جمال الموت:
دعوني أنم,فقد سكرت نفسي بالمحبة..
دعوني أرقد,فقد شبعت روحي من الأيام و الليالي..
أشعلوا الشموع و أوقدوا المباخر حول مضجعي,و انثروا أوراق الورد و النرجس على جسدي,و عفروا بالمسك المسحوق شعري,و اهرقوا الطيوب على
قدمي , ثم انظروا و اقرؤوا ما تخطه يد الموت على جبهتي..
خلوني غارقا بين ذراعي الكرى, فقد تعبت أجفاني من هذه اليقظة.
اضربوا على القيثارات و دعوا رنات أوتارها الفضية تتمايل في مسامعي.
انفخوا الشبابات و النايات و حيكوا من أنغامها نقابا حول قلبي المتسارع نحو الوقوف.
ترنموا بالأغاني الرهاوية و ابسطوا من معانيها السحرية فراشا لعواطفي ثم تأملوا و انظروا شعاع الأمل في عيني.
امسحوا الدموع يا رفاقي , ثم ارفعوا رؤوسكم مثلما ترفع الأزهار تيجانها عند قدوم الفجر,و انظروا عروسة الموت منتصبة كعمود النور بين مضجعي و الفضاء...
امسكوا أنفاسكم و أصغوا هنيهة و اسمعوا معي حفيف أجنحتها البيضاء.
تعالوا ودعوني يا بني أمي ! قبلوا جبهتي بشفاه مبتسمة. قبلوا شفتي بأجفانكم و قبلوا أجفاني بشفاهكم.
قربوا الأطفال إلى فراشي و دعوهم يلامسوا عنقي بأصابعهم الوردية الناعمة.
قربوا الشيوخ ليباركوا جبهتي بأيديهم الذابلة المتجمدة.
دعوا بنات الحي يقتربن و ينظرن خيال الله في عيني و يسمعن صدى نغمة الأبدية متسارعة مع أنفاسي.
الانفصال:
ها قد بلغت قمة الجبل فسبحت روحي في فضاء الحرية و الانعتاق..
قد صرت بعيدا بعيدا يا بني أمي,فانحجبت عن بصيرتي جبهات الطلول وراء الضباب , و غمرت خلايا الأودية ببحر السكون , و امحت السبل و الممرات بأكف النسيان , و توارت المروج و الغابات و العقبات وراء أشباح بيضاء كغيوم الربيع , و صفراء كشعاع الشمس و حمراء كوشاح المساء .
قد تضعضعت أغاني أمواج البحر و اضمحلت ترنيمة السواقي في الحقول , و سكنت الأصوات المتصاعدة من جوانب الاجتماع , فلم أعد أسمع سوى أنشودة الخلود متآلفة مع ميول الروح
الراحة:
اخلعوا نسيج الكتان عن جسدي و كفنوني بأوراق الفل و الزنبق.
انتشلوا بقاياي من تابوت العاج و مددوها على وسائد من زهر البرتقال و الليمون .
لا تندبوني يا بني أمي, بل أنشدوا أغنية الشباب و الغبطة .
لا تذرفي الدموع يا ابنة الحقول , بل ترنمي بموشحات أيام الحصاد و العصير.
لا تغمروا صدري بالتأوه و التنهد , بل ارسموا عليه بأصابعكم رمز المحبة و رسم الفرح .
لا تزعجوا راحة الأثير بالتعزيم و التكهين , بل دعوا قلوبكم تتهلل معي بتسبيحة البقاء و الخلود .
لا تلبسوا السواد حزنا علي , بل تردوا البياض فرحا معي .
و لا تتكلموا عن ذهابي بالغصات , بل أغمضوا عيونكم تروني بينكم الآن و غدا و بعده .
مددوني على أغصان مورقة و ارفعوني على الأكتاف و سيروا بي ببطء إلى البرية الخالية.
لا تحملوني إلى الجبانة , لأن الزحام يزعج راحتي , و قضقضة العظام و الجماجم تسلب سكينة رقادي .
احملوني إلى غابة السرو و احفروا لي قبرا في تلك البقعة حيث ينبت البنفسج بجوار الشقيق .
احفروا لي قبرا عميقا كيلا تجرف السيول عظامي إلى الوادي.
احفروا لي قبرا واسعا لكي تجيء أشباح الليل و تجلس بجانبي .
اخلعوا هذه الأثواب و دلوني عاريا إلى قلب الأرض .
مددوني ببطء و هدوء على صدر أمي .
اغمروني بالتراب الناعم و ألقوا مع كل حفنة قبضة من بذور السوسن و النسرين فتنبت على قبري ممتصة عناصر جسدي , و تنمو ناشرة في الهواء رائحة قلبي , و تتعالى رافعة في وجه الشمس سرائر راحتي و تتمايل مع النسيم مذكرة عابر الطريق بماضي ميولي و أحلامي .
اتركوني الآن يا بني أمي , اتركوني وحدي و سيروا بأقدام خرساء مثلما تسير السكينة في الأودية الخالية .
دعوني وحدي و تفرقوا عني بهدوء مثلما تتفرق أزاهر اللوز و التفاح عندما تنثرها أنفاس نيسان .
ارجعوا إلى منازلكم فتجدوا هناك ما لم يستطع الموت أن يأخذه مني و منكم .
اتركوا هذا المكان , فالذي تطلبونه صار بعيدا , بعيدا عن هذا العالم .
من أجمل ما قرأت لجبران ...
اتمنى ان تعجبكم انتم أيضاً ...
هناك من يغادر حياتك... فيترك خلفه فراغا باتساع السماء...
فتحاول جاهدا ملء الفراغ خلفه... فتتعرف على من يستحق
ومن لا يستحق وتتخبط في علاقاتك كي تنساه...
احيانا تنجح وفي معظم الاحيان....لا
جبران