تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 07:47 AM
الطيب صالح: عيد الميلاد
الطيب صالح
20/12/2007
* من العادات الحسنة عند الإنجليز – وكذلك بقية الأوروبيين – أن رغبتهم في البذل وعمل الخير تتحرك في مثل هذه الأيام، في محطات السكك الحديدية، وفي الشوارع والميادين العامة، وأمام أبواب المحال التجارية، وأحياناً يطرقون أبواب البيوت – جوقات من المنشدين، صبية وبنات، ومعهم موجهون من الرجال والنساء، يعترضون المارة بترانيمهم الجميلة، بعضهم لم يتجاوز السابعة من العمر وكل واحدة او واحد، يحمل علبة يضع فيها ما تجود به نفسك.
وجوه غضة، وعيون مشعة، وأصوات بريئة صافية، يجمعون التبرعات لعمل الخير. ملاجئ العجزة ومآوي المشردين. جمعيات مكافحة الخمور والمخدرات. والبحوث الطبية وإنقاذ المستشفيات المهددة بالإغلاق. ضحايا الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية.
“ في عز الشتـاء القاتم
أخذت الرياح الثلجية تولول
الأرض صلبة مثل الفولاذ
والماء جامد كالحجر
الثلج يسقط
ثلج فوق ثلج فوق ثلج”
يحبون أن ينزل الثلج في عيد الميلاد، ويقولون (عيد ميلاد أبيض) ولعله لا يسقط هذا العام، فالشمس تشرق، وقد خدعت بعض النباتات فازهرت قبل أوانها. والأبيات من ترنيمة للشاعرة (كرستينا روزتي – 1830—1894) أخت الشاعر(دانتي قابرايل روزتي) وأشهر شاعرات العصر الفكتوري.
إنما هذه الترانيم، صنعها في الغالب، فقراء الشعب بطريقة عفوية تعبر عن إحساسهم الديني، وهو عندهم أعمق مما هو عند الأغنياء ولا تخلو من المرارة والوخز للطبقات المحظوظة.
كل ذلك اختفى بمرور الأيام، وتغير الأحوال، ولم يبق إلا الجانب الروحي الذي تراه أوضح ما يكون في وجوه هؤلاء الأطفال. يغنون للمثل الأعلى للطفولة في خيالهم، ويجمعون التبرعات لأطفال مثلهم، في بلاد لم يروها بأعينهم.
ولد طفل في حظيرة أغنام، كما تزعم روايتهم، لأن السيدة البتول عليها السلام لم تجد مكاناً في الخان. ولد في بيت لحم من أعمال بيت المقدس. رأى الرعاة النجم فاتبعوه، ووضعوا هداياهم من الحملان بين يدي الطفل. ورأى الحكماء الملوك الثلاثة النجم حتى أتوا الوليد في الحظيرة، فوضعوا عنده هداياهم من التمر واللبان والبخور والذهب والفضة. هكذا تقول روايتهم.
ماذا أستطيع أن أهديه؟
وأنا فقير ليس عندي شيء
لو كنت راعياً كنت أهديته حملاً
ولو كنت من الحكماء الثلاثة
كنت أهديته كما يجب إنما يا للأسف، ماذا أستطيع أنا أن أعطيه؟
سوف أعطيه قلبي”
هكذا فعلت أوروبا مع السيد المسيح عليه السلام. جعلوه رمزاً يناسب مزاجهم وظروفهم. ولد في عالم الشرق الدافئ المضيء. وكان هو نفسه ضوءاً. أخذوه رمزاً، وخلطوه بما عرفوا من رموزهم القديمة. جعلوا ميلاده في عز الشتاء لأنهم كانوا قبل أن يعتنقوا المسيحية، يحتفلون في هذا الوقت بالرقص والغناء والولائم. يبددون كآبة الشتاء، ويدفعون الخوف من المجهول، ويملأون ذلك الفصل الغامض بين العام المنصرم والعام الوليد بالصخب وافتعال الفرح.
سوف تمتلئ الكنائس بالمصلين في هذا الموسم في بلاد أكثر من 8 في المائة من أهلها لا يدخلون الكنيسة طوال العام. يرسلون بطاقات عيد الميلاد لأناس لا يتصلون بهم عادة، وتجتمع أشتات الأسر المبعثرة.
يجتمعـون حول غداء يوم الكريسماس. كانوا قبل أن يعرفـوا الديك الرومي، يولمون بالوز والبط. يلي ذلك حلوى عيد الميلاد التي يصنعونها من الزبيب والتوابل. يسرفون في الأكل والشراب والضحك.
بعد الغداء يأخذون الهدايا من بين أغصان شجرة عيد الميلاد، ينزعون عنها في ضوضاء الأغلفة الجميلة الملونة، الأطفال خاصة والكبار يعودون أطفالاً .
شجرة عيد الميلاد هي أيضاً تقليد جديد عندهم .منذ العهد الفكتوري. ويقال إن الأمير (ألبرت) زوج الملكة فكتوريا هو أول من فعل ذلك. وهي تكون إما شجرة صغيرة لم تكبر بعد، أو تكون فرعاً من شجرة من النوع الهرمي المخروط الذي يظل مخضراً صيفاً وشتاء.
يلفون غصونها بأشرطة ملونة، ويضيئونها بثريات كهربائية صغيرة مختلفة الألوان ويضعونها في الغالب عند النافذة بحيث يراها السائر في الطريق. وهو بالفعل منظر جذاب أن تكون الأرض مغطاة بالجليد والظلام الدامس، وتنظر فترى هذه الأضواء الجميلة تلمع من نوافذ البيوت.
يكون الأطفال قد استيقظوا مبكرين في الصباح، ووجد كل واحد منهم كرسياً مملوءاً بالهدايا، يقولون لهم إن أباهم عيد الميلاد (فاذر كرسماس) قد تركها لهم. يدخل خلسة بعد منتصف الليل من فتحة المدخنة.
بالليل يجتمعون أمام التلفزيون. تغلب عليه في هذا الموسم قصص الخيال والفكاهة والرسوم المتحركة. مثل (سنو وايت والأقزام السبعة) و(الأميرة النائمة) و(توم اند جيري) وهو موسم لقصص (شارلز دكنز) خاصة قصته (ترنيمة عيد الميلاد) التي يتحول فيها (سكروج ) البخيل إلى إنسان كريم رحيم بفضل معجزة عيد الميلاد.
يعطون أكثر في هذا الموسم، يدفعون أكثر للعامل الذي ينظف زجاج النوافذ والزبال، والذي ينظف المدخنة وبائع اللبن، والصبي الذي يحضر الصحف. ويجودون بالبنس والبنسين، والجنيه والجنيهين لأطفال العالم الفقراء في البلاد البعيدة، ومن بينهم أطفال المسلمين في البوسنة وبنجلادش والصومال وأفغانستان والسودان .
“ عيد الميلاد قد أقبل
والوز قد اكتنز بالشحم
ضع من فضلك بنساً
في قبعة الرجل العجوز
إذا لم يكن عندك بنس
فنصف بنس يكفي
وإن لم يكن عندك نصف بنس
فعليك بركات الله والسلام”
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 07:50 AM
الطيب صالح: حـلـم ذات ليلة
الطيب صالح
27/12/2007
* من بيتي في ومبلدون ،ضاحية من ضواحي لندن، وأنا أتابع حجاج بيت الله الحرام هذا العام يأتون من كل فج عميق ويطوفون بالبيت الحرام، وأنا أشاركهم نشوتهم الروحية، مر بخاطري حلم غمرني ذات ليلة من ليالي مهرجان الجنادرية.رأيت فيما يرى النائم أنني في أرض خلاء في المدينة المنورة.لم تكن المدينة المنورة كما أعرفها. وإذا شجرة ضخمة كأنها شجرة زيتون عظيمة الجذع، ممتدة الفروع متدلية الأغصان.وإذا عرق من عروقها ظاهر فوق الأرض، منتفخ في شكل بيضاوي، عليه بياض كأنه الجير، وإذا صوت يهتف بي:
“هذا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم”
عجبت أن الرسول مدفون في أصل شجرة.ثم إذا أنا في الحرم النبوي في الروضة الشريفة كما أعرفها إلا أن الضريح كان في موضع المنبر.
ثم إذا أنا في لندن في حفل من تلك الحفلات التي كنت أرتادها زمان الجهالة منذ نحو ثلاثين عاماً: أخلاط، من الناس رجالاً ونساء، ووجدتني أجلس بجوار فتاة لبنانية لم تخبرني أنها لبنانية، ولم أسالها ولكنني كنت موقناً في حلمي أنها لبنانية.
أذكر وجهها المستطيل، والنظارات على عينيها وشعرها المسدل على كتفيها.كانت غير راضية عن أي شيء. كل شيء يسئمها.قالت إن كل الروايات التي تنشر لا تعجبها. فجأة خطر لي أن أعبث بها، كما كنت أفعل في تلك الأحوال منذ ثلاثين عاماً.قلت لها إنني فرغت لتوي من قراءة رواية رائعة لكاتب أمريكي جديد، سوف تعجبها لا شك.
