تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2007
  • المشاركات : 61
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الفقير البعطوشي is on a distinguished road
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 09:02 AM
الحقَائق الجليَّة
في بيانِ
بعض عقَائدِ ابن تيمية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه ...وبعد :
قال الله تعالى (( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)).
فلقد كثر الخلاف والشقاق حول رجل قد حسم فيه الأمر في القرن السابع علموا أبطاله وحذروا منها إلا نزر من الرعاع كان لا يعرف لهم قولا ولا يجدون سامعا لهم ولشذوذاتهم التجسيمية أما الرجل فهو الشيخ احمد بن تيمية رحمه الله وأتباعه معروفين بالتيمية؟؟ فأردت في خلال هذه الصفحات أن أبين لبعض الإخوة خطورة أقواله والمسائل التي خالف الإجماع فيها بعد انعقاده وتضارب أقواله بعد ثبوتها عليه وتلونه بعد الحكم عليه والتستر وإظهار الرجوع عند قيام الحجة وظهور الحق بين يديه ولكن قد قامت الحجة ومات ابن تيمية رحمه الله وقبرت أقواله معه إلا انه في هذا العصر وجد من يحيي و يقدم أقواله ويرتبها على حسب أبواب الأصول ويقيس أقوال الجهابذة بأقواله فأصبح هذا هو ديدن رسائل الماجستير والدكتورة فبمجرد مخالفة هذا الجهبذ لابن تيمية فهو قد خالف الإسلام والمسلمين وبموافقته فقد أصاب الإيمان والسنة فهذه الحقائق قد قلبت, ابن تيمية كان لا يعرف له شأن بين أقرانه أما اليوم فهو ميزان الشرع بدونه لا إيمان ولا سنة وإن لم يذكر ابن تيمية في رسالته فحدث عن هذا المبتدع الجريء الذي نسي ابن تيمية والاستدلال به فلا حول ولا قوة إلا بالله فإن كان المخالف يدعونا إلى هذا فبئس القائل والمقول وإن كان لغير ذلك فها هي أقواله وشذوذاته الواضحة وها أنا ذا سأتعرض لبعض منها بدون توسع مطيل و لا جفاء مخل بمقصوده والمتتبع لشذوذاته سيسرد مجلدا خاصا بتأليف ابن تيمية نفسه واسمه – شذوذاتي- والرسائل الرادين عليه كثيرة جدا من المعاصرين لابن تيمية إلى الآن والله الموفق.

من هو الشيخ ابن تيمية رحمه الله؟؟ :
هو الشيخ أبو العباس أحمد بن تيمية كان أبوه رجلا معروفا بالعلم والتواضع حنبلي المذهب وبعد أن مات والده رحمه الله ولي الشيخ ابن تيمية وظائف أبيه تشجيعا له للمضي على أثره ولكن غره تزكية العلماء له فأخذ يذيع بين الحين والآخر بين الفينة والفينة بدعا لم تعلم ولم يقلها أحد من قبله وأخرى أحياها بعدما اندرست فرد عليه علماء عصره ومشايخ زمنه قال تقي الدين السبكي((فإنه لما أحدثَ ابنُ تيمية ما أحدثَ في أصول العقائد، ونقضَ من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة، مظهراً أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتِّباع إلى الابتداع، وشذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة، وأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأنَّ القرآن محدَثٌ تكلَّم اللهُ به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم (والتزامه) بالقول بأنه لا أول للمخلوقات!!، فقال بحوادث لا أول لها فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّةٍ من الملل، ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة.
وكلُّ ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تَقِـلُّ جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع، فإن متلقي الأصول عنه وفَاهِمَ ذلك منه هم الأقلُّون، والداعي إليه من أصحابه هم الأرذلون وإذا حُوققوا في ذلك أنكروه وفروا منه كما يفرون من المكروه، ونبهاء أصحابه ومتدينوهم لا يظهر لهم إلا مجرَّد التبعية للكتاب والسنة والوقوف عند ما دلت عليه من غير زيادة ولا تشبيه ولا تمثيل.)) أهـ وأكثر العلماء بالرد عليه وبيان معتقده والتحذير منه ومن أتباعه قال الشيخ المحدث محمود سعيد ممدوح في كشف الستور ص 6(( وقد أكثر العلماء فيما بعد من التحذير من شذوذات الشيخ ابن تيمية وكلمات التقي السبكي وابنه التاج والصلاح العلائي والحافظ العراقي وابنه ولي الدين المعروف بـ أبي زرعة العراقي والحافظ ابن حجر وبدر الدين العيني والتقي الحصني وغيرهم من معاصريهم ومن جاء بعدهم )).
ومن أراد الاستزادة في ترجمة ابن تيمية فعليه بالدرر الكامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني ودفع شبه من شبه وتمرد للشيخ الفقيه تقي الدين الحصني وغيرهم ففيه ما يكفي .
ابن تيمية والحوادث لا أول لها :
لقد صرح ابن تيمية في كثير من كتبه بعقيدة القدم العالم بالنوع أي تسلسل الحوادث إلى ما لا بداية أي أنها قديمة مع الله في الأزل مخالفا قوله تعالى "هو الأول" سورة الحديد أي أن الله الأول مطلقا ليس معه احد وهذه الآية مشروحة بقوله صلى الله عليه وسلم "كان الله ولم يكن شيء غيره" أي كان الله ولا عرش ولا ماء ولا ضوء ولا ليل لا مكان ولا زمان ولا أي شيء من الحوادث... فكيف استجاز لا بن تيمية إثبات هذه العقيدة المخالفة للإسلام بل لو نسب هذا القول لنفسه ودافع عنه لكان أمرا آخرا أما وهو يقول أنها عقيدة الأنبياء ومن أجلها أرسلوا وهي عقيدة الصحابة والتابعين فهذه هي المصبية بعينها عقيدة التسلسل الدرامي الهستيري تصبح عقيدة الأنبياء ؟؟ والمظان التي سأذكرها على المنصف ان يرجع إلى الأصل وينظرها بعيني رأسه إن كان يكذب هاته النقول ولا نتعبك أخي بالبحث حسبك حكم ناصر الألباني على ابن تيمية في سلسلته الصحيحة في المجلد الأول في حديث عمران بن حصين وأن ابن تيمية يقول بقدم العالم وهذا معتقد شنيع فلا يهولنك اعتذار الألباني له ؟؟ لأنه شيخه وشيخ أحفاده فمن الواجب عليه الدفاع عنه وعن شذوذاته ..... الله يتولنا فهو مولنا نعم المولى ونعم النصير وأنا ألتزم بذكر النقول دون التعليق إلا ما كان عفويا ونبدأ في المقصود بعون الملك المعبود:
1- قال ابن تيمية في "الموافقة " ما نصّه (2/ 75): "وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثا بل قديمًا، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه ". ا.هـ .

2- وقال أيضا ما نصه (1/ 245): "قلت هذا من نمط الذي قبله فإن الأزلي اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث، قوله لو كانت حادثة في الأزل لكان الحادث اليومي موقوفا على انقضاء ما لا نهاية له، قلنا: لا نسلم بل يكون الحادث اليومي مسبوقًا بحوادث لا أول لها". ا.هـ.

3 - وقال ما نصه (1/ 64): ”فمن أين في القرءان ما يدل دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدث أو ممكن، وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن، وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وأين في القرءان امتناع حوادث لا أول لها" ا.هـ. فهذا من غرائب ابن تيمية لأن الأفراد لا تتحقق إلا في النوع لكن سبحان من قسم العقول
ملاحظة - قال إمامنا وحبيبنا المحدث العلامة محمد زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ما نصّه ص74: "وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا ممن به مس، بخلاف المستقبل، وقال أبو يعلى الحنبلي في "المعتمد": والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة. ا.هـ. وهو من أئمة الناظم. يعني ابن القيّم. فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوَأ حالا منه في الزيغ، ونسأل الله السلامة". ا.هـ.
فانظر أخي إلى تناقضهم وحكمهم على بعضهم البعض بالكفر والإلحاد وكفانا الله اقتتالهم (وكف الله المؤمنين القتال).
4- وقال في شرح حديث عمران بن الحصين ((ص/ 193) : "وإن قدّر أن نوعها- أي الحوادث- لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من كماله، قال تعالى: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (سورة النحل/17). وقال: "والخلق لا يزالون معه....لكن يشتبه على كثير من الناس النوع بالعين ". ا.هـ.
الذين عسر عليهم فهم ذلك هم قدماء الفلاسفة اليونان و ابن سينا والفرابي وخلفهم ابن تيمية فأصبح يوضح الإشكال؟؟ الذي أشكل عليهم ولو أنصف لعلم انه هو المخلط كيف جاز له أن يحقق القدم في النوع دون الأعيان رغم أن القدم لا يتحقق إلا بوجود الأعيان فسبحان الله فمن هو يا ترى الذي التبس عليه أهم أهل السنة أم من لا يفرق بين تحقق النوع في الأعيان؟؟.
5- وكذا نجد ابن تيمية ينتقد الإمام ابن حزم عند نقله الإجماع على كفر من قال أن الله معه مخلوق في الأزل أي أن الله جل وعز لـم يزل وحده ولا شىء غيره معه، وأن المخالف لذلك كافر باتفاق المسلمين، قال ما نصه –أي ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع- ص/ 168): "وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شىء غيره معه ". ا.هـ.
وهذا النقل من أوضحها ومن أبينها دلالة على ان ابن تيمية يقول بقدم العالم وينتقد المخالف له ؟؟؟ أي القائل أن الله لم يزل وحده في الأزل ثم خلق الأشياء فهذا عند ابن تيمية مخطئ لأنه لم يقل أن الله معه مخلوق في الأزل وكأن الله علة والمخلوق معلول.
ق
7- وقال في شرح حديث النزول (ص/ 161) رادا على قاعدتين ما لا يخلوا من الحوادث فهو حادث وما لايسبق الحوادث حادث ما نصه: "إذ لم يفرقوا بين نوع الحوادث وبين الحادث المعين". اهـ.
8- وقال في تفسير سورة الأعلى "الوجه الرابع أن يقال: العرش حادث كائن بعد أن لم يكن، ولم يزل مستويًا عليه بعد وجوده، وأما الخلق فالكلام في نوعه، ودليله على امتناع حوادث لا أول لها قد عُرف ضعفه، والله أعلم " اهـ.
فما على المخالف إلا أن يسلم لأن النقول موجود ورده هذا المعتقد يعتبر انتقاد لابن تيمية وخاصة ان ابن تيمية لا يرضى إلا عقيدة القدم فسلموا وعوا النقول وكان حقا على التيمية أن ينزعوا النقول الشنيعة من كتبهم ثم بعد ذلك يتصرفوا في كتب المخالفين لهم .
9- قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي ما نصه (6/ 300): "ومن هنا يظهر أيضا أن ما عند المتفلسفة من الأدلة الصحيحة العقلية فإنما يدل على مذهب السلف أيضا، فإن عمدتهم في "قدم العالم " على أن الرب لم يزل فاعلاً، وأنه يمتنع أن يصير فاعلاً بعد أن لم يكن، وأن يصير الفعل ممكنًا له بعد أن لم يكن، وهذا وجميع ما احتجوا به إنما يدل على قدم نوع الفعل " اهـ؟؟؟ وما هذا إلا قياس الغائب على الشاهد فتعجب من كلام شيخ الإسلام يا تيمي.
قيام الحوادث في ذات الله:
وهذا أيضا من عجائب ابن تيمية فلقد اتفق العقلاء المنزهين انه كل من قام بذاته حادث فهو حادث وهذه قاعدة عظيمة وفيها من الرد على الملاحدة ما يقطع دابرهم فجاء ابن تيمية وسفه هذه القاعدة وهذا راجع لأنه يقول بقيام الحوادث في ذاته تعالى فأصبح شر خلف لشر سلف وهم الكرّامية[1] .
9- ونص عبارته في منهاج السنّة النبوية ما نصه (1/ 224): "فإن قلتم لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ، قلنا لكـم: نعم، وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل. .. ".أهـ الشرع بخلافه قال الله تعالى "ليس كمثله شيء" أما العقل فهو بخلافه أيضا لان العقل يقضي بأن كل من قام بذاته فهو حادث والمطلوب منه أن يبين أي عقل يقضي بصحة ما قال[2]؟؟
تنبيه : ومما يعضد هذه النقول هو اعتقاد تلميذ ابن تيمية بقدم العالم وهو ابن القيم ناشر ومهذب علوم ابن تيمية الإغريقية وحذا ابن القيم حذوا بن تيمية فقال في نونيته الشهيرة البائسة التي سفه فيها عقيدة التنزيه وأثبت التجسيم والتشبيه ما نصه:
فلئن زعمتم أن ذلك تسلسل قلنا صدقتم وهو ذو إمكان
كتسلسل التأثير في مستقبـل هل بين ذلك قط من فرقان
والله ما افترقنا لذي عقل ولا نقل ولا نظر ولا برهـان
ما قال ذو عقل بأن الفرد ذو أزل لذي ذهن ولا أعيـان
بل كل فرد مسبوق بفـرد هكذا أبدا بلا حسبـان
فالبيت الأخير يقرر فيها عقيدة قدم الحوادث وانه لا بداية لها "بل كل فرد" أي من الحوادث "مسبوق بفرد" أي مسبوق بحادث قبله إلى متى "هكذا أبدا بلا حسبان" أي بلا بداية ؟؟ فإن كان هذا غير قدم العالم فلا ادري ما هو قدم العالم.
ردود العلماء على هذا المعتقد الشنيع :
هذا وقد نقل المحدّث الأصولي بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع اتفاق المسلمين على كفر من يقول بأزلية نوع العالم بعد أن ذكر أن الفلاسفة قالوا: إن العالم قديم بمادته وصورته وبعضهم قال: قديم المادة محدث الصور ، ما نصه: "وضلَّلهم المسلمون في ذلك وكفروهم ". اهـ.
وهنا ملاحظة يجب التنبيه لها ألا وهي قول من قال إن ابن تيمية ينفي عقيدة قدم العالم كما ذهب إليه البعض تحسينا الظن به ومستدلا على أن ابن تيمية نفسه يكفر على من قال بقدم العالم فهو قول مردود لأن ابن تيمية في رده على القائلين بقدم العالم إنما رد على من قال إن العالم قديما بصورته ومادته أمثال ابن سينا والفرابي فنحن نعلم أن ابن تيمية لا يعتقد بقدم المادة والصورة ولكنه لا ينفي قدم الصورة وحدوث المادة ولقد نقلنا عنه كيف يتهم البعض بعدم فهمهم للفرق بين قدم النوع وقدم الكل أي بين قدم المادة والصورة وقدم الصورة وحدوث المادة قال في تفسير سورة الأعلى "الوجه الرابع أن يقال: العرش حادث كائن بعد أن لم يكن، ولم يزل مستويًا عليه بعد وجوده، وأما الخلق فالكلام في نوعه، ودليله على امتناع حوادث لا أول لها قد عُرف ضعفه، والله أعلم " اهـ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري((12/ 252) ما نصه: "قال شيخنا- يعني العراقي- في شرح الترمذي: الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر، ومنه القول بحدوث العالم، وقد حكى القاضي عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم، وقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدّعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا: إن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواترًا عن صاحب الشرع، قال: وهو تمسك ساقط إما عن عمى في البصيرة أو تعام، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل " اهـ. والإمام ابن دقيق العيد يقصد ابن تيمية
قال القاضي عياض في الشفا: "وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالـم أو بقائه أو شك في ذلك على مذهب بعض الفلاسفة والدهرية " اهـ. ومن هنا نعلم ان أصل مذهب ابن تيمية هم الدهرية والفلاسفة وقوله بأن قدم العالم النوعي عقيدة الأنبياء ما هي إلا افتراء راجع عليه وصدق المثل فانقلب السحر على الساحر" فيا ليته امسك .
وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه (1/ 184) "ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته، فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شىء من ذلك"اهـ أي ذهب إليه غير المسلمين كما مر.
وقال العلاّمة البياضي الحنفي في كتابه إشارات المرام (ص/12-13) بعد ذكر الأدلة على حدوث العالم بأسره بمادته وصورته وتسفيه قول من قال بقدم المادة والصورة أو المادة دون الصورة ما نصّه: "فبطل ما ظنه ابن تيمية من قدم العرش كما في شرح العضدية". اهـ.
قال الإمام السبكي رضي الله عنه
ولابن تيمية ردُّ عليـــــه وفـى
لكــنه خَلطَ الحــــق المبين بما
يحاوِلُ الحَشــوَ أنَّى كــــان لهُ
يـرى حـوادث لا مبـدَا لأوَّلـهـا
بمقصد الردّ واستيفاء أضربه
يشوبـُهُ كَدًرٌ فـي صَفوِ مشــرَبِهِ
حثيــث سيرٍ بشرقٍ أو بمــــغرِبِهِ

في الله سبحـانَهُ عما يظُنُّ بــــــهِ
وهنالك الكثير من العلماء من أردف الرد عليه في هذه المسألة كالشيخ الإخميمي وغيره.


