من ياكل الفالوذج؟
06-09-2018, 11:26 AM
يـــــــــــــروى عن الإمام أبي يوسف القاضي المشهور:​

أنه توفي والده وهو صغير فربته أمه، فحرصاً منها على مصلحة ابنها -وكما يسمونه الناس في ​

هذا العصر حفاظاً على مستقبله- أدخلته عند خياط ليتعلم الخياطة ويكسب كل يوم دانق، الدانق: مثل ​

ما نقول إنه في لغة العصرعندنا دينار واحد، فكان أبو يوسف يذهب للخياط -كل يوم في الصباح- في​

الكوفة، ويرى مجموعة من الطلاب في مسجد الكوفة قد تحلقوا عند شيخ مُعَمم، فدخل مرة لينظر ​

ماذا يفعل هؤلاء الطلاب في هذا المسجد؟! فرأى أنهم يجتمعون عند الإمام أبي حنيفة، وكان هو ​

عالم الكوفة في زمانهم وإمام العراق، فأُعجب الإمام، أعجب أبو يوسف بكلام أبي حنيفة، فجلس ​

عنده ولم يذهب للخياط.​

وفي الغد أيضاً: رجع إلى مجلس أبي حنيفة ولم يذهب للخياط، فشكاه الخياط إلى أمه وقال: إني​

سأقطع رزقه، فتبعته أمه تنظر إلى أين يذهب ولدها فوجدته يدخل المسجد، ويحضر درس أبي ​

حنيفة- وطبعاً الأم كانت أمية غير متعلمة- وكانت تريد أن تحافظ على مستقبل ولدها بكسب رزقه، ​

فأخذت الولد- كما ذكروا في الرواية- من أذنه لتخرجه، فقال أبو حنيفة: «يا امرأة إني أرى في ابنك ​

عقلاً- يعني أرى فيه ذكاء- فدعيه يطلب العلم، فسيأتي عليه يوم يأكل الفالوذج »​


وهذه أكلة ما كانت توجد في ذاك الزمن إلا عند الخلفاء؛ لأنها أكلة نفيسة، غالية الثمن، وهي ​

عبارة عن نوع من الحلويات كان يُصنع في بلاد فارس ويُرسَل للعراق، فقالت المرأة- طبعاً بحسب​

فهمها- لأبي حنيفة: إنك شيخ خرف، دع ابني هذا يكسب دانقاً كل يوم.​


وفي الغد رجع أبو يوسف إلى مجلس أبي حنيفة ولم يذهب إلى الخياط، فقال أبو حنيفة لأبي يوسف:​

«كم يعطيك الخياط؟» قال: يعطيني دانقاً كل يوم، قال أبو حنيفة: «أنا أعطيك ثلاثين درهماً»، يعني ​

أعطيك الأجرة مضاعفة,,لأنه رأى فيه الذكاء والجد واطمأنت الأم أن ابنها ما دام يكسب رزقاً وله ​

مرتب شهري فتركته، وهذا من حسن رعاية الإمام أبي حنيفة لطلابه ونفقته عليهم.​

فبارك الله -عز وجل- في علم أبي يوسف ونفعه، وتفقه بأبي حنيفة وتخرج على يديه، وكان من ​

أنجب تلاميذ أبي حنيفة هو ومحمد بن الحسن الشيباني.​

ولما جاء زمن هارون الرشيد، عُيِّنَ أبو يوسف قاضياً للقضاة، يعني: أعلى منصب في الدولة​

الإسلامية الذي كان يحكم على القضاة ويعينهم ويفصل ما بينهم، كان أبو يوسف القاضي يوسف ​

بن إبراهيم -رحمه الله- وجلس عند الرشيد مرة على طعام الغداء، فقدم له الرشيد مجموعة من ​

الأطعمة، ومنها: لون من ألوان الطعام قَرَّبه إليه قال: يا أبا يوسف، كُل من هذا فإنه لا يصنع لنا ​

منه كل يوم، قال أبو يوسف: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ يعني رأى أكلة غريبة لم يرها من قبل، قال ​

الرشيد: هــــذا الفالوذج بــــدهن الفســـتق.​

يقولون: إن أبا يوسف تدحدرت من عينيه دمعتين، فسأله الرشيد عن القصة، فأخبره فقال الرشيد: ​

"رحم الله أبا حنيفة كان ينظر بعين عقله لا بعين رأسه"حقاً! إن العلم ليرفع صاحبه في الدنيا والآخرة.​

ويروى عن أبي يوسف أنه قال: لو كنت كما أرادت أمي لكنت خياطاً، لكن شاء الله لي أن أكون ​

عالماً، أجالس الخلفاء وآكل على موائدهم، وهذا يدل على فضل العلماء​..