الشفعة
14-03-2017, 11:30 AM
الشفعة
تعريفها:
الشفعة مأخوذة من الشفع وهو الضم، وقد كانت معروفة عند العرب فإن الرجل في الجاهلية إذا أراد بيع منزل أو حائط أتاه الجار والشريك والصاحب يشفع إليه فيما باع فيشفعه ويجعله أولى به ممن بعد منه، فسميت شفعة، وسمي طالبها شفيعا.
والمقصود بها في الشرع: تملك المشفوع فيه جبرا عن المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات.
.مشروعيتها:
والشفعة ثابتة بالسنة، واتفق المسلمون على أنها مشروعة.
روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم، «قضى في الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطريق فلا شفعة».
.حكمتها:
وقد شرع الإسلام الشفعة ليمنع الضرر ويدفع الخصومة، لأن حق تملك الشفيع للمبيع الذي اشتراه أجنبي يدفع عنه ما قد يحدث له من ضرر ينزل به من هذا الاجنبي الطارئ.
واختار الشافعي أن الضرر هو ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق وغيرها.
وقيل: ضرر سوء المشاركة.
.الشفعة للذمي:
وكما تثبت الشفعة للمسلم فإنها للذمي عند جمهور الفقهاء.
وقال أحمد والحسن والشعبي: لا تثبت للذمي، لما رواه الدارقطني عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لاشفعة لنصراني».
.استئذان الشريك في البيع:
ويجب على الشريك أن يستأذن شريكه قبل البيع فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به، وإن أذن في البيع وقال: لاغرض لي فيه، لم يكن له الطلب بعد البيع.
هذا مقتضى حكم رسول الله، ولا معارض له بوجه.
1- وروى مسلم عن جابر قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به».
2- وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له شرك في نخل أو ربعة فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ وإن كره ترك» رواه يحيى بن آدم عن زهير عن أبي الزبير وإسناده على شرط مسلم.
قال ابن حزم: لا يحل لمن له ذلك أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه، فإن أراد من يشركه فيه الاخذ له بما أعطى فيه غيره فالشريك أحق به، وإن لم يرد فقد سقط حقه، ولاقيام له بعد ذلك إذا باعه ممن باعه.
فإن لم يعرض عليه، كما ذكرنا، حتى باعه من غير من يشركه فيه فمن يشركه مخير بين أن يمضي ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به.
وقال ابن القيم: وهذا مقتضى حكم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا معارض له بوجه، وهو الصواب المقطوع به.
وذهب بعض العلماء ومنهم الشافعية إلى أن الأمر محمول على الاستحباب.
قال النووي: هو محمول عند أصحابنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه وليس بحرام.
.الاحتيال لإسقاط الشفعة:
ولا يجوز الاحتيال لاسقاط الشفعة، لأن في ذلك إبطال حق المسلم، لما روي عن أبي هريرة مرفوعا: «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل».
وهذا مذهب مالك وأحمد، ويرى أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز الاحتيال.
والاحتيال لاسقاط الشفعة مثل أن يقر له ببعض المالك فيصبح بهذا الاقرار شريكا له، ثم يبيعه الباقي أو يهبه له.
.شروط الشفعة:
يشترط للأخذ بالشفعة الشروط الآتية:
.أولا: أن يكون المشفوع فيه عقارا كالأرض والدور:
وما يتصل بها اتصال قرار، كالغراس والبناء والابواب والرفوف، وكل ما يدخل في البيع عند الاطلاق، لما تقدم عن جابر رضي الله عنه قال: قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة أو حائط.
وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء، وخالف في ذلك أهل مكة والظاهرية، ورواية عن أحمد، وقالوا: إن الشفعة في كل شئ، لأن الضرر الذي قد يحدث للشريك في العقار قد يحدث أيضا للشريك في المنقول، ولما قاله جابر قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شئ».
قال ابن القيم: ورواة هذا الحديث ثقات، ولحديث ابن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الشفعة في كل شئ» ورجاله ثقات إلا أنه أعل بالارسال، وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس به، وقد انتصر لهذا ابن حزم فقال: «الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم، بى اثنين فصاعدا، من أي شيء كان مما ينقسم أولا: من أرض أو شجرة واحدة فأكثر، أو عبد أو أمة، أم من سيف أو من طعام أو من حيوان أو من أي شيء بيع».