قالت باهتمام بلغة عربية لبنانية:
صحيح، شو اسمها؟
أذكر أنني فكرت في عنوان للرواية الموهومة:
عنوانها.. نيويورك أطول من حياتي
قالت بلغة عربية فصيحة:
الله. ما أجمل هذا العنوان. ما اسم الكاتب؟
أخذت أفكر في اسم كاتب أمريكي موهوم، وقبل أن أجد الاسم إذا بالشاعر أدونيس يدخل، وإذا أنا وإياه واقفان وحولنا أشخاص.وغير بعيد منا رجلان يتابعان حديثنا ويبتسمان، أحدهما كأنه يوسف الخال.قلت لأدونيس باللغة الفرنسية، وكنت أفكر في الكلمات شأن من لا يتقن اللغة:
“شعرك جيد جداً.ولكن يلزمك مزيد من الشجن والحنين إلى الماضي” وأذكر أنني دست مؤكداً على الكلمة الفرنسية “نستالجي”.
ثم إذا أنا في ميدان صغير في حي الدقي، مثل ميدان مطعم (المغربل) حيث نطلب الفول المدمس أواخر الليل مع محمود سالم وإخوان الصفا في القاهرة المحروسة.وإذا رجل زبال كالثور يجر الساقية، يجر عربة مملوءة بالزبالة، اختلط بعضها ببعض، فأصبحت عجينة ينز منها الماء على ثيابه.
وبينما أنا أغالب الحزن لحالة الرجل، إذا به ينادي فجأة بصوت واضح ولغة عربية فصيحة:
“الحمد لله هذه نعمة كبيرة”
أذكر أنني أحسست بالخجل، وقارنت بين حالي وحال الرجل، وهتفت بصوت كأنه يأتي من غور بئر، صوت غريق بكل تلك الأحوال “الله” ووجدت في يدي ورقة بخمسة جنيهات مصرية أعطيته إياها.
صحوت من منامي في غرفتي في هوتيل (قصر الرياض) فإذا أنا بعد الفجر بقليل.
في المساء في دار الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري رحمه الله لاحظت أن الأخضر الإبراهيمي يستخدم كلمات لبنانية في ثنايا حديثه، لا شك لطول ما سعى للصلح بين اللبنانيين كي تضع الحرب أوزارها.متى تضع حروب العرب أوزارها؟ كان في المجلس أيضا السفير الجزائري والسفير التونسي القاسم بوسنينة.
هذا إنسان كريم حقاً.كنت قد تعرفت عليه في الصباح حين زرت السفارة التونسية للحصول على تأشيرة دخول.كنت أعلم أن الجواز السوداني الذي أحمله مثل طائر البطريق حول عنق الملاح في قصيدة (كولردج) لن يجديني نفعاً، توسلت بالسفير الأديب الهمام الشاذلي دوكار الذي كان معنا في المهرجان، أن يوصي بي خيراً.
لكنني وجدت التونسيين الكرام فوق ما ظننت.ما إن وطئت قدماي أرض سفارتهم حتى وسعوا لي استقبالي وأمعنوا في الترحاب بي، بدءاً من الحارس على الباب.وجاء بعض الموظفين وسلموا علي، وقالوا إنهم يقرأون ما أكتب.
أعطاني القنصل التأشيرة دون إبطاء، وأخبرني أن السفير يحب أن يستقبلني في مكتبه.وجدت هذا الرجل السمح الذي أسعدني حديثه وسرى عني دفء ترحابه. ثم هاهو ذا الآن في دار الشيخ عبد العزيز يقول لي إمعانا منه في اللطف “إنها فرصة طيبة أن نلتقي للمرة الثانية في اليوم نفسه”.
أسعد اللبنانيين الحضور، وكانوا نفراً منهم حسن صبرا صاحب مجلة “الشراع” والشيخ طلب مني أن أقرأ لهم رسالة المؤرخ اللبناني أمين الريحاني التي بعث بها إلى الملك عبد العزيز آل سعود عام كذا وعشرين.هكذا أنت في مجلس هذا الإنسان الفذ، الثاقب النظر العميق الإدراك، لمد التاريخ وجزره.ما يفتأ يقول للناس إنه لا يعرف شيئاً ولم يتعلم في مدرسة والناس لا يخفى عليهم أنه يطوي إهابه في علم غزير وحكمة بعيدة الغور.
قال أمين الريحاني في رسالته إلى الملك عبد العزيز، إنه أول قائد عربي منذ عمر بن الخطاب يوحد جزيرة العرب. قلت للشيخ ضاحكاً “هذه دعوى عريضة. إذن أين يذهب عبد الملك بن مروان؟ وأين يذهب هارون الرشيد؟ فأجابني الشيخ بجاذبيته المعهودة “ما عليك يا طيب صالح. اسكت واقرأ”.
ولكن لا جدال في أن الملك عبد العزيز كان من هؤلاء الزعماء الأبطال، ذوي الهمم العالية الذين أمسكوا بأعنة التاريخ، كما يمسك الملاح الماهر بأعنة الرياح في عرض البحر.
أنشد الدكتور أحمد التويجري من شعره الجميل، هذا شاب نابه يعمل أستاذا في الجامعة.يتغنى في شعره ببطولات العرب وأمجاد المسلمين ويتحسر على ما آل إليه أمرهم.ذكرني بالشاعر الفلسطيني الذي أنشد في الأمسية الشعرية في المهرجان قصيدة مريرة غاضبة.قال بعض الحضور “من هذا الشاعر؟” يجيء ليسب الناس ويلعنهم؟ “قلت له” ماذا تطلب من شاعر فلسطيني؟ يقول للناس بارك الله فيكم وأحسنتم أنكم فرطتم في فلسطين؟”
في تلك الليلة أيضا أنشد الشاعر الكبير فاروق شوشة من ديوانه الأخير “هئت لك” حيث بلغت شاعريته قمة نضجها.صوته الجميل له مذاق فاكهة الرمان يمسك بتلابيب السامعين، مثل ساحر يعلو بهم ويهبط، ويحركهم ذات اليمين وذات الشمال.ديوانه هذا كنز من الأشجان الفادحة، يقول في إحدى قصائده:
قيل: انصرفوا
قلنا: لن نبرح هذه الساحة
حتى يندحر الإفك
وحتى ينبلج الفجر
وحتى ينتصب الشعر
ويعتدل الميزان
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 07:53 AM
الطيب صالح: عملاق شامخ في جسد هش
الطيب صالح
07/02/2008
* من مزايا الدكتور طه حسين - رحمه الله - وهي كثيرة، إنه كان مرهف الحساسية لتنوع النشاط الثقافي في العالم العربي.كان يدرك أن ريادة مصر وزعامتها، وهما أمران لا خلاف عليهما، ليس معناهما أن مصر وحدها تنتج الثقافة ويكون بقية العرب مجرد مستهلكين.كان يريد لمصر أن تكون واسطة عقد ثمين مرصع باللآلئ النادرة، قمراً منيراً في سماء عامرة بالنجوم، وليس فكراً وحيداً في سماء مظلمة.
لذلك كان يحتفي بالمواهب العربية حيثما وجدت.وقد انتبه في وقت مبكر إلى موهبة تونسية كبرى لايزال صاحبها إلى اليوم ليس معروفاً على نطاق واسع في المشرق العربي.ذلكم هو محمود المسعدي، صاحب "السد" و"حدث أبو هريرة قال" و"مولد النسيان". كل كتاب من هذه الكتب تحفة نادرة ولؤلؤة عجيبة لا تتأتي إلا لعتاة الغواصين في بحار المعاني.ولا مراء أن محمود المسعدي أمير من أمراء البيان العربي في هذا الزمان.
كتب الدكتور طه حسين منوهاً بكتاب "السد" في صحيفة "الجمهورية" القاهرية بتاريخ 27 شباط /فبراير عام 1957:
"أريد اليوم أن أنتقل بقراء هذا الحديث من مصر ومن أدبائها وكتابها إلى وطن عربي آخر لا نكاد نعرف عن حياته الأدبية شيئاً ذا بال، لأن ظروف السياسة حالت بيننا وبين الاتصال الدقيق المنظم به وبأدبه آماداً طوالاً وهو تونس(..).
والأثر التونسي الذي أريد أن أتحدث عنه اليوم قصة تمثيلية رائعة ولكنها غريبة كل الغرابة، كتبها صاحبها محمود المسعدي لتقرأ لا لتمثل، ولتقرأ قراءة فيها كثير من التفكير والتدبر والاحتياج إلى المعاودة والتكرار.وحسبك أني قرأتها مرتين ثم احتجت إلى أن أعيد فيها النظر قبل أن أملي هذا الحديث.. وضع فيها الكاتب قلبه كله وعقله كله، وبراعته الفنية وإتقانه الممتاز للغة العربية ذات الأسلوب الساحر النضر والألفاظ المتخيرة المنتقاة، وقصد بها إلى إثارة التفكير الفلسفي لا إلى التسلية والتلهية، ولا إلى الإمتاع السهل والإثارة اليسيرة، بل إلى تعمق الحياة والفقه والنفوذ إلى ما وراءها"
كتب محمود المسعدي روايته "السد"- بضم السين مع التشديد- عام 1940م، وأصدرها بعد ذلك بزمن.قد فرغ من كل كتبه منذ خمسين عاماً وليس له، حسب علمي غير هذه الكتب الثلاثة.
