عودة قوية للأمثال الشعبية الناقدة للوضع
03-09-2015, 06:35 AM
وهيبة سليماني
اشتدت حدة النقاشات في المقاهي والحدائق العمومية والشواطئ بين الجزائريين بطريقة ساخرة يغلب عليها التنكيت والهزل والأمثال الشعبية، وتزامن ذلك مع الجدال القائم حول"الدارجة" وانخفاض سعر البترول، وما تبعه من حديث حول"التقشف" و"ترشيد النفقات"، والتخوّف من عدم استكمال المشاريع السكنية.
"من لحيته بخرلو".."الرشاق حميدة واللعاب حميدة" .."حوت يأكل حوت و قليل الجهد يموت".."عندما تشبع الكرش تقول للرأس غني".."الفم المزموم ما تدخلو ذبانة".. "جا يسعى ودر تسعة".."خرج من الحبس طاع في بابو".."كم من قبة تنزار وملاها في النار" هذه أمثال شعبية تتكرر في يوميات الجزائريين في الآونة الأخيرة تحمل في طياتها نقدا ورفضا وتذمرا حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
يقال إن الأمثال الشعبية هي خزانة التراكمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لواقع المجتمع، ومدى ارتباطها وتعارضها مع الواقع وحديث الساعة، فما يثار اليوم من"شحن لغوي" تجاوز حدود الواقع والحلول المطروحة.
في مرحلة سابقة رغم تداول بعض الأمثال الشعبية داخل الأسرة الجزائرية أو في الشارع من طرف كبار السن في الغالب، إلا أنها لم تحظ باهتمام الشباب وتأخذ نصيبا من حديث المقاهي والشواطئ.
لكن عودتها القوية ارتبط اليوم حسب بعض المواطنين بحالة الملل من الخطابات السياسية والوعود الكاذبة حسبهم للدولة، وبالمهازل التي يقوم بها بعض المسؤولين كالوزراء والولاة، والأميار.
قال سائق طاكسي منتقدا للمشاريع السكنية الضخمة والتي تزامن برمجتها مع"التقشف"، إن ناس زمان قالوا"خرج من الحبس طاح في بابو" ..هكذا ما وقع لنا اليوم"، ثم أضاف"كل ما يرقعوها من جهة تتمزق من جهة".
قالت سيدة متقدمة في السن كانت تسحب مبلغا ماليا من بريد حسين داي، "حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت"، حيث بقيت واقفة لمدة طويلة قبل أن يلتحق عون الشباك بمكتبه.
"اللعاب حميدة والرشاق حميدة" هو أكثر المثال الشعبية المتداولة بين أوساط الشباب والكهول في الشارع الجزائري، وهو يعكس القناعة التامة لدى المواطن الجزائري، بأن المسؤولين يملون عن الشعب ما يحلو لهم ويسنون القوانين ويصدرون الأوامر حسب أهوائهم ومصالحهم الخاصة.
أمثال شعبية تطفو على سطح المجتمع الجزائر تحمل في معانيها، عدم الثقة في المشاريع والأشخاص الذين يديرونها، وتضم حالة خوف من المستقبل.
في هذا الموضوع، فسر المختص في علم الاجتماع، يوسف حنطابلي، الظاهرة بالقول إن المجتمع الجزائري يعيش حالة نفسية متناقضة من جهة يبحث عن حل للوضع الحالي ومن جهة يتخوّف من أن يؤدي هذا التغيير للمرحلة التي عاشها في خلال 1988وسنوات التسعينيات، مما خلق حسب حنطابلي شحنا لغويا تجاوز فيه الخطاب حجم الواقع.
أوضح، أستاذ علم الاجتماعي في جامعة بوزريعة، يوسف حنطابلي أن التعبير باللجوء للأمثال الشعبية مرتبط بحالة نفسية، بمثابة عودة للوضع النفسي والاجتماعي الذي عاشه المجتمع سنة 1988، حيث عرف عواقب الأزمة آنذاك جراء انخفاض البترول.
قال إن حضور الذاكرة الجماعية للأزمة السابقة بمثابة"ريميك" الأفلام أي إعادتها بإضافة بعض الرتوش، وساهمت حسبه وسائل الإعلام والمثقفين في إعادة المفردات والأمثال القديمة وبرزت في إطار"شحن لغوي" حاد.