الرد على من انكر نصحح ولانهدم
21-11-2010, 08:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فهو المُهتدِ، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أما بعد:
فلقد اطلعت على بعض الأوراق التي كتبها الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -وفقني الله وإياه لكل خير- والتي بعنوان "قاعدة نصحح ولا نهدم عند أبي الحسن".
ولقد حاول الشيخ -هدانا الله وإياه، كما هي عادته- أن يصفني بالقبائح والفظائع، واستخدم في ذلك سلاح التهويل، وتحميل الكلام مالا يحتمل، بل جعل الحَسَن قبيحًا، والمنقبة مثلبة، متدرعًا في سبيل ذلك بسلاح لا يُعَوَّل عليه في ميزان النقد العلمي، ألا وهو التدخل في الضمائر، والحكم على ما أقرره؛ لا من خلال كلماتي وعباراتي، ولكن من خلال ما يستقرئه هو من نيّتي، وما يطلع عليه من سريرتي، وما يجزم به من قصدي ومرادي!! ضاربًا بظاهر كلامي -بل وبنص كلامي- عرض الحائط، بحجة أنه أعرف بي وبأمثالي من أهل الأهواء -كذا يدعي، سامحه الله- فكبرت كلمة تخرج من فيه، وكل إناء ينضح بما فيه!! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد درج الشيخ - هداه الله- في بعض كتاباته، على عدم إيراد نص كلامي، بسياقه وسباقه، إنما يفهم شيئًا من كلامي، ثم يضع لذلك عنوانًامن عند نفسه، كما جرى في رسالته التي أسماها : "جناية أبي الحسن على الأصول السلفية"!!، وقد عاب عليه غير واحد ذلك، ومنهم أخونا الحمادي،ذاك الرجل الموفّق _ولانزكيه على الله –ولقداستفدت منه ومن غيره في عدة مواضع ,من هذه الرسالة وغيرها،فجزاهم الله عني خيراًكثيرا .
فلما أوردالشيخ في بعض رسائله كلامي؛ ظهر عُوار كلامه، وبان خطأ اتهامه، وإيراد لفظ الخصم فيه فوائد جمة، وآداب مهمة -لا سيما إذا ظهر شيء من حظوظ النفس في الخصومة- وقد أنكر ابن الوزير في "العواصم" (1/236-239) على خصمه، أنه لم يورد كلام ابن الوزير، وكال له الاتهامات، ولنفاسة هذا الكلام؛ أذكره بتمامه، والله الموفق لكل خير ورشاد.
قال ابن الوزير -رحمه الله-: "وقد أخلَّ السيد -أيده الله- بقاعدة كبيرة، هي أساس المناظرة، وأصل المراسلة، وهي إيراد كلام الخصم بلفظه أولاً، ثم التعرض لنقده ثانياً، وهذا شيء لا يغفل عنه أحد من أهل الدربة بالعلوم ، والخوض في الحقائق،والممارسة للدقائق، وإنما تختلف مذاهب النقاد في ذلك، ولهم فيه مذهبان :
المذهب الأول : أن يورد كلام الخصـم نصه،ويتخلص من التهـمة بتغيــره ونقصــه,وهذاهو المذهب المرتضى عند أمراء الفنون النظرية، وأئمة الأساليب الجدلية،وقد عاب عبدالحميد بن أبي الحديد على قاضي القضاة (!!) أنه ينقض كلام السيد المرتضى، في مراسلات دارت بينهما، ولا يورد لفظه .
واعلم أن ترك كلام الخصم؛ظُلْمُ له ظاهر، وحيف عليه واضح،لأنه إنما تكلم ليكون كلامه موازناً لكلام خصمه في كفة الميزان الذهني، وموازياً له في جولة الميدان الجدلي، لأن المنفرد يرجح في الميزان، وإن كان خفيفًا، ويسبق في الميدان، وإن كان ضعيفًا، وهذا كله إذا كان للخصم كلام يُحفظ، واختيار يصح أن يُنقض، فمن العدل بيان قوله، وحكاية لفظه، وأما إذا لم يكن له مذهب ألبتة، وإنما وُهِمَ عليه في مذهبه، ورُمِيَ بما لم يقل به؛ فهذا ظلم على ظلم، وظلمات بعضها فوق بعض.
المذهب الثاني من مذاهب النقاد في نقد كلام الخصوم: أن يحكوا مذاهبهم بالمعنى، وفي هذا المذهب شوب من الظلم، لأن الخصم قد اختار له لفظًا، وحرر لدليله عبارة ،ارتضاها لبيان مقصده، وانتقاها لكيفية استدلاله، وتراكيب الكلام متفاوتة، ومراتب الصِّيغ متباينة، والألفاظ معاني المعاني، والتراكيب مراكيب المتناظرين، وما يرضى المبارز للطراد بغير جواده، ولا يرضى المرافع للبناء بغير أساسه، مع أن قطع الأعذار؛ من أعظم مقاصد النظار، وهذه الأمور (إن) لم تكن مظالم شرعية، وحقائق حسّية؛ فهي آداب بين المتناظرين رائقة، ولطائف بين المتأدبين لائقة، ومراقٍ إلى العدل والتناصف، ودواعٍ إلى الرفق والتعاطف، وكل ما خالفها من الأساليب؛ فاَرَقَ حظه من هذه الآداب الحسان، وكل من جانبها من المتناظرين؛ علقته رائحة من قول حسان: ..... إن الخلائق فاعلم شرها البدع".
الملفات المرفقة
نوع الملف: doc mfgm.doc‏ (266.0 كيلوبايت, المشاهدات 0)