شغلته الحياة العامة بعد ذلك.كان من الرعيل الأول من المجاهدين في سبيل استقلال تونس.ولد بـ"تازركة" عام 1911م، وحفظ القرآن الكريم على يدي والده.ثم درس في المدرسة الصادقية العريقة، التي خرجت عدداً من رجالات تونس البارزين.ثم درس في جامعة السوربون في باريس، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها.
كان ثاني وزير يتقلد وزارة التربية في تونس بعد الاستقلال، ومكث فيها وقتاً طويلاً، أرسى فيه قواعد النهضة التعليمية العظيمة في تونس.بعد ذلك تولى وزارة الثقافة، وآخر منصب قام به كان رئيساً للمجلس الوطني – البرلمان.
حين لقيته أول مرة عام 1973م، كان وزيراً للثقافة.ثم عرفته أكثر أيام عملي في باريس، فقد كان المسعدي حينئذ عضواً في المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.كنت ألقاه بصحبة الرجل العالم الضليع الدكتور عز الدين جلوز الذي كان مندوباً لتونس في المنظمة.
ما كان لي أن أزور تونس ولا أعرج وأحيي هذا العملاق من عمالقة الثقافة والأدب في دنيا العرب.ذهبت إليه مع صديقي محمد المصمودي صاحب دار الجنوب، وجدت داراً صغيرة غاية في البساطة في ضواحي العاصمة، دخلنا فإذا المسعدي مشتملاً عباءة من وبر الجمال، كان اليوم بارداً في شهر فبراير "شباط". رغم تقدمه في السن، وأنه كان معتل الصحة ن فقد نشط في استقبالناوفرح بقدومنا.
وجدناه يقرأ القرآن في مصحف أمامه، وحوله كتب مفتوحة من بينها كتاب الأغاني.شرق بنا في الحديث وغرب بصوته العميق الأجش، وقال لنا إنه يعني بمسألة جرس الآيات القرآنية وموسيقاها ويتمني لو وجد الوقت ليؤلف كتاباً في ذلك.صوته والبريق في عينيه ورنة السخرية اللطيفة في حديثه تنبئك أن هذا رجل حدق طويلاً في مجاهل العقل والروح، وابحر بعيداً في صحبة العقول الجليلة في تراث الإنسانية.
كان محمد المصمودي في تلك الجلسة، يسبغ على المسعودي وداً خاصاً فيه معني التقدير والاحترام، وأيضاً معنى حب المريد لشيخه.لا عجب، فمحمد المصمودي، مثل صديقه وزميله محمد بن إسماعيل، رجل عميق الثقافة، عظيم التقدير للفكر وصناعه، وهو ومحمد بن إسماعيل، يقومان منذ ثلاثين عاماً بخدمة الثقافة العربية بإخلاص وتفان نادرين.
كانا من الشباب الذي خاض غمرات النضال للتخلص من الاستعمار الفرنسي ولما استقلت تونس تقلدا مناصب رفيعة في الدولة.كان محمد بن إسماعيل من أوائل المديرين العاملين في الإذاعة التونسية.وشغل محمد المصمودي منصب المدير العام للصناعات التقليدية.إلا أن نشر الكتب هو حبهما الحقيقي، فانصرفا له بكل طاقتهما.وهما من الناشرين الذين لا يعتبرون النشر تجارة، ولكنهما يزاولانه بدافع الحب.وفي سبيل أهداف أسمي من مجرد الربح المادي.
لذلك فإنهما قد أصدرا في دار "سيرس" التي أنشأها أولاً محمد بن إسماعيل في أوائل الستينيات، مجلدات تعد تحفاً فنية في طباعتها واخراجها وصورها وألوانها.وهي تشمل مواضيع تهم القارئ العادي كما تهم القارئ المتخصص، مثل العمارة الإسلامية وفن الزخرفة وفي التاريخ والعلوم.
يقول الدكتور توفيق بكار في مقدمته لروايته "السد":
"لا يزال "السد" إلى اليوم يتيم دهره نصاً وحيداً غريباً كأول عهده ليس كمثله في أدبنا الحديث مغامرة، طلع علينا منذ سنين وكل ما كتب الكاتب، بمفهوم الأدب، ليس له سابق، ولا كان له لاحق، مفهوم المأساة يستحيل معه الفن صراعاً بين الخلق والعدم. فكان في الإبداع تجربة خارقة ومن تناهيه فيها شبيه بأشهر ما يعرف في الغرب من (تجاريب الحدود).تروم فيه الكتابة أن تتقصى بالفكر أبعادها إلى منقطعها من التخوم لتعلم ما معناها، آخر الأمر في الوجود، فتمتحن في الخلق جدواها، حتى إذا بلغت منها إلى تلك المشارف النائية ولم تر لذاتها من حقيقة سوى أنها بالية، ارتدت إلى نفسها تتجرد من سائر التعللات التي بها تتذرع لتقابل عارية – إلا من عشق الحياة – مماتها.لم يعد لديها من مبرر لوجودها إلا يقينها بهلاكها. ولا عاد لها في الخلق من وازع إلا غلاب فنائها آثاراً للإنسان من عطب الزمان وإشهاداً على توقه الحارق إلى الأبد المستحيل".
ودعناه عند الباب.أي عقل شامخ في ذلك الجسد الهش النحيل؟ جاوز الثمانين حينذاك وبدأ يحس لذعة البرد.قلت له: "إلي لقاء قريب، إن شاء الله" قال دون حزن وبلا أية مرارة: "لعلك لا تجدني في المرة القادمة".
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 07:56 AM
الطيب صالح: الساعات الأخيرة لآيخمــان
الطيب صالح
03/04/2008
* ظل آيخمان حتى آخر لحظة والنظام النازي يتداعى من حوله - ينفذ سياسة الفوهرر، الذي ارتبط في ذهنه بقدسية (حامل الأسرار الأعلى). كان هتلر في نظره هو "القانون". وكان متطرفاً في إعجابه به. وقد علل ذلك بقوله :
"رجل يصعد من رتبة عريف في الجيش ليصبح حاكماً مطلقاً لدولة مثل ألمانيا، لهو لا شك جدير بأن يطاع".
وتقول حنا ارندت في كتابها "محاكمة آيخمان في القدس":
"من العبث أن يحاول الإنسان أن يفهم أي العاطفتين كانت أقوى لدى آيخمان: إعجابه المفرط بهتلر، أم إصراره على أن يظل مواطناً مطيعاً للقانون في ظل الرايخ الثالث، في وقت كانت ألمانيا تتحول فيه إلى حطام"
أحس بجيشان تلك العواطف في برلين في الأيام الأخيرة للحرب. استخوذ عليه الغضب وهو يرى زملاءه الضباط النازيين يستعدون للهرب قبل وصول الروس أو الأمريكان.
وأخيراً استسلم هو أيضاً للأمر الواقع، وأخذ ينتقل باسم مستعار لكن الفوهرر كان قد مات، فمات بموته (قانون البلاد). أحس آيخمان أنه في حل من القسم الذي قطعه على نفسه، لأنه بوصفه ضابطاً في جهاز الأمن الـ(s.s) أقسم يمين الولاء لهتلر شخصياً وليس لألمانيا، كان ولاؤه لـ(الفوهرر) وحده".
لم تعترض حنا ارندت على إعدام آيخمان ولكنها لم تقبل الذرائع القانونية التي لجأت إليها إسرائيل لتبرير اختطافه ومحاكمته وإعدامه. وفي الصفحات الأخيرة من كتابها تقدم منطوقاً بديلاً للحكم: تقول إن القضاة كان بوسعهم أن يوجهوه إلى آيخمان حتى لا يبقي مجالا للشك أن العدالة قد أخذت مجراها. وجاء فيه:
"وإذ إنك أيدت ونفذت سياسة حرمت اليهود وجنسيات أخرى من حق العيش على الأرض، وافترضت أنت ورؤساؤك أن لكم مطلق الصلاحية في أن تقرروا من يستحق العيش على الأرض ومن لا يستحق، فإننا نجد ألا أحد من الجنس البشري يرضى أن تكون أنت مشاركاً له في العيش على الأرض".
هذه كلمات كأنها نبوءة نظراً لما حدث بعد ذلك من الضحايا الذين تحولوا إلى جلادين، وهو من صميم ما أرادت الكاتبة أن تقوله.
قالت حنا أردنت إن المحكمة التي بتت في قضية آيخمان في القدس كانت محكمة المنتصرين، تماماً كما كانت محاكمات "نورنبيرغ" بعد الحرب العالمية الثانية:
"والروس على الأرجح قتلوا خمسة عشر ألف ضابط بولندي وجدت جثثهم في غابة بالقرب من "سمولنسك". وأفظع من ذلك أن الحلفاء أزالوا مدناً ألمانية بأكملها بواسطة الغارات الجوية المكثفة , إنما البشاعة الكبرى كانت ضرب الأمريكان "هيروشيما" و "نغازاكي" بالقنابل الذرية. لم يكن يوجد أي مبرر لاستعمال سلاح جديد له قدرة هائلة على الفتك والتدمير".
