جلسة "سمرٍ " في دار، مع غريب أطوار
05-08-2013, 10:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم.
اخبرنا قسورة، قال:
كانت لي جلسةٌ مع رجلٍ يبدو عليه بعض الوقارِ، ولكنّه غريبُ الأطوار.
ومن دون السلام، بادرني بالكلام :
كأنك من البلاد التي يسرق فيها السلطان، ويُباع فيها الضمير بأبخسِ الأثمان ..
فقلتُ كيف عرفت، حين أشرتَ ووصفت؟
لاشيء، سوى أنّ أوطانكم صارت نهبة الناهبِ، وغنيمة الغاصبِ، ومطمع المتكالبِ
لأنه ساسكم من بنى قصورًا يلهو فيها و يلعب، وشعبه يضحى و
يلغب، وولي أمركم من جمع الأموال، وأذاق شعبه الوبال، بعد أن ألبَسه الأسمال ..
كأن الشاعر يعنيكم، حين قال فيكم :
جهلٌ، ومرضٌ، وظلمٌ فادحٌ ** ومخافةٌ، ومجاعةٌ، وإمامُ.
يا صاح! هؤلاء أذلّوكم وأهانوكم، وبعقولكم استخفوكم.
ورغم ما تزخر به البلاد من الخيرات أجاعوكم، وعن سواء السبيل أضلوكم.
مما يزيد في الطين بلة، وفي الداء علة، أن يرى المرء رعيّةً تخرج لهؤلاء في مسيرات مأمورة، وصيحات مأجورة " موزورة .. ":
بالروح بالدم نفديك يافلان، ياطويل العمر؛ ياصقر يا "علان "..
ما هذا!؟
كيف يُهتَف لمن أخذ السلطة غصبًا، ونهب الأموال نهبًا، وأوسع الرعية شتمًا وسبّا، وأوجع ظهورهم ضربًا، وكوى منهم رأسًا و جنبا، وباعهم بثمن بخسٍ شرقًا و غربًا.
أنّ من هؤلاء الحكّام من بقي في السلطة أمدًا و دهورا، وطال حكمه .حتى ظنّ أنه لن يحورَ
وأرتكب من الجرائم ما لا ينسيه توالي الشهور والأعوام، وما لا يكفي في تدوينه المحابر والأقلام.
ناهيك بمن أشعل المنطقة حربًا ونارا، وأذاق أمته خزيّـًا وآرا.
وأن من هؤلاء الحكام من أهان كرامته، وخان دينه و أمته.
حين أحدث في المنطقة حربًا سَعُر أوارها، بعد أن اشتعلت نارها.
وقد أنزل العلوج بالمنطقة صواعق فجعلوها قاعًا صفصفًا، كمن مرّ بها ريحًا زفزفًا.
وصبّوا عليها شوبًا من حميم، وجرّعوا أهلها شرب الهيم.
فقلتُ يا هذا! اِعلم إِنَّ من الإِحَنِ، لا تَجُرُّ إلاّ للمِحَن.
ألم يقل الشاعر البارع حين قال:
سوى الأمير بجوده أيّامنا ** فجميعها لجميعنا أعياد.
أما حقيقتنا فنحن عبيـده ** لكننـا في بــره أولاد.
ومع ذلك أراك فيهم قادحًا، وفي انتقاصهم ولمزهم صادحًا .
فاستشاط من كلامي منتصبًا، و قطّب مابين حاجبيه غاضبًا.. وقال :
من ذكرتهم، كل واحدٍ منهم أظلم من أخيه و أطغى، و كلهم أعتى على الأمة و أبغى.. وصدق من قال :
قبحت مناظرهم حين خبرتهم ** حسنت مناظرهم لقبح المخبر.
وانظر، فحتي في اجتماعاتهم قد تفرقوا طرائق قددا، وتمزقوا أسباطًا بددا..
ولبعضهم لايزالون ينطوون على الاحقاد، ويمعنون في الأبعاد.
