فصل التوائم وفصل الكراهية ! د. سعد البريك
03-11-2008, 06:07 PM
فصل التوائم وفصل الكراهية: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين”




د . سعد البريك


قبل عدة أيام تكللت العملية رقم عشرين من عمليات فصل التوائم السيامية بالنجاح بتوجيه ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله.. وليس من المبالغة القول ان عمليات فصل التوائم السيامية والتي تسنمت ريادتها المملكة قد أجهضت جزءاً لا يستهان به من المؤامرة الكبيرة التي تهدف ضمن حلقاتها إلى فصل المملكة عن رسالتها ودينها.
ذلك أن المتتبع للأثر الإيجابي الذي أحدثته عمليات الفصل هذه في بعض المجتمعات الغربية يدرك أن عملاً نبيلاً صغيراً يمكن أن يقاوم مخططاً كبيراً بتوفيق الله وأن نور شمعة صغيرة يبدد ظلام قاعة كبيرة.
يذكر الجراح المسلم العالمي الشهير د عبدالله الربيعة في محاضرة له ، أنه بعد فصل التوأم الكاميروني جاءه الأب إلى مكتبه، ليستفسر عن الإسلام، فسأله د. الربيعة عما إذا تعرض لضغوطات من أحد على إسلامه ، فنفى الأب ذلك ثم أعلن إسلامه بمحض إرادته وبعدها بفترة بسيطة أسلمت زوجته ثم تتابع دخول أقاربه في الإسلام ليصل العدد إلى 300 شخص دخلوا الإسلام ، كان السبب الرئيس في ذلك - بعد فضل الله عليهم - الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين للتوأم السيامي الكاميروني في المستشفى . وذكر د الربيعة دعم خادم الحرمين الشريفين الأبوي لكل نداءات الاستغاثة التي تأتي من أصقاع بعيدة ، وكيف أن مستوى التنسيق حول استقدام الحالات الوافدة يأتي في أعلى المستويات.
جاءت هذه المواقف النبيلة رغم اختلاف الدين ودون النظر إلى الجنس أو العرق أو اللون لتؤطر وتترجم الشعور الشامل بالرحمة والعطف الذي تكنه المملكة تجاه دول وشعوب العالم المنكوبة والمحتاجة ، كما أنه تأكيد على أن دور المملكة في لملمة الجراح ومد يد الندى هو دور متجذر أصيل ينبع من دينها ونظامها وحكمة قيادتها وكرم شعبها .
إن الدعوة إلى الله عبر الحقنة وحبة الدواء والسرير الأبيض لا تقل تأثيراً عن الدعوة من فوق المنبر وفي المحاضرة ومن خلال البرنامج ، فالدعوة إلى الله ليست حكراً على العالم والداعية والخطيب والواعظ ، بل إن كل فرد من أفراد المجتمع بإمكانه أن يقدم من خلال عمله وموقعه نموذجاً يقتدى به في صدق التمسك بهذا الدين وتشويق الناس إلى التعرف عليه واتباع هديه .
يأتي هذا في وقت دأبت فيه حملات التشويه والافتراء التي استهدفت المملكة ورسالتها من خلال توظيف أخطاء شرذمة ضالة من أبناء الأمة في سياق الإدانة والاتهام مستعينة بأخطبوط إعلامي متواطئ أو هو في أحسن أحواله إعلام مغامر متهور يبحث عن الإثارة والسبق الإعلامي ولو على حساب الحقيقة والإنصاف ، واحتاجت لتثبيت فريتها إلى كثير من التحليلات السياسية واللقاءات الإعلامية والتصاريح على قاعدة (اكذب وكرر حتى يصدقك الناس) لكن عندما يأتي الرد من غرف عمليات الأطفال ومن مبضع الأطباء فإن سيكون أكثر مصداقية وأعمق تأثيراً ، حيث وقف حوالى عشرين طبيباً في مختلف التخصصات ليعملوا بإخلاص وصدق لفصل توأم سيامي ومساعدته على الانطلاق نحو الحياة بعزيمة وسعادة .
ويعزز ذلك أن إجراء 20 عملية جراحية لفصل التوائم السيامية دليل على الإرادة والعزم في ترجمة رسالة الرحمة التي انهمرت سحباً من المساعدات في أرجاء المعمورة إطعاماً للجوعى أو إغاثة لمنكوبين أو تخفيفاً عن المحاصرين أو تعليماً للفقراء وغير ذلك ، فهل يبقى بعد هذا من يصدق التهمة بالإرهاب ودعم الإرهاب والحض على الكراهية والعنف، إذا كان له مثقال ذرة من العقل أو كان عنده وزن حبة خردل من العدل؟!.
لم تكن عمليات فصل الأشقاء السياميين لتشغل خادم الحرمين عن السعي في عمليات من نوع آخر تهدف إلى المواءمة بين الأشقاء العرب ، وإذا كانت العمليات الجراحية لفصل التوائم السيامية هي الحل الطبي الوحيد أمامها لكي تحيا حياة سوية ، فإن خادم الحرمين سعى إلى توحيد جهود وإمكانات الدول العربية والإسلامية في مواءمة سيامية لا سبيل إلى السعادة والسؤدد دونها .
وفي وسط المشهد العالمي الذي تتنازعه الأطماع وتفتته النزوات وتتقاسمه أحلام الأقوياء بالسيطرة والنفوذ نأت المملكة بنفسها وبمكانتها عن هذا المنزلق لترسم نهجاً جديداً حاملة حبة دواء ووجبة غذاء وغطاء وكساء مع السعي لتكريس نمط جديد من أنماط التعاطي في السياسة الدولية يقوم على الرحمة والمواساة لا على الابتلاع والافتراس ، فسنت سنة حسنة في المنظومة السياسية الدولية ووضعت حجر الأساس لعصر دولي جديد يقوم على التباذل والتعاون والتسامح في وقت ترنَّح فيه كبار المفترسين .
ومن يدري فلعل كثيراً من المؤامرات والخطط الماكرة التي كانت تترصدنا قد كُفيناها بمثل هذه العمليات وغيرها من أعمال البر دون أن نشعر ، الأمر الذي يؤكد على المزيد من هذه الأعمال وسنرى أثرها الإيجابي على نظرة العالم لنا لا محالة مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : “صنائع المعروف تقي مصارع السوء”، وقوله : “في كل كبد رطبة أجر”.

http://www.saadalbreik.com/saad/inde...d=311&cid=1426