"لم تتطرق محاكم "نورمبيرغ" لتلك الفظائع التي اجترحها الحلفاء. السبب واضح وهو أن المحاكم الدولية، كانت دولية بالاسم فقط. كانت في الواقع محاكم المنتصرين".
لم تكسب إسرائيل – كما تقول الكاتبة- أي شيء من محاكمة آيخمان لا إعلامياً ولا معنوياً. أرادوا أن يتخذوا منه مثلاً على البشاعة والرعب النازي ويثبتوا بواسطته صورة عن معاناة اليهود على يديه وأيدي النازيين أمثاله. لكن الرجل خيب ظنهم.
تقول الكاتبة:
"اتضح أن آيخمان لم يكن نوعاً فريداً من الناس. كان مثله كثيرين. وهم أناس ليسوا شاذين ولا منحرفين، بل أناس عاديون بدرجة مرعبة. تلك العادية من وجهة النظر القانونية والاخلاقية لها، أكثر بشاعة من كل الجرائم التي ارتكبت. أصبح واضحاً – كما حدث من قبل في محاكمات نورمبيرغ- أن العالم يشهد ظهور نوع جديد من المجرمين، يرتكبون جرائمهم في ظروف يصعب عليهم فيها أن يدركوا أن الأعمال التي يقومون بها إنما هي جرائم صراح"
لكن إسرائيل أصرت على محاكمة آيخمان رغم الاعتراضات التي هبت في وجهها. وكان بين المعترضين الفيلسوف الألماني الكبير وأستاذ الكاتبة "كارل جاسبر" وأيضاً الفيلسوف الإسرائيلي المعروف "مارتن بوبر"
وتقول الكاتبة في تعليل ذلك :
"أراد الإسرائيليون أن يؤكدوا أن اليهود لأول مرة منذ قرابة ألفي عام يحق لهم أن ينصبوا أنفسهم قضاة في الجرائم التي ارتكبت ضدهم، وأنهم ليسوا بحاجة إلى حماية أي أحد، ولا إلى قانون حقوق الإنسان الذي يعلمون أكثر من غيرهم أنه لا تلجأ إليه إلا الشعوب الضعيفة العاجزة عن حماية نفسها وفرض قوانينها.
هذا وقد حكمت محكمة القدس الجزئية على آيخمان بالإعدام وأقرت المحكمة العليا الحكم وجاء في آخر دفاع لـ(آيخمان) عن نفسه:
"إنني أبداً لم أقتل أحداً. ولم آمر بقتل أحد كل خطيئتي. كانت إطاعة الأوامر. الطاعة تعتبر فضيلة في العادة. الزعماء النازيون استغلوا طاعتي للأوامر أبشع استغلال. أنا مجرد ضحية. الزعماء وحدهم هم الذين يستحقون العقاب".
وفي اليوم الحادي والعشرين من مارس عام 1962- بعد يومين فقط من صدور الحكم - نفذ حكم الإعدام على آيخمان شنقاً، وأحرقت جثته ونثر الرماد خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية.
وتصف الكاتبة الساعات الأخيرة لآيخمان هكذا:
"مشى إلى المشنقة مرفوع الرأس بخطوات ثابتة. قبل ذلك طلب زجاجة من النبيذ الأحمر وشرب نصفها. رفض لقاء القسيس الذي أراد أن يهون عليه بقراءة الإنجيل. قال لم يبق لي من الحياة إلا ساعتان وليس لدي وقت أضيعه".
مشى مسافة الخمسين ياردة بين زنزانته والمشنقة هادئاً منتصب القامة. حين أوثق الحراس ركبتيه ورسغيه، طلب منهم أن يحلوا وثاقه حتى يستطيع أن يقف منتصباً. وحين وضعوا الغطاء الأسود على رأسه قال: لست بحاجة إلى هذا.
كان مسيطراً على نفسه تماماً. بل كان أكثر من ذلك. كان هو نفسه على أكمل وجه. وليس أدل على ذلك من سماجة كلماته الأخيرة. بعد أن أكد أنه ليس مسيحياً ولا يؤمن بالبعث بعد الموت. هتف قائلاً:
"بعد قليل أيها السادة سوف نلتقي جميعاً، هذا هو المصير المحتوم عاشت ألمانيا. عاشت الأرجنتين. عاشت النمسا. لن أنسى هذه البلاد أبداً".
هكذا وجد وهو يقف أمام الموت وجهاً لوجه، العبارات المبتذلة كأنه يخطب في تأبين شخص ما. وقد خذلته ذاكرته للمرة الأخيرة. كان مبتهجاً ونسي في غمرة ابتهاجه أن الذي سوف يموت ليس أحداً غيره، وأن الجنازة جنازته هو" .
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 07:58 AM
الطيب صالح: الملك عبد العزيز.. ملحمة وبطولة إنسانية
الطيب صالح
10/04/2008
* حين احتفل السعوديون بالذكرى المئوية لتأسيس دولتهم العتيدة، كان لاحتفالهم طعم خاص ونكهة خاصة. كان الاحتفال رصيناً كما يليق بهذه الدولة الرصينة.
وقد أتيح لي في تلك الأيام أن أكون هناك. لم أر صواريخ نارية تطلق في الهواء ولا بالونات، ولا طوابير من الشباب والأطفال، يجوبون شوارع المدينة، ويهزجون بالأناشيد الحماسية، رافعين صوراً ضخمة لقائد المسيرة وحامي العشيرة، ولا أياً من مظاهر الطبل والزمر التي تصحب هذه المناسبات في بعض البلاد – وهو في حد ذاته أمر يدعو إلى الغبطة، وينبئك بالكثير عن هذه الدولة- وقد لفتت نظري كلمة الأستاذ عبد الرحمن السماري في صحيفة "الجزيرة" كأنه يدافع فيها أو يعتذر عن هذا الأسلوب السعودي في الاحتفال يقـول:
"لقد احتفلنا بالمناسبة بطريقتنا: نعم – نحن لنا خصوصيتنا ولنا تميزنا ولنا منهجنا- لن تكون احتفالاتنا مثل احتفالات الآخرين أبداً، لأن دستورنا غير دستورهم: دستورنا هو القرآن الكريم وهو منهجنا ومنه انطلقت هذه البلاد وإليه تحتكم في كل شؤونها.
في المناسبة المئوية، كنا نسترجع الذكريات ونبحث في سنين خلت ونستلهم العبر ونقرأ الدروس ونقيم تجربتنا أكثر من أنه احتفال".
صدقت ولكنه احتفال أيضاً. و لم تكن بحاجة إلى الدفاع أو الاعتذار. الناس جميعاً قد أدركوا أن ثمة تاريخاً سعودياً مميزاً، وأسلوباً مميزاً في الحكم ونهجاً سعودياً مميزاً في السياسة بدأ العالم يفهمه أكثر فأكثر، ويفهم أن هذا التميز السعودي ينبع من قيم إنسانية أصيلة جديرة بالاحترام.
ولا يخفى أن الدولة السعودية دولة ليست كغيرها من الدول. لأنها تقوم على أرض باركها الله وجعلها منطلقاً وحمى لدينه الحنيف، وفيها المدينتان المباركتان اللتان تهفو إليهما قلوب المسلمين شـرقاً وغرباً.
وإن كان العاهل الكريم لهذه الديار الكريمة قد ارتضى لنفسه لقب "خادم الحرمين الشريفين" فإن الأقدار بذلك قد ألبسته عباءة من شرف لا يدانيه أي شرف.
يحـق للسعوديين أن يفرحوا ويفخروا بالإنجازات الضخمة التي حققتها دولتهم، وأن يحتفلوا بذكرى مؤسس دولتهم .وهو رجل لا يكاد يشذ أحد عن الإجماع التاريخي حوله، بأنه نمط فريد من الأبطال الذين حفزوا قافلة الإنسانية في بحثها الدؤوب عن التوحد والاستقرار والرفاه.
ونحن نفرح ونفخر معهم ولا نحس أننا متطفلون على احتفالهم سواء بوصفنا إخوة لهم يسعدنا ما يسعدهم، أو بوصفنا بشراً يسعدنا ما يسعد الإنسانية عموماً، وأيضاً لأننا نطرب لمعاني البطولة والشرف أينما وجدت.
لا تكاد توجد دولة عربية أو إسلامية لم يصلها من خير هذه البلاد، ونحن في السودان خاصة ليس لنا – مع جارتنا الشقيقة مصر- أعز من هذه الديار ومهما نسينا فإننا لن ننسي أبداً أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله قال للمشير عبد الرحمن سوار الذهب حين كان رئيساً، وكان السودان في ضائقة من الفيضانات والمجاعة (سوف نقتسم معكم رغيف الخبز). وكذلك فعل. بلى نحن يجب ألا نكون متهمين حين نشارك إخواننا السعوديين فرحتهم بالذكرى المئوية لقيام دولتهم، لأننا بالإضافة إلى ما ذكرت نسعد أيضاً حين نرى أي رقعة من أرجاء الوطن العربي على اتساعه، قد جمعت شبابها، ووحدت إرادتها، وحزمت أمرها، واستيقنت من أهدافها، وما أجمل ما قال خادم الحرمين الشريفين في هذا المعني :
"وإذا كان من حقنا أن نفخر ونعتز بهذا القائد الملهم المجدد، فإن من حق كل إنسان أن يشترك معنا في هذا الفخر والاعتزاز، باعتبار الملك عبد العزيز زعيماً عالمياً أقام دولته على أسس الإسلام واحترام حقوق الإنسان".
