العلمانية الانحلالية و منظومة القيم الإسلامية ...
21-02-2007, 12:36 AM
العلمانية الانحلالية ومنظومة القيم الإسلامية

بقلم الدكتور : الهـيثـم زعفـان

قضية الصراع القيمي بين العلمانية والإسلام هي في الأساس صراع عقدي بين حق وباطل، وبين منهج صالح وفاسد، وليست مجرد اختلافات إيديولوجية كما يحلو لبعضهم تسميتها.

فعملية الدفع بين العلمانية والإسلام عملية مستمرة؛ وبدهي أن يكون هناك منتصر، وحتمًا سيكون الإسلام بإذن الله. لكن حتى يمكن الوصول إلى هذه النقطة الفاصلة ينبغي معرفة الكيفية التي تمكنت بها العلمانية من اختراق منظومة القيم الإسلامية؛ فالعلمانيون اجتهدوا في نشر ثقافة الانحلال بين فئات المجتمع مستثمرين في ذلك كافة الوسائل المتاحة. ومعظم القائمين على هذه اللعبة الانحلالية يحرصون على التظاهر بتمسكهم بالقيم الإسلامية التي هي عندهم لا تخرج عن دائرة الأذكار القولية التي ليست لها أية ثمرة تكليفية في حياتهم العملية.

فهذا أحد كبار المخرجين السينمائيين الذي اكتشف قطاعاً عريضاً من ممثلات الإغراء العربيات وصنفت بعض أفلامه في فئات الرذيلة يقول في مذكراته: «أنا واحد من الناس المؤمنين بشكل خطير وتام، ولا أزال وسأظل متمسكًا بالقيم والتقاليد، وأنا حتى الآن إذا أردت السفر إلى الإسكندرية وقلت ذلك لابنتيّ، فإنهما تقولان لي: لا إله إلا الله، فأرد عليهما: محمد رسول الله، وأما مساء كل يوم، وقبل أن أنام أقرأ فاتحة الكتاب ثم أتشهد بالشهادتين...!»



هذا في وقت سيطرت فيه السينما على الساحة الإعلامية وكان لمخرجيها اليد الطولى في توجيه الثقافة الإنحلالية؛ فما هو الواقع في ظل التقنية الحديثة والسماوات المفتوحة؟



دعونا نبدأ القضية من جذورها.



■ القيم الإسلامية:

المدقق للدراسات التي تتناول موضوع القيم الإسلامية يلحظ أنها في تحديدها لماهية المفهوم ضمت شمول الدين الإسلامي كله.. لذلك فمن الموضوعية التيقن بأن القيم الإسلامية هي الدين الإسلامي نفسه.



يقول اللواء دكتور فوزي طايل ـ عليه رحمة الله ـ «يلحظ الباحث أن فقهاء المسلمين لم يفردوا أبوابًا خاصة بالقيم؛ لأن القيم الإسلامية هي الدين ذاته؛ فهي الجامع للعقيدة والشريعة والأخلاق، والعبادات والمعاملات، ولمنهاج الحياة والمبادئ العامة للشريعة، وهي العُمُد التي يقام عليها المجتمع الإسلامي؛ فهي ثابتة ثبات مصادرها، وهي معيار الصواب والخطأ، بها يميز المؤمن الخبيث من الطيب، ويرجع إليها عند صنع القرارات واتخاذها.. وهي التي تحدث الاتصال الذي لا انفصام له بين ما هو دنيوي وما هو أخروي في كل مناحي الحياة»(1).



ومن هنا.. فإن أية محاولات لخلخلة منظومة القيم الإسلامية الثابتة، أو طرح مبادرات من هنا أو هناك لجعل تلك المنظومة قابلة لاستيعاب قيم مستمدة من معطيات العقل البشري والخبرات المجتمعية ذات المرجعيات الإلحادية والفاسدة.. كل ذلك يعد محاربة صريحة للدين الإسلامي، ومن ثَمَّ فإن التصدي لهذه المحاربة هو فرض عين على كل من يدرك معالم هذه المشكلة.



وأبرز الفيروسات النشطة في ساحة المعركة ما يطلق عليه تسترًا «العلمانية». فما هي العلمانية؟

العلمانية «تقابلها في اللغة الإنجليزية كلمة (secularism) وأصلها اللاتيني هو (saecular) ويعني «الدهر» (Age) أو العالم (world) أو الزمن (The time). والعلماني عكس الديني ويستخدم اصطلاحًا للإشارة إلى مدخل للحياة ينفصل تمامًا عن الدين ويتشكل كلية باهتمامات «زمنية دنيوية»(2).

وتوضح موسوعة العلوم السياسية أن «العلمانية على المستوى الشخصي (هي رفض الفرد أن تتشكل معاملاته السياسية بمصادر لا يكون لإرادته الحرة المباشرة دخل في تشكيلها وصياغتها. وعلى المستوى العام تعني العلمانية المذهب الذي يؤمن بضرورة إبعاد المؤسسات الدينية والمناصب الدينية عن ممارسة أي تأثير أو لعب أي دور في أي من مجالات الحياة العامة بما في ذلك التعليم والتشريع والإدارة وشؤون السياسة والحكم)(3).

ويذهب عدد من الباحثين إلى أن العلمانية تُعد موقفًا (يفترض أن تكون المعايير التي يخضع لها الإنسان في تعامله مع الإنسان وفي تنظيمه لشؤون حياته السياسية والاقتصادية والقانونية هي معايير مستمدة من الدنيا لا الدين»(4).

لاحظ بعض رموز العلمانية في عالمنا الإسلامي أن الإسلاميين فطنوا إلى حقيقة الدعوة العلمانية وواجهوها ونجحوا في صناعة رأي عام مضاد لهذه الدعوة.. فقام هؤلاء الفقهاء بطرق مبادرات ذات غطاء شتوي يستر أكثر مما يستره الغطاء الصيفي، ومن ثم يكون في عالمنا الإسلامي فريقان علمانيان يستخدمان سلاحاً مزدوجاً في ساحة المعركة.

أ - فريق رافض للتراث ومتجاوز له «شبلي شميل» «يعقوب صروف»، «فرح أنطون» الذي دعا إلى اعتماد العلم في كافة شؤون الحياة، و «سلامة موسى الذي لعب دورًا هامًا في مجال تقديم الرؤى العلمانية في الثقافة المصرية والعربية وكان من أبرز المؤثرين في أفكار ما يطلق عليهم لقب «النخبة»، أدونيس، محمود درويش، البياتي، جابر عصفور، وغيرهم.

ب - فريق آخر يسعى لإعادة قراءة التراث وتأويله ومن أبرزهم «محمد أركون، حسين أحمد أمين، محمد عابد الجابري، حسن حنفي الذي يقول «الشريعة الإسلامية وضعية، والإسلام دين علماني في جوهره، والفقه متغير بتغير الحاجات والمصالح، فلِمَ الخوف من التشريع والجرأة فيه؟ هم رجال ونحن رجال ـ يقصد فقهاء الأمة ـ نتعلم منهم ولا نقتدي بهم»(5).

■القيم من وجهة نظر العلمانيين:

القيم عند العلمانيين تقوم على مبدأ «الحرية"فكل فرد تكفل له الحرية القيام بأي شيء يحقق أهدافه بغض النظر عن الاعتراضات على ما يقوم به من أفعال.

أما الجائز وغير الجائز فيتم تحديده من خلال مبدأ «نسبية القيم» وهذا المبدأ له عدة ركائز أو خصائص:

أولاً: النسبية المكانية للقيم: «لما كان لكل ثقافة معاييرها الخاصة بها فإن «المــرغــوب فيه"يختلف تبعًا لذلك من ثقافة إلى ثقافة، ومن ثم تختلف القيم من ثقافة إلى ثقافة»(6).

معلوم أن العلمانية تطرح لنا الثقافة الغربية بكل ما فيها من مضامين، ومن ثم فإن الحلال والحرام عندهم بمنظور الثقافة الغربية؛ بمعنى لا قيمه له. فما هو الواقع؟ الإجابة يقدمها د. إبراهيم الخولي الذي يقول: «المجتمع العلماني نفض يده من الالتزام بحلال أو حرام نفضًا كاملاً من نقطة البدء الأولى على مستوى النظم والشعوب السابق في كتابه (الانهيار): «نحن أصبحنا مجتمع إباحة الاستباحة، الفرد في الولايات المتحدة استباح كل شيء ولم يعد في قاموسه كلمة حرام أو محرم، بهذا لا تستقيم حضارة ولا تستمر. السفينة كلها تغرق ولا يملك أحد إنقاذها! وإنقاذها مرهون بالعودة إلى الدين والأخلاق!(7)... يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) فوزي محمد طايل: كيف نفكر استراتيجيًّا، مركز الإعلام العربي، القاهرة 1997، ص 30 ـ 31.

(2) محمد محمود ربيع (محرر) وآخرون «موسوعة العلوم السياسية «جامعة الكويت، 298.

(3) المرجع السابق، ص 298.

(4) نشأت عبد الفتاح: اليوتوبيا والجحيم، المركز القبطي للدراسات الاجتماعية، ص 79.

(5) حسن حنفي، محمد عابد الجابري: حوار المشرق والمغرب، دار توبقال للنشر، المغرب، 1990، ص 43 ـ 45.

(6) فوزية دياب: القيم والعادات الاجتماعية، مكتبة الأسرة، القاهرة 2003، ص 61.

(7) ندوة العلمانية والفن: الحلقة الثانية. مجلة البيان العدد 162.
التعديل الأخير تم بواسطة بويدي ; 21-02-2007 الساعة 12:57 AM