تاريخ النثر في بلاد الأندلس
26-04-2016, 07:31 PM




فنون النثر الأندلسي:
تعددت فنون النثر العربي في الأندلس، فتناول الأندلسيون ما كان معروفًا في المشرق من خطب ورسائل ومناظرات ومقامات، وزادوا عليها بعض ما أملته ظروف حياتهم وبيئاتهم، وقد شاع فيهم تصنيف كتب برامج العلماء، التي تضمنت ذكر شيوخهم ومروياتهم وإجازاتهم. وكان للكتاب مزية الجمع بين الشعر والنثر والإجادة فيهما.

الخطابة:
كانت الخطابة وليدة الفتح، فقد استدعت الغزوات التي قام بها العرب المسلمون قيام الخطباء باستنهاض الهمم، وإذكاء روح الحماسة للجهاد في سبيل الله عز وجل. ولما تمزقت البلاد، واستحالت إلى دويلات كثيرة، واستعان بعض أصحابها بالأعداء، كان الخطباء يقفون في المحافل العامة للدعوة إلى لم الشمل وترك التناحر.

ومنذ عصر المرابطين، حتى آخر أيام المسلمين في الأندلس، ظهرت الخطب المنمقة، ومنها التي تتضمن التورية بأسماء القرآن الكريم كما في خطبة للقاضي عياض (544هـ) التي يقول فيها: "الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه، وبيَّن في سورة البقرة أحكامه، ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه".

الرسالة:
كانت الرسالة في القرن الأول من الفتح ذات أغراض محددة أملتها ظروف العصر، وكان لا يلتزم فيها سجع ولا توشية. ثم حظيت كتابة الرسائل بكتاب معظمهم من فرسان الشعر استطاعوا بما أوتوا من موهبة شعرية وذوق أدبي أن يرتقوا بأساليب التعبير وأن يعالجوا شتى الموضوعات، فظهرت الرسائل المتنوعة ومنها الديوانية والإخوانية.

فمن الرسائل الديوانية رسالة أبي حفص أحمد بن برد (ت428هـ) (المعروف بالأصغر تمييزًا له من جده الأكبر) من كتاب ديوان الإنشاء في دولة العامريين، وقد وجهها لقوم طلبوا الأمان من مولاه. واستخدم فيها الأسلوب الذي يخيف بالكلمة المشبعة بالوعيد.

ومن الرسائل الإخوانية رسالتا ابن زيدون الهزلية والجدية، ورسالة لسان الدين بن الخطيب إلى صديقه ابن خلدون في الشوق إليه. وقد شاع استعمال لفظ "كتاب" عوضًا عن الرسالة، كما ورد في رسالة جوابية كتبها ابن عبد البر (ت458هـ) إلى أحد إخوانه يعبر فيها عن مدى إعجابه بأدبه.

المناظرة:
وهي فن يهدف الكاتب فيه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية، وهي نوعان خيالية وغير خيالية. فمن المناظرات الخيالية مناظرة بين السيف والقلم لابن برد الأصغر، وقد رمز بالسيف لرجال الجيش، وبالقلم لأرباب الفكر، ثم أجرى الحوار بينهما، وانتهى فيه إلى ضرورة العدل في المعاملة بين الطائفتين.

ومن المناظرات غير الخيالية ما تجري فيه المناظرة بين مدن الأندلس ومدن المغرب كمفاخرات مالقة وسلا للسان الدين بن الخطيب، وكانت مالقة أيام الدولة الإسلامية من أعظم الثغور الأندلسية، أما سلا فهي مدينة رومانية قديمة في أقصى المغرب، وقد فضل الكاتب مالقة.

المقامة:
وهي نوع من النثر الفني نشأ في المشرق على يد بديع الزمان الهمذاني، ثم حذا حذوه الحريري. وفي الأندلس عارض أبو طاهر محمد التميمي السرقسطي (توفي بقرطبة سنة 538هـ) مقامات الحريري الخمسين بكتاب الخمسين مقامة اللزومية، وهي المعروفة بالمقامات السرقسطية، ولزم في نثرها المسجوع ما لا يلزم. كتب أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأزدي (ت750هـ) "مقامة العيد" التي استكدى فيها أضحية العيد من حاكم مالقة الرئيس أبي سعيد فرج بن نصر.