بعد تلك الاحتفالات والبهجة والحفاوة، بعد العرضة وسباق الهجن والبحوث والدراسات، كيف كان مذاق تلك اللحظة الهائلة، اللحظة البكر، ليلة بلغت الملحمة البطولية ذروتها؟ حين، كما وصف الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن:
تنفست ريح الزهر في الخمايل
وفكت أزارير الدجى عن نحرها
الدراسات القيمة التي توالي تقديمها في قاعة الملك فيصل – أكثر من مائتي بحث في خمسة أيام – كانت دراسات مفيدة من دون شك، لم تكد تترك جانباً من جوانب حياة الملك عبد العزيز رحمه الله ونضاله البطولي إلا أحصتها. وحسب الإنسان أن ينظر نظرة سريعة إلى بعض عناوين تلك الدراسات، ليدرك مدى ثرائها وتنوعها وشمولها:
المملكة العربية السعودية عند منعطف عصر جديد – وثائق من الأرشيف التاريخي لسان بطرسبرج - نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز وجهوده في توحيد المملكة العربية السعودية- جوانب من شخصية الملك عبد العزيز - توحيد المملكة وبناؤها في عهد الملك عبد العزيز - الجانب الإنساني في شخصية الملك عبد العزيز من خلال علاقته بأخته نورة- توفير المياه للرياض في عهد الملك عبد العزيز - الإدارة المحلية في عهد الملك عبد العزيز.
إلى غير ذلك من هذه الدراسات والبحوث القيمة التي لا أشك أنها تكون سجلاً حافلاً، لم يسبق له مثيل، وسوف يرجع إليه المؤرخون والباحثون مراراً لسنوات طويلة في المستقبل. وقد قام منظموا "مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام" بطباعة هذه الدراسات ونشرها، وكلها تستحق أن تقرأ بعمق وتمحيص.
لا يختلف اثنان على أن الملك عبد العزيز رحمه الله، قد اجتمعت له في طاقته الجسدية والعقلية والروحية، وحياته ونضاله ونجاحه في إنشاء دولة قوية موحدة عظيمة التأثير من عناصر الفرقة والشتات والضعف، وانعكاسات شخصيته وانعكاسات دولته على امتداد تاريخها حتى اليوم – أقول إن هذا الإنسان الفذ قد اجتمعت له العناصر جميعاً التي تتألف منها ملحمة إنسانية بطولية في أعلى درجات الإنسانية والبطولة.
كانت حياة الملك عبد العزيز ملحمة إنسانية، وذلك يعني بالضرورة أنها حياة مفعمة بـ" الرومانس".
بعض تلك الدراسات القيمة كان فيها شيء من ذلك الجانب الرومانسي. لكنني أشك أن أياً منها اقترب من تلك اللحظة البكر، حين كانت أشياء جسيمة توشك أن تولد، كما تجد في هذه الأبيات من أوبريت الأمير بدر بن عبد المحسن "فارس التوحيد":
فوق أربعين ومالهم مثايل
كود الكواكب أو غوالي دررها
وحول أربعين وما حسبنا الصمايل
والقوم يحسب كثرها من ظفرها
تحزموا بالله على كل عايل
ركبوا وحطوا سهيل بيسر ظهرها
وشقوا الريادي والليالي حبايل
للموت والعدوان زايد خدرها
كريم يا برق السيوف الصقايل
في العارض غيومك تحدد مطرها
غطي على المصمك عجاج المخايل
من قبل ما ترى الصواقع شررها
هل تذكر قول ذي الرمة:
فقلت ضعي ضوء الكواكب كلها
يميناً وضوء النسر من عن شمالك
هذا الضوء امتداد لذلك. والمكان هو نفسه. المساعي الإنسانية الضخمة تحتاج إلى التاريخ، نعم. ولكنها تحتاج أيضاً إلى شطحات أبعد من التاريخ .
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 08:01 AM
الطيب صالح: خواطر من لويكرباد
الطيب صالح
17/04/2008
* هذه البلدة كأنها في قاع بئر واسعة، محاطة بالجبال من نواحيها جميعاً إلا من منفذ في جنوبها الشرقي، وهو عبارة عن واد ضيق يجري فيه نهر (دالا) الذي يشق البلدة متجهاً نحو نهر (الرون) .
على مسيرة نحو ثلاث ساعات بالسيارة إلى الجنوب من مدينة " بيرن" حيث يقطن آل الرفاعي، تترك السهل الواسع وتضرب صعوداً في الجبال، جبال وراءها جبال ووديان تؤدي إلى وديان، الأنهار تضيق وتتسع، وتبطئ وتسرع وتتفرق وتتجمع. الماء يتحدر من القمم وينبثق في أحشاء الجبال، ويتفجر من باطن الأرض.
ماء لا حصر له، كأن الطبيعة اهرقت كل مافي أوعيتها على هذه الرقعة الصغيرة من أرض الله. وهم رغم وفرة الماء لا يتركون نقطة منه تذهب هدراً – شأن الغني الشحيح- كل جدول وكل شلال وكل نبع وكل نقطة من ماء المطر يوجهونها في قنوات مصنوعة إلى غايات محتومة، كي تغذي البحيرات الضخمة التي تتميز بها سويسرا.
في نحو ثلثي الطريق تدخل السيارات المتجهة جنوباً قطاراً يسير بها مدة ثلث الساعة في نفق ُحفر داخل الجبل، حفر الأنفاق في الجبال عند السويسريين مثل اللعب، أسهل من حفر الآبار عندنا.
يخرج القطار من النفق عند بلدة تسمى " قبنستاين" تجد نفسك في طبيعة مختلفة ومناخ مختلف، هذا إقليم الـ(Valais) أي الوديان. السهول أضيق من سهول الشمال خاصة حول مدينة " بيرن"، الجبال أشد كثافة وأشد شراسة، الهواء أدفأ، أدفأ هواء جاف ممطر، مشبع بأريج العشب الجبلي والأزهار. وتنظر تحتك فإذ وادي نهر ( الرون) وإذ مدينة (سيون) عاصمة إقليم الوديان.
نهر "الرون" هذا من الأنهار الأوروبية الكبرى، يخرج من جبال الألب في سويسرا حتى يدخل في بحيرة "ليمان" أو بحيرة "جنيف" ويخرج منها متجهاً جنوباً عبر فرنسا حتى يصب في البحر الأبيض المتوسط في خليج "ليون" غرب مدينة "مرسيليا" ويبلغ طوله من منبعه إلى مصبه أكثر من ثمانمائة كيلو متر.
تنحدر السيارة في الوادي، ثم تأخذ في الصعود مرة أخرى في طريق متعرجة لكنها معبدة واسعة، شقت في الصخر على كتف الجبل، ثم تنحدر قليلاً فإذ أنت في حوض أو (نقرة) على ارتفاع أربعة آلاف وستمائة قدم محاطة بالجبال من جهاتها الأربع.
الجبال عارية إلا من الثلج على الذرى، وفي أسفل سفوحها غابات من الأشجار الصنوبرية الهرمية التي تعودت على وطأة الثلوج في الشتاء. ثم مروج من العشب الجديدة شديدة الاخضرار تنحدر نحو النهر.
ولأن الهواء شديد النقاء، تستقبلك أول ما تصل رائحة العشب وروث البقر ورائحة الماء الذي تنز به الجبال أمامك ووراءك وعن يمينك وعن شمالك.
في تلك المساحة الضيقة بين الجبال، تقوم بلدة "لويكرباد" كأنها واحة منقطعة في صحراء، ولكن يالها من صحراء. سكانها لا يزيدون عن ألف وخمسمائة، وتتسع كما تقول الإحصاءات لعشرة آلاف سائح. فيها نحو ثلاثين هوتيلاً بالإضافة إلى ألف وستمائة شقة مفروشة للإيجار.
تعتمد "لويكرباد" في عيشها على ثلاثة مصادر:
الجبال، للذين يحبون المشي في دروبها الوعرة، والتزلج على الجليد في الشتاء، والمياه المعدنية الساخنة للعلاج صيفاً وشتاءاً.
تتدفق هذه المياه من منابع مجهولة في أحشاء الجبال. ويقدرون أن نحو ثلاثة ملايين لتر تتدفق كل يوم على أحواض المضخات المنتشرة في البلدة.