.ثانيا: أن يكون الشفيع شريكا في المشفوع فيه:
وأن تكون الشركة متقدمة على البيع، وأن لا يتميز نصيب كل واحد من الشريكين، بل تكون الشركة على الشيوع.
فعن جابر رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» رواه الخمسة.
أي أن الشفعة ثابتة في كل مشترك مشاع قابل للقسمة، فإذا قسم وظهرت الحدود ورسمت الطرق بينهما فلاشفعة.
وإذا كانت الشفعة تثبت للشريك فإنها تثبت فيما يقبل القسمة، ويجبر الشريك فيها على القسمة بشرط أن ينتفع بالمقسوم على الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، ولهذا لا تثبت الشفعة في الشئ الذي لو قسم لبطلت منفعته، قال في المنهاج: وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة كحمام ورحى لاشفعة فيه على الأصح.
وروى مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب «أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلاشفعة».
وهذا مذهب علي وعثمان وعمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والشافعي والاوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن والإمامية.
قال في شرح السنة: اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الربع المنقسم إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة، فللباقين أخذه بالشفعة بمثل الثمن الذي وقع عليه البيع وإن باع بشيء متقوم من ثوب فيأخذ بقيمته انتهى.
وأما الجار فإنه لاحق له في الشفعة عندهم.
وخالف في ذلك الأحناف فقالوا: إن الشفعة مرتبة: فهي تثبت للشريك الذي لم يقاسم أولا، ثم يليه الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة، ثم الجار الملاصق.
ومن العلماء من توسط فأثبتها عند الاشتراك في حق من حقوق الملك، كالطريق والماء ونحوه، ونفاها عند تميز كل ملك بطريق حيث لا يكون بين الملاك اشتراك، واستدل لهذا بما رواه أصحاب السنن بإسناده صحيح عن جابر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا».
قال ابن القيم: وعلى هذا القول تدل أحاديث جابر منطوقها ومفهومها ويزول عنها القضاء والاختلاف.
قال: والاقوال الثلاثة في مذهب أحمد، وأعدلها واحسنها هذا القول الثالث انتهى.
ثالثا: أن يخرج المشفوع فيه من ملك صاحبه بعوض مالي:
بأن يكون مبيعا أو يكون في معنى المبيع، كصلح عن إقرار بمال، أو عن جناية توجبه أو هبة ببيع بعوض معلوم لأنه بيع في الحقيقة.
فلاشفعة فيما انتقل عنه ملكه بغير بيع كمر هوب بغير عوض وموصى به وموروث.
وفي بداية المجتهد: واختلف في الشفعة في المساقاة، وهي تبديل أرض بأرض، فعن مالك في ذلك ثلاث روايات: الجواز والمنع والثالث أن تكون المناقلة بين الاشراك أو الاجانب، فلم يرها في الاشراك ورآها في الاجانب.
.رابعا: أن يطلب الشفيع على الفور:
أي أن الشفيع إذا علم بالبيع فإنه يجب عليه أن يطلب الشفعة حين يعلم متى كان ذلك ممكنا، فإن علم ثم أخر الطلب من غير عذر سقط حقه فيها.
والسبب في ذلك أنه لو لم يطلبها الشفيع على الفور وبقي حقه في الطلب متراخيا لكان في ذلك ضرر بالمشتري، لأن ملكه لا يستقر في المبيع ولا يتمكن من التصرف فيه بالعمارة خوفا من ضياع جهده وأخذه بالشفعة.
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، وهو الراجح من مذهب الشافعي وإحدى الروايات عن أحمد، وهذا ما لم يكن الشفيع غائبا، أو لم يعلم بالمبيع، أو كان يجهل الحكم.
فإن كان غائبا أو لم يعلم بالبيع أو كان يجهل أن تأخير الطلب يسقط الشفعة فإنها لا تسقط.
ويرى ابن حزم وغيره أن الشفعة تثبت حقا له بإيجاب الله فلا تسقط بترك الطلب ولو ثمانين سنة أو أكثر، إلا إذا أسقطه بنفسه.
ويرى أن القول بأن الشفعة لمن واثبها لفظ فاسد، لا يحل أن يضاف مثله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقال مالك: لا تجب على الفور بل وقت وجوبها متسع.
