تفسير جزء عمّ ـ للشيخ إبن عثيمين ـ 1،23
05-04-2014, 04:50 PM
كما كنت وعدت سأحول نشر تفسير جزء عــمّ مفرغا من أشرطة الشيخ إبن عثيمين ـ رحمه الله ـ قد نتسائل لماذا هذا الجزء بالذات؟ ذللك لأنه الأكثر قراءة(في صلواتنا) والأكثر حفظا فيحسنُ بنا فهمه لِنتدبره والله الهادي إلى سواءِ السبيل.
نبدأ أولاً بسورة النبأ: قال الله عز وجل: (( عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ . عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ . الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ )): أي: عم يتساءل هؤلاء، ثم أجاب الله عز وجل عن هذا السؤال فقال: (( عن النبأ العظيم. الذي هم فيه مختلفون )) وهذا النبأ هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البينات والهدى، ولاسيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، وقد اختلف الناس في هذا النبأ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، فبيّن الله أن هؤلاء الذين كذّبوا سيعلمون، سيعلمون ما كذّبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا يوم القيامة يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق، ولهذا قال سبحانه هنا: (( كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون )) والجملة الثانية توكيدٌ للأولى من حيث المعنى، وإن كانت ليست توكيداً باعتبار اصطلاح النحويين؛ لأنه فُصل بينها وبين التي قبلها بحرف عطف، والتوكيد لا يُفصل بينه وبين مؤكده بشيء من الحروف. والمراد بالعلم الذي توعدهم الله به هو علم اليقين الذي يشاهدونه على حسب ما أخبروا به. ثم بيّن الله تعالى نعمه على عباده ليقرر هذه النعم فيلزمهم شكرها فقال: (( ألم نجعل الأرض مهاداً . والجبال أوتاداً . وخلقناكم أزواجاً . وجعلنا نومكم سباتاً....)) الخ: فالأرض خلقها الله تعالى مهاداً ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم وعلى حسب ما ينتفعون به، أما الجبال فجعلها الله تعالى أوتاداً بمنزلة الوتد للخيمة حيث يثبتها فتثبت به، وهو أيضاً ثابت كما قال تعالى: (( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها )). وهذه الأوتاد قال علماء الأرض: إن هذه الجبال بها جذور راسخة في الأرض كما يرسخ جذر الوتد في الجدار، ولذلك تجدها صلبة قوية لا تزعزعها الرياح وهذا من تمام قدرته ونعمته. (( وخلقناكم أزواجاً )) أي أصنافاً ما بين ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وأسود وأحمر، وشقي وسعيد إلى غير ذلك مما يختلف الناس فيه، فهم أزواج مختلفون على حسب ما أراده الله عز وجل واقتضته الحكمة ليعتبر الناس بقدرة الله تعالى، وأنه قادر على أن يجعل هذا البشر الذين خلقوا من مادة واحدة ومن أب واحد على هذه الأصناف المتنوعة المتباينة. (( وجعلنا نومكم سباتاً )) أي قاطعاً للتعب، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام استراح وتجدد نشاطه، وهذا من النعمة وهو في نفس الوقت من آيات الله عز وجل، حيث قال الله تعالى: (( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله )). (( وجعلنا الليل لباساً )) أي جعل الله هذا الليل على الأرض بمنزلة اللباس، كأنه، كأن الأرض تلبسه ويكون جلباباً لها، وهذا لا يعرفه تمام المعرفة إلا إذا صعد فوق ظل الأرض، وقد رأينا ذلك مشاهد عجيبة، إذا خرجت في الطائرة وارتفعت وقد غابت الشمس عن سطح الأرض ثم تبينت الشمس بعد أن ترتفع تجد الأرض وكأنما كسيت بلباس أسود، لا ترى شيئاً إلا السواد، فتبين بهذا قوله تعالى: (( وجعلنا الليل لباساً )) . أما النهار فجعله معاشاً يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم وعلى حسب أحوالهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد. ولنكتفي على هذا الجزء من هذه السورة، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم قال تعالى: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً )) وهي السماوات السبع، وقد وصفها الله تعالى بالشداد لأنها قوية كما قال تعالى: (( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون )). أي بنيناها بقوة. (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً . وجعلنا سراجاً وهَّاجاً )) يعني الشمس فهي سراج مضيء، ولهذا فهي ذات حرارة عظيمة. (( وهاجاً )): أي وقَّادة، وحرارتها كما تشاهدون في أيام الصيف حرارة شديدة مع بعدها الساحق عن الأرض، فما ظنك بمن يقرب منها، ثم إنها تكون في أيام الحر -في شدة حرها- من فيح جهنم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم ). وقال عليه الصلاة والسلام: ( اشتكت النار إلى الله، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الزمهرير أو من البرد فإنه من جهنم – نعوذ بالله منها -، وأشد ما يكون من الحر من فيح جهنم ). ومع ذلك فإن فيها مصلحة عظيمة للخلق فهي توفر على الخلق أموالاً عظيمة سيما النهار حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار ، وكذلك الطاقة التي تستخرج منها تكون فيها فوائد كبيرة، وكذلك في إنضاج الثمار وغير هذا من الفوائد العديدة من هذه السراج الذي جعلها الله عز وجل لعباده. ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك فقال: (( وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجاً )) والماء فيه الرطوبة وفيه البرودة، وهذا الماء أيضاً تنبت به الأرض وتسقى به الأرض، فإذا انضاف إلى هذا ماء السماء، وحرارة الشمس حصل بهذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون. (( وأنزلنا من المعصرات )) يعني السحاب، ووصفها الله بأنها معصرات كأنما تعصر الماء للنزول عصراً كنزول اللبن من الضرع، (( ماء ثجَّاجاً )) أي كثير التدفق وافراً. (( لنخرج به حبًّا ونباتاً . وجنات ألفافاً )): أي لنخرج بهذا الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض فتنبت الأرض ويخرج الله به الحب بجميع أصنافه وأنواعه كالبر والشعير والذرة وغيرها. (( ونباتاً )): من الثمار كالتين والعنب، وما أشبهه. (( وجنات ألفافا )): أي بساتين ملتفاً بعضها إلى بعض، من كثرتها وحسنها وبهائها. ثم بعدما ذكر الله ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر وأنه ميقات يجمع الله فيه الأولين والآخرين، وسنتكلم عنه في جلسة أخرى. أسئلة. يقول الله عز وجل: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً )): أي قوية متينة وهي السماوات السبع، وقد جاء ذكر السماوات مقيدة بالسبع في القرآن الكريم في قوله تعالى (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ))، أما الأرضون فجاءت مقيدة بهذا العدد في السنة مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:( من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من فوق سبع أراضين )، وجاءت في القرآن الكريم مقيدة بهذا العدد على وجه الإشارة في قوله تعالى:(( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن )) ، فقوله (( ومن الأرض مثلهن )) لا يتأتى فيه إلا المماثلة في العدد لأن المماثلة في الكيفية متعذرة لأن هناك فرقاً بين السماوات والأرض في الكيفية والصفة والسعة والقوة، فتبين أن يكون المراد مثلهن في العدد. ثم قال تعالى: (( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً. وجعلنا سراجاً وهاجاً )): وقلنا هذه الشمس، لأنها سراج الأرض، والوهج: شديدة الحرارة، ودليل ذلك أننا نحس بحرارتها وبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة ولاسيما في أيام الصيف إذا كانت قريبة من الرؤوس عمودية فوقنا، ولا يخفى على أهل العلم بطبائع النبات والبحار والصحاري ما يكون من الفائدة العظيمة في هذه الحرارة على الأعيان وعلى الصفات، ولهذا أكد الله عز وجل ذلك بقوله: (( وجعلنا سراجاً وهاجاً )): أي يتوهج. (( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجَّاجاً )) )) المعصرات)): هي السحب، وسميت معصرات لأنها بمنزلة الذي يعصر الماء من الثوب فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور، قال الله تعالى: (( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ثم يجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله )) قوله)) ثجَّاجاً ((: أي كثير الثج يعني الانهمار وذلك لغزارته وقوته حتى يروي الأرض.(( لنخرج به حبًّا ونباتاً . وجنات ألفافاً )): الحب والنبات هو الزروع: وهو النبات الذي ليس له ساق. (( وجنات ألفافاً )): هي الأشجار التي لها ساق، فيخرج من هذا الماء الثجاج الزروع والنخيل والأعناب وغيرها سواء خرج منه مباشرة أو خرج منه بواسطة استخراج الماء من باطن الأرض؛ لأن الماء الذي في باطن الأرض هو من المطر كما قال تعالى: (( فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )). وقال تعالى في آية أخرى: (( فسلكه ينابيع في الأرض )).
وقوله: (( ألفافاً )): أي ملتفة بعضها إلى بعض حتى إنها لتستر من فيها لكثرتها، والتفاف بعضها إلى بعض . ثم قال تعالى: (( إن يوم الفصل كان ميقاتاً )) وهو يوم القيامة، وسمي يوم فصل لأن الله يفصل فيه بين العباد فيما شجر بينهم، وفيما كانوا يختلفون فيه، فيفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، وأهل العدوان وأهل الاعتدال، ويفصل فيه أيضاً بين أهل الجنة والنار، فريق في الجنة وفريق في السعير. و (( كان ميقاتاً )): يعني موقوتاً لأجل معدود كما قال تعالى: (( وما نؤخره إلا لأجل معدود ))، وما ظنك بشيء له أجل معدود وأنت ترى الأجل كيف يذهب سريعاً يوماً بعد يوم حتى ينتهي الإنسان إلى آخر مرحلة، فكذلك الدنيا كلها تسير يوماً بعد يوم حتى تنتهي إلى آخر مرحلة، ولهذا قال تعالى: (( وما نؤخره إلا لأجل معدود ))، وكل شيء معدود فإنه ينتهي.
يُتبع إن شاء الله......
من مواضيعي
0 السؤال عن جمال المرأة قبل الزواج
0 سُنَّة مهجورة بعد تلاوة القرآن
0 الزدة و الوعدة لشيح حماني رحمه الله
0 بشرى لمحبي وطلاب العلم الشرعي
0 بشرى لمحبي وطلاب العلم الشرعي
0 طريقة حساب فاتورة الكهرباء
0 سُنَّة مهجورة بعد تلاوة القرآن
0 الزدة و الوعدة لشيح حماني رحمه الله
0 بشرى لمحبي وطلاب العلم الشرعي
0 بشرى لمحبي وطلاب العلم الشرعي
0 طريقة حساب فاتورة الكهرباء
التعديل الأخير تم بواسطة abchir ; 09-04-2014 الساعة 07:05 PM