كما ألَّف لسان الدين بن الخطيب مقامات كثيرة منها مقامته في السياسة، وقد بناها على حوار بين بطلين هما الخليفة هارون الرشيد وحكيم فارسي الأصل عربي اللسان، وقد تضمّنت آراؤه وتجاربه الشخصية فيما ينبغي أن تكون عليه سياسة الحكم.

كتب برامج العلماء:
وتضم شيوخ مؤلفيها، وما أخذوه عنهم من الروايات، وما قرؤوه عليهم من الكتب، وما حصلوا عليه من الإجازات. واختلفت تسمية البرنامج بحسب المؤلِّفين، فيقال له المعجم، والمشيخة، والفهرس، والثبت، والسند والتقييد. ومن هذه الكتب فهرس ابن خير الإشبيلي (ت575هـ)، وبرنامج المجاري (ت862هـ)، وثبت البلوي الوادي آشي (ت938هـ).

تطور النثر في مختلف أطوار العصر الأندلسي:
عرفت في الصدر الأول من الفتح نماذج قليلة من النثر اقتضتها ظروف الفتح، كالخطابة التي تطلبتها مناسبات سياسية ودينية، والكتابة التي اقتضتها ظروف الحكم، وكتابة العهود والرسائل والتوقيعات. وهو نثر تغلب عليه المسحة المشرقية من حيث الميل إلى الجزالة وقوة العبارة وعدم اللجوء إلى المحسنات، ما عدا خطبة طارق بن زياد التي يدور الشك حول نسبتها إليه.

وفي عهدي بني أمية والطوائف ظهر نوع من النثر المتأثر بنثر الجاحظ، وكان للحكام دور في تشجيع الأدباء على التأليف، وإسناد الوزارة إلى أصحاب الحذق والمهارة، فقد ألف ابن فرج الجيّاني كتاب "الحدائق" وقدمه للحكم المستنصر، وقد انتدب المعتضد العبادي الأديب الشاعر ابن زيدون لرئاسة الوزارة وإمارة الجيش، فسمي بذي الوزارتين: وزارة السيف، ووزارة القلم.

وفي عهدي المرابطين والموحدين ظهرت طائفة من الكتاب عنيت بالكتابة الإنشائية والتأليف في مختلف الأغراض، كما انتشرت في عهد الموحدين المكتبات التي تضم الكتب النفيسة. وعكفت طائفة من الكتّاب على تأليف كتب جديدة منها "المطرب من أشعار أهل المغرب" لابن دحية (ت633هـ)، أو اختصار القديمة منها "اختصار الأغاني" للأمير أبي الربيع الموحدي (ت604هـ)، أو تدوين رسائل تشيد بما وصلت إليه الأندلس من تقدم ثقافي وازدهار علمي منها "رسالة في فضل الأندلس" للشقندي (ت629هـ).

وفي عهد بني الأحمر اتسعت النماذج النثرية فصدر عن الكتاب النثر الديواني الذي يضم الرسائل، والكتابات على شواهد القبور، والعلامة السلطانية والنثر الإخواني بين الكتاب وذوي السلطة، أو بين الكتاب أنفسهم، والنثر الوصفي الذي يتناول وصف الشخصيات والاعلام، ووصف المدن والرحلات مثل رحلة البلوي خالد بن عيسى (ت768هـ) وعنوانها "تاج المفرق في تحلية علماء المشرق"، ورحلة القلصادي علي بن محمد (ت891هـ).

وكثر التأليف في المقامات التي عنيت بتسجيل هموم الحياة، وخرجت عن الكدية والاستجداء إلا في القليل ومنها "مقامة العيد" التي استكدى فيها الأزدي خروف العيد ليرضي زوجته.

خصائص النثر الأندلسي:
على الرغم من تأثّر الكتّاب الأندلسيين بأساليب المشارقة، وطرائقهم الفنية، فقد كانت هناك خصائص امتاز بها نثرهم ولاسيما الترسل، فقد اتخذت رسائلهم في بنائها شكلًا فنيًا يختلف في بعض جزئياته عن الرسائل المشرقية التي تبدأ في الغالب بالبسملة والتحميد والصلاة على الرسول الكريم، فصارت تخلو من الاستفتاح المعروف وتبدأ بالدعاء للمرسل إليه، وتعظيمه، أو بالمنظوم، أو بالدخول في الموضوع مباشرة.