قال ابن رشد: واختلف قوله في هذا الوقت، هل هو محدود أم لا؟ فمرة قال: هو غير محدود، وإنها لا تنقطع أبدا إلا أن يحدث المبتاع بناء أو تغيرا كثيرا بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت.
ومرة حدد هذا الوقت، فروي عنه السنة، وهو الاشهر، وقيل أكثر من سنة.
وقد قيل عنه: إن الخمسة أعوام لا تنقطع فيها الشفعة.
.خامسا: أن يدفع الشفيع للمشتري قدر الثمن:
الذي وقع عليه العقد فيأخذ الشفيع الشفعة بمثل الثمن إن كان مثليا أو بقيمته إن كان متقوما.
ففي حديث جابر مرفوعا «هو أحق به بالثمن» رواه الجوزجاني.
فإن عجز عن دفع الثمن كله سقطت الشفعة.
ويرى مالك والحنابلة أن الثمن إذا كان مؤجلا كله أو بعضه فإن للشفيع تأجيله أو دفعه منجما مقسطا حسب المنصوص عليه في العقد، بشرط أن يكون موسرا أو يجئ بضامن له موسر، وإلا وجب أن يدفع الثمن حالا رعاية للمشتري.
والشافعي والأحناف يرون أن الشفيع مخير، فإن عجل تعجلت الشفعة، وإلا تتاخر إلى وقت الاجل.
.سادسا: أن يأخذ الشفيع جميع الصفقة:
فإن طلب الشفيع أخذ البعض سقط حقه في الكل.
وإذا كانت الشفعة بين أكثر من شفيع فتركها بعضهم فليس للباقي إلا أخذ الجميع حتى لا تتفرق الصفقة على المشتري.
.الشفعة بين الشفعاء:
إذا كانت الشفعة بين أكثر من شفيع وهم أصحاب سهام متفاوتة فإن كل واحد منهم يأخذ من المبيع بقدر سهمه عند مالك، والاصح من قولي الشافعي وأحمد، لأنها حق يستفاد بسبب الملك فكانت على قدر الأملاك.
وقال الأحناف وابن حزم: إنها على عدد الرؤوس لاستوائهم جميعا في سبب استحقاقها.
.وراثة الشفعة:
يرى مالك والشافعي أي الشفعة تورث ولا تبطل بالموت، فإذا أوجبت له الشفعة فمات ولم يعلم بها، أو علم بها ومات قبل التمكن من الاخذ انتقل الحق إلى الوارث قياسا على الأموال.
وقال أحمد: لا تورث إلا أن يكون الميت طالب بها.
وقالت الأحناف: إن هذا الحق لا يورث كما أنه لا يباع وإن كان الميت طالب بالشفعة إلا أن يكون الحاكم حكم له بها ثم مات.
.تصرف المشتري:
تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع بالشفعة صحيح لأنه تصرف في ملكه، فإن باعه فللشفيع أخذه بأحد البيعين.
وإن وهبه أو وقفه أو تصدق به أو جعله صداقا ونحوه فلا شفعة، لأن فيه إضرارا بالمأخوذ منه لأن ملكه يزول عنه بغير عوض والضرر لا يزال بالضرر، أما تصرف المشتري بعد أخذ الشفيع بالشفعة فهو باطل، لانتقال الملك للشفيع بالطلب.
.المشتري يبني قبل الاستحقاق بالشفعة:
إذا بنى المشتري أو غرس في الجزء المشفوع فيه قبل قيام الشفعة ثم استحق عليه بالشفعة.
فقال الشافعي وأبو حنيفة: للشفيع أن يعطيه قيمة البناء منقوضا، وكذلك قيمة العرش مقلوعا أو يكلفه بنقضه.
وقال مالك: لاشفعة إلا أن يعطى المشتري قيمة ما بنى وما غرس.
المصالحة عن إسقاط الشفعة: إذا صالح عن حقه في الشفعة أو باعه من المشتري كان عمله باطلا ومسقطا لحقه في الشفعة، وعليه رد ما أخذه عوضا عنه من المشتري. وهذا عند الشافعي.
وعند الائمة الثلاثة يجوز له ذلك، وله أن يتملك ما بذله له المشتري.


سحر الحرف والكلام


شكرا للأخ صقر الأوراس على التوقيع