عــرض لكتاب تحليل الخطاب الروائي لمؤلفه : سعيد يقطين ..//
28-04-2011, 08:27 PM
جامعــــــــــــة الجزائــــــــــــر
كلية الآداب و اللغات
قسم الأدب العربــــي
السنـة أولى ماجستير
(مادة مناهج البحث)
عــرض لكتاب
تحليل الخطاب الروائي
لمؤلفه : سعيد يقطين
اعداد و تقديم مروااااااااااااااااان
خطة العــــــــــــرض
مدخـــــــــــــــــل :
يندرج كتاب (( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، السرد ، التبئير )) لمؤلفه ( سعيد يقطين ) ضمن الدراسات التي حاولت عن كثب الاستفادة من النظريات الحديثة للنقد الأدبي ، و تطبيقها على المتون الروائية العربية ، الكتاب صادر عن منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ، سنة 1997 في طبعته الثالثة و هو من الحجم المتوسط يقع في حدود 391 صفحة .
يتناول الكتاب بالبحث موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) و نظرا لأهمية الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها ، يجدر بنا الأمر أن نشير إلى أن الغرض من هذا العرض ليست تلك التطبيقات التي خص بها المؤلف مجموعة من النصوص الروائية العربية ، بل الأمر يتعلق بالجانب النظري الذي أفرد له الباحث حيزا معتبرا من الاهتمام ، و بغية الاستفادة من هذا الجانب ـ لثرائه و تنوعه بحق ـ ارتأينا أن نلف الانتباه أولا إلى ما لمسناه أثناء تتبعنا للطريقة التي اعتمدها المؤلف في دراسته للموضوع ، حيث لاحظنا استعراضه الدقيق لمختلف الآراء و الاتجاهات و الأبحاث التي لها علاقة بموضوع الدراسة مع مناقشتها و ترجيح بعضها على البعض منها مع التعليل ؛ و ثانيا دعوتنا الملحة للعودة إلى تلك الدراسة للاستفادة منها ، فما نحن بصدد عرضه اليوم مجرد مفاتيح عامة للحث على قراءة الكتاب لا غير .
يتكون الكتاب من تقديم و مدخل و ثلاثة فصول بنفس الأهمية مع تطبيقات على الروايات العربية التالية ( الزيني بركات ، الوقائع الغريبة ، أنت منذ اليوم الزمن الموحش ، عودة الطائر الحر إلى البحر ) و قد جاءت الفصول الثلاثة على النحو التالي :
ـ الفصل الأول : زمن خطاب الروايــة
ـ الفصل الثاني : صيغة خطاب الرواية
ـ الفصل الثالث : الرؤية السردية في الخطاب الروائي .
إن الإشكالية التي تتطرق إليها الدراسة ، تتعلق بتلك الكيفية التي تشتغل على أساسها مكونات و عناصر الخطاب الروائي ، بالاستناد إلى طرح موضوعي ساقه المؤلف في تقديمه للموضوع و المبني على كون تعدد الخطابات و اختلافها لقصة واحد يكتبها عدد من الروائيين يعود في الأصل إلى اختلاف هؤلاء الروائيين في اتجاهاتهم و مواقفهم مع كون القصة المتناولة من طرفهم هي قصة واحدة بأشخاصها و زمانها و فضائها .
انطلاقا من هذا المعطى الموضوعي يذهب المؤلف في البحث عن أجوبة لعدد من الأسئلة الجوهرية تخص موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) مع إبراز مكوناته متعقبا المسار الذي قطعته تلك المكونات في رحلتها حتى تبلورها ، مقتفيا مختلف مراحل تطورها ، منذ النشأة إلى أن تكرست كعناصر أساسية لأي خطاب روائي ، بل لا حديث عن مفهوم ( خطاب روائي) دون الحديث عن هذه المكونات الجوهرية ، كما تناول المؤلف الكيفية التي تشتغل على أساسها هذه المكونات داخل (الخطاب ) في علاقتها فيما بينها تارة و عملها و هي تتقاطع تارة أخرى .
أ ـ تحليل الخطاب الروائي:
01 ـ تعريفات الخطاب :
قبل أن يعرف المؤلف مفهوم ((الخطاب )) تناول بالعرض مختلف الآراء و الاتجاه و الدراسات الغربية التي تناولت الموضوع بالبحث و التنظير له ، متتبعا مراحل تبلوره و تأسيسه، ابتداءا من ذلك الطموح العلمي الذي هيمن على الدراسات النقدية خلال القرن التاسع عشر وصولا إلى أهم الدراسات الحديثة مع ثماننيات القرن العشرين ، و قد أشار في معرض حديثه إلى كون (النقد العلمي ) لم يستطع تحديد موضوع اشتغاله بصفة ملائمة ، إلا مع بدايات القرن العشرين ، حيث تم تحديد الموضوع و رسمت حدوده بدقة و صرامة ، بدءا بمدرسة الشكلانيين الروس الذين أسسوا لميلاد علم جديد للأدب المسمى بـ : ( البويطيقا) ، الذي يعني أدبية الأدب ، وقد أورد في هذا الشأن أراء كل من ( جاكوبسون ، أيخنباوم ، دو سوسير ، ) ثم أراء البويطيقا المتجددة مع (جيرار جينات ، تودوروف ) التي حددت موضوع "الأدبية " الذي أصبح هو ( الخطاب) الأدبي و ليس الأدب بوجه عام كما يذهب إلى ذلك تودوروف قائلا :" ليس العمل الأدبي في ذاته هو موضوع البويطيقا :إن ما تبحث عنه هو خصائص هذا الكتاب الخاص الذي هو الخطاب الأدبي " (1) و هذا لاعتبارات عديدة من بينها أن هناك علاقات بين الخطابات سواء كانت أدبية أو غير أدبية حسب رأي المؤلف .