ابن تيمية والمكان والحد:

12- قال ابن تيمية في الموافقة مانصه ((وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله في السماء وحدوه بذلك ))
فهذا الكلام فيه إثبات الحد لله تعالى فالعجب من ابن تيمية كيف يلزم نفسه بأن يثبت ما أثبت الله لنفسه أو ما أثبته له نبه صلى الله عليه وسلم ثم يناقض نفسه ويثبت صفة لم ترد في الكتاب والسنة فأين لفظ الحد في كتاب الله أو في سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نعم مستنده قياس الخالق على المخلوق؟؟ فهو من أعلى مراتب القياس عنده كما عهدناه فيما سبق ولكن مع العلم أنهم مختلفون في الحد فمنهم من أثبته من جهة واحدة وهنالك من أثبته من الجهات الستة كابن تيمية وأتباعه.
14- وقال أيضا في نفس الكتاب بعد سطر ((وكل أحد وبالله وبمكانه أعلم من الجهمية )) ومقصوده هنا أنه يمكن لأي واحد من أفراد المسلمين-أي عوام وأطفال- وسواهم؟-من اليهود والنصارى-أعلم من الأشاعرة والماتريدية بمكان الله تعالى فهذا نقل صريح وقول فضيح ومنطق فصيح في إثبات المكان لله تعالى ومعلوم أن إثبات المكان له تعالى نقص لما يتنج عليه من نتائج قبيحة لأنه إن احتاج إلى المكان لكان مفتقرا والافتقار محال بل هو الغني فالعرش والفرش كل يفتقر إلى الله تعالى ومما يستدل به أهل السنة في نفي المكان عنه سبحانه من النقل قوله تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" أي أن الله تعالى لا يشبهه شيء من خلقه ولا هو يشبه شيء فالنفي دخل على المثلية والتشبيه فأنى للتشبيه أن يحتمل وجها من الصحة بل ولا معشار ذلك فالآية وحدها كافية لنفي كل ما يخطر ببال البشر من الأوهام والظنون فالله تعالى منزه عن المكان لأن المكان مخلوق والمخلوق فقير فكيف جاز أن يحل فيه أما العقل فلقد قال الشيخ الإمام السنوسي رضي الله عنه في عقيدته

((وأن يكون ليس في جهة من الجهات لأنه لايعمرها إلا الأجرام
وأن لا تكون له هو أيضا جهة لأنها من عوارض الجسم، ففوقمن عوارض عضو الرأس وتحت من عوارض عضو الرجل ويمين من عوارض العضو الأيسر وأمام منعوارض البطن وخلف من عوارض الظهر ومن استحال عليه أن يكون جرما استحال أن يتصف بهذهالأعضاء أو لوازمها على الضرورة)) وهذا الكلام من جواهر العلم فاظفر به .

ابن تيمية والجلوس على العرش :

14- لقد ذكرنا فيما سبق بيان بعض عقائد ابن تيمية التي خالف فيها الإجماع بعد انعقاده فهي وإن كانت كافية لبيان فساد معتقده سنذكر البعض من النقول التي تثبت بأنه عابد الأجرام العلوية والخيال المرتسم -أي عابد شيء تخيله في رأس في جهة الفوق- أنه تعالى ينزل لا كنزولنا؟؟أي ينزل ولا ينزل بل أوقح من ذلك ينزل ولا يخلو العرش منه فهو جعل الله سبحانه وتعالى بمثابة مطاط يمتد ويتقلص قال ما نصه ((إن جمهور أهل السنة يقولون إنه ينزل ولا يخلو منه العرش))المنهاج (1/262)
15- و قال في مجموع الفتاوي (4/374) (( فقد حدث العلماء المرضيون وأوليائه المقبولون أن محمدارسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه )) وهل بعد جلوس الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش مع ربه أي بجانبه بقي من التجسيم شيء[3]..
16- وقال تلميذه الوفي ابن القيم (( رفيع الدرجات وترفع إليه الأيدي ويجلس على كرسيه وأنه يطلع على عباده من فوق سبع سماوات )) الصواعق المرسلة 276
17- وزاد وقال مانصه (( إن الله يجلس على عرش ويجلس بجنبه محمدا صلى الله عليه وسلم وهذا هو المقام المحمود )) بدائع الفوئد (4/39)ويدعي هنا ابن القيم الجوزية كشيخه بأن الله جالس على عرشه ويجلس بجانبه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما قولهم إنهم ملتزمون بالكتاب والسنة إلا محض افتراء والرد على هذا القول معروف مشهور فلا داعي لتسويد بعض الصفحات كفانا قوله جل وعز "ليس كمثله شيء" ألم يكن كافيهم ما في هذه الآية المحكمة من أسرار التنزيه ولو فعلوا لحلوا النزاع.
نقطة الخلاف بين ابن تيمية والأشعري :
زعم البعض من المعاصرين أن الخلاف بين ابن تيمية والأشعري هو خلاف لفظي فقط ؟؟ فالأشعري يرجه التأويل وابن تيمية يرجح التفويض؟؟
ما أجمل هذا الكلام إن كان حقيقة ولكنه سراب ؟
الرد : إن كان يقصد القائل أن الأشعري يقول بالتفويض فالتفويض عند ابن تيمية من شر أقوال أهل البدع [4] فكيف اعتبر هؤلاء أن ابن تيمية والأشعري متفقون في الإعتقاد
18- قال ابن تيمية ما نصه (( فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع ))موافقة صريح المنقول (1/118) ؟؟؟ ففي كلامه المنقول طعن في جمهور السلف وهل السلف-أي الصحابة وتابعيهم بإحسان- كانوا غير مفوضة أو مؤولة ؟؟ اللهم ارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.

وبعد هذا نكون قد وضحنا بعض وأبرز وأهم عقائد ابن تيمية التي يدعي التحذلق فيها وهاته النقول المنقولة قليل من كثير ولو توفرت المراجع وتفرغت لطال بنا الشرح والتمحيص والتدقيق هذا وإن كان ما نقلته لكافيا في بيان عقيدة ابن تيمية المخالفة للإجماع ولمن أراد التوسع في حاله فعليه بكتاب "ردود علماء الأمة المحمدية على المبتدع الحراني ابن تيمية" لشيخنا العلامة المحدث كمال نصر الدين و"الكاشف الصغير" لشيخنا العلامة سعيد فودة حفظهما الله تعالى فلقد أسهبا وأطنبا.
وتم الفراغ منها مساءا في الدقيقة الثانية بعد الخمسين من الساعة الرابعة في الشهر الأخير وقد خلا أربع أيام منه من العام السادس بعد ألفي سنة من ميلاد المسيح عليه السلام والله الموفق لما يحبه ويرضاه.
4/12/2006

[1] ارجع إلى الفرق بين الفرق لتعلم معتقد هذه النحلة البائسة

[2] ومن هنا تعلم لما ابن تيمية أنكر علم المنطقة فبكل بساطة لأنه يقضي على هذه الاحتمالات التي جرت ابن تيمية لكي يتفوه بها.

[3] ولقد فهم بعض العلماء جلوس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش بغير ما فهم ابن تيمية أي أن يجلس بعناية الله والمعية الخاصة انظر جلاء القلوب من الأصداء الغينية للعارف بالله الهمام محمد جعفر الكتاني عليه رحمة الله وأعاد علينا بركته .

[4]ولهذا نجد وهابية العصر يطعنون في الإمام حسن البنا رحمه الله زعيم الإخوان- الدعوة الإصلاحية المعروفة- لأنه يقرر التفويض بل ويصرحون بتكفيره وأنه مشوش على عقائد الناس وزنديق ومن شاء فلينظر كتاب" إرشاد البرية في شرعية الانتساب إلى السلفية ودحض الشبه البدعية " بتقريض المقبل "المدبر" الوادعي
وصلّ اللّهم على النّور الذّاتي، والسر الساري، في سائر الأسماء والصفات، وعلى آله وصحبه، وسّلم.
  • ملف العضو
  • معلومات
cmehdi202
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-10-2007
  • الدولة : قسنطينة
  • المشاركات : 286
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • cmehdi202 is on a distinguished road
cmehdi202
عضو فعال
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 01:04 PM
العلم بالله هو أجل العلوم وأعلاها، وأرفعها عند الله وأزكاها، كيف لا وهو الذي يعرّف العباد بخالقهم، ويقربهم من رازقهم، ويضفي على حياتهم معنى، وعلى وجودهم فائدة وهدفاً.
ومن العلم بالله العلم بصفاته، حيث اتفق المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، إلا أنهم اختلفوا في جملة من الصفات التي ورد بها الكتاب، ونطق بها الرسول - صلى الله عليه وسلم –، وفي مقدمة تلك الصفات التي خالف فيها البعض صفة علو الباري سبحانه واستواءه على خلقه . حيث أثبتها السلف ولم يروا في إثباتها ما يوجب نقصاً أو يخالف نصاً، ونفاها آخرون استنادا إلى أدلة سنأتي على شرحها ومناقشها .
أدلة السلف على إثبات علو الله على خلقه واستواءه على عرشه :
استدل السلف على إثبات علو الباري سبحانه بأدلة كثيرة، منها:
أولاً : أدلة الكتاب: وهي على أنواع، منها ما يصرح باستواء الله على عرشه كما في قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5) والاستواء في الآية هو العلو والارتفاع، قال الإمام الطبري في تفسير الآية: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا . وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } قال: علا . وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " وأما تفسير { استوى } علا، فهو صحيح، وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة، لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي، وقال:{ سبحانه وتعالى عما يشركون } وهي صفة من صفات الذات ".
ومن أدلة الكتاب ما يصرح بالصعود والعروج إليه، والصعود لا يكون إلا لعلو، قال تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب }(فاطر: 10)، و{ الكلم الطيب } هو الذكر والدعاء . وقال تعالى: { تعرج الملائكة والروح إليه }(المعارج:4) والعروج الصعود .
ومنها ما يصرح بالرفع إليه، قال تعالى: { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي }(آل عمران: 55 ) وقال تعالى: { بل رفعه الله إليه }(النساء: 157-158)، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن شهر رجب وقد سئل عن سبب صومه: ( شَهْرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي .
ومن أدلة الكتاب أيضا التصريح بالفوقية: كما في قوله تعالى عن الملائكة: { يخافون ربهم من فوقهم }(النحل:50)، وكما في قوله:{ وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(الأنعام:18).
ومنها التصريح بنزول الملائكة والكتب منه إلى عباده، والنزول لا يكون إلا من علو، قال تعالى: { قل نزله روح القدس }(النحل: 102) وقال تعالى:{ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }(الزمر:1) .
ومنها التصريح بأنه في السماء، كما قال تعالى: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير }(الملك:16-17) . ومعنى { في السماء } أي: على السماء لاستحالة أن تكون السماء ظرفا للخالق ومكانا له .
قال الإمام اللالكائي في "شرح اعتقاد أهل السنة" : " فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه . وروى ذلك من الصحابة : عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأم سلمة ومن التابعين : ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان وبه قال من الفقهاء: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل " .
ثانياً: أدلة السنة: وهي كثيرة، فمنها حديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم - بجارية أراد تحريرها من العبودية، فسألها النبي: ( أين الله ) قالت: في السماء، قال: ( من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أعتقها – حررها - فإنها مؤمنة ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي و مالك في موطئه الشافعي في مسنده و ابن حبان وغيرهم ولم يؤول أي منهم الحديث فدل على قبولهم ظاهره.
ومنها حديث جابر - رضي الله عنه – في سرده حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه عندما خطب الناس في حجة الوداع واستشهدهم على البلاغ، فقالوا: " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها – ويخفضها - إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات ) رواه مسلم في صحيحه . وهو دليل صحيح صريح على علو الله على خلقه .
ومنها ما ورد في صحيح البخاري أن زينب – رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – فتقول: " زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " ومثل هذا القول من زينب لا يقال بالرأي، بل هو مما تلقته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فهمته من نصوص القرآن .
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي وصححه .
ومن الأحاديث التي تثبت صفة العلو لله ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها )

ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي ) متفق عليه .
ثالثاً: دليل الإجماع: يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار" تعليقا على حديث الجارية المتقدم" فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان " . وقال الإمام البغوي : " أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله عز وجل ".
وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - كما في الإبانة(1/39)" إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله - عز وجل - يستوي على عرشه استواء يليق به ".
وقال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر": سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرفربيفيالسماءأوفيالأرض،قال:كفر؛لأناللهيقول: { الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش،ولكنلاأدرىالعرشفيالسماءأوفيالأرض،فقال:إنهإذاأنكرأنهفيالسماءكفر،لأنهتعالىفيأعلىعليين،وأنهيُدعىمنأعلىلامنأسفل ". وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله .
رابعاً: دليل الفطرة: وملخصه أن النفوس بفطرتها تقبل على طلب العلو عند توجهها إلى ربها بالدعاء، ودليل فطرية هذا الإقبال استواء الناس فيه فيستوي فيه العالم والجاهل والذكر والأنثى إلا من تلوثت فطرته بكلام أهل الكلام، ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر : أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل .. وقال: حيرني الهمداني .
خامساً دليل العقل: وبيانه أن الله موجود ووجوده وجود حقيق لا ذهني، وعليه فهو إما أن يكون داخل العالم، أو خارجه، وهو قطعاً ليس داخل العالم لاستحالة أن يحل في الخلق أو يتحد بهم، فلم يبق إلا أن يكون خارج العالم، وما دام خارج العالم فإما أن يكون محيطاً بالعالم وهو باطل، لأنه يلزم منه أن يكون بعضه فوق وبعضه تحت متصفاً بالسفل، وإما أن يكون في أحد الجهات، وليس هناك جهة كمال في الجهات الست سوى جهة العلو، وبما أن الله متصف بالكمال المطلق فأكمل الجهات على الإطلاق هي جهة العلو فوجب وصف الله بها، وبهذا يظهر التوافق بين العقل والنقل في هذه المسألة، أما القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه لا متصل به ولا منفصل عنه فقول يخرج عن قول العقلاء فلا يلتفت إليه .
شبهات من أنكر استواء الله على عرشه واتصافه بالفوقية :
تلك كانت بعض أدلة أهل السنة، الذين أثبتوا استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه، أما شبهات من نفى صفة العلو والاستواء، فمردها جميعاً إلى قاعدة التنزيه، وهي القاعدة التي قضت بنفي مشابهة المخلوقين للخالق سبحانه، وتفرده في ذاته وصفاته وأفعاله، وهي قاعدة متفق عليها بين المسلمين إلا أن البعض غلا في استعمالها حتى نفى جميع أو بعض أسماء الله وصفاته .
حيث قالوا: إن الله - عز وجل - قد قال في كتابه: { ليس كمثله شيء } وهذا نفي بإطلاق لأي مشابهة بين الخالق والمخلوق، وإثبات أن الله مستو على عرشه عال على خلقه فيه تشبيه للخالق بالمخلوق من حيث أنه يلزم مثبت الاستواء أن يثبت أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه محدود محصور، والله منزه عن ذلك كله فلو كان جسماً لكان مركباً، ولو كان مركباً لكان بعضه محتاج إلى بعض، ولو كان في جهة ما لكان محصوراً، ولو كان محصوراً لاستوجب أن يكون هناك من حصره، وإذا كان مستو على عرشه لكان له مكان، ولو كان له مكان لكان محتاجا إليه، والله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه .
واستندوا في تأييد مذهبهم - زيادة على ما سبق - إلى بعض النقولات والآثار الواردة في هذا الباب من ذلك ما روي : " كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان " ، وحديث : ( كان الله ولا شيء غيره وكان العرش على الماء ) رواه النسائي والحاكم وصححه .
وأتوا على ما استدل به المثبتون فأولوه، وقالوا: إن المراد من العلو والفوقية في تلك النصوص هو علو الشأن والرفعة والمكانة والشرف .
وجوابا على ما أوردوا، نقول: إننا وإياكم متفقون على وجوب نفي مشابهة الخالق للمخلوق، ولكننا مختلفون في حدود هذا النفي، ونرى أن الناس فيه طرفان ووسط، فأما الطرف الأول فاتخذ قاعدة التنزيه ذريعة لنفي كل أو أكثر الصفات الثابتة لله - عز وجل - حتى نفى الغلاة منهم أن يوصف الله بالوجود أو الحياة، فعندما يُسأل عن صفة الله لا يجد سوى النفي سبيلا لتعريف ربه، فيقول: لا هو موجود ولا معدوم، ولا عَرَضٌ ولا جَوْهَرٌ، ولا حي ولا ميت، ويظن بذلك أنه فر من التشبيه وما علم أنه وقع في التعطيل والتشبيه معاً؛ إذ نفى صفات الله التي أخبر الله بها، وشبه الله بالمحالات والممتنعات والمعدومات.
والطرف الثاني: ألغى قاعدة التنزيه فشبه الله بخلقه تشبيها مطلقا أو جزئياً، وهو مذهب لا شك في بطلانه وضلاله.

