هام: كيف نستقبل رمضان؟
04-06-2016, 04:16 PM
هام:كيف نستقبل رمضان؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد : ــ


قال الله - تعالى - :[شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ].
أحمد الله – تبارك وتعالى - الذي هيأ لنا نفحاتٍ إيمانية، بمناسباتٍ طيبةٍ تصقل فيها القلوب، وتتهذب فيها النفوس، ويتجدد بها الإيمان، فاختار من الشهور شهر رمضان، ومن الأيام، الأيام العشر من ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، واختصـّها بكراماتٍ وفضائلَ ينبغي أن يُراعي فيها المؤمن شرف الزمان، وشرف المكان.
ومن فضل الله – تعالى - ورحمته بعباده: أن جعل من هذه المناسبات مواقف مخصوصةٍ لتكون بمثابة إشاراتٍ ضوئية، تُنذر المسافرين المتهوّرين في رحلة العمر، وتذكرهم بتصحيح المسار، والعودة إلى العظيم الجبار " الله - تبارك وتعالى -.
فكم من غافلٍ أو مقصرٍ أو عاصٍ شعر بشؤم معصيته، فوقف وقفة محاسبةٍ للنفس، وغسل قلبه بدموع الندم والتوبة، وشحَنـَـه بنور الإيمان، وعقد العزم على الرشد واتباع هدي الرحمن.
إنها وقفــات !!، بل منارات على الطريق !!: للتفكر، والتدبر، ومراجعة النفس، والاستدراك واسترداد الأنفاس.
يقف المؤمن عندها، فيتهيأ فيها لمواصلة المسير، ويتزود بالتزوّد الإيماني، معظماً لشعائر الله – تبارك وتعالى -، راجياً رحمته، ومغفرته، ورضاه – سبحانه -، ومستحيياً من التقصير في حقه.
ومن جليل هذه المناسبات وعظيمها:" شهر رمضان "، فهو شهر جعله الله - تعالى - كالغرّةِ البيضاء في جبينِ السنة الهجرية، وكالدرّةِ السنيّة في عِقدِ الشهور العربية.
إنه شهر الفتح المبين، وله شأن عظيم في قلوب المسلمين، اختاره الله - تبارك وتعالى - شهراً مباركا، وجعل صيامه ركناً من أركان الإسلام.
شهر كله نور و فيه نزل النور، نزلت فيه الكتب السماوية من قبل، فعن واثلة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لستّ مضت من رمضان، وأنزلَ الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان".[صحيح الجامع: 1497].
نزل فيه [ القرآن الكريم ]، كتاب أنزله الله – تعالى - بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، ناسخاً لما قبله من الشرائع، فلا حلالَ إلا ما أحلـّه، ولا حرامَ إلا ما حرّمه، ولا دينَ إلا ما شرّعه، وكل ما أخبرَ به، وصحّ عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - صِدْقٌ وَحَقّ وَعَدْل، " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ".
كتابٌ أحكمت آياته من لدن حكيم خبير، لا يأتيه الباطل من بين يديهِ ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميد، من تمسّـك به نجا، ومن اتبع هداهُ اهتدى، ومن أعرض عنه وقعَ في الهلاك والردى.
قال الله - تعالى -:[ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۞ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى].
فيا لفرحةَ الناجين، ويا لشقاءِ المُعْرضينَ الهالكين !!؟.
قريباً إن شاء الله - تعالى - يَحلّ بنا شهر رمضان ضيفاً عزيزا، وشهراً مباركاً امتنّ الله – تعالى – به على هذه الأمة، وأكرمها بمزيدٍ من العطايا والهبات، لما له من خصائصَ وميّـزات.
ففيه تغلق أبواب النار، وتفتحُ أبواب الجنات، وتصفـّد الشياطين مردة الجن، وتتنزل الرحمات، وتغفر الزلاّت، وترفع الدرجات، وتزداد الطاعات، ولله فيه عتقــــــاء من النار، وذلك كل ليلة.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفـّدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشرّ أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة". [صحيح الجامع: 759].
وروى الإمام أحمد والبيهقي عن رجل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب السعير، وتصفـّد فيه الشياطين، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير هلمّ، ويا باغي الشرّ أقصر". [صحيح الجامع: 3519].
هـــــا هو ذا يهلّ علينا بعد مُضيّ عام رتيب، وبعد طول انتظار وشوق، فيـــــا باغي الخير هلم ّ ... إنها دعوة من الله - تبارك وتعالى - : يــــــا باغي الخير أقبل ... هَلُمّ.
هـَـلمّ إلى شهرٍ مبارك ... وأيامٍ مباركة، فيها نفحاتٍ ربانية.
هلمّ إلى فرص إيمانية، ومواسم خيرٍ وبركة ومغفرة، وعتقٍ من النار، هـَــلمّ إلى ميدانٍ يتنافسُ فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ليكن شهر مغنمٍ وأرباح، وتزوّدٍ إيماني لنيل رحمة الله – تعالى - ومغفرته، وسبباً للوصول إلى رضوانه وجنانه.
وهنيئاً لمن أجاب الداعي وأقبل على الله – تعالى -، فاستغفر وتاب وأناب، وتعساً لمن أعرضَ ونآى بجانبه، فأبْعِدَ عن الباب !! .
فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إن في الجنـــــــة باباً يُقالُ له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإن دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد". [متفق عليه].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من صام رمضان إيماناً واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه". [متفق عليه].
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".[متفق عليه].
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".[رواه البخاري] .

