ناجون من المحرقة بتبسة/ الجاني رشّ علينا البنزين وأراد حرقنا داخل المسجد
15-04-2017, 09:12 PM


ب. دريد / ب. عيسى / ط. حليسي


لا حديث في ولاية تبسة، إلا عن الجريمة النكراء، التي طالت مسجد عمر بن الخطاب، ببلدية بجن، الذي تعرض للحرق برواده من المصلين، من طرف أحد المنحرفين، فقد ندّد نهار السبت، مجموعة من الأئمة والشخصيات الدينية بتبسة، بالعمل الإجرامي الذي قام به أحد شباب البلدية، بإقدامه أثناء صلاة الجمعة، على إضرام النار بقاعة صلاة مسجد عمر بن الخطاب ببلدية بجن المجاورة لمدينة الشريعة، 80 كيلومترا غرب تبسة، حينما كان الإمام على المنبر في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة.
تسبب الحادث في إصابة أكثر من 20 شخصا بحروق متفاوتة الخطورة، أخطرها إصابة الطفل س.ع البالغ من العمر 15 سنة، ورئيس المجلس الشعبي البلدي المنتمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي عبد السلام ملال، وهو الضحية الذي كان قريبا من الفاعل في الصفوف الأخيرة من الجامع، أثناء سكب البنزين وإضرام النار، حتى اعتقد الكثير، أن الفاعل كان يقصد شخص رئيس البلدية، لعلاقاته السيئة مع كل رؤساء البلديات، الذين قاموا تسيير البلدية، بعد أن ظل طوال سنوات يطلب شغلا مرة، أو بناء ريفيا مرة أخرى، ولا ينال مراده، وقد سجلت المصالح المختصة العلاقة المتردّية بين الجاني ورؤساء البلديات، إذ أنه ذات مرة اعتدى على رئيس بلدية سابق ينتمي لجبهة التحرير الوطني بخنجر، وأدين على مستوى محكمة تبسة، بسنتين حبسا نافذا، بالإضافة إلى السب والشتم الذي كان يقذف بهما الأميار والمسؤولين في بلديته.
لكن كل الذين التقت بهم "الشروق" في مكان الحادث، من أهل بجن، نفوا أن يكون المتهم قصد رئيس البلدية شخصيا، لأن رئيس البلدية لو كان هو المقصود لارتكب عليه الجرم بمقر البلدية، أو في الشارع، أو في أي مكان آخر، بحكم أن رئيس البلدية شخصية اجتماعية، ودائم الحركة، والوصول إليه سهل المنال، حسب المواطنين، وعليه فإن الأمر لا يعدو أن يكون إجراميا معزولا أو انتقاميا من شخص آخر، ولا صلة له بالسياسة أو باعتقاد ديني، أو طائفي، مع التذكير أن مصالح الأمن رفضت إعطاءنا أي معلومة بسبب سيرورة وسرية التحقيق.

من هو نور الدين محرق الجامع بمن فيه؟
"الشروق" في بلدة بجن الفقيرة، سألت عن هوية الجاني، وسيرته الذاتية، فعلمنا أن اسمه هو "خ. نور الدين" وهو شاب بطال في الخامسة والعشرين من العمر لا يشتغل إلا نادرا كعامل يومي، وأعزب ويعيش رفقة والديه في كوخ في أوضاع اجتماعية متدهورة، وسلوكاته غير سوية، بدليل أنه توبع خمس مرات في قضايا الاعتداء العنيف والمهلوسات، حيث دخل مؤسسة إعادة التربية 3 مرات وتوبع بالسجن غير النافذ مرتين، وقال بعض سكان البلدة إنه أراد أن ينتقم من كل أفراد المجتمع، ولم يجد من مكان أفضل من تجمعهم في المسجد، وإنه لم يكن في تلك الأثناء في كامل وعيه، بدليل كما قال أحد المصلين، أن من بين المصابين، أفراد من أسرة الجاني نفسه، وهم من تمكنوا من توقيفه وتسليمه إلى عناصر الفرقة الإقليمية للدرك الوطني.
من جهته، أحد ممثلي المجتمع المدني بالمنطقة، قال: "نتمنى ألا تأخذ هذه الحادثة، بُعدا قبليا، وتفسر بأنها حدثت بسبب تهميش أقارب الجاني، من مختلف الاستفادات التي حصلت عليها البلدية". وفي سياق متصل بالحادثة قام ليلة أول أمس العشرات من المواطنين بعملية تنظيف المسجد، وإخراج كل الأفرشة التي أتلفت، وقد تعهد أحد الأثرياء باقتناء أفرشة للمسجد من النوعية الجيدة، كما انطلق شباب المسجد في حملة لجمع إعانات لطلاء المسجد وتهيئة ساحته الداخلية والخارجية.

"الجاني قذفنا بدلو مشتعل والإمام قفز من المنبر"



تنقلت "الشروق" صباح السبت، إلى مركز الحروق بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، حيث تم تحويل ثلاثة من المصابين إلى قسنطينة، وهم طفل في العاشرة من العمر ورجلان في الـ36 و42 من العمر، كانوا يتابعون الخطبة الثانية من صلاة الجمعة، عندما قذفهم الجاني بالبنزين والنار، وحروق الجميع من الدرجة الثالثة.
وبينما تعذر على الطفل كتيب مناصري، المصدوم والمحروق بدرجة خطيرة الحديث إلا بالإشارة بأصابع يديه للشروق اليومي، روى فريد مناصري ما حدث بالتفصيل: "توجّهت إلى الجامع كعادتي رفقة أبنائي الثلاثة، وهم عدي ولؤي وكتيب، وكنا نتابع الخطبة الثانية التي كان يتحدث فيها الإمام عن التكافل الاجتماعي، عندما تسلل إلى المسجد الجاني، من الباب الخلفي للمسجد الذي يعاكس اتجاه القبلة، ويقابل المنبر وكان يحمل هراوة طويلة، وضعها جانبا وحمل دلوا كبيرا جدا من البنزين، وصب جزءا منه على الزرابي، وصب البقية على أجساد المصلين وأشعل النار، وهنا قفز الإمام من المنبر وفرّ، ولحقه الجميع وسط صراخ وعويل لأجد نفسي رفقة ابني كتيب في مستشفى ابن باديس بقسنطينة، وقد علمت أن ابنيَ لؤي وعدي، تم نقلهما إلى مستشفى مسكيانة بولاية أم البواقي.
أما السيد الهاشمي من أبناء بجن، فوصف ما حدث بالكارثة، وقال بالحرف الواحد: "ننتظر بشغف يوم الجمعة لتعلم الدين، ونتجه إلى المسجد لأنه المكان الآمن، ولم نكن نتصور أن تحدث المحرقة في بيت من بيوت الله"، أما مدير مستشفى قسنطينة السيد كمال بن يسعد، فقال للشروق اليومي إن مصالحه أعلنت الطوارئ الصحية، وجهزت طاقما طبيا خاصا لمساعدة المصابين من الجانبين الطبي والنفسي، ووصف حالة المصابين بالمتحسنة مع مرور الساعات، بعد أن كانت في منتهى الخطورة عندما تم تحويلهم إلى مستشفى قسنطينة الجامعي.

أهالي المصابين يحتجون بمستشفى خنشلة
ما يزال ستة أشخاص، من بينهم طفلان، يرقدون في حالة غيبوبة في مستشفى بن بلة بخنشلة، في الوقت الذي تم وضع سبعة آخرين تحت الرعاية الطبية، من أصل 21 مصابا بحروق في حادثة مسجد الفاروق بولاية تبسة استقبلتهم خنشلة التي لا تبد عن بلدة بجن إلا بـ 35 كلم، تم تحويل البعض منهم إلى مستشفيي قسنطينة وباتنة الجامعيين.
وقد لاحظنا تضامنا كبيرا من أهل خنشلة مع المصابين من خلال عمليات التبرع بالدم كما تنقلت سلطات الولاية، من وال، ورؤساء دائرتي خنشلة وعين الطويلة، وأعضاء اللجنة الأمنية، إلى المستشفى، وهو ما أثر في أهالي الضحايا، الذين نظموا وقفة احتجاجية قرب المستشفى، عبروا خلالها عن استيائهم من غياب سلطات تبسة عن الحدث كما قالوا.

"مير" بجن: سبق أن ساعدت الجاني!
استقبلت مصلحة الإنعاش بمستشفى باتنة الجامعي، 9 مصابين بحروق من الدرجتين الثانية والثالثة إثر تعرضهم لحرق بالبنزين، خمس دقائق بعد بداية خطبة صلاة الجمعة الثانية، داخل مسجد بولاية تبسة، بينهم طفل صغير لا يتعدى سنه الثلاث سنوات، وكهل وصفت حالته بالخطيرة لإصابته بحروق من الدرجة الثالثة.
ويوجد بين المصابين عبد السلام ملال، رئيس بلدية بجن بولاية تبسة على الحدود مع ولاية خنشلة، الذي أصيب بحروق من الدرجة الثالثة، في الوجه واليدين لكن وضعيته مستقرة حسب الأطباء المعالجين. وروى رئيس البلدية بصعوبة للشروق اليومي تفاصيل ما حدث وتقطع في الكلمات، تلك المأساة، بقوله أن الشخص الذي ارتكب الكارثة معروف ومسبوق قضائيا وسبق له مساعدته عدة مرات، دخل المسجد حاملا معه دلوا ومجرفة للتمويه في صورة بناء أو دهان قبل أن يقوم بإشعال النار بالمادة المحرقة داخل الدلو ويفرغه مشتعلا على المصلين، في مشهد مهول لم يسبق مشاهدته، حيث اندلعت ألسنة اللهب في أجساد المصلين الذين صرخوا وهرولوا في كل الاتجاهات من هول الصدمة طالبين النجدة، في حين ظن آخرون أن الأمر متعلق بإلقاء قنبلة أو عمل إرهابي، بعد تصاعد اللهب، ولم يؤكد رئيس البلدية إن كان الشخص كان يقصده هو بصفة شخصية في إشارة إلى ما تداولته صفحات فايسبوك بتعمده ذلك جراء مشكلة سكن. وكان عدد كبير من المواطنين القادمين من بلدية بجن احتشدوا قبالة المستشفى للاطمئنان على ذويهم.

جنايتا الحرق العمدي ومحاولة القتل.. تؤديان إلى الإعدام!
لم يتوقف التنديد بجريمة جامع عمر بن الخطاب ببجن بولاية تبسة، عند جموع المصلين، والمواطنين، والأئمة، بل تعداه إلى جميع فئات المجتمع، ومنهم رجال القانون، الذين اعتبروا الجريمة من النوع الخطير، حيث دمجت بين جنايتين، كل منهما أخطر من الأخرى على حد تعبير أحد المحامين وتؤدي كل واحدة منهما إلى الإعدام حسب قانون العقوبات الجزائري، فجريمة الحرق العمدي لمكان مسكون فما بالك أن يكون مسجدا، وحدها كفيلة بإدانة مرتكبها بالإعدام، فما بالك إذا كانت مقترنة بمحاولة القتل العمدي، الذي طال العشرات من الأشخاص، داخل بيت آمن من بيوت الله.