وتنوعت أساليب الإنشاء بتنوع الموضوعات، إلا أنَّ الكتاب حرصوا على الاقتباس من القرآن الكريم والحديث الشريف، وأكثروا من استعمال الجمل الدعائية والمعترضة، وبالغوا في إبراز الصور البيانية، واهتموا باستعمال المحسنات البديعية، وارتقوا بأسلوب التعبير حتى لتبدو بعض رسائلهم وكأنها شعر منثور كما في رسائل ابن زيدون.

وفي العصور الأخيرة تنوعت أساليب الأداء الفني فاتخذت مستويين: أولهما مستوى الكاتب نفسه كما في نثر ابن الخطيب المُرْسَل، والمسجع، والثاني الاختلاف على مستوى الكتاب، وقد سار في اتجاهين يغلب على الأول الإفراط في الزخرفة اللفظية ورائده إسماعيل بن الأحمر (ت807هـ) في كتبه "نثير الجمان" و"نثير فرائد الجُمان" و"مستودع العلامة". ويغلب على الثاني الميل إلى الأسلوب المرسل، ويبدو في رسالة القاضي أبي الحسن النباهي التي يعدد فيها معايب لسان الدين بن الخطيب، وفي كتاب "الخيل" لعبد الله بن محمد بن جُزَيّ،وقد صدر الكتاب بنبذة عن تاريخ ثمانية من ملوك بني الأحمر، ثم تحدث عن صفات الخيل وأحوالها.

أعلام الكتّاب في الأندلس:
ابن عبد ربه (ت328هـ):
وكان شاعرًا وكاتبًا، وله في النثر كتاب "العقد الفريد" الذي قسمه إلى خمسة وعشرين بابًا، وجعل لكل بابين منها اسم جوهرة لتقابلهما في العقد، وهو يجمع بين المختارات الشعرية والنثرية، ولأن أكثر مواده تتصل بالمشرق، فقد قال الصاحب بن عباد لما اطلع عليه: بضاعتنا ردت إلينا.

ابن شهيد (ت426هـ):
كان شاعرًا وكاتبًا، من آثاره النثرية: "رسالته في الحلواء"، ورسالته المسماة "حانوت عطار"، و"رسالة التوابع والزوابع" وهي قصة خيالية يحكي فيها رحلته إلى عالم الجن واتصاله بشياطين الشعراء والكتاب، وقد عرض من خلالها آراءه في اللغة والأدب.

ابن حزم (ت438هـ):
وابن حزم اشتهر شاعرًا وكاتبًا، ومؤلفاته النثرية كثيرة، تتناول شتى الموضوعات في الفقه والأدب والأنساب والتاريخ.

ابن سيْدَة (ت458هـ):
وكان أعلم الناس بغريب اللغة من أشهر مؤلفاته كتابي "المخصص" و"شرح مشكل أبيات المتنبي". وابن عبد البر وكان من أهل قرطبة، واشتهر برسائله التي يغلب عليها الاتجاه السياسي والحديث عن الصداقة والمودة، وقد وصف الشطرنج.

ابن زيدون (463هـ):
وقد افتنَّ برسائله، فكتب الهزلية على لسان ولادة إلى ابن عبدوس يسخر منه، كما سخر الجاحظ في رسالة التربيع والتدوير من الكاتب أحمد بن عبد الوهاب، وقد ساق ابن زيدون تهكمه في سيول من الأشعار والأمثال وأسماء الرجال، وحرص على تناسق الإيقاع، فكان السجع نائبًا عن الأوزان والقوافي. كما كتب الرسالة الجدية يستعطف فيها قلب ابن جهور فيخرجه من السجن، وقد بدأها بالنثر وختمها بالشعر، وهي من حيث القيمة الفنية لا تقل عن الهزلية.

