حياة البؤساء...المجرم الصغير....بقلمي
29-09-2008, 10:57 PM
بعد أن صلينا صلاة التراويح خرجت من المسجد راجعا إلى البيت سيرا على الأقدام عبر شارع النبلاء حيث يقيم أغنياء البلدة وإطاراتها ..بالفعل كان الشارع راقيا من حيث النضافة والإنارة والقصور الفخمة وفوانيس الإنارة في الشوارع تشعرك بحجم القاطنين بهذا الحي الأنيق..كنت أجول ببصري في نوافذ الفيلات الفخمة ..أضواءها الجميلة مشتعلة ...والسيارات ذات العلامات الألمانية الفاخرة..وبينما أنا أسير توقفت إحدى السيارات بجانب إحدى الفيلات الراقية نزل منها رجل وزوجته وأولاده وهم يتمايلون ويظحكون وكأنهم كانو في سهرة أو حفلة..وكانت تظهر عليهم علامات الثراء من وجوههم الشقراء ولغتهم الفرنسية التي نادى بها أحد الأطفال..papa...papa...فيجيبه بلغة فرنسية أنيقة....مازالت أراقبهم حتى دخلوا إلى الداخل
مازلت أسير حتى خرجت من شارع النبلاء...الطريق مازال طويلا إلى البيت والتعب قد بدأ ينال مني..قررت الإختصار عبر شارع آخر لطالما حذرني منه أصدقائي لكثرة اللصوص فيه ..ولكني قررت المجازفة عبر هذا الشارع المظلم والمغامرة من أجل اختصار الطريق...نعم من شارع النبلاء دخلت شارع البؤساء...كان التناقض صارخا...هناك فوانيس أنيقة وهنا ظلام دامس..هناك روائح الأشجار الزكية وهنا رائحة القمامة المتناثرة الكريهة ..هناك فيلات فاخرة تكون محيطا عمرانيا جميلا وهنا أكواخ مترامية في فوضى عارمة....وبينما أنا في تفكيري إذ بأحدهم يقطع الطريق في وجهي وهو يحمل سكينا ويصرخ : أعطني كل ما تحمله من نقود..ارتعبت في الوهلة الأولى ولكني قررت الدفاع عن نفسي حتى ولو كلفني ذلك حياتي..خاصة أني أمتلك بعض المهارات القتالية التي تعلمتها منذ الصغر...فنظرته نظرة حادة وأجبته بسخرية..تريد نقودي كلها أم نصفها..فأجابني بصوت فيه بعض الإظطراب وبعض الخوف..كما تشاء.. ..نعم لقد بدى لي صوته المنبعث من خلف قناعه الذي يرتديه طفوليا ..قلت له ضع عنك السكين جانبا وتعالى نتحدث...أخفى سكينه تحت ثيابه البالية ونزع القناع عن وجهه ..يا الله ..طفل صغير يمتهن السطو..كان وجهه شاحبا به بعض الخدوش ..طفل صغير يحمل كل قساوة الزمن..يحمل أكبر مما يحمله الكبار..مسحت على شعره الأسود القاتم وأنا أقول : لماذا ؟ لما تمتهن السرقة..لما لست مثل رفاقك في المدرسة؟...فتمتم بكلمات غير مفهومة...أي مدرسة و عائلتي لا تجد بما تسد رمقها..أبي طريح الفراش ولا يوجد معيل للعائلة غيري..لم أجد ما أفعله لإطعام عائلتي من الجوع غير السرقة...الموت أهون علي وأنا أرى أخواتي يقتلهن الجوع...فسامحني يا سيدي لو وجدت من يعيل عائلتي لما لجأت لهذا العمل..
توجهت مع هذا الطفل إلى بيته ويا هول ما رأيت...لقد كانوا يسكنون قبوا..يفترشون أسمالا بالية أخذت الرطوبة منها كل مأخذ...كان هناك شيخ ينام في أحد الزوايا ..إنه والده المريض..بعد أن أصيب في العمل وطرده صاحب الشركة...بدون حقوق ..طرده بعد أن كون على ظهره ثروة خزنها في البنوك
أعطيت لهذا الصغير كل ما أملكه ولكن ليس بتهديد إنما بشفقة ..كنت أريد ظربه ..ولكن هذا الطفل وديع ..نعم الطبيعة من جعلت منه لصا محترفا ..لو وجد رغيفا يسد به جوعه وجوع عائلته لما وصل به الحال إلى السرقة
بت الليل كله مستيقضا مفكرا في أمثال هذه العائلات البائسة...بين هاذين الحيين المتناقضين...يستطيع هذا الرجل الذي يملك القصر الفاخر والسيارة الفارهة أن يكفل هذه العائلة المسكينة ولو بالشيئ الفائض على حسابه...ولو بالأكل الذي يرميه في القمامة ولكن ..أمثال هؤلاء يرون هؤلاء الفقراء عالة فوق الأرض..عالة بعد أن تخطوا على أكتفاهم عتبة الثراء

مدونتي التقنية:
||Secur!ty-dz Blog||
Hacking .Security .Network .Exploit .Web Development .Linux
مدونتي الأدبية:العِـلمُ زينٌ فكُنْ للعِلم مُكْتسبًا ‏.. ‏ وكُنْ له طالبًا مَا عِشْتَ مُقتبِسًا