وفي معرض محاولاته لتقديم إضاءات حول مفهوم (الخطاب) يشير إلى ذلك النجاح الباهر الذي حققـه علم اللسان في دراسته للغة ، و من ثمة لاحظ هيمنة المصطلحات اللسانية على الدراسات الأدبية للتلازم الذي أصبح وثيـــق الصلة بينها و بــين الأدب ، مرجعا ذلك إلى ما طرحته في هذا المجــال ، باعتبارها ( الجملة ) وحدة كبرى و ما الخطاب إلا جملة من الوحدات ، وقد أشار المؤلف إلى التسميات العديدة التي أخذها مفهوم ( الوحدة ) ، فهي عند البعض " الملفوظ " ، و عند البعض " الخطاب " ، و عند آخرين " النص" ، وقد حاول رصد مختلف الآراء التي تناولت هذه المصطلحات من بينها رأي ( لاينس ) الذي أثار قضية "الملفوظ " (enonce ) ، باعتباره كلاما منجزا و وحدة دلالية متكاملة إذا مـا تجــاوزت الجملــة تصبــح خطابــا " 2 و يسجل في هذا الصدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ سعيد يقطين . تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، الصيغة ، التبئير. منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ،ط 3 سنة 1997 .ص :14
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 17
ذلك التقارب الكبير بين هذه المصطلحات إلى درجة أنها تكاد تكون ذات مدلول واحد .
لكن الدراسات التي أعقبت ذلك و خاصة البحث الذي قدمه (ز . هاريس ) المعنون بـ : (تحليل الخطاب ) الـذي أشار إلى أن الخطاب يعني " ملفوظ طويل ، أو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية من العناصر " (1 )، و كذا ما قدمه ( بنفنست ) بهذا الخصوص ، أدرجها المؤلف كلها في خانة المحاولات الأولى الجادة لتحديد الخطاب ، تبعتها محاولات أخرى خاصة في بداية السبعينات منها محاولة (فرانسوا راستيه ) في دراسته (( لدلالة التشاكلات )) الذي ذهب إلى التمييز بين لسانيات الجملة و لسانيات الخطاب و كذا محاولة ( جاك كارون ) سنة 1983 الذي بين أن مفهوم الخطاب يجب أن ينظر إليه من منظور سيكوليساني بكونه :" متتالية منسجمة من الملفوظات " (2) .
لم يكتف المؤلف بهذه الآراء ، بل تناول أيضا تلك الدراسات الأنجلو ـ أمريكية التـي ظهرت مع مدرسة ( بيرمنكام ) و التي تحصر الخطاب في الحوار كما ذهب إلى ذلك ( موشلر ) غير أن ( مايكل هوو ) في كتابه " حول ظاهر الخطاب " يذهب إلى اعتباره " المونولوج" شفويا كان أو كتابيا .
و يخلص المؤلف إلى تقديم ملاحظتين أساسيتين حول مفهــوم الخطـاب ، حيث يشير إلى تعدد دلالاته قياسا مع تعدد اتجاهات مجالات تحليل الخطاب ، فكل التعريفات بدءا من كونه ـ الخطاب ـ تلك الأدبية كموضوع عند الشكلانيين الروس إلى اعتباره متتالية من الجمل عند اللسانيين و مرادفا للكلام حسب دوسوسير إلى كونه تلك الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة و تصبح مرسلة كلية أو ملفوظا ، إلى تأكيدات الدراسات الأنجلو ـ أمريكية مع مدرسة بيرمنكَام على اعتباره يعني الحوار إلى المونولوج ،هذه التعريفات كلها تتداخل أحيانا و تتقاطع ، و أحيانا أخرى يكمل بعضها البعض الآخر أو يتباعد ، مما يوحي بالتعتيم في كثير من الأحيان ، إلا أن التعتيم سرعان ما يزول عندما نعرف أن خصوصيات تلك التعريفات كلها تحمل في طياتها طرائق جديدة التصور و إجراءات مختلفة في التحليل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ـ التعريف لـ : هاريس ، المرجع السابق نفسه ، ص 17
(2) ـ التعريف لـ :جاك كارون ، المرجع السابق نفسه ، ص 24
02 ـ الخطاب الروائــــي :
ينطلق سعيد يقطين في هذا المبحث من التوضيح التالي و المتمثل في ضرورة الحديث عن الخطاب الحكائي أو السردي أولا كون الخطاب الروائي يندرج ضمن هذا المقام و يرجع ذلك للطابع المنهجي الذي تفرضه الدراسة ؛ لأن تسمية نوع الخطاب المشتغل عليه متصلة أساسا بالحكي ، و يتناول الموضوع من خلال تقسيمين :
ـ القصـــــة و الخطاب
ـ القصـة ، الخطاب ، النص
و في معرض حديثه عن النقط الأولى ( القصة الخطاب ) يبرز المؤلف دور الشكلانيين الروس في بحثهم عن مختلف أنساق الحكي موضحا تركيز هم على أسبقية المبنى الحكائي الذي يتألف من نفس الأحداث التي تتشكل منها المادة الحكائية لكنه بالإضافة إلى ذلك يراعي نظام ظهورها في العمل (1) و يقصد بالمادة الحكائية ( القصة ) .
لتوضيح الأمر يستعرض مختلف الآراء و الأبحاث التي تناولت موضوع الفرق بين الخطــاب و الحكي من جهة و الآراء التي تناولت هذه الثنائية كمعطى واحد من جهة أخرى ، بدءا من : (بنفنست ، تودوروف ، جيرار جنيت ، مجموعة لينج البلاغية ) الذين ميزوا بين الحكي (recit) و الخطاب (discours) ، فـ "الحكي كقصة يتم التمييز فيه بين مستويين هما : منطق الأحداث من جهة و الشخصيات و علاقتها ببعضها البعض من جهة ثانية . أما الحكي كخطاب فيركز على تحليله من خلال ثلاثة جوانب : " زمن الحكـي وجهاته و صيغه " (2) ، أما ( موريس جان لوفيف ) فلا يرى حدودا بين الخطاب و الحكي ، يقول عن الحكي بأنه " كل خطاب يدفعنا إلى استدعاء عالم مدرك كواقع مادي أو روحي و هذا العالم يقع في مكان و زمان محددين و هو يعكس في الغالب فكرا محددا لشخص أو مجموعة من الأشخاص بما فيها الراوي " (3) و قد لاحظ المؤلف أن ( لوفيف ) كان انتقائيا أكثر منه محددا ،كما لاحظ المؤلف أن " كل الذين تناولوا موضوع الحكي قدموا تمييزات ثنائية ضمنه دون أن يُسَمُّوا بشكل مباشر أحد طرفي الثنائية بالخطاب و إن كان يحمل دلالاته " (4) ، ويخلص سعيد يقطين إلى كون تلك الاختلافات تبقى رهينة الاختصاصات التي انطلق منها كل تيار .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 29
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 30
(3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 34
(4) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 37
أما في النقطة الثانية ، يتطرق المؤلف إلى مختلف الدراسات التي تناولت الحكي من ثلاث زوايا ( القصة ، الخطاب ، النص ) كما ذهبت إلى ذلك ( شلوميث ريمون كينان ) في كتابها " التخييل الحكائي " منطلقة من التساؤل التالي : لماذا نجد في تعليق صحفي سردا و لا نجد حكيا ؟ و تخلص إلى كون السرد (narration)ذو طبيعة لفظية به يتم التواصل المستمر الذي من خلاله يبدو الحكي (narrative) مرسلة يتم إرسالها من مرسل إلى مرسل إليه ، لتحدد بذلك التخييل الحكائي في جوانب ثلاثة ـ الأحداث ، تمثيلها اللفظي ، الفعل القولي أو الكتابي ـ و يظهر طرحها من كون " القصة كأحداث مسرودة مجردة من تركيبها في نص معاد إنتاجه ، و إذا كانت القصة هي تتابع الأحداث ، فإن النص هو الخطاب المكتوب أو الشفوي الذي من خلاله نتمكن من قراءتها ، و بما أن النص هو الخطاب فلابد له من كاتب أو متكلم ، لذلك فإن فعل أو عملية الإنتاج هي التي يمكن اعتبارها الجانب الثالث أي السرد . و من خلال النص نتعرف على القصة باعتبارها موضوعه و السرد باعتباره عملية إنتاجه " (1) .
فبهذا التقسيم الثلاثي للحكي يغدو الخطاب "تواصلا لسانيا منظورا إليه كإجراء يتم بين متكلم و مخاطب و كفاعلية تواصلية يتحدد شكلها بواسطة غاية اجتماعية ، و النــــص كمرسلة مشفرة عبر وسيطها المكتوب أو الشفوي " (2) و حسب المؤلف فإن الحكي يتجلى له " كخطاب متشكل من توالي أحداث مرتبطة تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها و عناصرها " (3) .
ولتحديد مفهوم الخطاب الروائي يضعنا المؤلف أمام اتجاهين ،اتجاه حصري مع كل من ( جيرار جينات و تودوروف ) اللذين اعتمدوا على معيار الصيغة للتمييز بين الخطابات الحكائية على اعتبار وجود جوانب أخرى غير سردية في الحكي ( السنيما ، المسرح ،الصور المتحركة ) ، و اتجاه توسيعي مع ( بول ريكور و ميشيل ماتيو و كولاس ) اللذين يوظفون معيار الموضوع للتمييز بين الخطابات ، لذلك نجد المؤلف بخصوص الخطاب الحكائي ينحاز إلى تحديد جنيت ، مبرزا ثلاثة معايير تحكم سردية الخطاب الحكائي و هــــــي :
1 ـ الصيغـة : الســـــرد
2 ـ الزمــن : استيعاب الحكي
3 ـ قصدية الكاتب : هل يكتب الكاتب ضمن حدود الخطاب السردي أم خارجها ؟ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 42 .
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 44
(3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 46 .
لكن الملاحظ أن هذه المعايير التي تحكم سردية الخطاب الحكائي تتوفر عليها خطابات سردية أخرى عديدة مثل ( القصة ، الحكاية الشعبية ، السيرة الذاتية ، السيرة الشعبية ) ، فلماذا لجأ المؤلف إلى التخصيص انطلاقا من سرديات الخطاب الروائي كمعطى أول ؟ .
يردُّ سعيد يقطين الأمر إلى الأسئلة التي يطرحها موضوع دراسته و لاعتباره الرواية خطاب أدبي ينتج ضمن خطابات أخرى أدبية و غير أدبية .
ب ـ مكونات الخطاب الروائي :
بعدما حدد المؤلف الموضوع الذي تشتغل عليه الدراسة ، و المتعلق بتحليل الخطاب الروائي ، مستعرضا جملة من الدراسات و الآراء و النظريات متقصيا جوانب التلاقي و التنافر و الأخذ و العطاء ، تناول في هذا المحور مكونات الخطاب الروائي ، مستبعدا البحث في القصة إلا من خلال علاقتها بالخطاب باعتباره هو الذي يهتم به بالدرجة الأولى ، وقد حصر تلك المكونات في ثلاثة عناصر .
1 ـ الزمن
2 ـ الصيغة
3 ـ الرؤية و الصوت .
و يرى المؤلف أن هذه المكونات هي التي يركز عليها السرديون بصفة عامة مع اختلافاتهم في ترتيبها و ربط بعضها ببعض .
1 ـ الزمن و الخطاب :
يشير المؤلف في البداية إلى كون الزمن في اللغة العربية لم يقطع بعد صلاته بالأصول المنطقية التي قام عليها منذ قرون ( ماض ، حاضر ، مستقبل ) إلا أن الغربيين و بخاصة مع ما أحدثته الثورة اللسانية مع فاردناند دوسوسير، و ما تلاها من أبحاث قد أحدثت قطيعة حقيقية مع التحليل التقليدي للزمن في اللغة ، متطرقا إلى تلك الإشكاليات و القضايا التي يثيرها تحليل الزمن و علاقته بالخطاب الروائي ، موزعا دراسته في هذا الشأن إلى ثلاثة نقاط :
1/1 ـ اللسانيات و الزمن : أبرز فيها تعامل اللسانيات مع مقولة الزمن.
2/1 ـ الروائيون الجدد و الزمن : و يتناول الكيفية التي تعاطى بها بعض الروائيين جدد أمثال ( ريكاردو ، آلان روب غرييه ، ميشيل بوتور ) من خلال كتاباتهم النظرية عن الزمن .
3/1 ـ لسانية الخطاب و الزمن : استعرض في هذه النقطة آراء العديد من الباحثين لمقولة الزمن في الخطاب السردي وضمنه الخطاب الروائي .
1/1 : اللسانيات و الزمن :
لقد أعاد البحث اللساني طرح مقولة الزمن من منظور جديد مع كل من ( لاينس ، إميل بنفست ، دوكرو ،تودوروف ) ، الذين انطلقوا من التقسيم الثلاثي القديم ( الماضـــي ، الحاضــر ، المستقبــل ) المتسم بطابع الكلية و الشمولية ، ليقدموا عدة تقطيعات و تصنيفات مقولية ، أهمها ما ذهب إليه ( إميل بنفست ) و سماه الزمن اللساني مبررا طرحه أنه " بواسطة اللغة تتجلى التجربة الإنسانية للزمن . و الزمن اللساني ، كما يبدو لنا ، لا يمكن اختزاله في الزمن الحدثي أو الفيزيائي " (1) و الملاحظ أن هذا الزمن مرهون بلحظة إنجاز الكلام ، معتبرا أن الحاضر اللساني هو أساس كل التقابلات الزمنية للغة و ليس في الواقع إلا زمن واحد هو الحاضر يسجل من خلاله الالتقاء الضمني بين الحدث و الخطاب ، أما الزمنان الآخران فيتحددان في علاقتهما بالحاضر كما يوضح المؤلف .
أما دوكرو و تودوروف فيستندان إلى المبدأ القائل بأن المؤشرات الزمنية و إحصاؤها لا يتم إلا عن طريق تحليل الجملة ، " لأن هذه المؤشرات تكون دائما في المحمول على اعتبار كونه لا يشكل فقط موضوع كيفية معينة أو حدث معين ، و لكن أيضا نمط تجلِّي زمن الحدث و الكيفية " (2) .
2/1 :الروائيون الجدد و الزمن :
يستعرض المؤلف في هذا المقام أهم آراء ( ألان روب غرييه ، جان ريكاردو ، ميشال بوتور ) في تعاملهم مع مقولة الزمن ، لذلك فهو عند روب غرييه يوجد مقطوعا عن زمنيته ،كون ليس هناك أي زمن إلا الحاضر ( زمن الخطاب ) أما اللاحاظر سواء كان قبل أو بعد فهو غير موجود ، في حين أن ميشال بوتور يقسم زمن الرواية إلى ثلاثة أقسام : زمن الكتابة ، زمن المغامرة ، زمن الكاتب . بالإضافة إلى ما أسماه بالطباق الزمني الذي يتجلى لنا من خلال العودة إلى الوراء و ما يلقى على المستقبل من استباقات ، ليتحدث بعد ذلك عن الانقطاع الزمني الذي يحدث من خلال الانتقال من زمن إلى آخر باستعمال إشارات مثل ( و في الغد ، و بعد قليل ) .
و كما نلاحظ فإن الزمن عندهم أخذ أبعادا و دلالات أخرى ، حاول هؤلاء من خلالها نفي مقولة مطابقة الزمن اللغوي للزمن الواقعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 64
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 66
مرواااااااااااااااااان
كلية الآداب و اللغات
قسم الأدب العربــــي
السنـة أولى ماجستير
(مادة مناهج البحث)
عــرض لكتاب
تحليل الخطاب الروائي
لمؤلفه : سعيد يقطين
اعداد و تقديم مروااااااااااااااااان
خطة العــــــــــــرض
ـ مدخـــــــــــــــــــــــل
أ ـ تحليــــل الخطــــــاب الروائي
01 ـ تعريف الخطـــــــــاب
02 ـ مفهوم الخطاب الروائي
ب ـ مكونــــــات الخطاب الروائي
01 ـ زمن الخطاب
02 ـ صيغ الخطاب
03 ـ الرؤية السردية في الخطاب
ـ خاتمـــــــــــــــــــــة
أ ـ تحليــــل الخطــــــاب الروائي
01 ـ تعريف الخطـــــــــاب
02 ـ مفهوم الخطاب الروائي
ب ـ مكونــــــات الخطاب الروائي
01 ـ زمن الخطاب
02 ـ صيغ الخطاب
03 ـ الرؤية السردية في الخطاب
ـ خاتمـــــــــــــــــــــة
مدخـــــــــــــــــل :
يندرج كتاب (( تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، السرد ، التبئير )) لمؤلفه ( سعيد يقطين ) ضمن الدراسات التي حاولت عن كثب الاستفادة من النظريات الحديثة للنقد الأدبي ، و تطبيقها على المتون الروائية العربية ، الكتاب صادر عن منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ، سنة 1997 في طبعته الثالثة و هو من الحجم المتوسط يقع في حدود 391 صفحة .