تمام بن غالب بن عمر (ت436هـ):
وهو من أعلام النحويين واللغويين ويعرف بابن التياني نسبة إلى التين وبيعه. من كتبه "الموعب في اللغة" و"تلقيح العين" وقد وجه صاحب دانية Denia، والجزائر الشرقية (جزائل البليار) الأمير أبو الجيش مجاهد العامري (ت436هـ)، وكان من أهل الأدب، إلى أبي غالب أيام غلبته على مرسية، وأبو غالب ساكن بها، ألف دينار أندلسية على أن يزيد في ترجمة كتاب ألفه تمام لأبي الجيش مجاهد فلم يفعل ورد الدنانير وقال: "ولله لو بذل لي ملء الدنيا ما فعلت ولا استجزت الكذب، لأني لم أجمعه له خاصة، لكن لكل طالب".

أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى (ت476هـ):
المعروف بالأعلم لأنه كان مشقوق الشفة العليا، والشنتمري نسبة إلى شنتمرية من بلاد الأندلس وله شروح على الكتب المشرقية، وعلى دواوين بعض الشعراء الجاهليين.

ابن الدبّاغ (ق 5هـ):
ومن كتّاب القرن الخامس الهجري ابن الدبّاغ الذي نشأ في سرقسطة وترعرع فيها، وقد أعلى المقتدر بن هود منزلته لفصاحته وبلاغته. له رسائل يغلب عليها الاتجاه الاجتماعي، وقد جاءت معظم رسائله مملوءة بالشكوى من الزمان.

ابن طاهر (ت507هـ):
وقد تناول كثيرًا من موضوعات أدب الرسائل وأغراضه بحكم إمارته لمرسية، فكتب في الجهاد والصراع مع الصليبيين وفي موضوعات الرسائل الإخوانية، وفي الفكاهة والهزل.

ابن أبي الخصال الغافقي (استشهد سنة 540هـ):
وقد شغل مناصب إدارية في دولة المرابطين، وألف في المقامات، وشارك في نمط من الرسائل عرفت بالزرزوريات.

ابن بسام:
صاحب كتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة"، وضمنه محاسن أدباء الأندلس من بُعيد الدولة المروانية إلى عصره.

محمد بن عبد الغفور الكلاعي (ت545هـ):
وقد ألف كتاب "إحكام صنعة الكلام" في النثر وفنونه.

ابن طفيل (ت581هـ):
وكان طبيبًا وأديبًا وفيلسوفًا اشتهر بقصته "حي بن يقظان"، التي تعد من أعظم الأعمال القصصية الفكرية في العصور الوسطى، والهدف منها الوصول إلى معرفة الخالق والإيمان به.

أبو الحجاج بن محمد البلوي (ت604هـ):
ويعرف بابن الشيخ، وكان موفور الحظ من علم اللغة والأدب، مشاركًا في النقد والأصول. من مؤلفاته كتاب "ألف باء"، وهو أشبه بموسوعة جامعة لفنون الثقافة العامة، صنّفه ليتأدب به ابنه عبد الرحيم (ت638هـ).

ابن جبير (ت614هـ):
أبو الحسين محمد، وكان شاعرًا وكاتبًا له الرحلة المشهورة وقد دونها بأسلوب رصين جزل الألفاظ سهل التراكيب وهي من رحلاته المشرقية الثلاث.

محيي الدين بن عربي:
صاحب المؤلفات الصوفية، ومنها "الفتوحات المكية" و"فصوص الحكم"، وله "الوصايا".

ابن الأبّار:
ومؤلفاته تربو على خمسة وأربعين كتابًا، وصلنا منها "تحفة القادم" و"التكملة" لصلة ابن بشكوال، و"المعجم" و"درر السمط في خبر السبط".

حازم القرطاجي:
وكان شاعرًا ونحويًا وناقدًا، وأشهر كتبه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" الذي يمثل قمة من قمم النقد الأدبي.

أبو الطيب (أبو البقاء) الرندي:
وكان أديبًا شاعرًا ناقدًا. من كتبه "الوافي في نظم القوافي" وهو من كتب النقد والبلاغة.

ابن سعيد (ت685هـ):
الذي نظم الشعر وارتحل ودوّن مذكراته، وترك آثار أدبية تدل على ثراء في الموهبة، واستقامة في التعبير. ومن كتبه المطبوعة "المُغرب في حلى المَغرب" و"القدح المُعَلَّى". و"رايات المبرّزين وغايات المميّزين"، و"عنوان المُرقصات والمُطربات"، و"الغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة"، وله "رسالة في فضل الأندلس".