دلنا على هذا المنتجع عبد الرحيم الرفاعي وزوجته "هايدي" وكنا قبلاً نصطاف في "مورن" فوق "انترلاكن" وسويسرا كلها؛ لولا آل الرفاعي، كما قال عبد الرحمن الابنودي:
ونحن تونس لولا تونس
لا على البال ولا نذكروها
من الذين عبروا بهذه البلدة المنقطعة الكاتب الألماني "يوهان ولفقانق فون قوته" لم يمكث فيها طويلاً - لأنه بلا شك – كان يطلب الدفء والإلهام والسلوى وراء "لويكرباد" إلى الجنوب في إيطاليا.
تحول إعجابه بكفاح السويسريين لانتزاع استقلالهم من إمبراطورية الهابسبيرق الألمانية إلى ضيق واحتقار فقال عنهم:
"بعد أن حرروا أنفسهم من طاغية، أخرج دفء الشمس من رمته البالية جيوشاً من الحشرات الطفاة.. يقبعون وراء جدران بيوتهم وصخورهم سجناء ستة أشهر مثل الفئران في الثلج .. قرى مسودة وأكوام من الصخور والقذارة وروث البهائم.. قوم من البله والحمقى فاغرو الأفواه وفلاحون منتفخوا الأوداج والغدد.."
واضح أن هذه الصورة الكاريكاتورية لا تعبر عن واقع الحال في سويسرا بقدر ما تنم عن حالة الكاتب النفسية ومزاجه في تلك اللحظة.
أقرب إلى الأنصاف الصورة التي رسمها المؤرخ الانجليزي "اتش .آي.أل فشر" يقول: "في النصف الأول من القرن الخامس عشر آثار السويسريون في قلوب الطبقات المحافظة في إنجلترا وفرنسا مشاعر من الذعر والكراهية والاحتقار، لا تقل عن المشاعر التي يسببها لهم الشيوعيون الروس في أيامنا هذه.
ذلك لأن ثورة السويسريين، لم تكن موجهة فقط ضد أسرة "هابسبيرق" وعملائها. لكنها شملت أيضاً الطبقة الارستقراطية المحلية المسيطرة، كانت حركة من نوع جديد تمثل الطموحات السياسية والاجتماعية لسكان المدن والأرياف ضد الامتيازات الإقطاعية المتوارثة من عصور غابرة.
كانت أنباء تصفية الدهماء من السويسريين لتسلط الإقطاع في إقليم بعد آخر تدخل الرعب في قلوب النبلاء الألمان. خافوا أن يحذ الدهماء الألمان حذوهم، فينقضون على سلطات الإقطاع في ألمانيا وقد عبر الإمبراطور "ماكسمليان" عن هذا الإحساس حين قال في بيان للشعب الألماني:
"هؤلاء الغوغاء السويسريون ما هم إلا أخلاط من الفلاحين الأفظاظ الجبناء، الذين لا أصول ولا أخلاق لهم، ولا يحركهم إلا نكران الجميل وكراهية الأمة الألمانية ".
كان فوز السويسريين بحريتهم أول انتصار للمبادئ الديمقراطية في أوروبا. وكان ذلك أدعى للدهشة لأنه جاء معاكساً للتيار السائد في أوروبا في ذلك الزمن وهو الاتجاه نحو تدعيم أمراء الإقطاع .
كان السويسريون فقراء من أية أفكار اجتماعية أو سياسية متقدمة يمكن أن يقدموها للعالم.
لا حضارة لهم تقارب حضارة إيطاليا أو ألمانيا أو فرنسا. لم يساهموا حينئذ، ولم يساهموا حتى اليوم في مجال العلم والفكر والثقافة في أوروبا ورغم ذلك فإن الشعب السويسري الضعيف المفكك أحدث بحصوله على حريته شيئاً قل نظيره في سياق التاريخ الأوروبي كله .
لم يكن فقط لأن السويسريين أعطوا جيوش أوروبا كلها دروساً باهرة في الفن العسكري، ولكنهم بشجاعتهم وقوة عزيمتهم أشعلوا من جديد نيران الحرية في أوروبا. قبل أن يكتشف الأوروبيون جمال جبال سويسرا وثلوجها بزمن طويل، ويتخلوا عن نفورهم من السويسريين واحتقارهم لهم. كانت تلك الرقعة الصغيرة من الأرض قد أصبحت موطناً للطموحات العسيرة يتنفس فيها الناس بحرية ويقدمون على مواجهة القضايا المستعصية دون وجل.
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 08:03 AM
الطيب صالح: سويسرا.. الاتجاهات المتضاربة والنزعات المتعارضة
الطيب صالح
24/04/2008


* يقول السويسريون إن تاريخ بلادهم عبارة عن سجل لاتجاهات متضاربة ونزاعات متعارضة. ولعل أوضح ظواهر هذا التضارب هو النزوع من ناحية إلى العيش في تجمعات بشرية وإدارية صغيرة، ومن ناحية أخرى الرغبة في تجميع هذه الوحدات الصغيرة في كيان كبير موحد.
وكون السويسريين نجحوا في إنشاء دولة حديثة ينوه بذكرها وحافظوا فيها على هاتين النزعتين المتضاربتين، لهو بحق من أكبر الإنجازات في التاريخ.
الاسم الرسمي للدولة باللغة اللاتينية هو Confoedera tio Helvetica أي كنفدرالية هلفيشيا، وهو الاسم المطبوع على أوراق العملة، ومنه الحرفان (C.H) اللذان تجدهما على لوحات السيارات السويسرية. والاسم مأخوذ من اسم قبيلة من (الكلت الغاليين) عرفوا بـ (الهلفيسيين) نزحوا قبل بداية التاريخ المسيحي من ضفاف نهر "الراين" واصطدموا بالرومان الذين كانوا يسيطرون على الإقليم الذي يعرف اليوم بسويسرا وهزموا جيشهم عام 107 ق.م.
إلا أن الرومان بقيادة " يوليوس قيصر" لم يلبثوا أن هزموهم وأخضعوهم لسلطانهم، فاستقروا في مستوطنات صغيرة على ضفاف بحيرة " جنيف" ونهر"الراين" وفي الإقليم الذي يعرف اليوم بإقليم " التشينو" في الجنوب السويسري .
أعطاهم الرومان سلطات محدودة لتصريف شؤونهم وتقول المصادر إن تلك كانت البداية في وجود ظاهرة الوحدات الإدارية الصغيرة التي سوف تظل مظهراً مميزاً للنظام السويسري.
خلال العهد الروماني كان نهر " الراين" من مدينة " بازل" في الغرب إلى مدينة " كنستانس" في الشرق بمثابة الحدود الفاصلة بين الشعوب اللاتينية والشعوب الجرمانية. هذان العنصران سوف يتغلغلان في الأراضي السويسرية فيما بعد ويكونان عصب الأمة كما هي معروفة اليوم.
في عام 47 للميلاد حدث أمر سوف يكون له أثر بعيد في تاريخ سويسرا وذلك أن الرومان بعد أن سيطروا على جبال الألب كلها أرادوا كما كانت عادتهم في ربط أطراف إمبراطوريتهم أن يربطوا بين شمال أوروبا وجنوبها ففتحوا في الجبال الممر المعروف بممر " سانت بيرنارد" .
ويصفون أن هذا الحدث كان له من الأثر أكثر مما لأية معركة عسكرية، ذلك أنه أكد صفة أخرى تميزت بها سويسرا طوال تاريخها المليء بالتناقض والتضارب. فهي من ناحية تميل إلى أن تكون " قلعة حصينة مغلقة" ومن ناحية أخرى أصبحت " معبراً مفتوحاً" .
هذا وفي أواخر العهد الروماني مع سهولة التواصل عبر تلك المضايق الجبلية بدأ الدين الجديد – المسيحية- يتسرب بالتدريج إلى داخل الأراضي السويسرية. وما إن حل القرن الرابع الميلادي حتى كان قد عم وانتشر وصار الدين الغالب في القطر.
ذلك أيضاً سوف يكون له أثر بعيد في مجرى التاريخ السويسري ويكفي أن أشير الآن إلى أن سويسرا ومدينة " جنيف" خاصة أصبحت منذ القرن السادس عشر معقلاً من معاقل البروتستانتية الكالفينية. وهو المذهب المستمد من أفكار المفكر اللاهوتي الفرنسي المولد " جان كالفن".
إنه مذهب جمع على الطريقة السويسرية – كما يقول الفيلسوف "ماكس وبر- ربما بشيء من السخرية " بين حب الدنيا وحب الآخرة بين نقاء العقيدة وتشجيع التجارة والربح !".
إنه بحق مزيج من عجيب من التناقض وكون السويسريين استطاعوا أن يصوغوا من كل ذلك التناقض دولة موحدة يضرب بها المثل في الاستقرار السياسي والرفاه المادي، فتلك معجزة من معجزات التعايش السلمي التي أنجزها الإنسان.
لاحظ المؤرخون أن السويسريين أحدثوا ثورة دون أن يقصدوا ذلك وأقاموا دولة مستقلة دون أن يكون ذلك هو هدفهم منذ البداية. وكان مما يدعو أيضاً إلى الدهشة والإعجاب أن مسيرة تاريخهم في نيل الاستقلال كانت مخالفة لبقية الدول الأوروبية التي كانت تقوم بوساطة تعزيز سلطان الإقطاع. أما السويسريون فقد أنشأوا دولتهم بواسطة انتفاضات شعبية ضد سيطرة الإقطاع.
لم يكن نضالهم أول أمره في النصف الأول من القرن الثالث عشر يهدف إلى الانفكاك من التبعية لإمبراطورية الـ"هابسبيرق" وريثة ما كان يسمي "الإمبراطورية الرومانية المقدسة" وإن كانت ليست أكثر من ظل باهت لها.
كان السويسريون يهدفون فقط إلى التخلص من رجال الإقطاع الذين كانوا يحكمونهم حكماً متعسفاً باسم الإمبراطور، وأن يصيروا تابعين تبعية مباشرة للإمبراطور نفسه.
ويذكر المؤرخون أن من مظاهر فساد الأحوال في إمبراطورية الهابسبيرق أنها لم تعبأ بذلك المطلب المشروع، الأمر الذي اضطر السويسريين إلى حمل السلاح وتحقيق مطلبهم بالقوة.
في السفوح الشمالية لسلسلة جبال " القوتادرد" وعلى طرفي البحيرة التي عرفت فيما بعد ببحيرة "لوتزيرن" نمت مجموعتان من السكان في تنظيمات لها طابع الدويلات الصغيرة. هما كانتون (اوري- Uri) وكانتون شفتز. في هاتين الدولتين كان السكان على اختلاف طبقاتهم من فلاحين وأصحاب حرف وبعض صغار النبلاء ينظمون أمور حياتهم بوسيلة ديمقراطية بواسطة مجالس شورى لها طابع البرلمانات.
في عام 1231 نجح كانتو (أوري) في انتزاع موافقة الإمبراطور على منحه ما كان يعرف بـ "براءة الإمبراطورية"، أصبح الكانتون بمقتضاه تابعاً للإمبراطور مباشرة. هذا التطور جعل كانتو شفتز يطالب بالحق نفسه. ولما لم يستجب الإمبراطور قام الكانتون بثورة مسلحة اضطرت الإمبراطور إلى أعطائهم براءة الإمبراطورية عام 1240.
ولكن لوردات الإقطاع لم يقبلوا هذا الوضع، فحمل المواطنون السلاح مرة أخرى وأجبروا الإمبراطور على تأكيد وضعهم الدستوري الجديد بأن أباح لهم رفع علمهم الخاص بهم وهو عبارة عن صليب أبيض على قاعدة حمراء.
ذلك العلم أصبح فيما بعد هو علم الدولة الموحدة كما أصبح اسم الكانتون هو اسم الدولة "سوايتز – سويسرا".
بعد ذلك استغل السويسريون ضعف الإمبراطورية فقاموا بانتفاضات مسلحة في عدة مناطق حصلوا من جرائها على مزيد من الاستقلال الإداري. ثم أخذت تلك الكانتونات في عقد اتفاقيات إحداها مع الأخرى لتنظيم المعاملات فيما بينهما والتعاون على صيانة حقوقها المكتسبة.
وفي اليوم الأول من شهر آب/ أغسطس عام 1291، حدث أمر سوف يكون له أثر بعيد في تاريخ سويسرا. خلال البلبلة التي أعقبت وفاة الإمبراطور "روبرت" وتراخي قبضة الدولة، أقدمت ثلاثة كانتونات على اتخاذ خطوة حاسمة فعقدت معاهدة فيما بينها كانت الأساس لقيام الكنفيدرالية السويسرية والكانتونات هي "أوري" و "شفتز" و"نيد والدن" التي عرفت بـ"كانتونات الغابة" كانت معاهدة ثورية في تلك الظروف وإن لم يعطها السويسريون تلك الصفة فقد نصت على إضفاء صبغة الولاء المشترك لمواطني الكانتونات الثلاثة وأنه إذا حدث أي اعتداء على واحدة منها تلتزم البقية بالدفاع عنها، وأن الكانتونات المتعاهدة لا تعترف بأية امتيازات قد يكون لبعض الأفراد قد حصلوا عليها تحت نظام الإقطاع كما تحظر أن يعمل مواطنوها جنوداً مرتزقة في خدمة قوى أجنبية أو بأية صفة أخرى. (كان ذلك أمراً شائعاً في سويسرا). كذلك نصت المعاهدة على رفض أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية حتى لو كان ذلك من الإمبراطور نفسه، وحددت أنواع العقوبات التي تفرض على أولئك الذين يقومون بأعمال تخل بالأمن أو تضر بالمصلحة العامة .
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 08:06 AM
الطيب صالح: منسي ولورنس العرب
الطيب صالح
15/05/2008
* لي مع منسي ذلك الإنسان النادر المثال، ذكريات حافلة بعضها يعز على التصديق.. وقد عرف القارئ بعضها وغاب عنه أكثرها، كما أن ذاكرتي قد وعت بعضها وغرق أكثرها في بحر النسيان.
لكن حادثة واحدة علقت بذهني أكثر من غيرها، وذلك حين واجه منسي كلا من ريتشارد كروسمان وأرنولد توينبي وهما فطاحل عصرهما، ولم يكن منسي وقتها أكثر من طالب في كلية الدراسات الآسيوية. يتكسب مما يجده في البي بي سي وكنت في ذلك الوقت مديراً لقسم الدراما والمنوعات.
ولكن لنبدأ القصة من أولها:
عند باب (بوش هاوس) وأنا في طريقي إلى محطة "بادنجتن" لآخذ القطار إلى أكسفورد، عرض لي "منسي".
"طيب، رايح فين؟".
"أكسفورد".
"عندك إيه في أكسفورد؟"
"بروفيسور توينبي"، يلقي محاضرة، عن قضية فلسطين".
"برضه فلسطين، يا أخي خليك في لندن. الويك إند قربت".
"هذه محاضرة مهمة".
"خلاص أجي معاك".
كانت تلك عادة منسي ضحكت لأنه كان يجدني ذاهباً إلى أي مكان فيقول لي "أجي معاك" وقد رافقني بالطريقة نفسها إلى الهند وإلى أستراليا.
يا أخي أنت صايع ما عندك أهل؟ ما تروح لزوجتك وعيالك؟
بلا زوجة بلا عيال بلا غم، يلا بالك بينا.
كان محظوظاً في "ماري" تلك السيدة الطيبة تزوج وأنجب وعاش كما يحلو له، كأنه أعزب يسافر ويعود ويظهر ويختفي وهي في حالها، كأنه ضيف.
أحياناً كنت أتنبه فجأة أنني لم أره منذ أسبوعين أو ثلاثة فأتصل بداره، فترد علي "ماري".
"منسي ليس موجوداً".
"أين هو؟"
"لا أعلم".
"منذ متى؟"
"منذ أسبوعين".
"ولا تسألينه أين يذهب؟"
"وأنت تعرف منسي هكذا هو، لكنه يعود دائماً".
ظل يذكرها كثيراً بعد أن توفيت في حادث حريق في دارهم في واشنطن وكان يقول إنها قديسة وأشهد أنها كانت شيئاً من ذلك.
"قطار بتاع إيه يا شيخ نروح بسيارتي".
"لا يا عم، لا يمكن أروح لحد أكسفورد (بالفسطة) بتاعتك دي".
تسمي دي سيارة؟
منسي إنسان لكن على طريقته.
أنت لسه في زمن الـ "نيل" يا ابني أحنا دلوقت في مرحلة جديدة. اشتريت سيارة محترمة.. حاجة أبهة.
اتضح أنها سيارة (نصف عمر) لا أذكر نوعها اشتراها بطريقته الملتوية صاحب الجزار يعرف واحداً صاحب كاراج، يعرف واحداً يتاجر في السيارات المستعملة.
لكنني أحب السفر بالقطار.
لو كان لي من الأمر شيء لربطت العالم العربي كله، من طنجة إلى مسقط ومن اللاذقية إلى نيالا، بشبكة من السكك الحديدية مثل قطارات الـ T.O.V السريعة في فرنسا وقطارات الـ Bullit في اليابان الإنسان الذي كان يسير الشهر والشهرين بالبعير، من صنعاء إلى مكة لماذا قفز فجأة لهذه الوسيلة الجنونية؟ المطارات مهما بلغت، تبدو شيئاً مؤقتاً. محطات السكك الحديدية لها طعم آخر وسحر خاص. المحطات الخلوية والمظاهر المتنوعة. تعرف أنك قد قمت من مكان ووصلت إلى مكان تنام وتقرأ وتصادف أصنافاً من خلق الله. ليس مثل الطائرة تغمض وتفتح فإذا أنت قد انتقلت من حال إلى حال.
يا للا بلاش كلام فارغ يا للا يا أخي سيب السلبطة بتاعك دي أحسن تضيع مننا المحاضرة.
عكس الآية كعادته وتصدر المجلس، وأصبح كأنه هو الذاهب إلى أكسفورد، وأنني مجرد تابع له.
في منتصف الطريق قال لي:
قلت أمر عليك، أنا في طريقي إلى أكسفورد للاستماع إلى محاضرة مهمة يلقيها بروفيسور توينبي آه .. نسيت أن أقدم لك مستر صالح .. صديقي يعمل معي في البي بي سي التفت الرجل إلي:
"آه.. أنت إذا تعمل مع مايكل"؟
نعم مستر .. مايكل من كبار المسؤولين في البي بي سي كما تعلم وهو رئيسي المباشر.
لم يخف منسي سروره أنني أؤدي الدور كما يجب، وكأنه أراد أن يرد لي التحية، فقال للرجل:
مستر صالح من المعاونين الأكفاء الذين يعملون معي.
انصرف الرجل كلياً إلى منسي واتضح لي من الحديث لماذا كان يفكر في «منسي» ولماذا فرح لمقدمه .
  • ملف العضو
  • معلومات
فارس...
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 16-01-2009
  • المشاركات : 42
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • فارس... is on a distinguished road
فارس...
عضو نشيط
رد: مقالات الطيب صالح في "المجلة" (3)
01-03-2009, 08:08 AM
الطيب صالح: من صنعاء إلى الرياض رحلة داخل مدينة عربية واحدة
الطيب صالح
29/05/2008


* تسافر من صنعاء إلى الرياض، فكأنك تعبر الجسر من أم درمان إلى الخرطوم بحري، أو من الأعظمية إلى الكاظمية أو من الرباط إلى سلا. تركت صنعاء البلقاء قاصداً الرياض العصماء، وحين تسافر بالطائرة هكذا، تبدو لك هذه العواصم العربية كأنها أحياء في مدينة واحدة. تلمّ بها ليلاً أو نهاراً. الأضواء أوضح هنا، والمطار أكبر هنا، البيوت أسوأ حالاً في مكان، والمآذن أكثر ارتفاعاً في مكان. هنا يبنون بالحجر الأبيض، وهنا يبنون بالطوب الأحمر، وهنا يبنون بالطين الأخضر، وهنا يبنون بالأسمنت والزجاج والحديد. هنا رواب مخضرة، وهنا صحاري مصفرة وهنا نهر جار وهنا بحر أجاج. وحين تسمع نداءات المؤذنين في الفجر، لا تكاد تميز أين أنت. الله أكبر في القاهرة، كما الله أكبر في بغداد.
جموع تتزاحم في الشوارع والأسواق، أمواج من محيط واحد وحقيقة واحدة. ثوب من نسيج واحد ولكنه متعدد الألوان. ويا لها من ألوان مدهشة إذا نظرت إليها بعين الرضى. إنما لا تتعجل شروق الشمس، ولا تمزق الثوب، لأنك تضيق بتعدد الألوان.
في صنعاء ذات القوام الرشيق والسمت المميز، لقيت فيمن لقيت صديقي سيد أحمد الحردلو، الشاعر الموهوب، الذي كان سفيراً ناجحاً للسودان في اليمن. وجدت أنهم خلعوه من عمله. كل عهد تجود به علينا الأيام، لا تقر عينه، حتى يعزل أفواجاً من السفراء والضباط والوكلاء والمديرين ومن هم أدنى من ذلك. كأنهم يقلعون أشجاراً بدأت تثمر ليزرعوا مكانها أشجاراً أخر. وينتظرون الحصاد، ويقولون إن ذلك لأجل مصلحة الوطن، إنه يعلم إنك لا تذبح الناقة الحلوب، ولا تعقر الجمل الطروب.
وقد قال أبو العلاء رحمه الله:
أأرجو لها شراً ولم أر مثلها
سفائر ليل أو سفائن آل
وهنُ مُنيفاتُ إذا جُزنَ وادياً
تخيلتُنا منهنَّ فوق جبال
ذاك وقد قضيتُ أياماً عامرة مع الأميين بصحبة محمد المضواحي. في اليمن أيضاً قاموا بحملة وطنية لمحو الأمية بدأت عام 1982، شاركت فيها الهيئات الحكومية والشعبية والشرطة والجيش، وكادوا يبلغون الهدف. وقد طبقوا النظرية التي بلورها الدكتور محي الدين صابر، المدير العام السابق للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وأحسنوا الاستفادة من الجهاز العربي لمكافحة الأمية وتعليم الكبار. إلا أنهم لسوء الحظ ضعفت حماستهم بعد ذلك كما فعلت دول عربية أخرى، فأخذت الأمية تزحف من جديد.
أثناء ذلك جددت العهد بصديقي الدكتور عبدالعزيز المقالح، الشاعر العالم الأديب، مدير جامعة صنعاء، وهو أحد الرجال الذين يعتد بهم في العالم العربي. وقد زاد من سعادتي أنه هيأ لي لقاءات مع الطلبة والأساتذة في الجامعة، استفدت منها أكثر مما استفادوا مني. كذلك سعدت بلقاء الأخ حسن اللوزي، الوزير الشاعر. وقد وجدت عندهم أخي سليمان العيسي، الشاعر الكبير ذا الخيال الجموح والقلب الخفّاق، وقد أهدى إليّ أبياتاً من شعره، جادت بها قريحته عفو الخاطر، ما وددت أن لي بها حمر النعم، يقول فيها:
دعنا إذا في قاعِ قاعِ النيل
نخرج من “مغطسنا” الطويل
نخرج يوماً يا أخا “القيل”
ليس على الله بمستحيل
ثم سافرنا إلى “حجة” على بعد قرابة أربع ساعات بالسيارة، في طريق متعرجة تصعد في جبال جرد تحتها أودية خضر. ولما بلغنا “ حجة “ إذا بلدة عامرة تشرف على مناظر تخلب اللّب. أصبنا الغذاء في نزل على ربوة جميلة ثمّة، كانت تتوافد عليه قوافل من السياح الألمان والطليان والأمريكان وغيرهم.
طفنا بعد ذلك بصفوف مكافحة الأمية، رجالاً ونساء أذكر منها على وجه الخصوص، صفاً للنساء، تراوحت أعمار النساء فيه بين العشرين وأقل، وما فوق الخمسين، ووجدنا صبية في الحادية عشرة، فضّلت صف محو الأمية على المدرسة النظامية، لأنها أنست أكثر إلى مدرسة محو الأمية، ولأن أختها التي تكبرها سناً كانت في فصل محو الأمية. وقد وجدت في ذلك دليلاً على أن التعليم يمكن أن يتم حيثما اختار الطالب، وليس حتماً أن يقدم بين جدران المدارس النظامية.
وإن أنس لا أنس تلك العيون النجل المشعة بالذكاء، تطلُ من ثنايا البراقع كأنما إلى أفق قريب المنال .
سوف نصل إن شاء الله. إنما لا تتعجل مولد الفجر. لا تتعجل مولد الفجر لا تتعجل مولد الفجر يا عمرك الله، فالأمر ليس بيدك، وكل شيء له أوان، النخلة لا تثمر قبل الموسم، والله غالب على أمره.
هذا وقد ابتعدت الطائرة من صنعاء واقتربت من الرياض. إنما هما في خيالي أجزاء من مدينة واحدة، سلام على تلك المدينة. وأنت أيها “ الشاعر” لذْت بعالم الأطفال فراراً من عالم الكبار، كما ألوذ بعالم الأميين. أنت في معقلك في “ تعز “ آليت ألا تكتب إلا للأطفال. تكتب وتنتظر. أرجو ألاّ يطول انتظارك، والسلام عليك إذ تقول:
إني ممن يبحثون عن رئة جديدة “ اللدورة “ المهترئة
أعني بها دماءنا الكريمة
في الأمة المنكوبةالعظيمة
أنت هنا في نجد، بأريح هوائها الذي دوّخ الشعراء منذ قال قائلهم:
وتحسب سلمى ما تزال كعهدنا
بوادي الخُزامى أم على رس أوعال
نجد التي ناجاها غيلان وأطنب فيها الشيخ عبدالعزيز .هواء رقيق الحواشي حتى في شهور الصيف. نعم تروق لي هذه المدينة الحسناء. تجد مطارها أول ما تصل، مفتوحاً على الأفق، كأنه امتداد له، لذلك فأنت لا تحس فيه بالاختناق الذي تحسه في بعض المطارات، وقد وفّق مصممو معماره في الجمع بين القديم والجديد، فأصبح دون شك تحفة من تحف المعمار المعاصر. ليس مثله مطار جدة، ذو الأجزاء المبعثرة، والأسقف كأنها خيام مقوّضة؟ وعلى الجدران لوحات جميلة ، بينها جدارية للفنان المغربي الشهير فريد بلكاهية، إذا مررت بها في صالة المغادرين للرحلات الدولية، فتريث عندها قليلاً، ففيها فن كثير. كذلك الشوارع، وسيعة، وقد بذلوا جهداً كبيراً في زراعة النخل والشجر على جانبيها، توجد بقايا نخل قديم هنا وهنا، لم تفتك بها بعد الأبنية الحديثة. لعلهم أكثروا من الأسمنت والزجاج. ورغم أنني من أتباع الدكتور حسن فتحي - رحمه الله -، ولا يعجبني المعمار الحديث عموماً، إلا أنني لا أنكر أن بعض هذه الأبنية الحديثة ذات معمار طريف أخاذ. وإذا كانت دور الحكومة تميل إلى الضخامة، فلا بأس، لأن مساحة القطر شاسعة، والمقياس، الذي تقيس به، كبير أيضاً.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 10:15 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى