ليس من باب التهويل مستقبل تونس والجزائر على كف عفريت
10-07-2015, 10:54 PM


عنوان المقال ليس من باب التهويل على الإطلاق، ولا هومن باب لفت الانتباه للكاتب كما قد يتوهم بعض تبّع الأنظمة العربية وتوابعها؛ ويكفي كل عاقل منصف أن يلقى بنظره إلى واقع المتغيرات وطوارئها في عالمنا العربي، من العراق إلى ليبيا ثم سورية فاليمن ومصر، وحبل آفة التدمير الذاتي على جرار أنظمة عربية بعينها، لم تعد خافية أسماؤها على المواطن؛ وما يدعولإثارة الموضوع سؤال تلقيته من دكتور عن مستقبل مصر بعد الهجوم الإرهابي الأخير أول هذا الشهر في سيناء؛ وملاحظة ثانية استرعت انتباهي لدكتور جزائري عبّر عن صدمته من حجم الرسائل ومفرداتها (الإرهابية الطائفية المذهبية المقيتة) وصيغها التي تنضح كراهية وإنكارا للآخر، لمجرد أنه دافع عن الإخوة الاباضيين في الجزائر، إثر الهجوم غير المسؤول عليهم من قبل أصحاب الفكر التكفيري، الذين ينسبون أنفسهم أويتسمون دجلا بالسلفية، وواقع حالهم وسلوكهم اللذين يغنيان عن مقالهم أنهم ” جماعة صلفية” (من الصلف) بامتياز، وليست من السلف الصالح لهذه الأمة في شيء؛ ما دعا الدكتور للبحث أكثر فيكتشف مصدوما، العدد الهائل لصفحات النت والتواصل الاجتماعي في الجزائر، والتي تتضاعف يوميا، تركز بشكل لافت على إثارة الفتن المذهبية؛ وقد عرضنا منذ أكثر من عام وعبر هذه الصحيفة لهذا الموضوع تحديدا، ونبهنا السلطات في الجزائر لخطورته وما يحاك لهذا البلد؛ ومن المؤسف القول والشيء بالشيء يذكر: أن السلطة الجزائرية منذ أسبوع فقط، حين تحسست خطر صفحات أنشئت فجأة منتحلة صفات رسمية، لتحريك طلبة التعليم المتوسط وأوليائهم، بعرض نتائج وهمية لامتحاناتهم، سارعت السلطة وعلى الفور لحجب كل تلكم الصفحات، بل وعطّلت الموقع الرسمي للديوان الوطني للامتحانات، حتى لا يتعرض لأي اختراق، معلنة عن تاريخه إعادة تنشيطه ثانية، ومن خلاله فقط يمكن الحصول على نتائج الامتحانات، الأمر الذي أعاد بشكل ملحوظ السكينة للطلبة وأهلهم. وهنا يطرح السؤال المشروع: ألا تُقدّر السلطة في الجزائر خطر تلكم المواقع التكفيرية؟ ولماذا لا يتم توقيفها بل ومتابعة مبتدعيها قضائيا؟ ومن بين ما كنا قد أشرنا له في مقال سابق، وعن بينة وليس مجرد ادعاء، ولا من باب تشويه تيار بعينه كما يسوغ البعض، أن بداية تلكم الصفحات بعض عناوينها الالكترونية، من خارج الحدود الجزائرية، وإن كانت تستتر خلف أسماء عربية متدثرة بشعارات إسلامية؛ بكل وضوح أشرنا للدولة العدو”إسرائيل”؛ ومن المعلوم في القانون الجزائري أنه يكفل للنائب العام حق فتح تحقيق في الموضوع مباشرة بعد تناوله إعلاميا دون انتظار شكوى من مواطن أوجهة ما؛ الشيء الذي لم يحدث إلى ساعة كتابة هذا المقال، كما أن مواقع الفتنة والتحريض تتزايد بشكل غاية في الخطورة على الأمن القومي للبلد كله. وما يدعوللاستغراب أن المنظومة القانونية الجزائرية متقدمة من ناحية المواد والنصوص، والمُشرّع كان سبّاقا باعتبار التحريض والتشهير وغيرها، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، جريمة قد ترقى لاعتبارها جناية يعاقب عليها مرتكبها.



لم يعد السؤال عن مستقبل مصر موضوعيا، لأننا أشرنا له في مقالات عديدة، ومنذ سنوات، وهوالآن حاضرا وليس مستقبلا، وواقعا معاينا ومشاهدا وليس رجما بالغيب كما كنّا نُتهم، مصر تتمزق بين قطبين اثنين، كل منهما يدعي لنفسه الشرعية، ويبرر عنفه بعنف خصمه، وما يسمى بالنخب الفكرية والسياسية أغلبها تابع لهذا أوذاك، والمُغيّب الأكبر والأهم هوالشعب المصري والعقل والحكمة، والشعار الأبرز “أنا خير منه”؛ وليس إلا الأعمى من لا يرى كيف يدعم المحور الدولي الامريكو-صهيوني عبر أهم دولة إقليمية خليجية طرف السلطة في مصر، وذات الوقت نفس المحور الدولي الامريكو-صهيوني يدعم عبر حليفه الثاني وهي دولة كذلك إقليمية الطرف الآخر في الخصام أي التيار الاسلماوي، الذي وطأ له أرضه قاعدة ينطق منها، بل ويتزود بالسلاح تماما كما فعل مع سورية. المحوران الداعمان لطرفي الاقتتال في مصر، كليهما مرتبط عضويا واستراتيجيا بالمحور الأمريكو-صهيوني؛ إذن ومن خلال هذا الواقع المزري عن أي مستقبل نسأل؟ لقد فتحت النخب المصرية (السلطوية والسياسية والعسكرية بمختلف أذرعها) باب الجحيم على نفسها، حين أقرّت شكلا وموضوعا تدخل أنظمة خليجية في الشأن الداخلي الليبي والسوري، هذا الإقرار المصري الذي رفضناه حينها ونبهنا لمخاطره، ليس كما قرأه البعض حينها دعما للقيادة السورية وإنما لكونه إقرار لذات الأنظمة الخليجية وغيرها بالتدخل في الشأن المصري الداخلي؛ وهوما تناولته تصريحات السيسي منذ بضعة شهور، مبطنة اتهامات لقطر بدعم الجماعات المسلحة، وصرحت به وسائل إعلامه بكل وضوح؛ نقول وبكل مرارة: من المؤسف أن تنتهي حركة الشعب المصري باختطافها وركوب موجتها من قبل كلّ النخب وعلى رأسها الاسلماوية، وجميعها لم يكن لها قيد أنملة في حركة الشعب، الذي انتفض ضد الظلم والاستبداد والفساد، لم يرفع غير شعار الكرامة والعدالة الاجتماعية، لتقحمه في صراعات على السلطة والنفوذ وتقاسم ريع الفساد والتكالب على ساحات النفوذ، وأغلبها إن لم يكن كلها ارتهنت للمحورين الإقليميين، وجميعها يضحي بالشعب المصري ودولة مصر لصالح الراعي الأول لكل أطراف الصراع، والخلاصة “ضاعت مصر” وهي مقبلة على عشرية دموية لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.



مصيبة الشعب المصري النبيل بطبعه، أن نخبه ونقولها بكل صراحة ووضوح مصابة بتورم في الأنا، ما حصر قدرتها الفكرية في مرحلة “الطفولة العقلية”، فبدل تحمل المسؤولية ومواجهة الأمر الواقع بحكمة ووعي بجدية خطره المحدق بالوجود المصري، كلما لفتنا انتباه الاشقاء له، أداروا اسطوانتهم التي تترجم واقعا متوهما، تغني عن عراقة النظام المصري الضارب بجذوره الى ما قبل الفراعنة، ورفعت شعارات نحن الأقدم والأعلم والأقوى وما الى ذلك من مفردات تذكرني بمرحلة الطفولة، حين يختلف طفلان، أوينطلقان في افتخار كل منهما بقوة “والده” بكونه الأطول والأقوى والأكبر والأغنى؛ واقع مصر اليوم المتغافل عنه وهوالأصل في الخطر، ليس خوفوولا خفرع، ولا منقرع، ولا حتى كوكب الشرق والمايسترو، ولا قطعا الزعامة (الصورية) عبد الناصر، ويقينا ليست حرب أكتوبر والبطولات المسروقة، واقع مصر اليوم شارع يغلي تحت وطأة الاستبداد والغلاء الفاحش للأسعار، وانعدام الأمن بضياع العدالة وإفلاس منظومتها، هذا من جهة، ومن أخرى واقع مصر إفلاس اقتصادي مروع، وتعطل آلة الإنتاج والحياة فيه نظرا للحالة الأمنية المنفلتة، والسلطوية المتفلتة، وارتهان القرار المصري لأضعف الأنظمة الملكية العربية، وما ترتب عنه من تداعيات أفرزت بطبيعتها خلايا سرطانية، يكتشف اليوم قلة من حكماء مصر أن انتشار وبائها قد تخطى المرحلة الرابعة، وهي مرحلة يستعصى معها العلاج.



قلوبنا على مصر لا محالة، لكن كمن سلّم بقضاء أرادته بها نخبها، وقدرً فرضته عليها سلطتها، غير أن القادم على بقية عالمنا العربي لا شك مخيف، وحين أقول البقية فإني أعني دولا بعينها وهي سلطنة عمان وتونس والجزائر، وهوما سنعرض له تفصيلا في المقال القادم بحول الله.

إسماعيل القاسمي الحسني