ابن الجيّاب (ت749هـ):
وقد تدرج في الخدمة في دواوين بني الأحمر حتى صار رئيس كتاب الأندلس، وتخرج على يديه عدد من أهل العلم والأدب.

لسان الدين بن الخطيب:
من آثاره "الإحاطة في أخبار غرناطة" و"اللمحة البدرية في الدولة النصرية" و"نفاضة الجراب في علالة الاغتراب" و"خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف" و"معيار الاختيار في أحوال المعاهد والديار"، وله رسائل كثيرة جمع قسمًا منها في كتابه "ريحانة الكتّاب ونجعة المنتاب".

أثر الأدب الأندلسي في آداب الغرب:
إن صنوف التأثير الأدبية، هي بذور فنية تستنبت في آداب غير آدابها، متى تهيأت لها الظروف والأسباب، وهذا ما حصل في اللقاح الفكري بين الأدبين العربي والإسباني، الذي وصل إلى مدن فرنسة الجنوبية، ومدن اللورين الكائنة في الشرق عند حدود ألمانية، فوجد فيها تربة خصبة جرى نسغها إلى ألمانية وإنكلترة لتكون ركائز النهضة الأوربية.

وقد كتب نائب الأسقف في هيتا El Arcipreste de Hita واسمه خوان رويث Juan Ruiz (ق14) "كتاب الحب الشريف" Libro Buen Amor متأثرًا بكتاب ابن حزم "طوق الحمامة في الألفة والألاف" في المضمون، وفي طريقة التعبير والسرد، وفي تنويع الشخصيات.

وفي سنة 1919م نشر المستشرق الإسباني ميجيل أسين بالاثيوس Miguel Asin Palacios في مدريد نظرية في كتابه "أصول إسلامية في الكوميديا الإلهية" La Escatalogea Musulmana en la Divina Comedia تقول إن الأديب الإيطالي دانتي (Dante 1265-1331) استوحى في ملهاته الأدب العربي، وحادثة الإسراء والمعراج، وكان ملك قشتالة ألفونسو العاشر Alfonso x الملقب بالعالم El Sabio (1253-1284م) قد أمر بنقل كتب العرب إلى القشتالية، فترجم معراج الرسول.

كذلك غزت المقامات العربية قصص الشطار أو القصة الأوربية الساخرة Bicaresque بنواحيها الفنية وعناصرها الواقعية،وكان لقصة ابن طفيل "حي بن يقظان" أكبر الأثر في قصة "النقّادة" للكاتب الإسباني بلتسار غراثيان (Baltasar Gracian 1601-1658).

وكان للموشحات والأزجال الأثر الأكبر في شعر "التروبادور" وهم شعراء العصور الوسطى الأوربية ظهروا في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي في جنوبي فرنسة ووسطها، وعاشوا في بلاط الملوك والأمراء يتغنون بالحب، وقد يكون بين شعراء التروبادور ملك أو أمير.

لقد استقى التروبادور من الشعر الأندلسي نبعًا من الحقائق النفسية عملوا بها وطوروها. فقد صور ابن حزم حبّه الذي لم يكن وليد الساعة، وإنما سرى على مهل واستقر عماده، وبالمقابل فإن دوق أكيتانية غيوم التاسع (ت1127م) وصف شعوره في حبه وطول انتظاره بقوله: "ليس على الأرض شيء يوازي هذا الطرب، ومن شاء أن يتغنى به كما يستأهل فلا بد أن تنقضي سنة كاملة قبل أن يحقق ما يريد".

كذلك وجد التروبادور في الشعر العربي رقيًا ونضجًا من حيث التنوع في الوزن والصقل والتعبير اللغوي، فحاولوا السير على منواله، ومن ذلك أن متوسط المقطوعات التي تتألف منها قصيدة التروبادور سبع وهو العدد الغالب على الموشح أو الزجل،وأن مجموع الغصن والقفل يسمى عند التروبادور بيتًا، وهو الاسم ذاته في الموشحات والأزجال.

إن هذا التشابه من حيث البساطة في المعنى، والأوزان والقوافي في الأسلوب، يدل على تأثير التروبادور بالنماذج العروضية والعاطفية في الشعر العربي، وقد انتقل هذا التأثير إلى أوربة فكان للعرب اليد الطولى في إغناء الشعر الأوربي وإترافه برائع الصور والأساليب.



هناء دويدري