> الحكمة من نزول القرآن الكريم
11-05-2008, 10:20 PM


من تقسيم القرآن إلى مكي ومدني، يتبين أنه نزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفرقًا ‏.‏


ولنزوله على هذا الوجه حكم كثيرة منها‏ :‏

1- تثبيت قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقوله تعالى‏ :‏﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏ ‏ ‏[ ‏الفرقان ‏:‏32-33‏ ]‏‏ .‏


2- أن يسهل على الناس حفظه وفهمه والعمل به، حيث يقرأ عليهم شيئًا فشيئًا، لقوله تعالى‏:‏ ‏﴿ ‏وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ‏ ‏[ ‏الإسراء ‏: ‏106‏ ]‏


3- تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القرآن وتنفيذه، حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية، لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان ‏.‏


4 - التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه، ألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا، فنزل في شأنه أولا قوله تعالى ‏:﴿ ‏يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا‏ [ ‏البقرة ‏:‏ من الآية 219 ‏]‏ فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئا إثمه أكبر من نفعه ‏.



ثم نزل ثانيا قوله تعالى ‏:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ‏ [ ‏النساء ‏:‏ من الآية 43 ‏]‏ فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات، ثم نزل ثالثا قوله تعالى ‏:﴿ ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏[ ‏المائدة‏ : ‏90 ‏]﴿ ‏إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏ [ ‏المائدة‏ :‏ 91 ‏]﴿ ‏وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ ‏ ‏[ ‏المائدة ‏:‏ 92 ‏]‏ فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منها باتا في جميع الأوقات ، بعد أن هيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات ‏.‏

أصول في التفسير
الشيخ محمد الصالح بن العثيمين