تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 31-08-2009
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 29
  • المشاركات : 103
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • صفاء ص is on a distinguished road
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
كلمات للذّكرى
29-06-2010, 06:37 PM
إنّها مجرّد كلمات ولدت لا للتجريم و التبرئة أو النّقد.إنّها مجرّد عبارات وضعتهالأتذكر في كبري أنّي رأيت مجازر و آلام أمم ضعيفة عبر شاشات التّلفاز و أنا أتناول طعام الغداء على مائدة فاخرة.
إنّها كلمات للذكرى لا غير


تغيب بغيابك عني البسمة و يأبى لفاجعة فراقك ليل أحزاني أن ينجلي و كذلك كتاب خيبتي يأبى أن ينطوي.
أحسّ أنّ الأمل عني بعيد و الألم قريب و شبحك ينشد لي أغنية دون عنوان.يكتب لي رواية دون حروف موضوعها الحزن،أبطالها مجرمون و مغزاها جنون.

هل سيرجع عمّار؟
تقولها أختك سميّة و الحزن يعصر قلبها، تماما مثلما عصر قلبك عندما استشهد أبوك لنفس الهدف. نصرة فلسطين.
تقولها و هي تعلم أنك الآن إلى جواره تنام تحت الأرض التي ينام تحتها مليون و نصف المليون شهيد.الأرض التي كافح ديغولللاحتفاظ و لو بجزء صغير منها و قاومه الأمازيغ مثلما قاوموا الذين من قبله إلى يوم انحاز القدر للحق و استرد الأرضَ أهلُها.
تقول و دمعها الغالي على قلبي يغلّف عينيها:
-صدّقيني استشهاد أخي كان أجمل شيء في حياتي و ما كلّ حزني إلاّ لفراقه أو ربّما لأنّي لم أنل ذاك الشّرف.
تسكت ثمّ تواصل:
شرف أن أستشهد في سبيل الله.في سبيل إطعام جوعى و عراة و حفاة غزّة. لهذا و فقط أبكي و سأظل كذلك مدى عمري حتى أناله.

شرف الإطعام،شرف الإلباس و شرف المقاومة.شعار طالما حملته و لأجله تخلّيت عن بطاقتك كصحفي و ركبت سفينة الحريّة كمتضامن يرفض أن يختفي وراء مهنته للقيام بمهمّة إنسانية أو كما تسمّيه و هو الأصح:الواجب. ولكن أظن أنّه كان من واجبك أيضا إخباري بقرارك قبل الرّحيل و ليس أن تكلّف الأصدقاء بذلك بعد فوات الأوان.

-لم أكن لأرفض طلبه،لماذا لم يخبرن؟
تجيبني زميلتك إيمان:
-كان يخجل دمعك كأم،كان يعلم أنّك ستبكين و ليس هيّنا عليه ذلك.
بابتسامة حزينة نظرت إلى الأرض يمزّقها الحزن و لم أكن أعلم السّبب.سألتها:
-إيمان ما بك؟
أجابتني:
-زوجي الآن برفقة عمّار في تلك السّفينة...انقطع اتصالي به فجأة.
اقتربت منها سميّة:
-اصبري،ليس لنا غير ذلك.

أرادت أن تفصح عن مشاعرها كإنسانة تعلم أنّ إنسانا آخر في خطر.كزوجة فضّلت التّضحية من أجل وطن لم تزره إلاّ بعينيها على شاشات التّلفزيون عفوا على شاشات الألم و لكن الحزن أعجزها عن الكلام فاختزلت الخوف بقولها:
-إنّها أصعب لحظات من الممكن أن تعيشها زوجة تعلم أنّ زوجها الصّحفي يركض نحو الموت.
سكتت قليلا تمسح دمعها ثمّ واصلت:
مهما حاولت تنسيق الكلمات و العبارات أجدها أشد عجزا من أن تعبّر عن تلك اللّحظات.
أسألها أحاول إشعارها بأنّي أهتم لأمرها و كنت كذلك فعلا إضافة إلى أني كنت أحاول نسيان أنّك معه:
-كيف كانت ردّة فعلك عندما أخبرك بأنّه سيقدم على هذه المغامرة؟
تجيب:
-اختلطت عليّ المشاعر و لم أعد أفرّق آنذاك إن كانت خوفا مما قد يخبّئه لهم القدر أو فخرا بما سيفعله هؤلاء الأبطال..و رغم أنّني لم أكن أودّ في داخلي أن يكون في هذه القافلة وافقت.لم أستطع منعه...إنّها غزّة،إنّها فلسطين. إنّها الشّهادة.

وقفت من مكانها ترفض أن تزيد حقيبة أحزاني أحزانا أخرى ثم اتجهت نحو الباب و قبل أن تخرج قالت لي بنبرة حزينة:
-لنصلّي من أجلهم و من أجل مهمّتهم.
ثمّ انصرفت.

كانت لحظات أشبه بالكوابيس و ربّما تلك الأفلام التي نشاهدها في السّينما عن أبطال يلتقون في الأخير و كانت تلك حقيقة إيمان و خيبتي أنا.

لست أدري كم مضى و لكنّي أعلم أنّ القافلة قد انطلقت منذ زمن.
أفتح جهاز التّلفزيون أبحث عن السفينة التي تركبها و عن وجهك الذي اشتقته و لكني أجد عيني مباشرة نحو الخبر العاجل، كان يومها الاثنين.
لم يكن العاجل خبرا سعيدا و لكنه كان عجلة تدوس على ما تبقّى في قلبي من أمل.
أصلّي ركعتين،أدعو ربّي أن ينجيك و من معك مما يخبّئه لكم أعداؤه ثمّ أتخذ لي بجانب أختك أمام التّلفاز مكانا. نشاهد كيف يحضّر أبناء الغالية أنفسهم لاستقبالكم.
أعلم أنّك لم ترهم و لكنك كنت تتخيّل البسمة المرسومة على وجوههم و الرّايات التي حضّروها لاستقبالكم.
تشبه كثيرا تلك التي كنت تخبّؤها بجوار علم بلادنا في الخزانة.
ما زلت أذكر عندما سألتك:
-لماذا لا تحمل الرّايات في حقيبتك أو سترتك؟ربما يكون تضامنك بتلك الطّريقة أقوى.
تقبّلني بأدب:
-أمّي ،الحب يحمل في القلب و التّضامن بالفعل و ليس شعارات تُردَّدُ و أقوال بالجرائم تندّد.
أقول لك:
-لكن.
بإصرار:
-هذه قناعتي.

كنت رائعا في كل شيء ما عدا شيء واحد....الأنانية في الحب.لست أدري قد يكون ذلك أجمل شيء فيك.
ترفض أن أقول:-لا يوجد في الدّنيا أحد مثلي يحبّ لو صّلى في الأقصى.
تقول بغيرة:
-احملي سلاحك و اذهبي إليها لتصلّي.لست مثلي،أنت تتكلّمين فقط.
تنظر إليك سميّة بغضب:
-لماذا تتكلّم بهذه الطّريقة؟إنّها أمّك.
أقول لها:
-حبيبتي لا تجادليه،راضية عنه ما دامت طريقة كلامه هكذا من أجل فلسطين.من أجل الحبيب كل شيء يهون.

كان الصّحفي بنبرة حزينة يقول:-وفيات بين الراكبين...
لم أستطع أن أكمل.اتجهت مباشرة نحو غرفتك و ارتميت على سريرك أبكي أنتظر نعشك.
شيء ما حدّثني أنّك منهم.
لحقتني سميّة تبكي:
-أمّي...عمّار بينهم.عمّار مات.

لم أكن في تلك اللّحظة أمّها.
كانت هي أمّي،ضمّتني إلى حضنها:
-شاء الله و ما قدّر فعل.كنا نتوقّع ذلك،هذا واقع ليس لنا أن نهرب منه أو نواجهه بغير الإيمان.اصبري يا أمّي و افتخري فإنّ ابنك شهيد.أتعرفين معنى هذه الكلمة؟

أرفض أن أجيب أو أتكلّم.أن أمسح دمعي أو أتحرّك.
وقفتْ من مكانها.أسألها:
-إلى أين؟
تجيب:
-لأشكر ربي على تحقيقه أمل أخي.

تذكّرتُ إيمان،تُراها ماذا تفعل؟هل حميد بخير؟هل لها أخبار عنه؟
تجيبني باكية عبر الهاتف:
-خالتي أنا خائفة.ليس لدي أي أخبار عنه،لا أريده أن يرحل هكذا.
أسألها:
-و كيف تريدينه أن يرحل؟
ظننتها ستقول:هنا في الجزائر أو شيئا كهذا.لكنها قالت:
-أن نستشهد معا،وعدني أنّه سيصطحبني معه إن ذهب في قافلة أخرى.لم أعرفه أنانيا.
ابتسمتُ دون رغبة في ذلك:
-سيفي بوعده.
ثمّ أغلقت الخط.

حقا، وفى بوعده مثلما وفيتَ أنت به عندما كتبت على صفحة مذكّراتك:
-إنّها آخر كلمة أكتبها عليك أيّها الدّفتر.سأعود شهيدا فانتظر نعشي.

كم أنت رائع و كم هي رائعة تلك الجزائرية التي خافت أن يموت زوجها قبل الوفاء بوعده،تلك الصّحفية التي خافت أن لا تشارك زوجها فرحته هي التي شاركته حزنه و متاعب مهنته و عظيم هو عندما وفى بوعده و رجع دون جواز سفر وقال لها في المطار:
-المرّة القادمة ستذهبين وحدك لأنّهم سلبوني جواز السّفر الخاص بي.

ثلاث سنوات عن رحيلك تمضي

صدّقني...
أكره أن أقف أمام الذّاكرة...
أمام الواقع و كذلك الألم....
شعور لا أحتمله ينتابني حين اختلي بالذاكرة في إحدى زوايا الماضي و بالضّبط زاوية شهر جوان.شهر رحيلك.
أؤنّب نفسي و الجميع ،ليس لرحيلك و إنّما لمعاناة أهل فلسطين و كلّ المقهورين في العالم و لا تسألني :لماذا؟
إن أردت سأجيبك مثلما أجابتني متضامنة بريطانية عندما سألتها:
-أنت لست عربية أو مسلمة.لماذا خاطرت بنفسك و ذهبت في محاولة لكسر الحصار؟
أجابت:
-لكني إنسانة،أنا أتضامن معهم لأنّهم بشر مثلنا و لهم حق العيش في كرامة كأبسط مطلب.أظنّ أنّ هذا ما نصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يلزم كل الدّول بتطبيقه.
تضحك:
-هل تصدّقينني إن قلت لك أنّ حق الحياة صار يمنح بالمحاباة؟

كانت محقّة.أمّة تُقتَل و أخرى بالخيرات تنعم.إنّها المحاباة التي يمارسها الشّمال على الجنوب و القويّ على الضّعيف.
كم هي قاسية هذه الحياة و لكنها بالرّغم من ذلك تستحقّ أن نعيشها فللألم أيضا رومانسيته و مفاتنه و قد يأتي يوم نشتاق فيه للدّم المسفوك فنحن مصّاصو دماء و ليس المستعمر وحده في أي بقعة من العالم مذنبا. أظنّنا نحن سبب نجاحه في قتل الأبرياء.
نقتل ثمّ نبكي.
إنّها بحقّ مهزلة على أرض الواقع و مسرحه...مهزلتنا نحن و فقط.
أقصد،عارنا المشترك.

أخجل من نفسي كعربية مسلمة تسكن أرض الكفاح و حفيدة المليون و نصف المليون شهيد تقف عاجزة على إدخال السّعادة في قلب فقير و تعليم أمّي منعه الفقر من مواصلة الدراسة.
قد تسأل:-لماذا هذا التداخل في الأفكار و الكتابة؟
أجيبك:
أنّي لا أريد هنا في كتاباتي التأنيب و التجريم أو التبرئة.أريد فقط المساهمة في تحقيق سلام عالمي أو على الأقل عربي فقد مللت هذه التشقّقات في الآراء و المواقف حتى أنّي أصبحت أكره تشغيل التّلفاز أو قراءة الجرائد لمدى حزني على ما آل إليه وضع البشرية في عصر التكنولوجيا التي ظننتها يوما ستكون في خدمة السّلم قبل كلّ شيء.
أكره الحروب و أكره كل ما يرمز إليها يكفي فقط أنّها سلبتني ثلاثة من أغلى ما أملك في الدّنيا.
الحروب بالنّسبة لي ترمز لشيء واحد هو الفناء و الفناء آت نحن نعلمه و لكن أريده أن يأتي وحده لا أن نصنعه و نفني أعمارنا في البحث عنه متنازلين بذلك عن كل القيم الأخلاقية و الإنسانية.
أكرهها لأنّها يتّمت أطفالا و رمّلت نساء...
كأنّها النّار تأكل دون أن تشبع و تُحدث في حياتي ما لم أسطّر لحدوثه من قبل.
تجعلني أتساءل في لحظة اختلاء بالذّات:
هل تلوثت طبقة الأوزون لكوكب الإنسان و صار فيها ثقب لتتغير أحوالنا بين ثانية و أخرى؟
ما بها حياتي تتغيّر بهذا الشّكل؟أتراها غزّة تنتقم لأبنائها من المجتمع الدّولي؟ هل ستبدأ أسطورة يونانية جديدة أم ماذا؟
لا أظن فحسب علمي أنّ عهد الأساطير قد ولّى.
سأظلّ أتساءل:أهي غزّة عندما تنتقم أم غزّة حينما تنتفض؟


بعد رحيلك كانت قد سافرت إلى دمشق لإكمال دراستها و اليوم تدخل المنزل بمظهر المتديّنين. بحجاب شرعيّ ذو لون ورديّ و ابتسامة جزائرية بامتياز.تلقي السّلام و ترتمي إلى حضني:
-اشتقت إليك كثيرا.
أقبّل يديها بعد أن قبّلت وجنتيها:
-أنا أيضا حبيبتي،فراقك لم يكن سهلا.
ثمّ ابتعدت عنها أريد أن أشبع عيني بمظهرها الجديد الذي طالما تمنيت أن تكون عليه.
يحمرّ وجهها:
-هل ستبقين هكذا؟
أجبتها و ما زلت أحدّق بجلاّبتها:
-لا...لا،تفضّلي.حضّرت لك الكسكس الذي تشتهين.تفضّلي.

دخلت الغرفة كأنّما تدخلها أوّل مرّة،جالت بعينيها أرجاءها ثمّ قالت لي:
-الجدران وفيّة كثيرا لعمّار.
كانت تريد أن تستحضرك و تضمّك إلى حضنها فأنت بمثابة والدها الذي لم يكتب لها القدر أن تتذكّر منه شيئا.ذاك الوالد الذي ضمّها إلى حضنه عندما كانت تبكي و قال لها:
-يوما ما ستعرفين لماذا أفعل هذا.
كانت تبكي رغم أنّها لم تكن تدر شيئا عما سيفعله.ربّما إحساسها كان يوحي لها بأن ذاك اليوم كان آخر لحظة تراه فيها و أوّل و آخر مرّة تقول فيها بتلعثم:بي..بي. و كانت تقصد بذلك أبي.
آه ماذا تفعل بنا الحياة و كيف تتربّص بنا، تفقدنا حبيبا و تأخذ عزيزا و تغتال صديقا. آه منك و منها و كيف تتفنّنان في إذابة سعادتي.
أصلا،متى كان في حياتي سعادة؟
أرفض أن أكون متشائمة و لكن ماذا أفعل؟أنا مللت الصّمت و الاختباء وراء ستار العجز.كرهت ذلك كثيرا.
أبحث عن غرفة من دنيا الأحزان تسعدني فأجد الأبواب تصدّني،تماما مثلما نصدّ صرخة المقهورين في العالم أجمع أو كما أراد أن يسميها شاعر الثّورة:صرخة الأوطان.
أقول لسميّة:
-أريد أن أذكّرك بما قاله لك أبوك قبل رحيله.
تصدّني على غير عادتها:
-أمّي أرجوك كفى،مللت تلك العبارات.مللت العيش على وقع الذّكرى.

ماذا فعلت بها دمشق؟أعلّمتها النّسيان أم الكتمان؟
أعلم علم اليقين أنّ ابنتي لن تنسى يوما أنّ والدها راح ضحيّة حرب و كذلك أخوها و لكن لماذا تتكلّم بهذه الطّريقة؟ أليست هي التي فتحت كتاب الذكريات أوّلا؟أليست هي التي أرادت أن تستحضرك بيننا و تحكي لك عمّا فعلته في دمشق؟

الأشهر تمضي...
كانت تشاهد فيلما بمناسبة اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر أربع و خمسون تسع مئة و ألف.
قالت:
أمّي، لماذا اهتمت فرنسا بطمس الجانب الثقافي دون غيره من الجوانب؟أكانت تريد بذلك إيصال رسالة إلى جيل اليوم بأنّها قد مرّت ذات يوم من هنا؟ أم لأنّها كانت تعلم أنّ أسطورة الجزائر فرنسية لن تتحقّق ففكّرت مثلما فكّر لافيجري و ديغول في تخليد و لو ذكرى واحدة لهم على هذه الأرض المناضلة؟
واصلت و عيناها مثبّتتان على الأرض:
-أتخيّل شعورهم عندما أخذوا أشلاءهم و غادروا الجزائر.أكيد أنّهم بكوا الدّم لفراقها .أكيد أنّها ودّعتهم بابتسامة لتزيد من غيضهم.أكيد أنّ صدمة الانهزام أمام شعب دون سلاح كانت قويّة.أظنّها صدمة أكبر من خسارة هذه الأرض التي أراد ديغول الحفاظ و لو على شبر واحد منها.صدّقيني، لو كنت مكانهم لكنت متُ من الحزن.
قلت لها:
-سميّة،قلت أنّك تكرهين العيش على وقع الذّكرى لذا رجاء اصمتي.
فجأة انهلمت دموعها:
-الثّورة ليست ذكرى،إنّها الدّم الذي يسري في عروقي و في عروق كل جزائري.إنّها ذاتنا التي يجب أنّ تخلّد إنّها بطولتنا التي يجب تُدَرَّسْ و تحفظ.إنّها نحن.
أردت أن أخرج من الموضوع،لا أريد تذكّر أن لي أبا قد مات من شدّة التعذيب و أمّا كانت على عتبة رؤية الجزائر الإسلامية العربية مستقلّة لكنها ماتت قبل ذلك بأيّام قليلة.دون رصاصة أو نزيف دم و لكن بنزيف حزن قد ولّده في قلبها منظر أبي مرميّا في إحدى الزّوايا يلفظ الشّهادة و لم يكن يوما قد دخل مدرسة دينية.
أخبرتها بذلك لأوّل مرّة فقالت:
-كان يجب أن تموت بتلك الطّريقة إنّها أفضل هديّة تقدّمها زوجة لزوجها و مجاهدة لمجاهد.
أسألها:
-ماذا تقصدين؟
تجيبني:
-لا شيء.
ثمّ تقول:
-أتعرفين الكاتب هنرايخ بول؟
-لا لم أسمع به.
قالت:
-إنّه أديب ألماني صاحب قصّةمضى القطار في موعده،قال أحد الشّخصيات: أمّا الحرب فقد ربحنا فيها النصر ما في ذلك شك،بل يكفي أن نعلن الحرب لنثق بأننا منتصرون.
أسألها:
-و لماذا تقولين هذا؟
تجيبني:
-أريد أن أعلن حربا ضد الجوع و أخرى ضدالحقرة.أريد أن أكون مانديلا و لكن هذه المرّة نيلسون منديلا الجزائر و العرب و لم لا الإنسانية جمعاء.لا يهم ديني أو جنسي أو انتمائي أريد فقط تحقيق المساواة فكلّنا بشر .يجب أن نتساوى في الحقوق مثلما نحن متساوون في الواجبات.

حدّثتني كثيرا عن أحلامها و عن آمالها.لم تكن تريد أن تطالب بحقوق المرأة فإنها تعلم بأنّ الدين قد استردها و الجدل في ذلك عقيم مادمنا بعيدين تمام البعد عن الشّريعة.كانت ترفض أن تعلن حربا ضدّ آدم الذي دونه لن تكون و دونها لن يكون كما كانت ترفض إعلان حرب ضد البشر كانت و فقط تريد أن تعلن حربا ضدّ ثقافة الاحتكار و الأنانية.الجوع و التكبّر.
أردت أن أرفع من معنوياتها بسذاجة:
-أتمنّى لك التّوفيق حبيبتي و حلمي أن أراك تستلمين جائزة نوبل للسّلام.
تقبّل يدي:
-ليست غايتي.أريد فقط أن أرى الجميع يبتسم.
تسكت قليلا ثم تسألني:
-هل تعلمين أنّ أكبر تحد في الحياة هو الابتسامة رغم الألم؟
أجيبها:
-نعم يا صغيرتي.
-إذن بن مهيدي عندما ابتسم ابتسامته البيضاء كان يتحدّى الألم و الجنود الذين يكبّلونه.أولئك هم أبطال ثورتنا ينحنون و لا ينكسرون،أريد أن أكون مثلهم.أريد أن أضحك و أمرح رغم كلّ شيء.لكني لا أظن أني أستطيع أن أكون واحدة منهم ،هم شيء آخر.ربّما...لست أدري كيف أصفهم.كل ما أعرفه أني لا أستطيع أن أكون أحدهم.
قبّلتها:
-لا،تقدري.بنتي و نعرفك.

نعم، أعرفها جزائرية يسكنها دم ساخن و ابنة شهيد و أخت شهيد لا يهمّها إن ماتت من أجل بلد غير بلدها أو أبناء شعب غير شعبها كلّ ما يهمّها أن تستشهد في سبيل الله و في سبيل مهمّة إنسانية...

أتمنى أن يتحقّق أملها عن قريب و أنا على قيد الحياة لأكون قد فقدت الشهيد الخامس من أسرتي و ألتحق أنا بالرّكب أخيرا لكي لا أترك عينا تبكيني و لا شفاها ترثيني فتعظّمني أكثر من قدري مثلما عظّمتك و تبقى العظمة لله وحده.
و لتبقى هذه الكلمات النابعة من القلب للذكرى فقط.
23-06-10
bleh
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 31-08-2009
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 29
  • المشاركات : 103
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • صفاء ص is on a distinguished road
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
رد: كلمات للذّكرى
30-06-2010, 08:55 AM
شكرا على مرورك،أتمنى أن يكون النص في المستوى.
bleh
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أم سمية
أم سمية
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 15-09-2009
  • الدولة : الجزائر المحروسة
  • المشاركات : 5,722
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • أم سمية is on a distinguished road
الصورة الرمزية أم سمية
أم سمية
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 31-08-2009
  • الدولة : الجزائر
  • العمر : 29
  • المشاركات : 103
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • صفاء ص is on a distinguished road
الصورة الرمزية صفاء ص
صفاء ص
عضو فعال
رد: كلمات للذّكرى
07-07-2010, 10:27 AM
و فيك بارك الله،نلتقي على الحب و المودة دائما
bleh
مواقع النشر (المفضلة)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 08:16 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى