"الشكارة فرغت".. ولاعبون يعيشون بـ"الكريدي"!
20-11-2017, 04:48 AM


تعيش كل الأندية الجزائرية هذا الموسم أزمة مالية غير مسبوقة ومؤثرة جدا على استقرارها وتواجدها، بعد أن أصبحت كل الفرق تقريبا على نفس قدم المساواة بخصوص عدم التزامها بتسوية مستحقات لاعبيه، وحتى تلك المصنفة في درجة الغنية، على غرار اتحاد العاصمة ونصر حسين داي ومولودية الجزائر، خاصة فريق سوسطارة الذين يدين لاعبوه برواتب عدة أشهر، لكن الحديث عن ذلك في خانة المحظور لدى إدارة الاتحاد، وبلغت الأزمة المالية الخانقة ذروتها هذا الموسم، ما دفع العديد من الأندية إلى مراجعة سياستها المالية من خلال تخفيض الأجور وحتى الاستغناء عن بعض الامتيازات، على غرار السفريات جوا وكراء شقق للاعبيها، فضلا عن لجوئها بطريقة غير مباشرة إلى "إعانات" أنصارها من خلال ما فعله أنصار اتحاد الحراش في ملعب المحمدية حتى يتم تأهيله.
وكان الاتحاد الجزائري لكرة القدم حدد تاريخ 15 ديسمبر المقبل كآخر أجل للأندية لتسوية ديونها تجاه لاعبيها، خاصة السابقين منهم، وتقدر ديون الأندية الجزائرية المعنية بقرارات لجنة النزاعات حوالي 52 مليار سنتيم، وتشير كل المعطيات المتوفرة حاليا إلى استحالة تطبيق الفاف لتهديداتها، مادام أن كل الأندية غير قادرة على تسوية وضعيتها بسبب شح الموارد المالية، وهي تتجه نحو طلب مهلة إضافية من الفاف حتى تتمكن من تسديد ديونها، الأمر الذي يعني بأن هيئة زطشي ستكون مضطرة مرة أخرى للتغاضي عن التجاوزات المالية للأندية و"إفلاسها"، وتمديد عمرها افتراضيا، على اعتبار أن تطبيق القوانين يقضي بإسقاط الأندية إلى الدرجات السفلى في حال عدم التزامها بتسوية ديونها في الآجال وبالطرق القانونية، لكن الفاف تتغاضى عن تطبيق القانون بحجة استحالة معاقبة كل الأندية، ما يعني عدم اكتمال النصاب القانوني لتنظيم منافسات الرابطتين المحترفة الأولى والثانية، في ظل إعفاء ثلاثة أندية فقط حاليا من مقصلة الديون، وهي اتحاد العاصمة ونصر حسين داي ونادي بارادو وبدرجة أقل شبيبة الساورة.
هذا وبسبب الأزمة المالية الخانقة للأندية والمتزامنة مع عهد التقشف والأزمة الاقتصادية، تغير سلوك مسيري الأندية الجزائرية، الذين ودعوا "عهد التفشاش"، الذي كان حاضرا سابقا، حيث تقلصت الرواتب بشكل كبير جدا، فضلا عن تخليها عن بعض الامتيازات التي كانت تقدمها للاعبين بدون حساب، على غرار كراء الشقق للاعبين دون المساس برواتبهم، وهي الممارسة التي هجرتها الأندية حاليا في ظل شح الموارد المالية وغياب الممولين، فضلا عن ذلك تخلت إدارة الأندية عن السفريات جوا، وأصبحت تبرمج أغلب رحلاتها برا ترشيدا للنفقات أو بالأحرى هي مجبرة على ذلك، كما حدث مع شباب بلوزداد الذي برمج رحلته للتربص في تونس برا، كما أن عدة أندية أصبحت تتنقل إلى بشار برا بعد أن كانت تقوم بذلك جوا خلال السنوات الفارطة، كما حدث مع مولودية وهران مثلا، وهي كلها مؤشرات تبرز الصعوبات الكبيرة التي تعاني منها الأندية "المحترفة" إلى درجة تهديد استقرارها.
من جهة أخرى، كان للأزمة المالية الكبيرة تأثير كبير جدا على سلوكات اللاعبين، الذين لم يتقاض أحسنهم حالا راتبه منذ أربعة أشهر فقط، حيث يتخبط هؤلاء، الذين يعدون أكبر ضحايا الأزمة المالية الكروية الحالية، بعد أن كانوا أكبر مستفيد منها خلال سنوات البحبوحة المالية، في مشاكل مالية وديون كبيرة وبلغ الحد ببعضهم إلى العيش بـ"الكريدي"، خاصة بالنسبة لأصحاب الأجور المتواضعة وفي الأندية الصغيرة، كما حدث مع لاعبي اتحاد الحراش وحتى بعض لاعبي شباب بلوزداد، والذين سئموا من الوعود الكاذبة للإدارة، والغريب في هذه القضية هو أن الأندية التي عجزت عن جلب ممولين جدد وتنويع مصادر الدخل، أصبحت تعتمد على الخرجات التضامنية لأنصارها من أجل تجاوز بعض العراقيل، كما حدث مع فريق اتحاد الحراش الذي مول أنصاره عملية شراء مقاعد البدلاء والنفق المتحرك الخاص بغرف حفظ الملابس في سبيل تأهيل ملعب أول نوفمبر بالمحمدية بعد أن عجزت إدارة الحراش عن القيام بذلك، وهو ما يبرز بشكل لا يدع أي مجال للشك عجز المسيرين عن إيجاد حلول لمشاكل أنديتهم المالية مقابل تفكير الأنصار في البحث عن حلول للخروج من أزمة أكدت فشل الاحتراف في الجزائر بكل المقاييس، خاصة بعد التخلي عن "الشكارة" التي كانت حل كل رؤساء الأندية "الخفي" لحل متاعبهم المالية دون التدقيق في مصدرها.
"الشكارة" لمنح تسبيقات شهرية وتسديد منح اللاعبين والمدربين
هكذا يتحايل رؤساء الأندية على القوانين للتهرب من التعاملات البنكية!
أبى رؤساء الأندية المحترفة التخلي عن ظاهرة التعامل بـ"الشكارة" لتسديد أجور اللاعبين والمدربين والعمال المتواجدين في الفريق بصفة عامة، فضلا عن منح الانتصارات في لقاءات الرابطة المحترفة بقسميها الأول والثاني، ولجأوا إلى حيل أخرى للتهرب من تطبيق النصوص القانونية للدولة الجزائرية والتعاملات البنكية، بعيدا عن الشفافية والنزاهة.
بعد دخول عالم الاحتراف عام 2011 الذي لا يزال مجرد حبر على ورق، وبمرور السنوات تم سن العديد من القوانين التي تحكم كرة القدم الجزائرية، وتم إضفاء بعض التعديلات على مواد قانونية، لما يتماشى مع طموحات الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) في تطوير الرياضة الجزائرية المحلية على الأقل من الناحية التنظيمية، ومن أبرزها كيفية تسديد رواتب اللاعبين والمدربين المحليين منهم والأجانب، عن طريق البنوك دون طرق أخرى، بالإضافة إلى إلزامية التصريح بأجور العمال واللاعبين والمساهمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (لحد الآن لم يتم تحديد الصيغة اللازمة لكيفية التسديد ولم يحصل اتفاق رسمي بين رئيس الرابطة المحترفة محفوظ قرباج ومسؤولي "الكناس").
ورغم أيضا تبني الدولة الجزائرية لسياسة العمل على التقليل من حجم السيولة المتداولة في "السوق السوداء"، من خلال وضع آليات وقوانين للعمل على استرجاعها بعد انهيار أسعار النفط، ومن أبرزها إلزامية الصك بالنسبة للتعاملات التي تفوق على الأقل 100 مليون سنتيم.. هذا كله من أجل الحد من ظاهرة التعامل بـ"الشكارة" في شتى القطاعات ومنها الرياضي، إلا أن رؤساء الأندية ضربوا هذه القوانين والتعليمات عرض الحائط وواصلوا التعامل بـ"الشكارة" في الموسم الكروي الجديد 2017/2018، دون مراعاة للوضع الصعب الذي تمر به البلاد، وسط غياب تام للرقابة والمحاسبة من طرف المسؤولين المباشرين.
ولجأ رؤساء الأندية المحترفة أو الشركات الرياضية إلى التحايل على القانون في شقه المالي، والتهرب من التعاملات البنكية، من خلال عدم التصريح بالأجر الحقيقي للاعب أو تضخيمه، حتى تسهل مهمة تقديمهم تسبيقات لأجور شهرية تصل حتى 5 أشهر كاملة مع بداية كل موسم جديد، وأيضا لمنح الفوز في المباريات الرسمية التي يتم التلاعب بقيمتها في التقارير المالية كيفما شاءوا، وذلك باستغلال أموال متحصل عليها بطرق مجهولة المصدر من بعض محبي الفريق، والعمل فيما بعد على تقنينها بإدراجها في خانة الديون لاسترجاعها بعد ذلك بطريقة رسمية عن طريق البنك مباشرة بعد دخول أموال الممول الرسمي للنادي أو إعانات الدولة.
وإلى جانب ذلك، فإن معظم رؤساء الأندية لم يكتفوا بهذا الحد فقط، ووقعوا أيضا في المحظور فيما يخص طريقة تسديد أجور اللاعبين الأجانب والمدربين بالعملة الصعبة، حيث يلجأ أغلبهم إلى "السكوار" لتسديد رواتب اللاعبين، ما جعل العديد من اللاعبين الأفارقة يخاطرون ويقومون في كل مرة بتجاوزات غير قانونية على مستوى مطارات الجزائر، وهذا من أجل إخراج أموالهم من الجزائر دون التصريح بها، وهو ما يعرضهم للاعتقال على مستوى مطارات الجزائر ومن ثم إلى متابعات قضائية.
وكان رئيس الرابطة المحترفة لكرة القدم على هامش أشغال الجمعية العامة للرابطة، شهر فيفري الماضي، قد أكد أن عودة الأجانب إلى البطولة الجزائرية ممنوع في ظل عدم امتلاك الأندية المحترفة لحساب بنكي بالعملة الصعبة، واستحالة تطبيقها للقوانين المعمول بها في تسديد أجور الأجانب، غير أن انتخاب رئيس جديد لـ"الفاف" خير الدين زطشي، غيّر المعطيات وقرر السماح للأندية باستقدام اللاعبين الأجانب.
رغم أن القانون يقف في صفهم
اللاعبون رهينة أنديتهم في غياب البديل
كبلت الأزمة المالية التي تعاني منها كل فرق البطولة الوطنية المحترفة الأولى والثانية المفلسة بدون استثناء جميع اللاعبين، الذين صاروا رهينة لدى فرقهم باعتبارهم لا يملكون خيار تغيير الأجواء والاستفادة من القوانين التي تحمي حقوقهم الطبيعية والمتمثلة في تلقي رواتبهم الشهرية، حتى إن كان القانون يخول لهم ترك الفريق دون أن يترتب عليهم أي ضرر، في حالة ما عجزت الإدارة عن دفع مستحقات ثلاثة أشهر متتالية لأي لاعب بغض النظر عن اسمه.
وأدى الوضع المالي الكارثي المتقارب للفرق الجزائرية الغارقة في الديون حتى وإن كان ذلك مختلفا نسبيا من فريق لآخر، بما فيها الفرق التي كان يضرب بها المثل من حيث الاستقرار المادي كفرق اتحاد العاصمة ووفاق سطيف ونصر حسين داي التي صارت هي الأخرى عاجزة عن دفع الرواتب للاعبين إلى تبني سياسة الصمت والصبر في هذه الفرق في ظل غياب العروض والحالة المتشابهة للفرق وانعدمت الحلول أمام اللاعبين الذي وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان، أي لا خيار أمامهم سوى انتظار انفراج الأوضاع في هذه الفرق المفلسة أو اللجوء إلى لجنة المنازعات والصراعات القانونية التي تأخذ حيزا معتبرا من الوقت، ويتبعه دخول اللاعب عالم البطالة وينطبق ذلك على غالبية اللاعبين باستثناء المحظوظين وهي فئة قليلة من اللاعبين التي تجد الفرص في هذه الفترة الحرجة التي تتخبط فيها الفرق.