وها نحن نفرح بقدومه، فالحمد لله نحمده - سبحانه -، ونسأل الله – تعالى - أن يبلغنا صيامه وقيامه، ويجعلنا وإياكم من عتقائه.
فكيف نستقبله ضيفا عزيزا ... كيف نستقبله استقبالا يليق به وبقدره!!؟.

1 : ــ ما أجمل أن نستشعر نبضات التوحيد، مستقرة في أعماق القلوب، دالة على العقيدة السليمة الصافية الخالية من آثار الشرك، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلال يدعو:" اللهم أهلهّ علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله".[صحيح الجامع: 4726].
[ ربي وربك الله ]: أنا مخلوق والهلال مخلوق، والله - تعالى - ربنا جميعاً لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعا، ولا رزقاً ولا تدبيرا، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.
[ ربي وربك الله ]: إقرار بتوحيد الله - تبارك وتعالى - بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، برضاً تام، وتسليمٍ تام، واعترافٍ بالعجز إلا أن يتداركنا الله - سبحانه - برحمةٍ منه، إذ لا حول ولا قوة لنا إلا بالله.
فمن كان يؤمن ويعتقد بأن للنجوم والكواكب، أو للشمس والقمر وغيرها، تأثيرٌ في مطرٍ أو غنى وفقرٍ، أو موتٍ و حياةٍ، أو سعادة و شقاء، أو خير أو شر. أو من كان يعبدها من دون الله - تعالى، فليتدارك نفسه، وليتوب وليستغفر الله، وليستهل شهرَه بكمال التوحيد لله - عز وجل -، وطهارة القلب بالإيمان بالله، والبراءة الحاسمة من الشرك والكفر والعصيان.
أسأل الله - تعالى - أن يجعله شهر خيرٍ وَيُمْنٍ وبركة، يعزّ فيه الإسلام والمسلمين، ويذل فيه الشرك والمشركين وأعداء الدين.

2: ــ الفرح والاغتباط بإدراك مواسم الخيرات، وحمد الله - تبارك وتعالى - وشكره على عموم نعمه التي امتن بها علينا: كنعمة الإسلام، ونعمة الكتاب والسنة، ونعمة الهداية، ونعمة الصحة العافية، ونعمة الأمن والأمان.
قال الله – تعالى –:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۞ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ].
" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ": هذا هو الفرح الحقيقي: أن نكون مع الله – جلّ في علاه - فيما يحبه ويرضاه، فكم مِـن غنيٍ لم ينفعه غناه، بابتلاع لقمةٍ أو حتى بتصريفها!!؟.
ما أجمل أن نتذكر نعمة العافية، ولنشكر الله - تعالى - عليها.
ما أجمل أن نتذكر إذا شعرنا بالجوع أو العطش: أخوة لنا مسلمين مبتلين، مضطهدين، محرومين في شتى بقاع الأرض، لا وطن لهم، ولا غذاء، ولا كساء، يعانون مرارة الحرمان، وألم الجوع، والقتل والتشريد، ولنحمد الله على نعمة العافية والأمن والأمان.
ولنتفكر ملياً بأي حال يستقبلون هذا الشهر المبارك، فلا ننساهم على الأقلّ من دعاء.
ولنحمد الله – تعالى - الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا وجعلنا مسلمين، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي.
أختـــــــاه ! يا من أنعم الله عليك من فضله ! هيــّـــا بنا نشكر الله - تعالى - على عموم نعمه ولا ننكرها، ولنحمد الله - تعالى - عليها فلا نكفرها ... لنحَضـّر ما يكفينا وعائلاتنا من طعامٍ وشراب، فإن زاد عن حاجتنا شيء فبإمكاننا الاستفادة منه في اليوم التالي، أو لنحتسب الأجر بالتصدق فيه لأكباد محرومة جوعى تشتهيه، ولا نستهين به فنـلقيه، ولنتذكر قول الله - تعالى - :[ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ].
وإياك إياك أختاه ! أن تكوني من المسرفين ... من المبذرين، إياك ... إياك أن تكوني من إخوان الشياطين.
قال الله - تعالى -:[ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۞ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا].

3.العزم على التغيير إلى الأفضل في هذا الشهر المبارك، وذلك بالتآلف، وتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد، وجمع الهمم، وترك التراخي والكسل، لتحقيق الغاية المرجوة - بإذن الله تعالى - من هذه العبادة العظيمة، إذ أن هذا الشهر كان نقطة تَحَوّل وانطلاق للمسلمين، حقق فيه الرعيل الأول بصبر، وعزم، وجد، وثبات انتصارات فريدة في مواقعَ عديدة، فكانت الغلبة لهم في غزوة بدر، وفتح مكة، ومعركة حطين، وعين جالوت، وغيرها.
والله - تعالى – يقول:[ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال].
فما أحرانا ونحن نعيشُ مرحلةً حالكةً صعبةً من حياتنا، أن نقتدي بهديهم ونتبع خطاهم وذلك بما يلي : ــ

1. تحقيق المقصد الشرعي من الصوم، بأداء فريضةِ الصوم طاعةً لله - تبارك وتعالى - وصيانتَهُ بالإخلاص، وَحُسنِ الإتباع، وإحياءِ السنن، ونبذ البدع : وذلك بمعرفة آدابه وأحكامه، إذ أن الصيام فيه ضبط للنفس على مرادِ الشارع الحكيم، وحبسها عن الشهوات، وفطامِها عن المألوفات الطبيعية المباحة من طعام، وشراب، وجماع من الفجر إلى الليل، طاعةً لله - تعالى - بنيـةِ التعبد، بعيداً عن الرياء، والتقليد الأعمى، واتباع الأهواء.

2. مراعاة المواقيت الفاضلة الخاصة بالشهر المبارك : كرؤية الهلال، والإفطار، والإمساك، والدعاء عند الإفطار، وتحري ليلة القدر في العشر الأواخر من الشهر، وعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وزكاة الفطر، وصلاة العيد، والعيد، وما في كل ذلك من هدي وآداب.
وبذلك يستشعر العبد راحة النفس في كل لحظة من الشهر المبارك، وعظم الأجر في عبوديتة لله - تبارك وتعالى – على مراده، ومراقبته له - سبحانه - في كل أحواله.

3. تحقيق التميّز والعزة للمؤمن : وذلك بأن يكون له شخصية ينطلق بها من خلال مبادئ وشعائر الإسلام الحنيف، دقها وجلَـّها، وهذا يتطلّب منه معرفة بها، لئلا يكون إمـّـعَة، يُحسن إن أحسن الناس، ويُسيء إذا أساؤوا، بل يجب أن يعبد الله على بصيرة، وأن تكون لديه شخصيةٌ مستقلةٌ مميزةٌ يخالف بها الكفار، وأهل الأهواء، وأئمة الضلال والبدع، طاعةً لله - تبارك وتعالى -، واتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بـ :

1/ 3. الحرص على تناول السحور الذي يميـّـز صيامنا عن صيام أهل الكتاب : فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر".رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" السحور كلـّهُ بركة فلا تدَعوهُ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ًمن ماء، فإن الله - عز وجل -، وملائكته، يصلـّـون على المتسحرين".[صحيح الترغيب: 1507].

2/ 3. تتحقق حكمة الصيام العليا بتحقيق ملكة التقوى، وتتقوى الإرادة على ترك الشهوات المباحة، والصبر عليها: طاعة ً لله – تبارك وتعالى -، وتتعوّد النفس على فطامها، وتركها لما هو محرم، وما هو مكروه وذلك من باب أولى، كالزنا والربا، والقتل، والسرقة، أكل أموال الناس بالباطل، والعقوق، والكذب، والظلم، وخاصة ظلم العبد لنفسه بالشرك والكفر، وغيرها من الكبائر.
فمن كان صائماً حَقاً صام عن محارم الله - تبارك وتعالى -، وتذكـّـر أنه في عبوديةٍ ومراقبةٍ لله - جل وعلا - فحفظ قلبه، ومنع جوارحه من انتهاك حدود الله - تبارك وتعالى -، فكف الأذى، وردّ الحقوق إلى أصحابها.
قال الله - تعالى -:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]، إنها التقوى، إنها خير زاد، قال الله - تعالى - :[ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ].

3/ 3. تحقيق الغاية المرجوة من آثار الصيام الحسية والمعنوية على الفرد والمجتمع المسلم، إذ أن في الصيام تهذيب للنفس يسمو بها إلى الكمال، وحسن الخلق، والترفّع عما يشين، ليكون المؤمن قدوة صالحة في نفسه لأبنائه ومن حوله، وذلك بالتواصل والتضامن، والمودة والإخاء، والمحبة والعطاء، والطهر والنقاء، نقاء السريرة، بتطهير القلب من الحقد والحسد والغيرة والبغضاء، والبعد عن تتبع العثرات، وتصيـّد الزلات والأخطاء، فكل ابن آدم خطاء.
جاء رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ليُتمّمَ مكارمَ الأخلاق، وصفات الكمال وحثنا عليها، وأمرنا بها ليميز الله – تبارك وتعالى - الخبيث من الطيب. ليميز من كان عابداً خالصاً لله، ممن كان عابداً لهواه، فلا ينبغي أن يمنعه صيامَه وجوعَه وعطشَهُ مِن أن يتصف بمكارم الأخلاق.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله - تعالى -:" كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، وإن سابّـهُ أحدٌ أو قاتلهُ فليقل : إني امرؤٌ صائم، والذي نفسُ محمدٍ بيده لخلوفُ فمِ الصائم عند الله أطيبُ من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".[متفق عليه].
وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". [صحيح الجامع: 6539].
وعن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" رُبّ قائمٍ حظهُ من قيامه السّهَر، وَرُبّ صائِمٍ حَظهُ مِن صِيامِهِ الجوعُ والعَطش".[صحيح الجامع: 3490].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّـك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم إني صائم".[صحيح الجامع: 5376].
للأسف: جَهـِـل البعضُ حقيقة الصيام، فتركوه بالكلية، وبتركه نقضوا ركناً من أركان الإسلام.
واقتصر آخرون على تركِ الطعام والشراب فقط ، ولم يردعهم عن فعل المعاصي والمنكرات.
ويرى آخرون في الصيام، عادات وتقاليد متوارثة، محدودة الأثر، هَمـّــهُم منها فقط : التسوّق، والولائم، والتفنّن بإعداد المأكولات، والحلويات.
أضف إلى ذلك من المُستَجدات : إعداد الزينة الخاصة برمضان، والخيم الرمضانية، ناهيك عما يُعرض في المقاهي على حوافّ الطرقات، من سهرات طرب ولهوٍ، وما يُعَــــدّ خصيصاً لرمضان من تمثيليات هازلة، وأفلام ساقطة، وبرامج هابطة لتسلية الصائمين والصائمات ــ زعموا ــ، يربأ المؤمن بنفسه أن يشاهدها في غير رمضان، فكيف بشهر البر والإحسان!!؟.
وما علموا أنهم ــ للأسف ــ يستخفّون بعقول مشاهديها، وإذا بأيام رمضان ولياليه مرّت سراعاً، وأوقاته ضُيعَتْ هدراً وإذا بفُرَصٍ سَنَحَتْ لا يُحرَمْها إلا محروم .

4. استثمار الأيّام والليالي في الصلاح والإصلاح قدر الاستطاعة، إذ أن في رمضان فرصٌ ثمينةٌ: قد لا تُعَوّض، فينبغي مجاهدة النفس فيها والشيطان، والمسارعة إلى اغتنام أيامه بالصيام، ولياليه بالقيام، وأن يعمرها بأنواع البر والإحسان، والطاعة، وصلة الرحم، وقراءة القرآن الكريم، والاعتمار، والاعتكاف، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحرص على طلب العلم الشرعي من مظانـّه، والتحلق حول العلماء في مجالس الذكر.

5. التفكّــــر في آيات الله الكونية، في عظيم خلقه، وبديع صنعه، فتقلـّـب الليل والنهار: يدلّ على أن هذه الحياة الدنيا ليست بدار قرار، وانتظار الشهر المبارك، وسرعة رحيله: إيذان بسرعة رحيل هذه الأجساد.
فطوبى لمن اتــّــعَظَ بما في هذه الآيات من أحوال وأطوار، واستدلّ بتقلباتها على ما فيها من حكم بالغة وأسرار، فسارَعَ إلى صالح الأعمال، وبادَرَ إلى التوبة، والإنابة، وأقلَعَ عن الذنوب والمعاصي، وسابَقَ إلى الخيرات بإذن الله – تعالى -، وسارَعَ إلى النـّـدم على ما فات، وتنظيم الأوقات قبل الفوات.
أختــــــاه: تذكري الموت وحلول الأجل وانقطاع العمل، تذكري يوم القيامة، وأهوال يوم القيامة، وظمأ يوم القيامة، والشمس تدنو فوق الرؤوس، والعرق على قدر العمل، فمنهم من يلجمه إلجاما، ومنهم ما دون ذلك، وأعدي العدّة ليوم يجعل الله فيه الولدان شيبا.
أسأل لله تعالى: أن يظلنا وإياكم بظلـّـه يوم لا ظل إلا ظلـّـه.
أختــــــاه: يا من تنامين النهار، فيذهب هدرا، وتحيين الليل بلا منفعةٍ ولا أجرٍ ولا ذكر سهرا، ها هو قد أظلـّـنا شهر مغنم وأرباح يزداد فيه الإيمان، وتفتح فيه أبواب الجنان، أذكرك ونفسي بقول الله - تعالى -:[ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ].
فشتـــّـــان شتـــّــــان !! شتـــّـــان بين من يعضّ أصابع الندم حين لا ينفع الندم، وبين من:[ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۞ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ].
أسأل الله - تعالى - أن يجعلنا وإياكم جميعا منهم، وأن يحشرنا معهم، وأن يبلغنا صيام هذا الشهر المبارك وقيامه، ويجعلنا جميعا من عتقائه، إنه وليّ ذلك والقادر عليه

من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى - .
بقلم وتقديم : أم عبدالله نجلاء الصالح.
جزاها الله خير الجزاء.