لماذا لا يطيعني أبنائي!!؟
18-05-2016, 01:09 PM
لماذا لا يطيعني أبنائي!!؟



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:



عزيزي المربي..
معظمنا كان ثابتاً في أذهاننا صورة نمطية للابن الجيد، ألا وهو:" المطيع دائماً": الذي لا نسمع منه سوى كلمة:"نعمحاضر –"..
ومع نمو الأبناء نكتشف أن هناك جديد: لقد بدأ الابن يقول:"لا"، ويرفض التنفيذ المطلق للأوامر..!!؟، فهل هذا السلوك يعد أمرا طبيعيا في مراحل النمو التي يمر بها الطفل؟، أم أنه عرض يجب إزالته؟، ولماذا يحاول الطفل أن يخالف والديه؟.
بدايةً..
لا تنزعج من المخالفة، وعدم الطاعة إلا إذا أصبحت سمتاً ملازماً للطفل، لأن مخالفته أو رفضه أحياناً لكلام والديه: يعكس تعبيره عن شعوره بذاته المستقلة، وكيانه المتفرد عن والديه، ولكن حاول أن تجيب عن مثل هذه الأسئلة:
هل تعطي لابنك الفرصة لكي يعبر عن وجهة نظره في أسباب المخالفة؟.
هل تكثر من الطلبات والأوامر التي توجهها لولدك؟، وهل تحترم الوقت المناسب لولدك؟.
هل يعجبك أداء ولدك لما تطلبه منه من أعمال ؟، أم أنك دائماً ساخط عليه لا يعجبك شيء؟.
هل تتوقع من ابنك أن يطيعك ؟، أم تتوقع مخالفته؟.
نعم..عزيزي المربي:
لعل الإجابة عن هذه الأسئلة: تحمل بين طيّاتها أسباب مخالفة ولدك لأوامرك، ومنها: نصل إلى الحل معاً إن شاء الله عبر السطور التالية.

ما هي أسباب عصيان الأبناء!!؟:
- (إذا أردت أن تطاع؛ فأمر بما يستطاع ): هكذا تقول القاعدة.
من الضروري: أن يعي المربي استعدادات الأبناء وقدراتهم، ذلك أن الوعي بها: لا يجعل توقعاتنا أعلى أو أدنى من اللازم، لقد أكد القرآن الكريم على مبدأ الاستطاعة، قال تعالى:[ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا].
وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بإرشاده لنا قائلا:" اكْلَفُوا من الأعمال ما تطيقون، فإن خير الأعمال ما دام، وإن قلّ"( صحيح الجامع:1228).
فإذا كلفت - عزيزي المربي – ولدك بأعمال، فينبغي أن تحرص أن تكون تلك الأعمال ممكنة التنفيذ، لا تتجاوز قدراتهم، فتسبب لهم شعوراً بالإحباط، فتضعف ثقتهم بأنفسهم، ولا يعني ذلك في المقابل: أن نطالبهم بأمور بسيطة لدرجة تشعرهم بنوع من امتهان قدراتهم..بل ندفع الأبناء إلى بذل الجهود بطريقة مرحلية متتالية تؤدي تلقائياً إلى نجاحهم في المهام الكبيرة.
- بعض الآباء والأمهات قد يتصفون بالضعف، وعدم التصميم على طاعة الأوامر رغم ما يبدو عليهم ظاهريا من مظاهر القوة والصرامة؛ مما يؤدي إلى مرور الكثير من المواقف دون إعطاء الأوامر بشكل واضح وبطريقة مؤكدة.
- قد لا ينتبه الآباء والأمهات إلى انفعالاتهم، وهم يتحدثون إلى أطفالهم، فتراهم يصدرون الأوامر بوجه متجهم صارم، وعيون تشع غضبا وثورة، وصوت مرتفع يشبه الرعد..ولاشك أن وضع الآباء، وبهذه الصورة التي يبدون فيها، وكأنهم على استعداد للقتال: يجعل الطفل كالمجاهد الذي عليه أن يبدأ الكفاح والنضال ضد هذه الأوامر حتى النهاية، ويتخذ من العصيان والرفض: وسيلة لذلك!!؟.
- قد لا يحترم الوالدان: أوقات الطفل الخاصة، فيطلبون منه القيام بعمل ما أثناء انهماكه في اللعب أو الرسم أو مشاهدة برامج الأطفال، ولا يدركون كم يتضايق الطفل من ذلك!!؟؛ وبالتالي يرفض التنفيذ.
- قد يميل الطفل إلى العصيان: لا ليضايق والديه، ولكن إثباتا لشخصيته المستقلة، أو تأكيدا لكيانه الخاص، تجاه تسلط الوالدين، أو استخدامهما لأسلوب خاطئ في عقاب الأبناء .

عزيزي المربي..
ولكي يقبل الطفل تلقائياً على طاعتك: إليك الخطوات الفعالة :

- تربية الأبناء على طاعة الوالدين والبرّ بهما، ولذلك وسائل كثيرة من أهمها: أن يغرس كل منهما في نفس الولد: تعظيم واحترام الطرف الآخر منذ الصغر، مقترناً بترديد الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تحث على طاعة الوالدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال له:من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول اللّه؟، قال: أمك··· قال: ثم من؟، قال: أمك···، قال: ثم من؟، قال: أمك·· قال: ثم من؟، قال: أبوك " – رواه البخاري ومسلم -.

- التكرار مع الحزم: عالج النبي صلى الله عليه وسلم: الرفض وعدم طاعة الطفل للأوامر بأسلوب تربوي فريد، فهذا أنس بن مالك –رضى الله عنه- عندما كان غلاماً،رفض أن يذهب حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وخرج حتى يمر على الصبيان، وهم يلعبون في السوق، فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تابعه، فمشى خلفه، وقبض بقفاه من ورائه، ثم قال له، وهو يبتسم:" اذهب يا أُنيس حيث أمرتك"، وهنا قال أنس- رضي الله عنه-:" نعم أنا ذاهب يا رسول الله".

- التدريب:الكثير من المربين يطلب من الطفل: أداء الأعمال، ويتوقع منه الإتقان دائماً، من دون أن يدربه عملياً على ذلك، وتأتي النتيجة على غير مرادهم بالطبع، وتثور المشكلة، ويتهم الابن بالمخالفة..!، وليس الأمر كذلك؛ لأن الغالب على النفس البشرية: أنها لا تتقن العمل من المحاولة الأولى، بل تحتاج إلى مرات ومرات من التدريب العملي تحت إشراف الكبار للوصول إلى الإتقان، فعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام يسلخ شاة، فقال له:" تنح حتى أريك، فإني لا أراك تحسن تسلخ"، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم، فدحس بها(مدّها) حتى توارت على الإبط، وقال:" يا غلام؛ هكذا فاسلخ"، ثم مضى، وصلى للناس ولم يتوضأ، ولم يمس ماء.( صحيح ابن حبان: ج1 رقم:1163).
فإذا أردت من ولدك ذي السابعة: أن يرتب سريره، فالخطوة الأولى: أن ترتب السرير أمامه، ثم تطلب منه أن يقوم بترتيبه أمامك؛ فتعلق وتصحح وهكذا ..

- اسمح لأطفالك بالتذمر قليلاً عند تنفيذ أمر غير سار بالنسبة لهم، فليس من الضروري: أن ينفذ الأطفال ما تطلبه منهم، وهم سعداء؛ فقد ينظف أحدهم غرفته، وهو يقول:"لقد مللت من تنظيف الغرفة القذرة" ولا بأس، فهذه ليست كلمات عصيان أو رفض، ولكنها تعد متنفساً لمشاعر الضيق والغضب، ويمكنك أن تؤجل التعليق على ألفاظهم الخارجة لوقت آخر يكونون فيه مهيئين أكثر للاستجابة.

- إذا كنت لا تتوقع من طفلك الطاعة الفورية لما ستطلبه منه، فأعطه تحذيراً مسبقاً: كأن تقول له وهو مشغول باللعب مثلاً:(باقي خمس دقائق ويحين موعد النوم..هيا أعد كل شيء إلى مكانه).

- على المربي أن يبتعد عن التطرف في أسلوب الأمر، فالقسوة و التساهل كلاهما مذموم، ولكن ليجمع المربي بين الحزم والحنان في إسداء الأمر للطفل وإلزامه به.

- تحيّن الوقت المناسب: إذا طلبت من ولدك عملاً ما، وإذا كنت تراه معقداً بعض الشيء، فقم بتقسيمه إلى خطوات، ثم اتركه يخوض غماره، وأنت لا يتوقع منه بلوغ الكمال، وإنما إحراز التقدم فقط بالتدريج، ومع مرور الوقت.

- لا ترغم الطفل على فعل واحد، ولكن وفّر له اختيارات متاحة أمامه: كأن تقول له:" إما أن تلعب بهدوء، أو تذهب إلى الخارج"، وغالباً سيطيع الطفل، لأن هذا الأسلوب يزيد من استقلاليته، ويشعره بأنه هو: صاحب القرار، وليس مجبراً عليه.

- اجعل صيغة القواعد والأوامر عامة، وليست شخصية، مثلا:(الصوت المرتفع غير مسموح به في البيت)، فهذا أفضل من قولك:(أنا لا أحب الصوت المرتفع في البيت).

- عندما نذكر أسباب الأمر أو النهي للطفل يكون أكثر استعداداً للاستجابة، فالطاعة العمياء: تعطل التفكير الإبداعي لدى الطفل، وتقتل فيه الموهبة والقدرة على الابتكار، مثلاً تقول لولدك:( ذاكر لكي تتفوق وتستمتع بالإجازة الصيفية).

- أشرك ولدك في وضع استراتيجيات التعامل، فنظام الأوامر واجبة النفاذ: ربما لا تؤتي ثمارها، وقد تفاجأ بكسرها خلسة، أو على الأقل يطبقها بتبرم وضيق، وعلى العكس تماماً، فإن إشراك الصبي في وضع منهج من شأنه: أن يعطي نسبة عالية جداً، فمثلاً تقول:( ما رأيك لو جعلنا للتلفاز أو الكمبيوتر ساعة في اليوم؟)، وقد يقول لك:بل ساعتين..لا مانع من أن تتفاوضا إلى أن تصلا إلى كيفية مرضية.

- الأطفال شغوفون جداً بالقصص والحكايات، وهي: وسيلة تربوية جيدة لترسيخ القيم الأخلاقية الحسنة، وتوجيه سلوك الطفل بشكل إيجابي؛ لذلك فمن خلالها يستطيع المربي: التركيز على نموذج الطفل المؤدب الذي يطيع والديه كمثال يحتذيه الطفل، في مقابل الطفل غير الجيد الذي يخالف والديه دائماً.

وأخيراً عزيزي المربي:
تذكر أنه من الخطورة بمكان: أن نعلّم أطفالنا الطاعة العمياء، فغالباً ما ستكون النتيجة: إما التمرد، أو الخضوع الكامل وفقدان الشخصية.، واعلم أنه: كلما زاد تعبيرك عن محبتك لطفلك، واهتمامك به: كلما زاد حبه لك، وقبوله لتوجيهاتك.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
منقول بتصرف يسير.