تراجع المداخيل وغياب استراتيجية واضحة في التسيير
الأندية الجزائرية بعيدة كل البعد عن "منطق الاحتراف"
قال رئيس نادي بايرن ميونيخ الألماني "أولي هونيس" في إحدى التصريحات الصحفية أن مداخيل فريقه "الثابتة" تأتي من ثلاث جهات، وهي: البث التلفزيوني، بيع تذاكر المباريات وعقود الرعاية، وذلك مثلما يحدث في الفرق المحترفة الأخرى خاصة في القارة الأوروبية، ونجد أيضا أندية في القارة الإفريقية تعتبر "نموذجا" ناجحا في التسيير المالي، لكن ما يحدث في البطولة الجزائرية مخالف تماما لما يجري في البطولات المحترفة الأخرى، حيث تعول الأندية الكروية على الإعانات التي تقدمها خزينة الدولة، وذلك بالرغم من إقرار وزارة الشباب والرياضة في السنوات الماضية تحت إشراف الوزير السابق الهاشمي جيار قانون الاحتراف في الدوري الجزائري، حيث وحسب بنود ولوائح القانون الصادر في "الجريدة الرسمية" يسمح للأندية بممارسة النشاطات الاقتصادية التي تسمح لها بضمان مداخيل مالية مهمة، والأكثر من ذلك فإن الدولة "وعدت" بتقديم قروض مالية بهدف إنشاء الأنشطة التجارية، واعتقد الجميع في البداية أن الاحتراف سيعود بالفائدة على جميع الأندية، لكن ذلك لم يحدث في الواقع بدليل الأزمات المالية الصعبة التي تعيشها جميع الأندية سواء في بطولي القسمين الأول والثاني.
وتعجز حاليا كثير من الأندية من تسديد أجور المدربين واللاعبين بدليل الشكاوى التي تتلقاها باستمرار لجنة المنازعات على مستوى الرابطة المحترفة لكرة القدم، والأكثر فإن الأجانب والمغتربين دائما ما يضعون شكاوى على مستوى الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" من أجل تحصيل حقوقهم المالية، وتدخلت الهيئة الدولية مثلا في الموسم الماضي عندما أقرت خصم ثلاث نقاط من رصيد نادي مولودية العلمة بسبب عدم تسديده المستحقات العالقة للمدرب السابق المغترب حكيم مالك.
وتعتمد الأندية في الجزائر بشكل كلي على إعانات الدولة المتمثلة في الهيئات التالية: الولاية- البلدية- مديرية الشباب والرياضة- المجلس الشعبي الولائي، ومنذ تراجع أسعار البترول في الأسواق العالمية وتطبيق الحكومة منذ عهد الوزير الأول السابق عبد المالك سلال سياسة التقشف فإن الإعانات تقلصت بشكل كبير، وهو ما كان سببا في إيجاد الأندية الحلول الممكنة لضمان مداخيل مالية ثابتة، والدليل أن كثير من البلديات في مختلف أنحاء الوطن تتعمد إلى تقليص نسبة 3 بالمائة من الميزانية العامة التي كانت تخصصها لصالح الجمعيات الرياضية بسبب التقشف وتراجع مداخيل الضرائب، واضطر في ظل هذه المستجدات كثير من الرؤساء الاعتماد على أموالهم الخاصة في تسديد كثير من المصاريف، لكن دون النجاح في استعادة القروض بسبب التأخر الحاصل في الاستفادة من الإعانات.
ويعود السبب الرئيسي لما يجري حاليا من أزمات متتالية في كثير من الأندية إلى فشل الرؤساء في وضع "استراتيجية مالية ناجحة"، وذلك من خلال انتداب لاعبين بأجور خيالية لا تعكس حقيقة مستواهم، وهو ما يجعل تلك الأندية مع مرور الأسابيع والأشهر تعجز عن الوفاء بالالتزامات، ويضطر في تلك الحالة اللاعبون إلى وضع شكاوى على مستوى الهيئات الكروية، وفي النهاية ترتفع الديون بشكل مخيف وتكون سببا في توالي النتائج السلبية في ظل غياب السيولة.