا قد شوهد سنة 634م، يقود حملة عسكريّة في غزّة).

فهي بهذه المقولة تنفي قتله مسموما في المدينة المنورة ؟؟؟ فإذا كان مات في غزة ، فهو موت عاد إذن ؟؟؟ و بالتالي يُنسف كل ما قالته من اتهامات لأبي بكر و عمر و عائشة و تكذب نفسها بحكم المؤامرة على الرسول صلى الله عليه و سلم .


من هذه التناقضات يظهر أن الكاتبة كانت متخبطة في أقوالها و لم تكن تملك حرية تقرير نتائج بحثها ، و هنا ينتابني شك كبير في أن العمل لم يكن نزيها و انتقاء مصادره غير بريئة ، فجاءت النتائج غير علمية .

حتى تعفنت ... ؟؟؟ فات الكاتبة أن أجسام الأنبياء لا يصيبها شيء من التعفن بحفظ الله و إكرامه لهم ، و أنهم في قبورهم على نفس الهيئة التي كانوا عليها في الحياة حتى يبعثوا .. إنهم عباده المخلَصون .
لقد توفي النبي صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين ضحى في حجرة عائشة و بحضورها ، فهناك قول أنه صلى الله عليه و سلم فاضت روحه و رأسه على صدرها ، و أنه صلى الله عليه و سلم كان دائما بين أهل بيته و هو على فراش الموت .

فقد كانت الوفاة يوم الاثنين ، و قال صلى الله عليه و سلم قبل إسلام الروح إلى بارئها للمسلمين(ستعزون أنفسكم في) ، و فعلا فقد قدم المسلمون في المدينة العزاء لبعضهم بعد الوفاة .. فليس هناك مصيبة أصابتهم أكبر من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، و دخل عليه أبو بكر فقبله على وجهه الشريف فوجده طيبا كأنه حي فقال ( طبتَ حيا و ميتا ) و كان معه عمر ،ومن شدة ذهوله لم يتقبل أن يقال مات رسول الله ، و سلَّ سيفه قائلا : من يقول مات رسول الله أضرب عنقه ، فجذبه الصديق خارج الحجرة و قرأ عليه قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) فقال عمر: (كأني لم أسمعها إلا الآن ) و وقع مغشيا عليه على الأرض من شدة الهول .. و ليس لأنه لم يكن يعرفها أو يحفظها كما ادعت الكاتبة من سوء الفهم أو عمدا.

ثم شرعوا في الاعداد للدفن ، فتناقشوا :

أين ندفنه ؟ قالوا في أحد .

و قالوا في البقيع .

ثم تدخل أبوبكر و قال سمعتُ رسول الله يقول الأنبياء يُدفنون حيث قُبِضوا .

ثم تناقشوا :
هل ندفه في اللحد أو في الشقة ؟

ثم قالوا نترك اللهَ يختار لنبيه ، فأرسلوا إلى حفار اللحود و حفار القبور (الشقة) فأتى حفار اللحود أولا ويسمى أبو طلحى الأنصاري، فحفر اللحد في مكان الوفاة بحجرة عائشة ، ويوم الثلاثاء دخل عليه أهل بيته: علي و العباس مع ابنيه الفضل و قثم و شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم و رجل آخر قيل هو سفينة ، فأخذ العباس و ابناه يقلبون جثمانه الطاهر و شقران يصب عليه الماء و علي يغسله بيديه من فوق ثيابه و هو يقول (طبت حيا و ميتا ) ثم كفنوه صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بملابسه .

و يوم الثلاثاء صلى عليه كل أهل المدينة و قيل عددهم عشرون ألفا لم يتخلف أحد عن الصلاة عليه ، و يوم الأربعاء فتح الباب للناس ليودعوه قبل دفنه بإلقاء النظرة الأخيرة على نبيهم صلى الله عليه و سلم ، و كان حزنهم عليه شديدا جدا ، فبدأ الرجال بالدخول عليه حتى انتهوا ،ثم تلتهم النساء حتى انتهين ثم تلاهم الأطفال حتى انتهوا ، فكان يوم الآربعاء في آخر ساعاته بالليل . فنزل علي إلى اللحد و حمل العباس و ابناه الجثمان الطاهر يناولونه إليه فإذا بأوس بن حولي الأنصاري يقول لعلي : نصيبنا في رسول الله ،فأذن له علي بالنزول في اللحد نيابة عن كل أهل المدينة للمشاركة في الدفن .

هذا الكلام كله مدون في كتب السيرة لمن أراد التحقق ، و ما قيل في في هذا الكتاب من عدم حضور الناس للدفن كذب و افتراء و لا يستند على دليل ، بل هو توجيه إيديولوجي للكاتبة و تحريف للتاريخ من أوساط مغرضة .. و نحن نرى اختيار مطبعة فرنسية للكتاب اختيارا غير بريء ، و ربما فُرض على الكاتبة كعربية مسلمة لاستغلال عملها هذا من باب (وشهد شاهد من أهلها).
و هذه المراسيم التي ذكرناها في دفنه صلاة الله و سلامه عليه جرت متزامنة مع اجتماع المسلمين في سقيفة بني ساعدة لتولية خليفة رسول الله ، نظرا لخطورة المنصب و وجوب الاسراع في تعيين خليفة حفاظا على وحدة الأمة و استقرار الوضع في كل الجزيرة و حفظ هيبة الدولة الاسلامية أمام الأمم الأخرى خاصة الروم و الفرس ، و هذا معمول به في كل الأمم و الدول قبل و بعد الدولة الاسلامية ، و القائلون بانشغال المسلمين بسقيفة بني ساعدة من أجل تعيين الخليفة عن الدفن يجهلون الحقيقة أو يتجاهلونها ، و يريدون تشويه صورة الصحابة رضوان الله عليهم ، و عن المناقشات و الحوار الذي جرى بينهم للوصول إلى تعيين أبي بكر فهي عادية جدا ، بل هي تجسيد مستوى عال جدا من تطبيق الشورى في تسيير شؤونهم العامة بالمدينة .
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
التعديل الأخير تم بواسطة بلحاج بن الشريف ; 06-12-2018 الساعة 04:40 PM