يتناول الكتاب بالبحث موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) و نظرا لأهمية الدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها ، يجدر بنا الأمر أن نشير إلى أن الغرض من هذا العرض ليست تلك التطبيقات التي خص بها المؤلف مجموعة من النصوص الروائية العربية ، بل الأمر يتعلق بالجانب النظري الذي أفرد له الباحث حيزا معتبرا من الاهتمام ، و بغية الاستفادة من هذا الجانب ـ لثرائه و تنوعه بحق ـ ارتأينا أن نلف الانتباه أولا إلى ما لمسناه أثناء تتبعنا للطريقة التي اعتمدها المؤلف في دراسته للموضوع ، حيث لاحظنا استعراضه الدقيق لمختلف الآراء و الاتجاهات و الأبحاث التي لها علاقة بموضوع الدراسة مع مناقشتها و ترجيح بعضها على البعض منها مع التعليل ؛ و ثانيا دعوتنا الملحة للعودة إلى تلك الدراسة للاستفادة منها ، فما نحن بصدد عرضه اليوم مجرد مفاتيح عامة للحث على قراءة الكتاب لا غير .
يتكون الكتاب من تقديم و مدخل و ثلاثة فصول بنفس الأهمية مع تطبيقات على الروايات العربية التالية ( الزيني بركات ، الوقائع الغريبة ، أنت منذ اليوم الزمن الموحش ، عودة الطائر الحر إلى البحر ) و قد جاءت الفصول الثلاثة على النحو التالي :
ـ الفصل الأول : زمن خطاب الروايــة
ـ الفصل الثاني : صيغة خطاب الرواية
ـ الفصل الثالث : الرؤية السردية في الخطاب الروائي .
إن الإشكالية التي تتطرق إليها الدراسة ، تتعلق بتلك الكيفية التي تشتغل على أساسها مكونات و عناصر الخطاب الروائي ، بالاستناد إلى طرح موضوعي ساقه المؤلف في تقديمه للموضوع و المبني على كون تعدد الخطابات و اختلافها لقصة واحد يكتبها عدد من الروائيين يعود في الأصل إلى اختلاف هؤلاء الروائيين في اتجاهاتهم و مواقفهم مع كون القصة المتناولة من طرفهم هي قصة واحدة بأشخاصها و زمانها و فضائها .
انطلاقا من هذا المعطى الموضوعي يذهب المؤلف في البحث عن أجوبة لعدد من الأسئلة الجوهرية تخص موضوع (( تحليل الخطاب الروائي )) مع إبراز مكوناته متعقبا المسار الذي قطعته تلك المكونات في رحلتها حتى تبلورها ، مقتفيا مختلف مراحل تطورها ، منذ النشأة إلى أن تكرست كعناصر أساسية لأي خطاب روائي ، بل لا حديث عن مفهوم ( خطاب روائي) دون الحديث عن هذه المكونات الجوهرية ، كما تناول المؤلف الكيفية التي تشتغل على أساسها هذه المكونات داخل (الخطاب ) في علاقتها فيما بينها تارة و عملها و هي تتقاطع تارة أخرى .
أ ـ تحليل الخطاب الروائي:
01 ـ تعريفات الخطاب :
قبل أن يعرف المؤلف مفهوم ((الخطاب )) تناول بالعرض مختلف الآراء و الاتجاه و الدراسات الغربية التي تناولت الموضوع بالبحث و التنظير له ، متتبعا مراحل تبلوره و تأسيسه، ابتداءا من ذلك الطموح العلمي الذي هيمن على الدراسات النقدية خلال القرن التاسع عشر وصولا إلى أهم الدراسات الحديثة مع ثماننيات القرن العشرين ، و قد أشار في معرض حديثه إلى كون (النقد العلمي ) لم يستطع تحديد موضوع اشتغاله بصفة ملائمة ، إلا مع بدايات القرن العشرين ، حيث تم تحديد الموضوع و رسمت حدوده بدقة و صرامة ، بدءا بمدرسة الشكلانيين الروس الذين أسسوا لميلاد علم جديد للأدب المسمى بـ : ( البويطيقا) ، الذي يعني أدبية الأدب ، وقد أورد في هذا الشأن أراء كل من ( جاكوبسون ، أيخنباوم ، دو سوسير ، ) ثم أراء البويطيقا المتجددة مع (جيرار جينات ، تودوروف ) التي حددت موضوع "الأدبية " الذي أصبح هو ( الخطاب) الأدبي و ليس الأدب بوجه عام كما يذهب إلى ذلك تودوروف قائلا :" ليس العمل الأدبي في ذاته هو موضوع البويطيقا :إن ما تبحث عنه هو خصائص هذا الكتاب الخاص الذي هو الخطاب الأدبي " (1) و هذا لاعتبارات عديدة من بينها أن هناك علاقات بين الخطابات سواء كانت أدبية أو غير أدبية حسب رأي المؤلف .
وفي معرض محاولاته لتقديم إضاءات حول مفهوم (الخطاب) يشير إلى ذلك النجاح الباهر الذي حققـه علم اللسان في دراسته للغة ، و من ثمة لاحظ هيمنة المصطلحات اللسانية على الدراسات الأدبية للتلازم الذي أصبح وثيـــق الصلة بينها و بــين الأدب ، مرجعا ذلك إلى ما طرحته في هذا المجــال ، باعتبارها ( الجملة ) وحدة كبرى و ما الخطاب إلا جملة من الوحدات ، وقد أشار المؤلف إلى التسميات العديدة التي أخذها مفهوم ( الوحدة ) ، فهي عند البعض " الملفوظ " ، و عند البعض " الخطاب " ، و عند آخرين " النص" ، وقد حاول رصد مختلف الآراء التي تناولت هذه المصطلحات من بينها رأي ( لاينس ) الذي أثار قضية "الملفوظ " (enonce ) ، باعتباره كلاما منجزا و وحدة دلالية متكاملة إذا مـا تجــاوزت الجملــة تصبــح خطابــا " 2 و يسجل في هذا الصدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ سعيد يقطين . تحليل الخطاب الروائي ، الزمن ، الصيغة ، التبئير. منشورات المركز الثقافي العربي ، بيروت ، لبنان ،ط 3 سنة 1997 .ص :14
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 17
ذلك التقارب الكبير بين هذه المصطلحات إلى درجة أنها تكاد تكون ذات مدلول واحد .
لكن الدراسات التي أعقبت ذلك و خاصة البحث الذي قدمه (ز . هاريس ) المعنون بـ : (تحليل الخطاب ) الـذي أشار إلى أن الخطاب يعني " ملفوظ طويل ، أو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة يمكن من خلالها معاينة بنية من العناصر " (1 )، و كذا ما قدمه ( بنفنست ) بهذا الخصوص ، أدرجها المؤلف كلها في خانة المحاولات الأولى الجادة لتحديد الخطاب ، تبعتها محاولات أخرى خاصة في بداية السبعينات منها محاولة (فرانسوا راستيه ) في دراسته (( لدلالة التشاكلات )) الذي ذهب إلى التمييز بين لسانيات الجملة و لسانيات الخطاب و كذا محاولة ( جاك كارون ) سنة 1983 الذي بين أن مفهوم الخطاب يجب أن ينظر إليه من منظور سيكوليساني بكونه :" متتالية منسجمة من الملفوظات " (2) .
لم يكتف المؤلف بهذه الآراء ، بل تناول أيضا تلك الدراسات الأنجلو ـ أمريكية التـي ظهرت مع مدرسة ( بيرمنكام ) و التي تحصر الخطاب في الحوار كما ذهب إلى ذلك ( موشلر ) غير أن ( مايكل هوو ) في كتابه " حول ظاهر الخطاب " يذهب إلى اعتباره " المونولوج" شفويا كان أو كتابيا .
و يخلص المؤلف إلى تقديم ملاحظتين أساسيتين حول مفهــوم الخطـاب ، حيث يشير إلى تعدد دلالاته قياسا مع تعدد اتجاهات مجالات تحليل الخطاب ، فكل التعريفات بدءا من كونه ـ الخطاب ـ تلك الأدبية كموضوع عند الشكلانيين الروس إلى اعتباره متتالية من الجمل عند اللسانيين و مرادفا للكلام حسب دوسوسير إلى كونه تلك الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة و تصبح مرسلة كلية أو ملفوظا ، إلى تأكيدات الدراسات الأنجلو ـ أمريكية مع مدرسة بيرمنكَام على اعتباره يعني الحوار إلى المونولوج ،هذه التعريفات كلها تتداخل أحيانا و تتقاطع ، و أحيانا أخرى يكمل بعضها البعض الآخر أو يتباعد ، مما يوحي بالتعتيم في كثير من الأحيان ، إلا أن التعتيم سرعان ما يزول عندما نعرف أن خصوصيات تلك التعريفات كلها تحمل في طياتها طرائق جديدة التصور و إجراءات مختلفة في التحليل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ـ التعريف لـ : هاريس ، المرجع السابق نفسه ، ص 17
(2) ـ التعريف لـ :جاك كارون ، المرجع السابق نفسه ، ص 24
02 ـ الخطاب الروائــــي :
ينطلق سعيد يقطين في هذا المبحث من التوضيح التالي و المتمثل في ضرورة الحديث عن الخطاب الحكائي أو السردي أولا كون الخطاب الروائي يندرج ضمن هذا المقام و يرجع ذلك للطابع المنهجي الذي تفرضه الدراسة ؛ لأن تسمية نوع الخطاب المشتغل عليه متصلة أساسا بالحكي ، و يتناول الموضوع من خلال تقسيمين :
ـ القصـــــة و الخطاب
ـ القصـة ، الخطاب ، النص
و في معرض حديثه عن النقط الأولى ( القصة الخطاب ) يبرز المؤلف دور الشكلانيين الروس في بحثهم عن مختلف أنساق الحكي موضحا تركيز هم على أسبقية المبنى الحكائي الذي يتألف من نفس الأحداث التي تتشكل منها المادة الحكائية لكنه بالإضافة إلى ذلك يراعي نظام ظهورها في العمل (1) و يقصد بالمادة الحكائية ( القصة ) .
لتوضيح الأمر يستعرض مختلف الآراء و الأبحاث التي تناولت موضوع الفرق بين الخطــاب و الحكي من جهة و الآراء التي تناولت هذه الثنائية كمعطى واحد من جهة أخرى ، بدءا من : (بنفنست ، تودوروف ، جيرار جنيت ، مجموعة لينج البلاغية ) الذين ميزوا بين الحكي (recit) و الخطاب (discours) ، فـ "الحكي كقصة يتم التمييز فيه بين مستويين هما : منطق الأحداث من جهة و الشخصيات و علاقتها ببعضها البعض من جهة ثانية . أما الحكي كخطاب فيركز على تحليله من خلال ثلاثة جوانب : " زمن الحكـي وجهاته و صيغه " (2) ، أما ( موريس جان لوفيف ) فلا يرى حدودا بين الخطاب و الحكي ، يقول عن الحكي بأنه " كل خطاب يدفعنا إلى استدعاء عالم مدرك كواقع مادي أو روحي و هذا العالم يقع في مكان و زمان محددين و هو يعكس في الغالب فكرا محددا لشخص أو مجموعة من الأشخاص بما فيها الراوي " (3) و قد لاحظ المؤلف أن ( لوفيف ) كان انتقائيا أكثر منه محددا ،كما لاحظ المؤلف أن " كل الذين تناولوا موضوع الحكي قدموا تمييزات ثنائية ضمنه دون أن يُسَمُّوا بشكل مباشر أحد طرفي الثنائية بالخطاب و إن كان يحمل دلالاته " (4) ، ويخلص سعيد يقطين إلى كون تلك الاختلافات تبقى رهينة الاختصاصات التي انطلق منها كل تيار .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 29
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 30
(3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 34
(4) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 37
أما في النقطة الثانية ، يتطرق المؤلف إلى مختلف الدراسات التي تناولت الحكي من ثلاث زوايا ( القصة ، الخطاب ، النص ) كما ذهبت إلى ذلك ( شلوميث ريمون كينان ) في كتابها " التخييل الحكائي " منطلقة من التساؤل التالي : لماذا نجد في تعليق صحفي سردا و لا نجد حكيا ؟ و تخلص إلى كون السرد (narration)ذو طبيعة لفظية به يتم التواصل المستمر الذي من خلاله يبدو الحكي (narrative) مرسلة يتم إرسالها من مرسل إلى مرسل إليه ، لتحدد بذلك التخييل الحكائي في جوانب ثلاثة ـ الأحداث ، تمثيلها اللفظي ، الفعل القولي أو الكتابي ـ و يظهر طرحها من كون " القصة كأحداث مسرودة مجردة من تركيبها في نص معاد إنتاجه ، و إذا كانت القصة هي تتابع الأحداث ، فإن النص هو الخطاب المكتوب أو الشفوي الذي من خلاله نتمكن من قراءتها ، و بما أن النص هو الخطاب فلابد له من كاتب أو متكلم ، لذلك فإن فعل أو عملية الإنتاج هي التي يمكن اعتبارها الجانب الثالث أي السرد . و من خلال النص نتعرف على القصة باعتبارها موضوعه و السرد باعتباره عملية إنتاجه " (1) .
فبهذا التقسيم الثلاثي للحكي يغدو الخطاب "تواصلا لسانيا منظورا إليه كإجراء يتم بين متكلم و مخاطب و كفاعلية تواصلية يتحدد شكلها بواسطة غاية اجتماعية ، و النــــص كمرسلة مشفرة عبر وسيطها المكتوب أو الشفوي " (2) و حسب المؤلف فإن الحكي يتجلى له " كخطاب متشكل من توالي أحداث مرتبطة تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها و عناصرها " (3) .
ولتحديد مفهوم الخطاب الروائي يضعنا المؤلف أمام اتجاهين ،اتجاه حصري مع كل من ( جيرار جينات و تودوروف ) اللذين اعتمدوا على معيار الصيغة للتمييز بين الخطابات الحكائية على اعتبار وجود جوانب أخرى غير سردية في الحكي ( السنيما ، المسرح ،الصور المتحركة ) ، و اتجاه توسيعي مع ( بول ريكور و ميشيل ماتيو و كولاس ) اللذين يوظفون معيار الموضوع للتمييز بين الخطابات ، لذلك نجد المؤلف بخصوص الخطاب الحكائي ينحاز إلى تحديد جنيت ، مبرزا ثلاثة معايير تحكم سردية الخطاب الحكائي و هــــــي :
1 ـ الصيغـة : الســـــرد
2 ـ الزمــن : استيعاب الحكي
3 ـ قصدية الكاتب : هل يكتب الكاتب ضمن حدود الخطاب السردي أم خارجها ؟ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 42 .
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 44
(3) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 46 .
لكن الملاحظ أن هذه المعايير التي تحكم سردية الخطاب الحكائي تتوفر عليها خطابات سردية أخرى عديدة مثل ( القصة ، الحكاية الشعبية ، السيرة الذاتية ، السيرة الشعبية ) ، فلماذا لجأ المؤلف إلى التخصيص انطلاقا من سرديات الخطاب الروائي كمعطى أول ؟ .
يردُّ سعيد يقطين الأمر إلى الأسئلة التي يطرحها موضوع دراسته و لاعتباره الرواية خطاب أدبي ينتج ضمن خطابات أخرى أدبية و غير أدبية .
ب ـ مكونات الخطاب الروائي :
بعدما حدد المؤلف الموضوع الذي تشتغل عليه الدراسة ، و المتعلق بتحليل الخطاب الروائي ، مستعرضا جملة من الدراسات و الآراء و النظريات متقصيا جوانب التلاقي و التنافر و الأخذ و العطاء ، تناول في هذا المحور مكونات الخطاب الروائي ، مستبعدا البحث في القصة إلا من خلال علاقتها بالخطاب باعتباره هو الذي يهتم به بالدرجة الأولى ، وقد حصر تلك المكونات في ثلاثة عناصر .
1 ـ الزمن
2 ـ الصيغة
3 ـ الرؤية و الصوت .
و يرى المؤلف أن هذه المكونات هي التي يركز عليها السرديون بصفة عامة مع اختلافاتهم في ترتيبها و ربط بعضها ببعض .
1 ـ الزمن و الخطاب :
يشير المؤلف في البداية إلى كون الزمن في اللغة العربية لم يقطع بعد صلاته بالأصول المنطقية التي قام عليها منذ قرون ( ماض ، حاضر ، مستقبل ) إلا أن الغربيين و بخاصة مع ما أحدثته الثورة اللسانية مع فاردناند دوسوسير، و ما تلاها من أبحاث قد أحدثت قطيعة حقيقية مع التحليل التقليدي للزمن في اللغة ، متطرقا إلى تلك الإشكاليات و القضايا التي يثيرها تحليل الزمن و علاقته بالخطاب الروائي ، موزعا دراسته في هذا الشأن إلى ثلاثة نقاط :
1/1 ـ اللسانيات و الزمن : أبرز فيها تعامل اللسانيات مع مقولة الزمن.
2/1 ـ الروائيون الجدد و الزمن : و يتناول الكيفية التي تعاطى بها بعض الروائيين جدد أمثال ( ريكاردو ، آلان روب غرييه ، ميشيل بوتور ) من خلال كتاباتهم النظرية عن الزمن .
3/1 ـ لسانية الخطاب و الزمن : استعرض في هذه النقطة آراء العديد من الباحثين لمقولة الزمن في الخطاب السردي وضمنه الخطاب الروائي .
1/1 : اللسانيات و الزمن :
لقد أعاد البحث اللساني طرح مقولة الزمن من منظور جديد مع كل من ( لاينس ، إميل بنفست ، دوكرو ،تودوروف ) ، الذين انطلقوا من التقسيم الثلاثي القديم ( الماضـــي ، الحاضــر ، المستقبــل ) المتسم بطابع الكلية و الشمولية ، ليقدموا عدة تقطيعات و تصنيفات مقولية ، أهمها ما ذهب إليه ( إميل بنفست ) و سماه الزمن اللساني مبررا طرحه أنه " بواسطة اللغة تتجلى التجربة الإنسانية للزمن . و الزمن اللساني ، كما يبدو لنا ، لا يمكن اختزاله في الزمن الحدثي أو الفيزيائي " (1) و الملاحظ أن هذا الزمن مرهون بلحظة إنجاز الكلام ، معتبرا أن الحاضر اللساني هو أساس كل التقابلات الزمنية للغة و ليس في الواقع إلا زمن واحد هو الحاضر يسجل من خلاله الالتقاء الضمني بين الحدث و الخطاب ، أما الزمنان الآخران فيتحددان في علاقتهما بالحاضر كما يوضح المؤلف .
أما دوكرو و تودوروف فيستندان إلى المبدأ القائل بأن المؤشرات الزمنية و إحصاؤها لا يتم إلا عن طريق تحليل الجملة ، " لأن هذه المؤشرات تكون دائما في المحمول على اعتبار كونه لا يشكل فقط موضوع كيفية معينة أو حدث معين ، و لكن أيضا نمط تجلِّي زمن الحدث و الكيفية " (2) .
2/1 :الروائيون الجدد و الزمن :
يستعرض المؤلف في هذا المقام أهم آراء ( ألان روب غرييه ، جان ريكاردو ، ميشال بوتور ) في تعاملهم مع مقولة الزمن ، لذلك فهو عند روب غرييه يوجد مقطوعا عن زمنيته ،كون ليس هناك أي زمن إلا الحاضر ( زمن الخطاب ) أما اللاحاظر سواء كان قبل أو بعد فهو غير موجود ، في حين أن ميشال بوتور يقسم زمن الرواية إلى ثلاثة أقسام : زمن الكتابة ، زمن المغامرة ، زمن الكاتب . بالإضافة إلى ما أسماه بالطباق الزمني الذي يتجلى لنا من خلال العودة إلى الوراء و ما يلقى على المستقبل من استباقات ، ليتحدث بعد ذلك عن الانقطاع الزمني الذي يحدث من خلال الانتقال من زمن إلى آخر باستعمال إشارات مثل ( و في الغد ، و بعد قليل ) .
و كما نلاحظ فإن الزمن عندهم أخذ أبعادا و دلالات أخرى ، حاول هؤلاء من خلالها نفي مقولة مطابقة الزمن اللغوي للزمن الواقعي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 64
(2) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 66
مرواااااااااااااااااان
لا اله الا الله محمد رسول الله
من مواضيعي
0 اولمبي الشلف على خطى التويج باللقب لاول مرة ..//
0 المنتخب الاولمبي لكرة القدم يوصل تحضيراته في ظروف ممتازة بجوهانسبورغ "..//
0 حلف العار يستنفد مخزونه من الصواريخ و يتعرض للتهكم..//
0 صور خارجية للمسجد الحرام ..شارع اجياد ..//
0 حبة ليمووون باظافر جميلة سبحان الخالق ..//
0 السطو على بيانات متعاملي سيتي غروب..//
0 المنتخب الاولمبي لكرة القدم يوصل تحضيراته في ظروف ممتازة بجوهانسبورغ "..//
0 حلف العار يستنفد مخزونه من الصواريخ و يتعرض للتهكم..//
0 صور خارجية للمسجد الحرام ..شارع اجياد ..//
0 حبة ليمووون باظافر جميلة سبحان الخالق ..//
0 السطو على بيانات متعاملي سيتي غروب..//
التعديل الأخير تم بواسطة miroulove66 ; 02-05-2011 الساعة 06:38 PM