ولو كانوا على بصيرة و بصرٍ، أو عمق وعي وبعد نظرٍ.. لقال الواحد منهم :
أي بلد إسلامي بلدي حين أكون فيه، حتى لا أفسد وحدة مسلميه.
ومما يسوء المرء أن في خرجاتهم ترى الواحد منهم ملوّحًا لشعبه بذراعيه، وكأنه يتوعدهم قابضًا كفّيه ...
وفي خطبهم لا همّ لهم سوى استعمال الثقيل من الكلمات، والشنيع من الصفات، ولشعوبهم تهديدًا وتنديدًا.
ولسان حالهم يقول :
فنحن المالكون لها قسرًا ** نسومهم المذلة والنكالا.
ونوردهم حياض السيف ذلاً ** وما نألوهم إلاّ خبـالا.
وكم من مرة حاولت أن أحتفظ بذاكرتي مما يقولون؛ أن أفهم من خطبهم ؛ وعن أي الأمور هم يصولون و يجولون، لكن دون جدوى
حتى اتهمتُ ذاكرتي بالضعف، و عقلي بالسخف.
وكنت أسأل البعض ليقربوا لي ما بَعُد فهمه من المعاني، وليبسطوا لي ما أشكل عليّ من المباني، ففي كلّ مرّةٍ أجد أصحابي " أحير من ضبّ "، لفهم تلك الخطب ..
ومع هذا و ذاك أجد" علماء" فطاحل، و"جهابذة" أماثل.
كان لهم الرسوخ في العلم، والعمق في الفهم، ولكن ليس لهم الصدق في العزم.
يخلعون على هؤلاء بعض الالقاب، و يجِدون لهؤلاء العذر بالاسباب .
ومنهم يصفهم بذوي النظر البعيد، والعقل الرشيد، والفكر السديد .بل الادهى والأمرّ حين يُوصف البعض منهم بحجة العصر، و فريد الدهر، وليت يبرز من العلماء، من يقول لهؤلاء : "أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق ".
ولكن لا أمل بادي، ولا حياة لمن تنادي، لأنني قد علمت
أن القوم بعضهم من بعض حوبة ، و أن لـ" كل قائب من قوبة ".
وبعد برهة إن صاحبي تنهد، وأسمعني حين أنشد :
جار الزمان علينا في تصرفه ** وأي دهر على الأحرار لم يجر
عندي من الدهر ما لو أن يسره ** يلقي على الفلك الدوار لم يدر.
وقام بعد أن أذنت لحظة الفراق، فقلتُ:
فهل هناك بعد هذا من تلاق؟..
فنظر إليّ مليّــًا وقال:
اِنهض أيها الغافل! فقد رحلت القوافل، وفي يومٍ ما؛ إعلم أنك لا محالة راحل ..
ونهضت أمشي كاسف البال، سيء الحال، مغلوب الجلد و الاصطبار، مسلوب الفكر والإقرار، وقلت في نفسي أي منا غريب الاطوار؟
وكذلك حال العرب.
من مواضيعي
0 من ثقب الروح كانت أمنية
0 هكذا قال: فولتير
0 وأرغم المعزَّى بالانتقال إلى المعزِّي
0 هل سيصبح " خاشقجي" " البوعزيزي " آخر؟
0 والقادم أقبح وألعن .. حتى خارج " مضارب العرب"
0 قال قائلهم" السيادة خط أحمر" فجاءه الرد من الذي " يحميه"
0 هكذا قال: فولتير
0 وأرغم المعزَّى بالانتقال إلى المعزِّي
0 هل سيصبح " خاشقجي" " البوعزيزي " آخر؟
0 والقادم أقبح وألعن .. حتى خارج " مضارب العرب"
0 قال قائلهم" السيادة خط أحمر" فجاءه الرد من الذي " يحميه"
التعديل الأخير تم بواسطة علي قسورة الإبراهيمي ; 06-08-2013 الساعة 06:52 PM