والمذهب الوسط هو المذهب الحق الذي أثبت الصفات ونفى المشابهة، وهو ما تنص عليه الآية الكريمة حيث صرّحت بالتنزيه { ليس كمثله شيء } وفي ذات الوقت صرّحت بالإثبات { وهو السميع البصير } فأخذ مذهب أهل الحق بجزئي الآية، أما المذهبان السابقان فأخذ كل منهم بأحد شطري الآية - وفق فهمه - ولم يأخذ بالآخر.
وعليه، فيجب الوقوف عند حدود النفي، وحدود الإثبات، فنثبت الصفة التي أخبر بها الله ورسوله، وننفي المماثلة، فنقول: لله علمٌ ليس كعلمنا، وسمعٌ ليس كسمعنا، واستواء ليس كاستوائنا، وهكذا . وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، يقول الإمام إسحاق بن راهويه :" إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهاً، قال تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }" ذكره الترمذي في جامعه . وأوضح هذا المنهج الوسط نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري حين قال: " من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيها " فليس تشبيها أن تثبت لله علما يليق بجلاله، وقدرة تليق بجلاله، وإرادة تليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، وإنما التشبيه أن تقول: علماً كعلمنا، وقدرةً كقدرتنا، وسمعا كسمعنا، واستواءً كاستوائنا . وأما أن تثبت الصفة كما أثبتها الله مع إثبات الفارق أو نفي التشبيه، فليس تشبيهاً البتة .
أما ما ذكروه من لوازم القول بالعلو والاستواء فالجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: إجمالي وهو أن يقال: إن الله أخبرنا بأنه مستو على عرشه، عال على خلقه، ونحن نصدقه فيما قال، ونؤمن بما أخبر، ونسكت عما وراء ذلك، ولا نخوض في تلك اللوازم المدعاة ولا نتكلم فيها، فإنها من جملة المسكوت عنه في الشرع؛ إذ لم يرد في الشرع نفي أو إثبات أن يكون الله جسماً، أو محدوداً، أو محصوراً، فالسكوت فيه سلامة للمرء في دينه واعتقاده .
الوجه الثاني: تفصيلي وهو بأن نسأل عن تلك اللوازم، فنقول إن أردتم بالجسم ما هو قائم بذاته مستغن عن خلقه فذلك ما نثبته ونؤيده ونلتزم به مع عدم تسميتنا له جسماً لكونه لم يرد في الشرع وصفه بذلك، وإن أردتم بالجسم ما زعمتم أن كل طرف فيه محتاج للطرف الآخر فذلك مما نكره وننفيه، ولكننا لا نعتقد أن نفيه يلزم منه نفي العلو . بل نرى أن قولكم: أنه من لوازم القول بالعلو ما هو إلا بسبب تشبيهكم أولاً فأنتم شبهتم استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين، فقلتم: كل مستو فهو جسم، والله ليس بجسم، فهو ليس بمستو والمقدمة باطلة وما ترتب عليها باطل، فالله ليس كمثله شيء، واستواؤه ليس كاستواء المخلوقين .
وأما القول بأن إثبات الاستواء يدل على إثبات الجهة وأنه محصور في جهة معينة فالجواب عنه أن لفظ الجهة لم يثبت في الكتاب والسنة، وعليه فيستفصل عن معناه، فإن أريد بالجهة المكان الوجودي المخلوق فالله ينزه عنه اتفاقاً، فالله لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يتحد بها، وإن أريد بالجهة المكان الاعتباري العدمي فهذا ما يثبته أهل السنة . ولا يعتقدون في إثباته ما يخالف حقاً ثابتاً، ولا ما يوجب نقصاً في حق الخالق سبحانه، بل إثبات الجهة بهذا المعنى ضرورة عقلية كما سبق بيانه في الأدلة العقلية.
أما الحدُّ فهو لم يرد – كذلك – نفيه أو إثباته في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعليه فيستفصل عن معناه فإن أريد بنفي الحدِّ أن الله لا تحصره المخلوقات، ولا يحلُّ فيها، فهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه، بل لا يجوز أن تكون فيه منازعة، وإن أريد بالحد أن العباد عاجزون عن إدراك حقيقته وحده، فهذا أيضا حق نثبته، وأما إن أريد بنفي الحد أنه ليس مبايناً للخلق، ولا منفصلاً عنهم، ولا داخل العالم ولا خارجه، فهذا هذيان ننكره ولا نثبته، بل نرى أن القول به يؤدي إلى نفي وجود الرب، ونفي حقيقته ووصفه بالعدم لا بالوجود . وقد سئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟ فقال: بأنه على العرش، بائن من خلقه، قيل: بحد، قال: بحد . أي بحد يعلمه هو، ولا يحيط به أحد من خلقه .
أما الاستدلال بحديث ( كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء ) رواه النسائي . على نفي العلو، فلا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه، وذلك أن الحديث يتكلم عن بدء الخلق، وأن الله كان ولا شيء معه من مخلوقاته، وأن أول خلقه كان العرش، بدليل ما رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة الأسلمي قال: " دخل قوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه، يقولون: أعطنا حتى ساءه ذلك، ودخل عليه آخرون، فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، فقال: ( كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء ).
أما ما روي من قولهم: " كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه". فهو أثر موضوع – كما قال العلماء - على أنه يمكن حمله على معنى صحيح، وهو أن يكون المكان المنفي هو المكان المخلوق – كما هو ظاهر النص - وأهل السنة يقولون بذلك، فهم لا يقولون أن الله متمكن في مكان مخلوق بل يقولون: إن الله مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه لا أنه مماس له محتاج إليه .
فظهر بهذا أن لا تعارض بين العقل والنقل في إثبات علو الله – سبحانه - على خلقه واستواءه على عرشه بل هو مما اتفقا عليه، وتظافرت الأدلة على إثباته، وأن من أنكره إنما استند إلى بعض النقول التي بان وجه الحق فيها، أو إلى بعض الأدلة العقلية التي اتضح عدم صحتها . فعلى المسلم أن يثبت لله الصفات كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأن يعلم أن الله لم يخبر عن نفسه بما هو محال أو ممتنع، وإنما أخبر بما هو جائز أو واجب في حقه، ليعرف العباد خالقهم فيتقربوا إليه، ويعبدوه عن علم ودراية .
  • ملف العضو
  • معلومات
cmehdi202
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-10-2007
  • الدولة : قسنطينة
  • المشاركات : 286
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • cmehdi202 is on a distinguished road
cmehdi202
عضو فعال
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 01:05 PM
منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته
يقال إن شرف العلم يعرف بشرف المعلوم ، وليس ثمة معلوم أشرف من الله جلَّ جلاله ،
إذ هو المتصف بصفات الكمال ، المنزه عن صفات النقص ، وما عرف العارفون ، ولا ذكر الذاكرون ، أشرف ولا أجل من الخالق سبحانه وتعالى .

لذلك كان العلم به من أجل العلوم وأعظمها ، بل هو أعظمها على الإطلاق ، وقد زخرت آيات الكتاب العظيم ، ونصوص السنة المطهرة ، بـأنواع أسماء الله عز وجل وصفاته ، وذلك منة من الله على عباده ، إذ عرفهم بنفسه جل وعلا ، حتى تكون عبادتهم له على علم وبصيرة .
وقد كان منهج السلف في التعامل مع نصوص أسماء الله وصفاته يتسم بالعلم والحكمة معا ، فهم قد وقفوا من تلك الأسماء والصفات موقف المثبت لها على الوجه اللائق به سبحانه ، مع نفيهم أن تكون تلك الصفات مماثلة لصفات المخلوقين ، ومع استبعاد أي تدخل للعقل في تحديد كيفيتها ، أو تعطيل حقيقتها ، أو تحريفها عن الوجه الذي يدل عليه ظاهر اللفظ .
وهذا المنهج على سلامته العلمية يورث القلب راحة ، وطمأنينة ، وذلك لسهولة إدراك المعنى المراد من اللفظ .
ومن منهج السلف في التعامل مع أسماء الله عز وجل وصفاته ، الحرص على حفظها ، والعمل بمقتضياتها ، وقد ورد في فضل ذلك أجر عظيم ، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) . ولا يعني هذا الحديث أن أسماء الله تعالى محصورة في تسعة وتسعين اسماً، بل لله عز وجل من الأسماء ما لا يعلمه إلا هو . كما ثبت في مسند الإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه ، وحزنه ، وأبدله مكانه فرجا . .. ) .
ومن منهج السلف في أسماء الله وصفاته دعاؤه بها والتضرع إليه بمعانيها ، قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }( الأعراف:180) .
ومن منهج السلف في أسماء الله وصفاته أيضاً : اتخاذها منهجاً في التعرف على الخالق سبحانه والتقرب إليه ، فهي مفاتيح المعرفة به سبحانه ، وبها يترقى العبد في درجات الأنس بالله جلا وعلا .
هذه بعض جوانب منهج السلف في أسماء الله وصفاته ، وهو منهج يجمع بين العلم والعمل معا .
لذا فالواجب على المسلم أن يفهم هذا المنهج وأن يطبقه ، ليحصل له العلم بالله ، على الوجه المطلوب .
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2007
  • المشاركات : 61
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الفقير البعطوشي is on a distinguished road
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 01:38 PM
اللهم لك الحمد؟؟
وصلّ اللّهم على النّور الذّاتي، والسر الساري، في سائر الأسماء والصفات، وعلى آله وصحبه، وسّلم.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2007
  • المشاركات : 61
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الفقير البعطوشي is on a distinguished road
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 01:39 PM
هلا أفدت حول الموضوع ؟؟ فالموضوع في قدم العالم والعلو سيأتي مقاله فلا تتعجل؟؟
وصلّ اللّهم على النّور الذّاتي، والسر الساري، في سائر الأسماء والصفات، وعلى آله وصحبه، وسّلم.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 17-10-2007
  • المشاركات : 4,860
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • algeroi has a spectacular aura aboutalgeroi has a spectacular aura about
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
النقول المستفيضة عن ابن تيمية في إنكاره قد العالم والفرق بين قوله وقول الفلاسفة
25-10-2007, 08:35 PM
النقول المستفيضة عن ابن تيمية في إنكاره قد العالم والفرق بين قوله وقول الفلاسفة



- الفرق بين قول ابن تيمية وبين قول الفلاسفة :
نسب كثيرون إلى شيخ الإسلام أنه يقول بقدم العالم وأنه وافق في ذلك ابن سينا والفارابي وابن رشد الحفيد .
والجواب على هذا :
أن هناك فرقاً بين قول الفلاسفة وقول ابن تيمية فالفلاسفة يقولون بحدوث ما سوى الله لكن بمعنى الاحتياج إلى الغير لا بمعنى سبق العدم عليه ومعنى الاحتياج إلى الغير أي ان قدم هذا العالم مستند إلى قدمه تعالى أي فقدمه تعالى أوجب قدم هذا العالم وهكذا زعموا قبحهم الله وهو كفر بإجماع المسلمين ولأجل هذا القول كفروا :
بثلاثة كفر الفلاسفة العدا **** إذ أنكروها وهي حقاً مثبته
علم بجزئي ، حدوث عوالم **** حشر لأجساد وكانت ميته(1)
فالفلاسفة عندهم ان الحادث قسمان والقديم قسمان :
أولاً : الحادث قسمان هما :
1- حادث بالذات وهو ما يحتاج في وجوده إلى مؤثر



سواء سبقه عدم كأفراد الإنسان أم لم يسبقه عدم كالأفلاك
فإنها تحتاج في وجودها لمؤثر فإنها محتاجة في وجودها لمؤثر
وقد سبقها العدم ولم يسبقها عدم .
2- حادث بالزمان وهو ما سبق وجوده العدم كأفراد الإنسان
__________________________________________________
(1) انظر شرح الخريدة مع حاشية الصاوي ص30 ، وشرح البيجوري على الجوهرة ص68
ثانياً : القديم قسمان هما :
1- قديم بالذات وهو ما لا يحتاج في وجوده لمؤثر كذات المولى
2- قديم بالزمان وهو نوعان :
I- الذي لم يسبقه عدم كذات المولى

II- ما احتاج في وجوده لمؤثر كالأفلاك فإنها عندهم لم يسبقها عدم لأنها ناشئة عن العقول بطريق العلة ويقولون ان واجب الوجود سبحانه وتعالى واحد من كل جهة فلا قدرة له ولا إرادة ولا صفة له زائدة على الذات والواحد من كل جهة إنما ينشأ عنه واحد بطريق العلة فالواحد الذي ينشأ عنه يقال له العقل الأول ثم إن ذلك العقل متصف بالإمكان من حيث إن الغير أثر فيه وبالوجوب لعلته فهو قديم لعلته حادث باعتبار ذاته فنشأ عنه باعتبار الجهة الأولى عقل ثان ونشأ عنه من الجهة الثانية فلك أول وهو المسمى في لسان الشرع بالعرش ، ثم ان هذا العقل الثاني متصف بإمكان من حيث إن الغير أثر فيه وهو العقل الأول وبالوجوب لعلته فهو حادث لذاته قديم لعلته فنشأ عنه باعتبار الجهة الأولى فلك ثان وهو المسمى في لسان الشرع بالكرسي وباعتبار الجهة الثانية عقل ثالث مدبر لذلك الفلك الثاني ثم إن ذلك العقل الثالث متصف بالإمكان من حيث إن الغير أثر فيه وبالوجوب من حيث علته فنشأ عنه من الجهة الأولى فلك ثالث وهو المسمى السماء السابعة ونشأ عنه من الجهة الثانية عقل رابع مدبر لذلك الفلك الثالث وهكذا إلى سماء الدنيا فتكاملت الأفلاك تسعة والعقول عشرة ويسمون العقل المدبر لفلك القمر وهو سماء الدنيا بالعقل الفياض لإفاضته على ما تحت فلك القمر من أنواع الحيوانات والنباتات والمعادن وبهذا ظهر لك وجه قولهم إن الأفلاك حادثة بالذات قديمة بالزمان وأنه لا أول لها تبعاً لعلتها لأن المعلول يقارن علته ومثلها في ذلك العقول وسائر الأنواع من الحيوان والنباتات والمعادن وأما أفرادها فهي حادثة ذاتاً وزماناً ا هـ .
وقول الفلاسفة : ان الرب لا اختيار له كفر(1) ا 0 هـ .
وعلى ضوء ما سبق يكون :
1- ان أفراد الإنسان حادثة بالذات والزمان معاً .
2- الأفلاك حادثة بالذات قديمة بالزمان
والخلاصة يمكن أن نتصور الأقوال من خلال هذا الجدول .




كان مع الخلق مذ كان الله فهو الفعال كان ثم خلق
وهذا قول الفلاسفة وهذا قول أهل السنة وهذا قول المتكلمين

وأنقل ما قاله الشيخ خليل هراس في كتابه ابن تيمية السلفي ص162 توضيحاً لما سبق : " ويقولون ( الفلاسفة ) إنه علة تامة في الأزل فيجب أن يقارنها معلولها في الأزل في الزمن وإن كان متقدماً عليها بالعلة لا بالزمان ويقولون إن العلة التامة ومعلولها يقترنان في الزمان ويتلازمان فلا يوجد معلول إلا بعلة تامة ولا تكون علة تامة إلا مع معلولها في الزمان ثم يعترفون بأن حوادث العالم
_________________________________________________
(1) انظر في ذلك حاشية الدسوقي على شرح أم البراهين للسنوسي ص70 ، وحاشية الصاوي على شرح الخريدة للدردير ص28 .
حدثت شيئاً بعد شيء من غير أن يتجدد من المبدع الأول ما يوجب أن يصير علة للحوادث المتعاقبة بل حقيقة قولهم إن الحوادث حدثت بلا محدث وكذلك عدمت بعد حدوثها من غير سبب يوجب عدمها على أصلهم ، وهؤلاء قابلهم طوائف من أهل الكلام ظنوا أن المؤثر التام يتراخى عنه أثره وأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وأن الحوادث لها ابتداء وقد حدثت بعد أن لم تكن بدون سبب حادث .
ولم يهتد الفريقان للقول الوسط وهو أن المؤثر التام مستلزم أن يكون أثـره عقب تأثيره لا مع التأثير ولا متراخياً عنه كما قال تعالى ) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (
فهو سبحانه يكون كل شيء فيكون عقب تكوينه لا مع تكوينه في الزمان ولا متراخياً عن تكوينه كما يكون الانكسار عقب الكسر والانقطاع عقب القطع ووقوع الطلاق عقب التطليق لا متراخياً عنه ولا مقارناً له في الزمان (1) .
ومعنى هذا صراحة أن ابن تيمية لا يقول بمقارنة العالم لله حتى يكون قديماً معه كما يقول الفلاسفة ولا يقول بتراخيه عنه في الزمان حتى يكون متراخياً عنه كما يقول المتكلمون ، بل يرى أنه متصل به بمعنى أنه حاصل عقب إرادته له وهو سبحانه مستتبع له استتباع المؤثر لأثره .
اعتراضات الفلاسفة على المتكلمين :
الفلاسفة القائلون بقدم العالم اعترضوا على المتكلمين القائلين بحدوثه ، والمانعين لتسلسل الآثار في الماضي باعتراضين :
__________________________________________________ __
(1) وقد نقله من الفتاوى (9/282) .
أحدهما : قولهم بامتناع الترجيح بلا مرجح .
والثانية : قولهم بأن المؤثر التام يستلزم أثره .
· الاعتراض الأول :
قال الفلاسفة للمتكلمين : إن في قولكم عن الله إنه لم يكن قادراً ثم صار قادراً : ترجيحاً لأحد طرفي الممكن بلا مرجح ، والترجيح لابد له من مرجح تام يجب به ، ثم قالوا : والقول بوجود سبب يقتضي الترجيح يحتاج إلى سبب آخر ، وهكذا إلى غير نهاية ، فليزم التسلسل ؛ وهو ممتنع عندكم
هذا هو الاعتراض الأول ، وهو واحد من مقدمتين هما عمدة الفلاسفة في القول بقدم العالم ، وملخص هذا الاعتراض : قول الفلاسفة : الترجيح لابد له من مرجح تام يجب به .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله أن هذا الاعتراض ( هو أصعب المواضع على المتكلمين في بحثهم مع الفلاسفة في مسألة حدوث العالم وهذه الشبهة أقوى شبهة للفلاسفة ؛ فإنهم لما رأوا أن الحدوث يمتنع إلا بسبب حادث ، قالوا : والقول في ذلك الحادث ، كالقول في الأول )
· فما هي إجابة المتكلمين على هذا الاعتراض ؟
تنوعت إجابات المتكلمين على هذا الاعتراض
__________________________________________________
(1) الصفدية (1/122) وفيه صرح ان هذا هو حجة الفلاسفة على قدم العالم وفصل الرد عليهم في ص 131 ، وانظر شرح العقيدة الأصفهانية ص71 ، وكذلك صرح بذلك مراراً في دراء التعارض ومنهاج السنة . .

I- فبعضهم أجاب ( بأن المرجح هو القدرة ، أو الإرادة القديمة ، أو العلم القديم أو إمكان الحدوث ، ونحو ذلك )
لكن الفلاسفة لم يقبلوا هذه الأجوبة ، وقالوا : كلها غير مفيدة ؛ لأن هذه الأمور إن لم يحدث بسببها سبب حادث ، لزم الترجيح بلا مرجح وإن حدث سبب حادث ؛ فالكلام في حدوثه ، ككلام في حدوث ما حدث به .
فإن لم يوجد بسبب القدرة القديمة ، أو الإرادة القديمة ، أو العلم القديم ، أو إمكان الحدوث سبب حادث : كان الأمر ترجيحاً بلا مرجح .
والحق أن قول جمهور الأشعرية أن المرجح هو الإرادة القديمة : قول ضعيف جداً ؛ لأنهم ذكروا للإرادة القديمة ثلاثة لوازم ، والثلاثة تناقض الإرادة :
- قالوا : أنها تكون ولا مراد لها ، ثم لا تزال على نعت واحد حتى يحدث مرادها من غير تحول حالها ؛ فتوجد الحوادث بلا سبب أصلاً
- قالوا : إنها ترجح مثلاً على مثل دون سبب مرجح
- قالوا : إنها يتخلف عنها مرادها مع وجود القدرة ؛ فتتقدم على المراد تقدماً لا أول له.
وهذه اللوازم الثلاثة تناقض القدرة.
II- وكثير من المتكلمين جوز ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنهم : " كثير من أهل الكلام يختار الترجيح بلا مرجح بناءً على أن القادر المريد يرجح بقدرته ، او بالقدرة والداعي ، أو أن الإرادة نفسها ترجح أحد المثلين على الآخر .
وبهذا الجواب أجابهم جمهور المعتزلة والأشعرية والكرامية ، ومن وافق هؤلاء من أصحاب الأئمة الأربعة ، وهو أحد جوابي الغزالي في تهافت الفلاسفة ، وبه أجاب الآمدي ، وغيره " .
ومعلوم أن صنيع هؤلاء متفق على امتناعه عند عامة العقلاء ؛ إذ انتفاء ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح وبطلانه مما اتفق عليه العقلاء
ج - " وعدل آخرون إلى الإلزام ، فقالوا : هذا يقتضي أن لا يحدث في العالم حادث والحس يكذبه "
وقد رد عليهم الفلاسفة بأن هذا الذي ذكرتموه إنما يلزم إذا كان التسلسل باطلاً ، " وأنتم تقولون بإبطاله وأما نحن فلا نقول بإبطاله وإذا كان الحدوث موقوفاً على حوادث متجددة زال هذا المحذور "
فأعلمهم الفلاسفة أن هذا الجواب يكون ملزماً لهم لو كانوا يمنعون التسلسل مثلهم ، ولكن لما كانوا يجيزون التسلسل ، لم يكن هذا الجواب ملزماً لهم .
فهذه الشبهة - كما ذكر شيخ الإسلام - هي أقوى شبهة للفلاسفة والمتكلمون لم يستطيعوا الإجابة عليها بإجابات شافية ؛ لذلك لم يستطيعوا التخلص من المأزق الذي أوقعهم فيه الفلاسفة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم ؛ يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث . ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع ، وقال لهم الناس : هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع ؛ وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ؛ فإذا كانت الأوقات متماثلة ، والفاعل على حال واحدة لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه ، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح " .
وهذا مما يثبت تناقض أصحاب هذا الدليل في دليلهم ، بل وفي مقدماته .
ففي إثبات الصانع جل وعلا : استدلوا بأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ؛ فيفتقر إلى مرجح خارج عنه ؛ وهو الواجب الوجود تبارك وتعالى الذي يرجح وجوده على عدمه فيخرجه من العدم إلى الوجود .
فأوجبوا وجود مرجح يرجح أحد طرفي الممكن على الآخر .
وهنا جوزوا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ؛ فناقضوا أنفسهم بأنفسهم ، ونقضوا بصنيعهم دليلهم الذي اثبتوا به الصانع جل وعلا .
أما عن موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من اعتراض الفلاسفة الأول ، وإجابة المتكلمين عليه ؛ فقد وجه نقداً للفلاسفة ونصيحة للمتكلمين .
أما نقده للفلاسفة ، فهو قوله عنهم : "فهؤلاء الفلاسفة أنكروا على المتكلمين -نفاة الأفعال القائمة به- أنهم أثبتوا حدوث الحوادث بدون سبب حادث ، مع كون الفاعل موصوفاً بصفات الكمال وهم أثبتوا حدوث الحوادث كلها بدون سبب حادث ولا ذات موصوفة بصفات الكمال بل حقيقة قولهم : أن الحوادث تحدث بدون محدث فاعل ؛ إذ كان مصرحين بأن العلة التامة الأزلية يجب أن يقارنها معلولها ؛ فلا يبقى للحوادث فاعل أصلاً لا هي ولا غيرها،فعلم أن قولهم أعظم تناقضاً من قول المعتزلة ونحوهم ، وأن ما ذكروه من الحجة في قدم العالم هو على حدوثه أدل منه على قدمه باعتبار كل واحدة من مقدمتي حجتهم "
فتبين أن الفلاسفة أشد تناقضاً من المتكلمين ، وأنهم ما ألزموا المتكلمين بشيء إلا وفي مذهبهم ما هو أشد إلزاماً لهم .
وأما عن النصيحة التي وجهها ابن تيمية رحمه الله إلى المتكلمين ؛ فقد وجهها على لسان مثبتي قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى ، وهي نصيحة مشتملة على نقد ضمني ، فكأنه يقول لهم من خلاله : لو أثبتم قيام أفعال الله الاختيارية به جل وعلا لما جرى عليكم ما جرى ، ولتخلصتم من المأزق الذي أوقعتم أنفسكم فيه بنفيكم قيام هذه الأفعال بالله دجل وعلا . يقول شيخ الإسلام رحمه الله : " قال هؤلاء المثبتة لقيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى : وعلى أصلنا يبطل كلام الفلاسفة ؛ فإنه يقال لهم : أنتم تجوزون قيام الحوادث بالقديم ؛ إذ الفلك قديم عندكم ، والحركات تقوم به ، وتجوزون حوادث لا أول لها وتعاقب الحركات على الشيء لا يستلزم حدوثه وإذا كان كذلك : فلم يجوز أن يكون الخالق للعالم له أفعال اختيارية تقوم به يحدث بها الحوادث ، ولا يكون تسلسلها وتعاقبها دليلاً على حدوث ما قامت به "
وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله أن قول المتكلمين بترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح سبب استطالة الفلاسفة والملاحدة عليهم .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مخاطباً المتكلمين : " أنتم تقولون : إن الرب كان معطلاً في الأزل ، لا يتكلم ولا يفعل شيئاً ، ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث اصلاً ، فلزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بلا مرجح . وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة - وخالفتم أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك - وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث العالم بهذا ؛ حيث ظننتم أن ما لا يخلو عن نوع الحوادث يكون حادثاً ؛ لامتناع حوادث لانهاية لها .
وهذا الأصل ليس معكم به كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة والتابعين ، بل الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والقرابة وأتباعهم بخلاف ذلك "
فالمقصود أن المتكلمين لما قالوا إن الله لم يزل معطلاً عن الفعل والكلام حتى أحدث العالم بلا سبب أصلاً ، " بل نفس القادر المختار يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح أصلاً ، كالجائع إذا قدم له رغيفان ، والهارب إذا عنّ له طريقان " ؛ أطمعوا القائلين بقدم العالم فيهم ؛ فاعتقد القائلون بقدم العالم أنهم إذا أثبتوا امتناع حدوث العالم بعد دوام التعطيل الذاتي ، فقد قطعوا هؤلاء وأثبتوا قدم العالم وقدم هذه الأفلاك .
· الإعتراض الثاني :
قال الفلاسفة للمتكلمين : إن المؤثر التام يستلزم أثره ، والعلة التامة تستلزم معلولها .
وهذا الاعتراض هو ثاني مقدمتي حجة الفلاسفة على قدم العالم ، إذ قالوا العلة التامة الأزلية يجب أن يقارنها معلولها ، فيكون العالم بما فيه من أفلاك أزلياً .
وهذا يلزم منه أن لا يكون في العالم شيئاً محدثاً ، بل الكل قديم وهذا خلاف المحسوس .
هذا هو الاعتراض الثاني
وقد أجاب عنه المتكلمون بأن " المؤثر التام يجوز ، بل قد يجب أن يتراخى عنه أثره ، فقالوا : البارى كان في الأزل مؤثراً تاماً ، وتراخى عنه أثره "
وقد رد عليهم بأن هذا باطل ، لأنه يلزم منه : " أن يصير المؤثر مؤثراً تاماً بعد أن لم يكن مؤثراً تاماً بدون سبب حادث ، أو أن الحوادث تحدث بدون مؤثر تام ، وأن الممكن يرجح وجوده على عدمه بدون المرجح التام "
وهذا كله باطل .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الجواب عن شبهة العلة التامة ، و قول المتكلمين : إنه يجب أن يتراخى عنها معلولها جواب غير صحيح ، كما أن قول الفلاسفة عن هذه العلة : إنه يجب أن يقارنها معلولها بالزمان قول باطل أيضاً .
والجواب الصحيح هو قول ثالث ، وهو : " أن التأثير التام من المؤثر يستلزم الأثر ، فيكون عقبه ، لا مقارناً له ، ولا متراخياً عنه ؛ كما يقال : كسرت الإناء فانكسر ، وقطعت الحبل فانقطع ، وطلقت المرأة فطلقت ، وأعتقت العبد فعتق ، قال تعالى : ) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ( فإذا كون شيئاً ، كان عقب تكوين الرب له ، لا يكون مع تكوينه ، ولا متراخياً عنه وقد يقال : يكون مع تكوينه ؛ بمعنى أنه يتعقبه لا يتراخى عنه ، وهو سبحانه ما شاء كان ووجب بمشيئته وقدرته ، وما لم يشأ لم يكن لعدم مشيئته له ، وعلى هذا فكل ما سوى الله تعالى لا يكون إلا حادثاً مسبوقاً بالعدم ؛ فإنه يجب أن يكون عقب تكوينه له ؛ فهو مسبوق بغيره سبقاً زمانياً ، وما كان كذلك لا يكون إلا محدثاً ، والمؤثر التام يستلزم وجود أثره عقب كمال التأثير التام " .
فليس القول بوجوب مقارنة العلة لمعلولها قولاً صحيحاً ، ولا بوجوب تراخيها عنه كذلك .
وقول الفلاسفة بمقارنة العلة لمعلولها : " يوجب أن لا يحدث في العالم شيء وهو خلاف المشاهدة ؛ فقد قالوا بما يخالف الحس والعقل وأخبار الأنبياء "
وهو من أعظم الباطل المخالف لدين الرسل عليهم الصلاة والسلام (1) ا 0هـ
وبهذا نعلم ان شيخ الإسلام انما يجيز التسلسل في الآثار وهذا النوع من التسلسل جائز عند أكثر العقلاء ؛ من أئمة أهل الملل ، وأئمة الفلاسفة ، وغيرهم .

وليس يُفهم من هذا وجود المفعولات أزلاً مع الله تعالى ؛ فما من مفعول إلا وهو حادث كائن بعد أن لم يكن ؛ " فليس مع الله في الأزل شيء من المفعولات ؛ إذ كان كل منهما حادثاً بعد أن يكن ، والحادث بعد أن لم يكن لا يكون مقارناً للقديم الذي لم يزل .
والسلف رحمهم الله يجيزون هذا النوع من التسلسل ، ويرون أن إثباته ضروري لإثبات أفعال الله تعالى الاختيارية .
وعلى هذا النوع يشهد قولهم :لم يزل الله فاعلاً بمشيئته وقدرته ، أولم يزل متكلماً بمشيئته وقدرته ، ولا نهاية لكلماته ؛ كما أخبر جل وعلا ) قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ( .
لهذا يقول السلف رحمهم الله عن أفعال الله الاختيارية : لم يزل يفعل كذا ؛ يريدون بذلك قدم النوع ، وتجدد الآحاد ، لا بمعنى وجود المفعولات معه جل وعلا أزلاً ؛ فإن القول بوجود المفعولات أو المخلوقات مع الله تعالى أزلاً ليس من أقوال المسلمين .
_________________________________________________
(1) من الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات د 0 عبد القادر صوفي .
فهذا هو التسلسل في الآثار الذي أجازه السلف رحمهم الله ، وأكثر العقلاء ، وشهد بصحته العقل الصريح .
النقول عن ابن تيمية في إنكار ما نسب إليه :
إن خير من يدافع عن المتهم هو المتهم نفسه ولهذا جعلت هذا المبحث لنقول ابن تيمية في إنكار ما نسب إليه من القول بقدم العالم وان الله موجب بالذات لا فاعلاً بالاختيار ، وسيذكر قول المتكلمين أهل التراخي ، وقول الفلاسفة أهل المقارنة ، وقول أهل الحديث وهو ان الله لم يزل فعالاً ، وفي أثناء ذلك يذكر المسائل المتعلقة بالموضوع كحدوث العالم ، وكلام الله ونحو ذلك ، وقد نقلنا هذه النقولات من الفتاوى ، والدرء ، والمنهاج ، وله في الصفدية كذلك إلا أننا تركناه خشية الإطالة .
يقول شيخ الإسلام في المجلد الخامس من الفتاوى ص537


وأما ( المقدمة الثانية ) : وهو منع دوام نوع الحادث فهذه يمنعها أئمة السنة والحديث القائلين بأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ؛ وأن كلماته لا نهاية لها ؛ والقائلين بأنه لم يزل فعالاً ؛ كما يقوله البخاري وغيره ؛ ويمنعها أيضاً جمهور الفلاسفة ، ولكن الجهمية والمعتزلة والكلابية والكرامية يقولون بامتناعها وهي من الأصول الكبار التي يبتني عليها الكلام في كلام الله تعالى وفي خلقه .
وهذا القول هو أصل الكلام المحدث في الإسلام الذي ذمه السلف والأئمة ؛ فإن أصحاب هذا الكلام في الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم ظنوا أن معنى كون الله خالقاً لكل شيء كما دل عليه الكتاب والسنة ، واتفق عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم أنه سبحانه وتعالى لم يزل معطلاً . لا يفعل شيئاً ولا يتكلم بشيء أصلاً ، بل هو وحده موجود بلا كلام يقوله ولا فعل يفعله ثم أنه أحدث ما أحدث من كلامه ومفعولاته المنفصلة عنه فأحدث العالم . وظنوا ان ما جاءت به الرسل واتفق عليه أهل الملل من أن كل ما سوى الله مخلوق ، والله خالق كل شيء هذا معناه وإن ضد هذا قول من قال بقدم العالم أو بقدم مادته ، فصاروا في كتبهم الكلامية لا يذكرون إلا قولين :
( احدهما ) : قول المسلمين وغيرهم من أهل الملل أن العالم محدث ، ومعناه عندهم ما تقدم .
(والثاني ) : قول الدهرية الذين يقولون : العالم قديم ، وصاروا يحكمون في كتب الكلام والمقالات ان مذهب أهل الملل قاطبة من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم ان الله كان فيما لم يزل لا يفعل شيئاً ، ولا يتكلم بشيء ،
ثم إنه احدث العالم ؛ ومذهب الدهرية ان العالم قديم .
والمشهور عن القائلين بقدم العالم أنه لا صانع له ؛ فينكرون الصانع جل جلاله . وقد ذكر أهل المقالات أن أول من قال من الفلاسفة بقدم العالم " أرسطو " صاحب التعاليم الفلسفية : المنطقي والطبيعي والإلهي . وأرسطو وأصحابه القدماء يثبتون في كتبهم العلة الأولى ، ويقولون : إن الفلك يتحرك للتشيبه بها ؛ فهي علة له بهذا الاعتبار ، إذ لولا وجود من تشبه به الفلك لم يتحرك ، وحركته من لوازم وجوده ، فلو بطلت حركته لفسد ولم يقل أرسطو : إن العلة الأولى أبدعت الأفلاك ؛ ولا قال هو موجب بذاته ، كما يقوله من يقول من متأخري الفلاسفة كابن سينا وأمثاله ، ولا قال : أن الفلك قديم وهو ممكن بذاته ؛ بل كان عندهم ما عند سائر العقلاء ان الممكن هو الذي يمكن وجوده وعدمه ، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثاً ، والفلك عندهم ليس بممكن بل هو قديم لم يزل وحقيقة قولهم أنه واجب لم يزل ولا يزال .
فلهذا لا يوجد في عامة كتب الكلام المتقدمة القول بقدم العالم ، إلا عمن ينكر الصانع ، فلما أظهر من أظهر من الفلاسفة كابن سينا وأمثاله أن العالم قديم عن علة موجبة بالذات قديمة ، صار هذا قولا آخر للقائلين بقدم العالم أزالوا به ما كان يظهر من شناعة قولهم من إنكار صانع العالم ، وصاروا أيضاً يطلقون ألفاظ المسلمين من انه مصنوع ومحدث ونحو ذلك ، ولكن مرادهم بذلك أنه معلول قديم أزلي لا يريدون بذلك ، أن الله أحدث شيئاً بعد ان لم يكن ، وإذا قالوا : ان الله خالق كل شيء ، فهذا معناه عندهم ؛ فصار المتأخرون من المتكلمين يذكرون هذا القول ، والقول المعروف عن أهل الكلام في معنى حدوث العالم الذي يحكونه عن أهل الملل كما تقدم ، كما يذكر ذلك الشهرستاني والرازي والآمدي وغيرهم .
وهذا الأصل الذي ابتدعه الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام من امتناع دوام فعل الله ، وهو الذي بنوا عليه أصول دينهم ، وجعلوا ذلك أصل دين المسلمين ، فقالوا : الأجسام لا تخلو من الحوادث ، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث ، لأن ما لا يخلو عنها ولا يسبقها يكون معها أو بعدها ، وما كان مع الحوادث أو بعدها فهو حادث .
وكثير منهم لا يذكر على ذلك دليلاً لكون ذلك ظاهراً (1)، إذ لم يفرقوا بين __________________________________________________
(1) وانظر درء التعارض (1/303) .
نوع الحوادث وبين الحادث المعين ، لكن من تفطن منهم للفرق ، فإنه يذكر دليلاً على ذلك بأن يقول : الحوادث لا تدوم بل يمتنع وجود حوادث لا أول لها ، ومنهم من يمنع أيضاً وجود حوادث لا آخر لها ، كما يقول ذلك إماما هذا الكلام : الجهم بن صفوان وأبو الهذيل .
ولما كان حقيقة هذا القول ان الله سبحانه لم يكن قادراً على الفعل في الأزل ؛ بل صار قادراً على الفعل بعد أن لم يكن قادراً عليه ؛ كان هذا مما أنكره المسلمون على هؤلاء ، حتى انه كان من البدع التي ذكروها : من بدع الأشعري في الفتنة التي جرت بخراسان لما اظهروا لعنة أهل البدع ، والقصة مشهورة .
فيقال " لأرسطو واتباعه " ممن رأى دوام الفاعلية ولوازمها : العقل الصريح لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم : لا فلك ولا غيره ؛ وإنما يدل على أن الرب لم يزل فاعلاً . وحينئذ فإذا قدر أنه لم يزل يخلق شيئاً بع شيء كان كل ما سواه مخلوقاً محدثاً مسبوقاً بالعدم ، ولم يكن من العالم شيء قديم ، وهذا التقدير ليس معكم ما يبطله فلماذا تنفونه ؟ !
وإذا كان مدلول الدليل العقلي انه لابد أنه قديم تقوم به الأفعال شيئاً بعد
شيء ، فهذا إنما يناقض قول المبتدعة من أهل الملل الذين ابتدعوا الكلام المحدث الذي ذمه السلف والأئمة الذين قالوا : إن الرب لم يزل معطلاً عن الفعل والكلام . فصار ما علمته العقلاء من أصناف الأمم من الفلاسفة وغيرهم بصريح المعقول هو عاضد وناصر لما جاء به الرسول r على من ابتدع في ملته ما يخالف أقواله .
وكان ما علم بالشرع مع صريح العقل أيضاً زاد لما يقوله الفلاسفة الدهرية من قدم شيء من العالم مع الله بل القول " بقدم العالم " قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه ؛ فليس أهل الملة وحدهم تبطله ، بل أهل الملل كلهم ، وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين : مشركي العرب ، ومشركي الهند وغيرهم من الأمم ، وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد ان لم يكن ، بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء ، والعرب المشركون كلهم كانوا يعترفون بأن الله خالق كل شيء ، وان هذا العالم كله مخلوق ، والله خالقه وربه ، وهذه الأمور مبسوطة في موضعها .
ويقول في المجلد السادس ص231

و " طائفة " يقولون : هب أنه يفتقر إلى فعل قبله ، فلم قلتم : ان ذلك ممتنع ؟ وقولكم : هذا تسلسل فيقال : ليس هذا تسلسلاً في الفاعلين ، والعلل الفاعلة ؛ فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء ؛ بل هو تسلسل في الآثار والأفعال ، وهو حصول شيء ، وهذا محل النزاع " فالسلف " يقولون : لم يزل متكلماً إذا شاء ؛ وقد قال تعالى ) قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلماتي ربي ولو جئنا بمثله مددا ( فكلمات الله لا نهاية لها ، وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل فإن نعيم الجنة دائم نفاد له ، فما من شيء إلا وبعده شيء لا نهاية له .
و أما قـدم " الفاعلية " وهو : أنه ما زال فاعلاً ، فيقال : هذا لفظ مجمل ؛


فأنتم(1)تريدون بالفاعل أن مفعوله مقارن له في الزمان وإذا كان فاعلاً بهذا الاعتبار وجب مقارنة مفعوله له فلا يتأخر فعله ، فهذه عمدتكم ، والفاعل عند عامة العقلاء وعند سلفكم ، وعندكم أيضاً في غير هذا الموضع هو الذي يفعل شيئاً فيحدثه ، فيمتنع أن يكون المفعول مقارناً له بهذا الاعتبار ـ بل على هذا الاعتبار يجب تأخر كل مفعول له ، فلا يكون في مفعولاته شيء قديم بقدمه ، فيكون كل ما سواه محدث .
ثم للناس هنا طريقان :
" منهم " من يقول : يجب تأخر كل مفعول له ، وأن يبقى معطلاً عن الفعل ثم يفعل ، كما يقوله أهل الكلام المبتدع من أهل الملل ، من الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم وهذا النفي يناقض دوام الفاعلية فهو يناقض موجب تلك الحجج.
و " الثاني " : أن يقال : ما زال فاعلاً لشيء بعد شيء ، فكل ما سواه محدث كائن بعد أن لم يكن وهو وحده الذي اختص بالقدم والأزلية ، فهو " الأول" القديم الأزلي ليس معه غيره ، وانه ما زال يفعل شيئاً بعد شيء .
فيقال لهم : الحجج التي تقيمونها في وجوب قدم " الفاعلية " كما أنها تبطل قول أهل الكلام المحدث فهي أيضاً تبطل قولكم ؛ وذلك أنها لو دلت على دوام الفاعلية بالمعنى الذي ادعيتم ، للزم أن لا يحدث في العالم حادث ؛ إذ كان المفعول المعلول عندكم يجب أن يقارن علته الفاعلية في الزمان ، وكل ما __________________________________________________
(1) أي الفلاسفة .
سوى الأول مفعول معلول له ، فتحدث مقارنة كل ما سواه فلا يحدث في العالم حادث وهو خلاف المشاهدة والمعقول ، وباطل باتفاق بني آدم كلهم ، مخالف للحس والعقل .
وأيضاً إذا وجب في العلة يقارنها معلولها في الزمان فكل حادث يجب أن يحدث مع حدوثه حوادث مقترنة في الزمان ، لا يسبق بعضها بعضاً ولا نهاية لها ، وهذا قول بوجود علل لا نهاية لها ؛ وهذا أيضاً باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء ؛ ولا فرق بين امتناع ذلك في ذات العلة أو شرط من شروطها ؛ فكما يمتنع ان يحدث عند كل حادث ذات علل لا تتناهى في آن واحد ؛ وكذلك شروط العلة وتمامها فإنها إحدى جزئي العلة ؛ فلا يجوز وجود ما لا يتناهى في آن واحد لا في هذا الجزء ولا في هذا الجزء ؛ وهذا متفق عليه بين الناس وأما النزاع في " وجود مالا يتناهى على سبيل التعاقب " فقد زال جزء حجتهم ليس هو ما قالوه ؛ بل موجبه هو " القول الآخر " وهو : أن الفاعل لم يزل يفعل شيئاً بعد شيء ، وحينئذ كل مفعول محدث كائن بعد ان لم يكن وهذا نقيض قولهم ، بل هذا من أبلغ ما يحتج به على ما أخبرت به الرسل من أن الله خالق كل شيء ؛ فإنه بهذا يثبت أنه لا قديم إلا الله ، وانه كل ما سواه كائن بعد ان لم يكن سواء سمى عقلاً أو نفساً أو جسماً أو غير ذلك .
بخلاف دليل أهل الكلام المحدث على الحدوث ؛ فإنهم قالوا : لو كان صحيحاً لم يدل إلا على حدوث الأجسام ، ونحن أثبتنا موجودات غير العقول ، و" أهل الكلام " لم يقيموا دليلاً على انتفائها ، وقد وافقهم على ذلك المتأخرون : مثل الشهر ستاني ، والرازي ، والآمدي وادعوا أنه لا دليل للمتكلمين على نفي هذه الجواهر العقلية ، ودليلهم على حدوث الأجسام لم يتناولها ؛ ولهذا صار الذين زعموا أنهم يجيبونهم " بالجواب الباهر " إلى ما تقدم ذكره من التناقض ؛ فقد تبين أن نفس ما احتجوا به يدل على فساد قولهم ، وفساد قول المتكلمين ، ويدل على حدوث كل ما سوى الله وانه وحده القديم ، دلالة صحيحة لا مطعن فيها .
فقد تبين ولله الحمد ان عمدتهم على قدم العالم إنما تدل على نقيض قولهم ، وهو : حدوث كل ما سوى الله ولله الحمد والمنة

ويقول في المجلد الثامن ص 380 وما بعده


وأما كون ذلك يستلزم قيام الأمور الاختيارية بذاته فهذا قول السلف وأئمة الحديث والسنة كثير من أهل الكلام .
وأما كون ذلك يستلزم التسلسل في المستقبل فإنه إذا خلق شيئاً لحكمة توجد بعد وجوده وتلك الحكمة لحكمة أخرى لزم التسلسل في المستقبل فهذا جائز عند المسلمين وغيرهم ممن يقول بدوام نعيم أهل الجنة وإنما يخالف في ذلك من شك : كالجهم بن صفوان الذي يقول : بفناء الجنة والنار وكأبي الهذيل الذي يقول : بانقطاع حركات أهل الجنة والنار . فإن هذين ادعيا امتناع وجود مالا يتناهى في الماضي والمستقبل ، وخالفهم جماهير المسلمين .
و ( الجواب الثاني ) : أن يقال التسلسل نوعان :
( احدهما ) في الفاعلين ، وهو أن يكون لكل فاعل فاعل . فهذا باطل بصريح العقل واتفاق العقلاء .
و ( الثاني ) التسلسل في الآثار ؛ مثل أن يقال : ان الله لم يزل متكلماً إذا شاء ويقال : ان كلمات الله لا نهاية لها فهذا التسلسل يجوزه أئمة أهل الملل ، وأئمة الفلاسفة ولكن الفلاسفة (1) يدعون قدم الأفلاك . وإن حركات الفلك لا بداية لها ولا نهاية لها وهذا كفر مخالف لدين الرسل وهو باطل في صريح المعقول .
وكذلك القول : بأن الرب لم يكن يمكنه أن يتكلم ولا يفعل بمشيئته ثم صار يمكنه الكلام والفعل بمشيئته كما يقول ذلك الجهمية والقدرية . ومن وافقهم من أهل الكلام قول باطل . وهو الذي أوقع الاضطراب بين ملاحدة المتفلسفة
ومبتدعة أهل الكلام . في هذا الباب والكلام على هذه الأمور مبسوط في موضعه وهذه مطالب غالية . أنما يعرف قدرها من عرف مقالات الناس والاشكالات اللازمة على كل قول حتى أوقعت كثيراً من فحول النظار في بحور الشك والارتياب وهي مبسوطة في غير هذا الموضع .
ويقول في المجلد التاسع :

وكان أرسطو واتباعه يسمون " الرب " عقلاً وجوهراً ، وهو عندهم لا يعلم شيئاً سوى نفسه ولا يريد شيئاً ، ويسمونه " المبدأ " و " العلة الأولى " لأن الفلك عندهم متحرك للتشبه به أو متحرك للشبه بالعقل ، فحاجة الفلك عندهم إلى العلة الأولى من جهة أنه متشبه بها كما يتشبه المؤتم بالإمام والتلميذ بالأستاذ وقد يقول : أنه يحركه كما يحرك المعشوق عاشقه ، ليس عندهم أنه ابدع شيئاً __________________________________________________
(1) هذا هو قول الفلاسفة الذين يزعمون ان الشيء غير مسبوق بالعدم وهو كفر كما قال شيخ الإسلام .
ولا فعل شيئاً ، ولا كانوا يسمونه واجب الوجود ، ولا يقسمون الوجود إلى واجب وممكن ، ويجعلون الممكن هو موجوداً قديماً أزلياً كالفلك عندهم .
وإنما هذا فعل ابن سينا وأتباعه وهم خالفوا في ذلك سلفهم وجميع العقلاء وخالفوا أنفسهم أيضاً فتناقضوا ؛ فإنهم صرحوا بما صرح به سلفهم وسائر العقلاء من ان الممكن الذي يمكن أن يكون موجوداً وان يكون معدوماً ، لا يكون إلا محدثاً مسبوقاً بالعدم .
وأما الأزلي الذي لم يزل ولا يزال فيمتنع عندهم وعند سائر العقلاء ان يكون ممكناً يقبل الوجود والعدم ، بل كل ما قبل الوجود والعدم لم يكن إلا محدثاً ، وهذا مما يستدل به على ان كل ما سوى الله فهو محدث مسبوق بالعدم كائن بعد ان لم يكن ، كما بسط في موضعه .
لكن ابن سينا ومتبعوه تناقضوا فذكروا في موضع آخر ان الوجود ينقسم إلى : واجب ، وممكن ، وان الممكن قد يكون قديماً أزلياً لم يزل ولا يزال يمتنع عدمه ، ويقولون : هو واجب بغيره وجعلوا الفلك من هذا النوع ؛ فخرجوا عن إجماع لعقلاء الذين وافقوهم عليه في إثبات شيء ممكن يمكن أن يوجد وان لايوجد وانه مع هذا يكون قديماً أزليا أبدياً ممتنع العدم واجب الوجود بغيره فإن هذا ممتنع عند جميع العقلاء وذلك بين في صريح العقل لمن تصور حقيقة الممكن الذي يقبل الوجود والعدم كما بسط في موضعه .
وهؤلاء المتفلسفة إنما تسلطوا على المتكلمين الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم ؛ لأن هؤلاء لم يعرفوا حقيقة ما بعث الله به رسوله . ولم يحتجوا لما نصروه بحجج صحيحة في المعقول . فقصر هؤلاء المتكلمون في معرفة السمع والعقل . حتى قالوا : إن الله لم يزل لا يفعل شيئاً ولا يتكلم بمشيئة ، ثم حدث ما حدث من غير تجدد سبب حادث ، وزعموا دوام امتناع كون الرب متكلماً بمشيئته ثم حدث ما حدث من غير تجدد سبب حادث وزعموا دوام امتناع كون الرب متكلماً بمشيئته فعالاً لما يشاء ؛ لزعمهم امتناع دوام الحوادث ثم صار أئمتهم كالجهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف إلى امتناع دوامهما في المستقبل والماضي ، فقال الجهم : بفناء الجنة والنار ، وقال أبو الهذيل : بفناء حركاتهما ، وأنهم يبقون دائماً في سكون ، ويزعم بعض من سلك هذه السبيل أن هذا هو مقتضى العقل ، وان كل ماله ابتداء فيجب أن يكون له انتهاء .
ولما رأوا الشرع قد جاء بدوام نعيم أهل الجنة كما قال تعالى : ) أكلها دائم وظلها ( وقال : ) إن هذا لرزقنا ماله من نفاد ( ظنوا أنه يجب تصديق الشرع فيما خالف فيه أهل العقل ، ولم يعلموا أن الحجة العقلية الصريحة لا تناقض الحجة الشرعية الصحيحة ، بل يمتنع تعارض الحجج الصحيحة سواء كانت عقلية أو سمعية أو سمعية وعقلية . بل إذا تعارضت حجتان دل على فساد إحداهما وفسادهما جميعاً .
وصار كثير منهم إلى جواز دوام الحوادث في المستقبل دون الماضي ، وذكروا فروعاً عرف حذاقهم ضعفها كما بسط في غير هذا الموضع ، وهو لزومهم أن يكون الرب كان غير قادر ثم صار قادراً من غير تجدد سبب يوجب كونه قادراً ، وانه لم يكن يمكنه أن يفعل ولا يتكلم بمشيئته ثم صار الفعل ممكناً له بدون سبب يوجب تجدد الإمكان وإذا ذكر لهم هذا قالوا : كان في الأزل قادراً على ما لم يزل ، فقيل لهم : القادر لا يكون قادراً مع كون المقدور ممتنعاً ، بل القدرة على الممتنع ممتنعة ، وإنما يكون قادراً على ما يمكنه أن يفعله ، فإذا كان لم يزل قادراً فلم يزل يمكنه أن يفعل .
ولما كان أصل هؤلاء هذا صاروا في كلام الله على ثلاثة أقوال .
( فرقة ) قالت : الكلام لا يقوم بذات الرب بل لا يكون كلامه إلا مخلوقاً ؛ لأنه إما قديم وإما حادث ، ويمتنع أن يكون قديماً لأنه متكلم بمشيئته وقدرته ، والقديم لا يكون بالقدرة والمشيئة ، وإذا كان الكلام بالقدرة والمشيئة كان مخلوقاً لا يقوم بذاته ، إذ لو قام بذاته كانت قد قامت به الحوادث والحوادث لا تقوم به ، لأنها لو قامت به لم يخل منها ، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث ، قالوا : إذ بهذا الأصل أثبتنا حدوث الأجسام ، وبه ثبت حدوث العالم قالوا : ومعلوم أن ما لم يسبق الحادث لم يكن قبله إما معه وإما بعده ، وما كان مع الحادث أو بعده فهو حادث .
وكثير منهم لم يتفطن للفرق بين نوع الحوادث وبين الحادث المعين ، فإن الحادث المعين والحوادث المحصورة يمتنع أن تكون أزلية دائمة ، وما لم يكن قبلها فهو إما معها وإما بعدها وما كان كذلك فهو حادث قطعاً وهذا لا يخفي على أحد.
ولكن موضع النظر والنزاع " نوع الحوادث " وهو أنه هل يمكن أن يكون النوع دائماً فيكون الرب لا يزال يتكلم أو يفعل بمشيئته وقدرته أم يمتنع ذلك ؟ فلما تفطن لهذا الفرق طائفة قالوا : وهذا أيضاً ممتنع لامتناع حوادث لا أول لها ، وذكروا على ذلك حججاً كحجة التطبيق ، وحجة امتناع انقضاء مالا نهاية له وأمثال ذلك وقد ذكر عامة ما ذكر في هذا الباب وما يتعلق به في مواضع غير هذا الموضع ، ولكل مقام مقال .
وأولئك المتفلسفة لما رأوا أن هذا القول مما يعلم بطلانه بصريح العقل وأنه يمتنع حدوث الحوادث بدون سبب حادث ، ويمتنع كون الرب يصير فاعلاً بعد أن لم يكن وان المؤثر التام يمتنع تخلف أثره عنه ظنوا أنهم إذا أبطلوا هذا القول فقد سلم لهم ما ادعوه من " قدم العالم " كالأفلاك وجنس المولدات ومواد العناصر ، وضلوا ضلالاً عظيماً خالفوا به صرائح العقول ، وكذبوا به كل رسول .
فإن الرسل مطبقون على أن كل ما سوى الله مخلوق كائن بعد ان لم يكن ليس مع الله شيء قديم بقدمه ، وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام والعقول الصريحة تعلم ان الحوادث لا بد لها من محدث ، فلو لم تكن إلا العلة القديمة الأزلية المستلزمة لمعلولها لم يكن في العالم شيء من الحوادث فإن حدوث ذلك الحادث عن علة قديمة أزلية مستلزمة لمعلولها ممتنع فإنه إذا كان معلولها لازماً لها كان قديماً معها لم يتأخر عنها ، فلا يكون لشيء من الحوادث سبب اقتضى حدوثه فتكون الحوادث كلها حدثت بلا محدث ، وهؤلاء فروا من أن يحدثها القادر بغير سبب حادث ، وذهبوا إلى أنها تحدث بغير محدث أصلاً لا قادر ولا غير قادر فكان ما فروا إليه شراً مما فروا منه وكانوا شراً من المستجير من الرمضاء بالنار .
واعتقد هؤلاء أن المفعول المصنوع المبتدع المعين كالفلك يقارن فاعله أزلاً وأبداً لا يتقدم الفاعل عليه تقدماً زمانياً وأولئك قالوا : بل المؤثر التام يتراخى عنه أثره ثم يحدث الأثر من غير سبب اقتضى حدوثه ، فأقام الأولون الأدلة العقلية الصريحة على بطلان هذا ، كما أقام هؤلاء الأدلة العقلية الصريحة على بطلان قول الآخرين ، ولا ريب ان قول هؤلاء أهل المقارنة أشد فساداً ومناقضة لصريح المعقول وصحيح المنقول من قول أولئك أهل التراخي .
( والقول الثالث ) الذي يدل عليه المعقول الصريح ويقر به عامة العقلاء ودل عليه الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة لم يهتد له الفريقان : وهو أن المؤثر يستلزم وقوع أثره عقب تأثره التام لا يقترن به ولا يتراخى كما إذا طلقت المرأة فطلقت ، وأعتقت العبد فعتق ، وكسرت الإناء فانكسر ، وقطعت الحبل فانقطع ، فوقوع العتق والطلاق ليس مقارناً لنفس التطليق والإعتاق بحيث يكون معه ، ولا هو أيضاً متراخ عنه بل يكون عقبه متصلا به ، وقد يقال هو معه ومفارق له باعتبار أنه يكون عقبه متصلاً به ، كما يقال : هو بعده متأخر عنه باعتبار إنما يكون عقب التأثير التام ، ولهذا قال تعالى : ) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ( فهو سبحانه يكون ما يشاء تكوينه فإذا كونه كان عقب تكوينه متصلاً به ، لا يكون مع تكوينه في الزمان ولا يكون متراخياً عن تكوينه بينهما فصل في الزمان ، بل يكون متصلاً بتكوينه كاتصال أجزاء الحركة والزمان بعضها ببعض .
وهذا مما يستدل به على أن كل ما سوى الله حادث كائن بعد أن لم يكن وان قيل مع ذلك بدوام فاعليته ومتكلميته ، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع .



ويقول في المجلد الحادي عشر ص232

وهؤلاء يلبسون على المسلمين تلبيساً كثيراً ، كاطلاقهم أن " الفلك " محدث ؛ أي معلول مع انه قديم عندهم ، والمحدث لا يكون إلا مسبوقاً بالعدم ، ليس في لغة العرب ولا في لغة أحد أنه يسمى القديم الأزلي محدثاً ، والله قد أخبر أنه خالق كل شيء ؛ وكل مخلوق فهو محدث ، وكل محدث كائن بعد ان لم يكن ؛ لكن ناظرهم أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة مناظرة قاصرة لم يعرفوا بها ما أخبرت به الرسل ، ولا احكموا فيها قضايا العقول .
فلا للإسلام نصروا ولا للأعداء كسروا ، وشاركوا أولئك في بعض قضاياهم الفاسدة ، ونازعوهم في بعض المعقولات الصحيحة ، فصار قصور هؤلاء في العلوم السمعية والعقلية من أسباب قوة ضلال أولئك ، كما قد بسط في غير هذا الموضع .
ويقول في المجلد الثاني عشر ص 42

واصل قول هؤلاء أن الأفلاك قديمة أزلية ، وأن الله لم يخلقها بمشيئته وقدرته في ستة أيام كما أخبرت به الأنبياء .
ويقولون أنه علة تامة في الأزل ؛ فيجب أن يقارنها معلولها في الأزل في الزمن وإن كان متقدماً عليها بالعلة لا بالزمان ويقولون إن العلة التامة ومعلولها يقترنان في الزمان ويتلازمان ، فلا يوجد معلول إلا بعلة تامة ، ولا تكون علة تامة إلا مع معلولها في الزمان ، ثم يعترفون بأن حوادث العالم حدثت شيئاً بعد شيء من غير أن يتجدد من المبدع الأول ما يوجب أن يصير علة للحوادث المتعاقبة ؛ بل حقيقة قولهم أن الحوادث حدثت بلا محدث ، وكذلك عدمت بعد حدوثها من غير سبب يوجب عدمها على أصلهم .
وهؤلاء قابلهم طوائف من أهل الكلام ظنوا أن المؤثر التام يتراخى عنه أثره ، وأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح ، والحوادث لها ابتداء ، وقد حدثت بعد أن لم تكن بدون سبب حادث ولم يهتد الفريقان للقول الوسط ، وهو أن المؤثر التام مستلزم أن يكون أثره عقب تأثيره التام لا مع التأثير ولا متراخياً عنه ، كما قال تعالى : ) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ( فهو سبحانه يكون كل شيء فيكون عقب تكوينه لا مع تكوينه في الزمان ، ولا متراخياً عن تكوينه ، كما يكون الانكسار عقب الكسر والانقطاع عقب القطع ، ووقوع الطلاق عقب التطليق لا متراخياً عنه ولا مقارناً له في الزمان .
والقائلون بالتراخي ظنوا امتناع حوادث لا تتناهى ، فلزمهم أن الرب لا يمكنه فعل ذلك ؛ فالتزموا أن الرب يمتنع أن يكون لم يزل متكلماً بمشيئته ، ويمتنع أن يكون لم يزل قادراً على الفعل والكلام بمشيئته . فافترقوا بعد ذلك ، منهم من قال : كلامه لا يكون إلا حادثاً ؛ لأن الكلام لا يكون إلا مقدوراً مراداً ، وما كان كذلك لا يكون إلا حادثاً وما كان حادثاً كان مخلوقاً منفصلاً عنه ؛ لامتناع قيام الحوادث به ، وتسلسلها في ظنهم .
ومنهم من قال : بل كلامه لا يكون إلا قائماً به ، وما كان قائماً به لم يكن متعلقاً بمشيئته وإرادته ، بل لا يكون إلا قديم العين ؛ لأنه لو كان مقدوراً مراداً لكان حادثاً فكانت الحوادث تقوم به ، ولو قامت به لم يسبقها ولم يخل منها ، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث ؛ لامتناع حوادث لا أول لها .
ومنهم من قال : بل هو متكلم بمشيئته وقدرته ، لكنه يمتنع أن يكون متكلماً في الأزل ، أو أنه لم يزل متكلماً بمشيئته وقدرته ؛ لأن ذلك يستلزم وجود حوادث لا أول لها ، وذلك ممتنع .
قالت " هذه الطوائف " : ونحن بهذا الطريق علمنا حدوث العالم ؛ فاستدللنا على حدوث الأجسام بأنها لا تخلوا من الحوادث ولا تسبقها وما لم يسبق الحوادث فهو حادث ، ثم من هؤلاء من ظن أن هذه قضية ضرورية ولم يتفطن لاجمالها ، ومنهم من تفطن للفرق بين ما لم يسبق الحوادث المحصورة المحدودة وما يسبق جنس الحوادث المتعاقبة شيئاً بعد شيء ، أما الأول فهو حادث بالضرورة ؛ لأن تلك الحوادث لها مبدأ معين ، فما لم يسبقها يكون معها أو بعدها وكلاهما حادث .
وأما جنس الحوادث شيئاً بعد شيء فهذا شيء تنازع فيه الناس ، فقيل إن ذلك ممتنع في الماضي والمستقبل كقول الجهم وأبي الهذيل ، فقال الجهم : بفناء الجنة والنار ، وقال أبو الهذيل : بفناء حركات أهلهما وقيل : بل هو جائز في المستقبل دون الماضي ؛ لأن الماضي دخل في الوجود دون المستقبل وهو قول كثير من طوائف النظار ، وقيل : بل هو جائز في الماضي والمستقبل وهذا قول أئمة أهل الملل وأئمة السنة كعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل ، وغيرهما ممن يقول بأن الله لم يزل متكلماً إذا شاء ؛ وأن كلمات الله لا نهاية لها وهي قائمة بذاته وهو متكلم بمشيئته وقدرته ، وهو أيضاً قول أئمة الفلاسفة .
لكن أرسطو وأتباعه مدعون ذلك في حركات الفلك ؛ ويقولون إنه قديم أزلي ، وخالفوا في ذلك جمهور الفلاسفة مع مخالفة الأنبياء والمرسلين وجماهير العقلاء . فإنهم متفقون على أن الله خلق السموات والأرض ؛ بل هو خالق كل شيء ، وكل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن ، وإن القديم الأزلى هو الله تعالى بما هو متصف به من صفات الكمال وليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ؛ بل من قال عبدت الله ودعوت الله فإنما عبد ذاته المتصفة بصفات الكمال التي تستحقها ، ويمتنع وجود ذاته بدون صفاتها اللازمة لها .
ثم لما تكلم في " النبوات " من اتبع أرسطو كابن سينا وأمثاله ورأوا ما جاءت به الأنبياء من إخبارهم بأن الله يتكلم ، وأنه كلم موسى تكليماً ، وأنه خالق كل شيء ، أخذوا يحرفون كلام الأنبياء عن مواضعه ، فيقولون : الحدوث نوعان ، ذاتي وزماني ، ونحن نقول أن الفلك محدث الحدوث الزماني؛ بمعنى أنه معلول وإن كان أزلياً لم يزل مع الله ، وقالوا إنه مخلوق بهذا الاعتبار ، والكتب الإلهية أخبرت بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام والقديم الأزلي لا يكون في أيام .
وقد علم بالاضطرار أن ما أخبرت به الرسل من أن الله خلق كل شيء ، وأنه خلق كذا إنما أرادوا بذلك انه خلق المخلوق ، وأحدثه بعد أن لم يكن ، كما قال : )وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ( والعقول الصريحة توافق ذلك ، وتعلم أن المفعول المخلوق المصنوع لا يكون مقارناً للفاعل في الزمان ولا يكون إلا بعده ، وأن الفعل لا يكون إلا باحداث المفعول .
وقالوا لهؤلاء قولكم :" إنه مؤثر تام في الأزل " لفظ مجمل يراد به التأثير العام في كل شيء ويراد به التأثير المطلق في شيء بعد شيء ويراد به التأثير المطلق في شيء بعد شيء ويراد به التأثير في شيء معين دون غيره ، فإن أردتم " الأول " لزم أن لا يحدث في العالم حادث ، وهذا خلاف المشاهدة وإن أردتم " الثاني " لزم أن يكون كل ما سوى الله مخلوقاً حادثاً كائناً بعد أن لم يكن ، وكان الرب لم يزل متكلماً بمشيئته فعالاً لما يشاء ، وهذا يناقض قولكم ويستلزم أن كل ما سواه مخلوق ويوافق ما أخبرت به الرسل ، وعلى هذا يدل العقل الصريح ، فتبين أن العقل الصريح يوافق ما أخبرت به الأنبياء ، وإن أردتم " الثالث " فسد قولكم ؛ لأنه يستلزم أنه يشاء [ حدوثها ] بعد أن لم يكن فاعلاً لها من غير تجدد سبب يوجب الأحداث ، وهذا يناقض قولكم ، فإن صح هذا جاز أن يحدث كل شيء بعد أن لم يكن محدثاً لشىء ، وإن لم يصح هذا بطل ، فقولكم باطل على التقديرين .
وحقيقة قولكم أن المؤثر التام لا يكون إلا مع أثره ، ولا يكون الأثر إلا مع المؤثر التام في الزمن ، وحينئذ فيلزمكم أن لا يحدث شيء ، ويلزمكم أن كل ما حدث حدث بدون مؤثر ، ويلزمكم بطلان الفرق بين أثر وأثر ، وليس لكم أن تقولوا بعض الآثار يقارن المؤثر التام وبعضها يتراخى عنه .
وأيضاً فكونه فاعلاً لمفعول معين يقارن له أزلاً وأبداً باطل في صريح العقل ، وأيضاً فأنتم وسائر العقلاء موافقون على أن الممكن الذي لا يكون [ إلا ] ممكناً يقبل الوجود والعدم ، وهو الذي جعلتموه الممكن الخاص الذي قسيمه الضروري الواجب ، والضروري الممتنع لا يكون إلا موجوداً تارة ومعدوماً اخرى ، وأن القديم الأزلي لا يكون إلا ضرورياً واجباً يمتنع عدمه ، وهذا مما اتفق عليه أرسطو واتباعه حتى ابن سينا وذكره في كتبه المشهورة " كالشفا" وغيره . ثم تناقض فزعم أن الفلك ممكن مع كونه قديماً أزلياً لم يزل ولا يزال وزعم أن الواجب بغيره القديم الأزلي الذي يمتنع عدمه يكون ممكناً يقبل الوجود والعدم وزعم أن له ماهية غير وجوده وقد بسط الكلام على فساد قول هؤلاء وتناقضه في غير هذا الموضع .
وهذا الأصل تنازع الناس فيه على " ثلاثة أقوال "
فقيل : ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، وبامتناع حوادث لا أول لها مطلقاً وهذا قول المعتزلة ومن اتبعهم من الكرامية والأشعرية ومن دخل معهم من الفقهاء وغيرهم .
وقيل : بل يجوز دوام الحوادث مطلقاً وليس كل ما قارن حادثاً بعد حادث لا إلى أول يجب أن يكون حادثاً ؛ بل يجوز أن يكون قديماً سواء كان واجباً بنفسه أو بغيره ، وربما عبر عنه بالعلة والمعلول ، والفاعل والمفعول ونحو ذلك وهذا قول الفلاسفة القائلين بقدم العالم والأفلاك ، كأرسطو واتباعه مثل ثامسطيوس ، والاسكندر الافريدوسي وبرقلس ، والفارابي ، وابن سينا وأمثالهم .
وأما جمهور الفلاسفة المتقدمين على أرسطو فلم يكونوا يقولون بقدم الأفلاك ، ثم الفلاسفة من هؤلاء وهؤلاء متنازعون في قيام الصفات والحوادث بواجب الوجود على قولين معروفين لهم ، وإثبات ذلك قول كثير من الأساطين القدماء ، وبعض المتأخرين ، كأبي البركات صاحب المعتبر وغيره ، كما بسطت أقوالهم في غير هذا الوضع .
وقيل : بل أن كان المستلزم للحوادث ممكناً بنفسه ، وانه هو الذي يسمى مفعولاً ومعلولاً ومربوباً ونحو ذلك من العبارات وجب أن يكون حادثاً وان كان واجباً بنفسه لم يجز أن يكون حادثاً وهذا قول أئمة أهل الملل وأساطين الفلاسفة ، وهو قول جماهير أهل الحديث ، وصاحب هذا القول يقول مالا يخلو عن الحوادث وهو معلول أو مفعول أو مبتدع أو مصنوع فهو حادث ؛ لأنه إذا كان مفعولاً مستلزماً للحوادث امتنع أن يكون قديماً ؛ فإن القديم المعلول لا يكون قديماً إلا إذا كان له موجب قديم بذاته يستلزم معلوله ، بحيث يكون معه أزلياً لا يتأخر عنه ، وهذا ممتنع .
فإن كونه مفعولاً ينافي كونه قديماً بل قدمه ينافي كونه ممكناً ، فلا يكون ممكناً إلا ما كان محدثاً عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ، وهذا قول الفلاسفة القدماء قاطبة كأرسطو وأتباعه ، وأما " الفريق الثاني " الذين قالوا بجواز حوادث لا أول لها مطلقاً ، وأن القديم الواجب بنفسه يجوز أن تتعقب عليه الحوادث مطلقاً ، وإن كان ممكناً لا واجباً بنفسه ، فهؤلاء القائلون بقدم العالم كما يقولون بقدم الأفلاك ، وأنها لم تزل ولا تزال معلولة لعلة قديمة أزلية ، لكن المنتسبون إلى الملل كابن سينا ونحوه منهم قالوا أنها صادرة عن الواجب بنفسه الموجب لها بذاته .
وأما أرسطو وأتباعه فإنهم قالوا : أن لها علة غائبة تتحرك للتشبه بها في تحركها ، كما يحرك المعشوق عاشقه ، ولم يثبتوا لها مبدعاً موجباً ولا موجباً قائماً بذاته ، ولا قالوا أن الفلك ممكن بنفسه واجب بغيره.
بل الفلك عندهم واجب بنفسه لكن قالوا ، مع ذلك : إن له علة غائبة يتحرك للتشبه بها لا قوام له إلا بها ، فجعلوا الواجب بنفسه الذي لا فاعل له مفتقراً إلى علة غائية منفصلة عنه ، هذه حقيقة قول أرسطو وأتباعه ؛ ولهذا لم يثبتوا الأول عالماً بغيره ؛ إذ لم يكن الأول عندهم مبدعاً للفلك ؛ فإنه إذا كان مبدعاً يجب أن يكون عالماً بمفعوله ،كما قال : ) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ (
ولهذا كانت أقوالهم في الإلهيات من أعظم الأقوال فساداً ، بخلاف أقوالهم في الطبيعيات ؛ ولهذا كان قولهم أشد فساداً في العقل والدين .
وقال في المجلد السادس عشر ص94 :
( الثاني) :أنه قد سلم (1) أنه لم يزل قادراً على أن يخلق الخلق ؛ وهذا يقتضي إمكان وجود المقدور في الأزل فإنه إذا كان المقدور ممتنعاً لم تكن هناك قدرة فكيف يجعله لم يزل قادراً مع امتناع أن يكون المقدور لم يزل ممكناً؟ بل المقدورعنده كان ممتنعاً ثم صار ممكناً بلا سبب حادث اقتضى ذلك .
( الثالث ) أن قوله : " لأن معنى الخلق أنه لم يكن ثم كان ، فكيف يكون ما لم يكن ثم كان لم يزل موجوداً ؟ " فيقال : بل كل مخلوق فهو محدث مسبوق بعدم نفسه ، وما ثم قديم أزلي إلا الله وحده . وإذا قيل : " لم يزل خالقاً " فإنما يقتضي قدم نوع الخلق ، و " دوام خالقيته " لا يقتضي قدم شىء من المخلوقات فيجب الفرق بين أعيان المخلوقات الحادثة بعد أن لم تكن ، فإن هذه لا يقول عاقل إن منها شيئاً أزلياً ومن قال بقدم شيء من العالم كالفلك أو مادته فإنه يجعله مخلوقاً بمعنى أنه كان بعد أن لم يكن ؛ ولكن إذ أوجده القديم .
ولكن لم يزل فعالاً خالقاً ، [ ودوام خالقيته ] من لوازم وجوده ، فهذا ليس __________________________________________________
(1) هذا جواب ابن تيمية على الخصوم الذين يقولون انه قادر والمقدور ممتنع .
قولا بقدم شيء من المخلوقات ، بل هذا متضمن لحدوث كل ما سواه وهذا مقتضى سؤال السائل له .

وقال في منهاج السنة ( 1/148)
وعمدة الفلاسفة على قدم العالم هو قولهم : يمتنع حدوث الحوادث بلا سبب حادث ، فيمتنع تقدير ذات معطلة عن الفعل لم تفعل ثم فعلت من غير حدوث سبب .
وهذا القول لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك ولا غيرها ، إنما يدل على أنه لم يزل فعالاً وإذا قدر أنه فعال لأفعال تقوم بنفسه أو مفعولات حادثة شيئاً بعد شيء ، كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة ، مع القول بأن كل ما سوى الله محدث [ مخلوق ] بعد أن لم يكن ، [ كما أخبرت الرسل أن الله خالق كل شيء ] ، وإن كان النوع لم يزل متجدداً ، كما في الحوادث المستقبلة : كل منها حادث [ مخلوق ] ، وهي لا تزال تحدث شيئاً بعد شيء .
قال هؤلاء : والله قد أخبر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، وأخبر أنه خالق كل شيء ، ولا يكون المخلوق إلا مسبوقاً [ بالعدم ] فالقرآن يدل على أن كل ما سوى الله مخلوق مفعول محدث
فليس شيء من الموجودات مقارناً لله تعالى ، كما يقوله [ دهرية ] الفلاسفة ك إن العالم معلول له ، وهو موجب له مفيض له ، وهو متقدم عليه بالشرف والعلية والطبع ، وليس متقدماً عليه بالزمان فإنه لو كان علة تامة موجبة يقترن بها معلولها كما زعموا لم يكن في العالم شيء محدث ، فإن ذلك المحدث لا يحدث عن علة تامة أزلية يقارنها معلولها ، فإن المحدث المعين لا يكون أزلياً .
وسواء قيل إنه حدث عنه بوسط أو بغير وسط كما يقولون : إن الفلك تولد عنه بوسط عقل أو عقلين ، أو غير ذلك مما يقال فإن كل قول يقتضي أن يكون شيء من العالم قديماً لازماً لذات الله فهو باطل ، لأن ذلك يستلزم كون البارىء موجباً بالذات بحيث يقارنه موجبه ، إذ لولا ذلك لما قارنه ذلك الشيء ، ولو كان موجباً بالذات لم يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه ، فكان يلزم أن لا يكون في العالم شيء محدث .

وقال في ص 396:
ومما يستفاد بذلك : أنها برهان باهر على بطلان قول القائلين بقدم العالم أو شيء منه ، وهو متضمن الجواب عن عمدتهم .
ومما يستفاد بذلك : الاستدلال على المطلوب من غير احتياج إلى الفرق بين الموجب بالذات والفاعل بالاختيار وذلك أن كثيراً من أهل النظر غلطوا في الفرق بين هذا وهذا ، من المعتزلة والشيعة ، وصار كثير من الناس كالرازي وأمثاله مضطربين في هذا المقام ، فتارة يوافقون المعتزلة على الفرق وتارة يخالفونهم وإذا خالفوهم فهم مترددون بين أهل السنة وبين الفلاسفة أتباع أرسطو .
وأصل ذلك أنا نعلم أن القادر المختار يفعل بمشيئته وقدرته ، لكن هل يجب وجود المفعول عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة أم لا ؟ فمذهب الجمهور من أهل السنة المثبتين للقدر ، وغيرهم من نفاة القدر ، أنه يجب وجود المفعول عند وجود المقتضى التام ، وهو الإرادة الجازمة والقدرة التامة وطائفة [أخرى ] من مثبته القدر : الجهمية وموافقيهم ، ومن نفاة القدر : المعتزلة وغيرهم ، لا توجب ذلك ؛ بل يقولون : القادر هو الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب ، ويجعلون هذا هو الفرق بينه وبين الموجب بالذات ، وهؤلاء يقولون : إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح ، كالجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين .
ثم القدرية من هؤلاء يقولون : العبد قادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح ، كما يقولون مثل ذلك في الرب . ولهذا كان [ من ] قول هؤلاء القدرية : إن الله لم ينعم على أهل الطاعة بنعم خصهم بها حتى أطاعوه بها ، بل تمكينه للمطيع وغيره سواه ؛ لكن هذا رجح الطاعة بلا مرجح ، بل بمجرد قدرته من غير سبب أوجب ذلك ، وهذا رجح المعصية بمجرد قدرته ، من غير سبب أوجب ذلك .
وأما الجبرية كجهم وأصحابه فعندهم أنه ليس للعبد قدرة ألبتة .
الأشعري يوافقهم في المعنى فيقول : ليس للعبد قدرة مؤثرة ؛ ويثبت شيئاً يسميه قدرة يجعل وجوده كعدمه ، وكذلك الكسب الذي يثبته .
وهؤلاء لا يمكنهم أن يحتجوا على بطلان قول القدرية بأن رجحان فاعلية العبد على تاركيته لابد لها من مرجح كما يفعل ذلك الرازي وطائفة من الجبرية ولهذا لم يذكر الأشعري وقدماء أصحابه هذه الحجة .
وطائفة من الناس كالرازي وأتباعه إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر أبطلوا هذا الأصل ، وبينوا أن الفعل يجب وجوده عند وجود المرجح التام ، وأنه يمتنع فعله بدون المرجح التام، ونصروا أن القادر المختار لا يرجح أحد مقدورية على الآخر إلا بالمرجح [ التام ] وإذا ناظروا الفلاسفة في مسألة حدوث العالم وإثبات الفاعل المختار ، وإبطال قولهم بالموجب بالذات ، سلكوا مسلك المعتزلة والجهمية في القول بأن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح وعامة الذين سلكوا مسلك أبي عبدالله بن الخطيب وأمثاله تجدهم يتناقضون هذا التناقض .
وفصل الخطاب أن يقال : أي شيء يراد بلفظ الموجب بالذات ؟ إن عنى [ به ] أنه يوجب بذات مجردة عن المشيئة والقدرة ، فهذه الذات لا حقيقة لها ولا ثبوت في الخارج ، فضلاً عن أن تكون موجبة
والفلاسفة يتناقضون فإنهم يثبتون للأول غاية ، ويثبتون العلل الغائبة في إبداعه ، وهذا يستلزم الإرادة .
وإذا فسروا الغاية بمجرد العلم ، وجعلوا العلم مجرد الذات ، كان هذا في غاية الفساد و التناقض ؛ فإنا نعلم بالضرورة أن الإرادة ليست مجرد العلم ، وأن العلم ليس هو مجرد العالم ، لكن هذا من تناقض هؤلاء الفلاسفة في هذا الباب ، فإنهم يجعلون المعاني المتعددة معنى واحدا ، فيجعلون العلم هو القدرة وهو الإرادة ، ويجعلون الصفة هي نفس الموصوف ، كما يجعلون العلم هو [نفس] العالم ، والقادر هو القدرة ، والإرادة هي المريد ، والعشق هو العاشق .
وهذا قد صرح به فضلاؤهم وحتى المنتصرون لهم مثل ابن رشد الحفيد ، الذي رد على [ أبي حامد ] الغزالي في " تهافت التهافت " وأمثاله .
وأيضاً : فلو قدر وجود ذات مجردة عن المشيئة والاختيار ، فيمتنع أن يكون العالم صادراً عن موجب بالذات بها التفسير ، لأن الموجب بالذات بهذا الاعتبار يستلزم موجبه ومقتضاه ؛ فلو كان مبدع العالم موجباً بالذات بهذا التفسير ، لزم أن لا يحدث في العالم شيء ، وهو خلاف المشاهدة ، فقولهم بالموجب بالذات يستلزم نفي صفاته ونفي أفعاله ونفي حدوث شيء من العالم ، وهذا كله معلوم البطلان .
وأبطل من ذلك أنهم جعلوه واحداً بسيطاً ، وقالوا : إنه لا يصدر عنه إلا واحد ، ثم احتالوا في صدور الكثرة عنه بحيل تدل على عظيم حيرتهم وجهلهم بهذا الباب ، كقولهم : إن الصادر الأول هو العقل الأول ، وهو موجود ، واجب بغيره ، ممكن بنفسه ، ففيه ثلاث جهات ؛ فصدر عنه باعتبار وجوبه عقل آخر ، وباعتبار وجوده نفس ، وباعتبار إمكانه [ فلك وربما قالوا : وباعتبار وجوده صورة الفلك ، وباعتبار إمكانه ] مادته وهم متنازعون في النفس الفلكية : هل هي جوهر مفارق له ، [ أم ] عرض قائم به ؟
ولهذا أطنب الناس في بيان فساد كلامهم ، وذلك أن هذا الواحد الذي فرضوه لا يتصور وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم قولهم : الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية ، وهم لو علموا ثبوتها في [ بعض ] الصور ، لم يلزم أن تكون كلية إلا بقياس التمثيل ، فكيف وهم لا يعلمون واحداً / صدر عنه شيء؟
والمقصود هنا أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل ، وأما إذا فسر الموجب بالذات [ بأنه ] الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته لم يكن هذا المعنى منافياً لكونه فاعلاً بالاختيار بل يكون فاعلاً بالاختيار ، موجباً بذاته التي هي فاعل قادر مختار ، وهو موجب بمشيئته وقدرته .
وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين : أحدهما لا ينافي كونه فاعلاً بمشيئته [ وقدرته ] ، و الآخر ينافي كونه فاعلاً بمشيئته وقدرته ؛ فمن قال : القادر لا يفعل إلا على وجه الجواز كما يقوله من يقوله من القدرية والجهمية يجعل الفعل بالاختيار منافياً للإيجاب ، لا يجامعه بوجه من الوجوه ويقولون : إن القادر المختار لا يكون قادراً [ مختاراً ] إلا إذا فعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب .
والجمهور من أهل السنة وغيرهم يقولون : القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، لكنه إذا شاء أن يفعل مع قدرته لزم وجود فعله ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فإنه قادر على ما يشاء ، ومع القدرة التامة والمشيئة الجازمة يجب وجود الفعل .
ولهذا صارت الأقوال ثلاثة :
فالفلاسفة يقولون بالموجب بالذات المجردة عن الصفات ، أو الموصوف بالصفات الذي يجب أن يقارنه موجبه المعين أزلا وأبداً
والقدرية من المعتزلة وغيرهم [ من الجهمية ، ومن وافقهم من غيرهم ] يقولون بالفاعل المختار الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب .
ثم منهم من يقول : يفعل لا بإرادة ، بل المريد عندهم هو الفاعل العالم ومنهم من يقول بحدوث الإرادة وما يحدثه من إرادة أو فعل فهو يحدثه بمجرد القدرة ، فإن القادر عندهم يرجح بلا مرجح ثم القدرية من هؤلاء يقولون : يريد ما لا يكون ، ويكون ما لا يريد ، وقد يشاء ما لا يكون ، ويكـون مـا لا يشاء ، [ بخلاف المجبرة ] والجمهور من أهل السنة وغيرهم المثبتين للقدر والصفات ، يقولون إنه فاعل بالاختيار ، وإذا شاء شيئاً كان ، وإرادته وقدرته من لوازم ذاته سواء قالوا بإرادة واحدة قديمة ، أو بإرادات متعاقبة ، أو بإرادات قديمة تستوجب حدوث إرادات أخر فعلى كل قول من هذه الأقوال الثلاثة يجب عندهم وجود مراده .
وإذا فسر الإيجاب بالذات بهذا المعنى كان النزاع لفظياً ، فالدليل الذي ذكرناه يمكن تصوره بلفظ الموجب بالذات ، ولفظ العلة والمعلول ، ولفظ المؤثر والأثر ، ولفظ الفاعل المختار ، وهو بجميع هذه العبارات يبين امتناع قدم شيء من العالم ، ووجوب حدوث كل ما سوى الله .
وهنا أمر آخر ، وهو أن الناس تنازعوا في الفاعل المختار : هل يجب أن تكون إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له ؟ أم يجب مقارنة إرادته التي هي القصد للفعل ، وما يتقدم الفعل يكون عزماً لا قصداً ؟ أم يجوز كل من الأمرين ؟ على ثلاثة أقوال .
ونحن قد بينا وجوب حدوث كل ما سوى الله على كل قول من الأقوال الثلاثة : قول من يوجب المقارنة ، [ وقول من يقول بأن المقارنة ] ممتنعة ، وقول من يجوز الأمرين .
وقال في درء التعارض ( 1/341) :
وهذا على قول الجمهور الذين يقولون : الموجب يحصل عقب الموجب التام ، والأثر يحصل عقب المؤثر التام ، والمفعول يحصل عقب كمال الفاعلية ، والمعلول يحصل عقب كمال العلية .
وأما من جعل الأثر مقارناً للمؤثر في الزمان كما تقوله طائفة من المتفلسفة ومن وافقهم فهؤلاء يلزم قولهم لوازم تبطله ؛ فإنه يلزم عند وجود المؤثرية التامة أن يكون لها مؤثرية تامة ، ومع المؤثرية التامة أن يكون لها مؤثرية تامة ، وهلم جرا ، وهذا تسلسل في تمام المؤثرية ، وهو من جنس التسلسل في المؤثرات لا في الآثار ، فإن التسلسل في الآثار هو أن يكون أثر بعد أثر ، والتسلسل في المؤثرات ان يكون للمؤثر مؤثر معه لا يكون حال عدم المؤثر ؛ فإن الشيء لا يفعل في حال عدمه ، وإنما يفعل في حال وجوده ، فعند وجود التأثير لابد / من وجود المؤثر ، فإن المؤثر التام لا يكون حال عدم التأثير ، بل لا يكون إلا مع وجوده ، لكن نفس تأثيره يستعقب الأثر ، فإن جعل تمام المؤثرية مقارناً للأثر كان من جنس التسلسل في المؤثرات ، لا في الآثار .
وإن قلتم : " إن التسلسل في الآثار جائز " وهو قولكم بطل استدلالكم بهذه الحجة على قدم شيء من العالم ؛ فإنها لا تدل على قدم شيء بعينه من العالم ، وإنما تدل على وجوب دوام كون الرب فاعلاً .
فيقال لكم حينئذ : لم لا يجوز أن تكون الأفلاك ، أو كل ما يقدر موجوداً في العالم ، أو كل ما يحدثه الله : موقوفاً على حادث بعد حادث ، ويكون مجموع العالم الموجود الآن كالشخص الواحد من الأشخاص الحادثة ؟
فتبين أن احتجاجكم على مطلوبكم باطل ، سواء كان تسلسل الحوادث جائزاً أو لم يكن بل إذا لم يكن جائزاً بطلت الحجة ، وبطل المذهب المعروف عندكم ، وهو أن حركات الأفلاك أزلية ، فإن هذا إنما يصح إذا كان تسلسل الحوادث جائزاً / فإذا كان تسلسلها ممتنعاً لزم أن يكون لحركة الفلك أول ، وإن كان تسلسل الحوادث جائزاً ، لم يكن في ذلك دلالة على قدم شيء من العالم ، لجواز أن يكون حدوث الأفلاك موقوفاً على حوادث قبله ، وهلم جرا .
وقال ص 345

ولكن مثار الغلط والاشتباه هنا : أن لفظ التسلسل إذا لم يرد به التسلسل في نفس الفعل فإنه يراد به التسلسل في الأثر ، بمعنى أنه يحدث شيء بعد شيء ، ويراد به التسلسل في تمام كون الفاعل فاعلاً ، وهذا عند من يقول : " إن المؤثر التام وأثره مقترنان في الزمان " كما يقوله هؤلاء الدهرية ، فيقتضي أن يكون ما يحدث من تمام المؤثر مقارناً للأثر لا يتقدم عليه ، فتبين به فساد حجتهم .
وأما من قال : " إن الأثر إنما يحصل عقب تمام المؤثر " فيمكنه أن يقول بما ذكره الأرموى ، وهو أن كونه مؤثراً في الأثر المعين يكون مشروطاً بحادث يحدث يكون الأثر عقبه ، ولا يكون الأثر مقارناً له .
ولكن هذا يبطل قولهم بقدم شيء من العالم ، ويوافق أصل أئمة السنة وأهل الحديث الذين يقولون : لم يزل متكلماً إذا شاء .
فإنه على قول هؤلاء يقال : فعله لما يحدث من الحوادث مشروط بحدوث حادث به تتم مؤثرية المؤثر ، ولكن عقب حدوث ذلك التمام يحدث ذلك الحادث ، وعلى هذا فيمتنع أن يكون في العالم شيء أزلي ، إذ الأزلي لا يكون إلا مع تمام مؤثرة ، ومقارنة الأثر للمؤثر زماناً ممتنعة ا0هـ.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2007
  • المشاركات : 61
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الفقير البعطوشي is on a distinguished road
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 09:04 PM
بسم الله

الحمد لله ..وبعد:
جزاك الله خيرا على هذا التعقيب
ولكن لضيق الوقت والله أعلم بذلك،لا يمكنني أن أتعقب ما أوردته وهو مما يفرحني لكن المشاغل شواغل،ولعله سيكون بعد أيام،لكن يكفي أن أضع هنا حكما إجماليا يكفي وهو نقلك وكما هي العادة عمن يفرقون بين قدم المادة وقدم الصورة دون المادة وهذا مما أجمع عليه العقلاء قول من لا يعقل؟؟ إذ أن المادة لا تحقق لها إلا بوجود الصورة أي لا تحقق للآحاد دون تحقق الأعيان، هذا على قول من ألزمه نعم ابن تيمية يخالف الفلاسفة الأوائل وهذا مما نقره أي أنه لا يقول بقدم المادة وهي الهيولى التي لها وجود في الخارج وتعاقب صورها إلى ما لا أول لها وهو لا شك أنه قائل بقدم النوع الذي هو ليس له تحقق في الخارج كحدوث الأفراد والأشخاص التي لها وجود في الأعيان لا إلى أول، وقدم العالم بالنوع هو أسضا يلزم منه تعطيل صفة الإرادة لها سبحانه لأنه قول بدون علم لأن القدرة هي إخراج من العدم إلى الوجود والإرادة تخصيص كل مرتب على وفق العلم العلمي كما نص بعض الأكابر ،والذي يذكر هنا أن قول ابن تيمية وما شابهه أن وجود المخلوقات هو وجود حفظ من الله لها لا أنه هو مبديها أي مبرزها من العدم إلى الحدوث وهو نفسه قول الفلاسفة القائلين بقدم العالم بأن العالم وجوده مع الله وجود حفظ الله للعالم وإن أطلقوا لفظ الحدوث،فهو مجرد كلام نطقوه بأجداقهم وههيات ههيات من اعتقد ومن ظن..ولنا وقفات مع مقالكم المنقول.
والله يوفق المقاصد للقاصد وهو مولنا نعم المولى ونعم النصير.
وصلّ اللّهم على النّور الذّاتي، والسر الساري، في سائر الأسماء والصفات، وعلى آله وصحبه، وسّلم.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 14-10-2007
  • المشاركات : 61
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • الفقير البعطوشي is on a distinguished road
الصورة الرمزية الفقير البعطوشي
الفقير البعطوشي
عضو نشيط
رد: الحقَائق الجليَّة
25-10-2007, 09:15 PM
الحمد لله
وأحيل لرسالة الشيخ سعيد فودة فهي مفيدة في هذا الباب أي في التفريق بين القسمين في بحثه كاشف الصغير.
وصلّ اللّهم على النّور الذّاتي، والسر الساري، في سائر الأسماء والصفات، وعلى آله وصحبه، وسّلم.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 17-10-2007
  • المشاركات : 4,860
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • algeroi has a spectacular aura aboutalgeroi has a spectacular aura about
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
رد: الحقَائق الجليَّة
26-10-2007, 07:12 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اخي الفاظل وجعلك الله مباركا اينما حللت

شكرا على ادبك في الرد وهو المظنون بامثالك اخي الكريم
و بالنسبة للكتاب المذكور ارجو موافاتي بالرابط ان امكن..............والله المستعان وعليه التكلان و الحمد لله رب العالمين
  • ملف العضو
  • معلومات
بويدي
مستشار
  • تاريخ التسجيل : 21-01-2007
  • المشاركات : 3,462
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • بويدي is on a distinguished road
بويدي
مستشار
رد: الحقَائق الجليَّة
26-10-2007, 08:19 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفقير البعطوشي مشاهدة المشاركة
الحمد لله
وأحيل لرسالة الشيخ سعيد فودة فهي مفيدة في هذا الباب أي في التفريق بين القسمين في بحثه كاشف الصغير.
أنا أحيلك على حلقات أقامتها قناة المستقلة حول شخصية سيخ الإسلام بن تيمية ... وفيها حاول من هم أكثر منك حقدا وكراهية لشيخ الإسلام بن تيمية من الروافض وبعض الخرافيين من النيل والإتيان بما يدل على إسقاطه ... ولكنهم عجزوا ..

وقد شارك في تلك الحوارات شيخنا الحبيب " عدنان العرعور " حفظه الله وألبسه لباس العافية والصحة
تحية لك سي البعطوشي.
دمتم في رعاية الله وحفظه
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 02:02 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى