منقول : وسائل مكافحة الإرهاب
01-03-2009, 12:49 PM
ازدواجية تنفيذ القرارات الدولية



ووسائل مكافحة الإرهاب


أ. د/ عبد الوهاب شمسان /اليمن

ملــخص

يعتبر الإرهاب الدولي من أخطر الجرائم الدولية، ومن الظواهر التي تؤرق بال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر بوحداته المختلفة، وتجعل حياة الشعوب محفوفة بالمخاطر الناجمة عن الرعب والخوف الذي تولده الأعمال الإرهابية التي اتسمت مظاهرها بالتنوع في أسبابها وأساليبها وأغراضها، بل وفي نوعية ضحاياها.

لذا ولما لهذا الموضوع من مكانة خاصة فإن الباحث سوف يتناول في طيات هذه الورقة وبصورة مقتضبة موضوع ازدواجية تنفيذ القرارات الدولية، مع إعطاء صورة واضحة وشافية لقواعد القانون الدولي ومبادئه وللقرارات الدولية التي تتخذها منظمة الأمم المتحدة الموجهة لمكافحة الإرهاب وكيفية تعاملها وتفاعلها مع الأحداث الإرهابية في أكثر من منطقة في العالم.

مقدمـــــــــــــــــــــــــــــة :

من منطلق العمل على تأمين الحياة البشرية على المستويين الفردي والجماعي، والذي تمثل في أعلى مظاهره في حظر التهديد بالقوة أو استخدامها في العلاقات الدولية، أتجه المجتمع الدولي، في إطاره النظامي، إلى حث الجهود من أجل منع مكافحة الجرائم الدولية ومن أخطرها الإرهاب الدولي.

والإرهاب الدولي من الظواهر التي تؤرق بال المجتمع الدولي في وقتنا الحاضر بوحداته المختلفة، الدول والمنظمات الدولية، وتجعل حياة شعوبه محفوفة بالمخاطر الناجمة عن الرعب والخوف الذي تولده الأعمال الإرهابية، قد اتسمت مظاهر الإرهاب الدولي بالتنوع والتباين في أسبابها وأساليبها وأغراضها، بل وفي نوعية ضحاياها.
لقد حرصت الأمم المتحدة سواءً من خلال مجلس الأمن أو بترتيبات خاصة بإيفاد مبعوثين لها على التصدي لأزمات مختلفة . بينما تراجع الاهتمام بمشكلة الشرق الأوسط وجوهرها القضية الفلسطينية فلم تمثل الأمم المتحدة ، على أي مستوى في المباحثات الثنائية – علاوة على غيابها عن المشكلات المتفجرة في أكثر من منطقة من العالم (الصومال والقرن الأفريقي – مثلاً) .

ويمكن القول أن تفاوت اهتمام الأمم المتحدة بالمشكلات الدولية قد ارتبك وعبر عن توازنات دولية وإقليمية دعمت أو همشت من دور الأمم المتحدة إزاء كل مشكلة من المشكلات الدولية. الأمر الذي أدى إلى النظر إليه بوصفه تطبيق مزدوج أو متعدد الوجوه للقرارات الدولية والقانون الدولي .


لذا وبهدف توضيح وتبيان هذا الموضوع فإننا سوف نقسمه إلى مطلبين، نستعرض في الأول، ازدواجية تنفيذ القرارات الدولية، ونبين في الثاني ، وسائل مكافحة الإرهاب الدولي.


المطلب الأول



ازدواجية تنفيذ القرارات الدولية


بداهة ودون الخوض في الخلافات والتقسيمات الفقيه المتعلقة بالتفرقة بين التوصية والقرار والأسس الإلزامية لقرارات مجلس الأمن يمكن القول أنه وقد ألقيت على عاتق مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية عن صيانة السلام العالمي، فإنه بالتبعية لا بد وأن يزود بالسلطة اللازمة لتمكينه من القيام على تنفيذ هذه المسؤوليات، ذلك أن السلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة وقد وضعت المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة الأساس الدستوري لهذه السلطة(1) إذ تقضي بأن : "يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق" كما أن قراراته تعد ذات قوة ملزمة لأعضاء الهيئة ، إلا أن هذه السلطة التي يتمتع بها المجلس ، والقوة الملزمة التي تتصف بها قراراته ، ليست شاملة أو مطلقة، حيث ترد عليها قيود تحد من نطاقها، وتتمثل أهم تلك القيود(2) في :


1- أن تكون قراراته متعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين.
2- أن يكون عمله في حفظ السلم الدولي وفقاً لأهداف الأمم المتحدة ومبادئها". فخروج مجلس الأمن عن تلك الأهداف والمبادئ ومخالفته لها يجرد قراراته من قوتها الملزمة وبالتالي يحلل الدول الأعضاء من الخضوع لها.


3- لا تتمتع قرارات مجلس الأمن بقوتها الإلزامية إلا إذا كانت قد اتخذت وفقاً لنصوص الميثاق(3) . وهذا الشرط أوسع نطاقاً من القيد الأول .

إذ يتصور أن يصدر المجلس قراراً يتفق وتلك الأهداف والمبادئ لكنه يخالف بعض أحكام الميثاق، كأن يكون مجاوزاً لاختصاص المجلس أو عدم صدوره مطابقاً لبعض أحكامه الإجرائية أو الموضوعية المتعلقة بأداء الاختصاص أو حقوق الدول وفق القانون الدولي.
ويتعلق بتلك الجزئية ويرتبط موضوع القيمة القانونية للقرارات الخارجة عن نطاق الاختصاص، وهو الأمر الذي أثار خلافاً كبيراً في كتابات الفقهاء حيث ذهب بعض الكتاب إلى أنه في ظل عدم وجود نظام قضائي ذي آليات محددة للمراجعة والرقابة عليها فإن كافة القرارات والتصرفات التي تتجاوز صلاحيات المنظمة، أو تستند إلى اعتبارات سياسية لا صلة لها بالنزاع فإنه يجب اعتبارها قرارات خارجة عن نطاق الاختصاص ليست لها أي قيمة ويجوز التحلل منها حيث إن التجاوز كعيب أمر يعتور القرار أو التصرف في ذاته وليس في حاجة لإقراره عبر أجهزة أخرى.
وعلى صعيد آخر ذهب جانب آخر من الكتاب في القانون الدولي إلى أن الاعتراف بمشروعية معارضة القرارات الخارجة عن نطاق الاختصاص سيؤدي إلى فتح الباب متسعاً أمام الدول للادعاء بذلك الدفع للتحلل من التزاماتها . وحاول فريق ثالث التوفيق بين الاتجاهين وذلك بكشف العلاقة بين المتطلبات القانونية من ناحية وحقائق الواقع من ناحية ثانية فذهب هذا الفريق إلى أنه من الوجهة القانونية البحتة فإن قرارات وتصرفات المنظمات الدولية يجب أن تتسق والشروط الإجرائية والموضوعية المتطلبة في التصرف. إلا أنهم اعترفوا من ناحية أخرى بأن حقائق الواقع هي التي تحكم تنفيذ تلك القرارات . وهذا الرأي برغم ما يكتنفه من صعوبات في التطبيق إلا أنه لا يخلو من فائدة كبرى حيث لا يقتصر على تكييف القرارات والتصرفات من حيث المشروعية أو عدم المشروعية وإنما يتجاوز ذلك إلى تفسير أسباب ذلك واقعياً .
وبناء على ما سبق يمكن القول أن الحكم ببطلان أو عدم بطلان قرارات أو تصرفات المنظمات الدولية يجب أن يكون المحك والمعيار الرئيسي فيه هو مدى اتساقه مع بنود الميثاق وأهدافه حتى لا تطغى المعايير السياسية التي كانت وما زالت. ومن خلال متابعة متأنية وعميقة لواقع أعمال النظام القانوني الدولي تظهر ممارسة الازدواجية في المعاملة .فالواقع أن الدول والمنظمات الدولية تقوم بانتهاج سلوك متغير ومتردد يتأرجح معه انضواء الحالات المتماثلة مداً وجزراً في نطاق القاعدة العامة أو الاستثناء وتتضح في خطورة ممارسة الازدواجية في المعاملة في أنها من غير أن يحكمها في هذا أو ذاك معيار منضبط تتحقق بشأنــــه مسائـــل تشكـــل أسس النظام القانوني الدولي التي تعتبر أهمها واستخدام القوة في العلاقات الدولية(4).
إن من أسباب الإرهاب الدولي هو تقاعس الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية على جميع دول العالم طبقاً لمبدأ المساواة بعيداً عن الازدواجية والانتقاء في التعامل حيث أثبتت المواقف تجاه المسائل المتعلقة بحقوق الدول الصغيرة والمغلوبة على أمرها، خصوصاً قضية العرب والمسلمين الأولى (فلسطين) تخاذل الدول الكبرى ومنظمة الأمم المتحدة في القيام بواجبها القانوني والإنساني في إرغام إسرائيل الرافضة، في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بحق تقرير المصير والمعاملة الإنسانية للشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس وانسحاب إسرائيل من أراضي عام 1967 وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وأحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 (5) .



إن تلك المعاملة الانتقائية والمجحفة في سلوك الدول الكبرى تجاه القضايا المصيرية للدول المقهورة في ذات القضايا والمسائل الموحدة في الطبيعة والأصل والأهداف أفقدت الأمم المتحدة مصداقيتها وقوتها ومشروعيتها، ففقد العالم العربي والإسلامي الثقة في عدالة المجتمع الدولي في الحصول على حقوقه بواسطة القانون الدولي فلجأ المواطن العربي والإسلامي إلى النضال المشروع والعنف القانوني وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز للشعوب المغلوبة والمقهورة الرازحة تحت نير الاحتلال أن تقاوم بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة بما فيها اللجوء إلى وسائل العنف المفروض التي فرضتها غياب العدالة الدولية المفترضة(6). والشيء اللافت للنظر أن دعاة ما يسمى قادة النظام الدولي الجديد الذين نصبوا من أنفسهم شرطي العالم لما يسمى مكافحة الإرهاب الدولي هم أولئك الذين رفعوا شعارات محاربة الشيوعية ومنتهكي حقوق الإنسان قبل انتهاء الحقبة الشيوعية وانهيار الإتحاد السوفيتي ( السابق) ، فالحرب على الإرهاب الدولي بقيادة أمريكا وحليفتها إسرائيل والدول الغربية كبريطانيا ما هي إلا ذريعة تخفي وراءها استهداف العرب والمسلمين من خلال الحملة الصليبية اليهودية الرامية إلى احتلال أراضيهم وتدمير الروح القتالية والعقيدة الدينية بصورة مباشرة وتغيير الأنظمة السياسية الوطنية والإسلامية المعارضة لسياسات النظام الدولي الجديد .

كما إن الضربات العسكرية التي وجهت ضد كل من ليبيا عام 1986م والسودان عام 1998م والعراق منذ عام 1990م واحتلاله عام 2003م حتى الآن . بحجة إنهاء دول تأوي أو تشجع الإرهاب ما هو إلا تجاوزاً فضا لمبادئ وأحكام القانون الدولي وأخلاقيات التعامل الإنساني ومبدأ عدم اللجوء إلى القوة العسكرية في العلاقات الدولية(7).


فالانتقائية الأمريكية في التعاطي مع الإرهاب على قاعدة المصالح الإسرائيلية أضعف التأييد العالمي لمحاربة الإرهاب بقيادة أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م بعد أن دفعت أمريكا في دوامة خلط الأوراق وإلقاء التهم الإرهابية جزافاً ، فالمقاومة المشروعة ضد الظلم والاحتلال هي حالة وطنية مشرفة تختلف عن الإرهاب بل النقيض الكامل منه ، وبالتالي فإن إعلان أمريكا بلسان الناطق لوزارة الخارجية الأمريكية بأن قائمة الإرهاب في العالم ستضم إليها أسماء منظمات جديدة كحزب الله اللبناني ومنظمات الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية الفلسطينية ، إنما يعتبر خلطاً واضحاً للأوراق وعملاً عدوانياً مقصوداً ضد الدول العربية وانحيازاً وقحاً لإسرائيل التي كان من المفترض أن تدخل ضمن قائمة الدول والمنظمات الإرهابية لأنها تمارس الإرهاب في أبشع صورة وبشكل علني وقح(8).


ولعل المساواة في السيادة والحقوق بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة المادة( 2/1)، – فالمساواة في الظلم عدالة – فإذا كان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المطلوب رقم واحد للحملة الدولية لمكافحة الإرهاب بقيادة أمريكا ، إرهابياً اليوم فإنه كان بالأمس المجاهد والمناضل ضد إمبراطورية الشر(الاتحاد السوفيتي) من أجل الحرية والكرامة الإنسانية ، أليس هذا من المفارقات في الأهداف والمقاصد ، مؤكداً بأن المصالح هي السائدة والثابتة في عصر أصبحت فيه المبادئ والقوانين هي المتغيرة طبقاً للمفهوم الأمريكي فمن لم يكن معه فهو إرهابي(9). .

إن ما يشهده العالم اليوم هو سيطرة المصالح على السلوك، وليس صراع حضارات ، فالحضارات لا تتصارع والشفافية كفيلة بفضح النوايا اللاحضارية. أما العولمة فهي تدفقات وتجليات خارقة للحدود لا تبالي بالمقومات الشفافية للشعوب أو بحضاراتهم . وإذا بقيت العولمة بدون قلب أو ضمير إنساني حي فالويل للعالم منها، فالعلم بدون ضمير دمار للنفس ، لقد أدت العولمة إلى ضعف الدولة – أرقى تنظيم وصلت إليه البشرية – الأمر الذي فتح المجال لنشوء تنظيمات جديدة إرهابية وغير إرهابية تقوض ولا تبني.(10).
لقد أكدت الأحداث والمواقف الدولية الهامة في العلاقات الدولية أن الأمم المتحدة وفروعها الرئيسية أصبحت إحدى أدوات الدول الكبرى ، لإعطائها الغطاء الشرعي لتنفيذ أهدافها العدوانية ضد الدول الصغرى والمتوسطة فخضوع المنظمة الدولية لقانون القوة الظالمة وخذلان الحق ونصرته افقدها مكانتها وهيبتها الدولية وما موافقتها على تمرير القرار رقم ( 1373) الصادر في 28/ أكتوبر عام 2001م إلا دليلاً على ذلك والذي بموجبه وضعت دول العالم العربي والإسلامي تحت الوصاية الأمريكية والإسرائيلية تمهيداً للسيطرة عليها بصورة واضحة وفاضحة لنهب ما تبقي من ثرواتها وسلب استقلالها وسيادتها خصوصاً منطقة الخليج العربي ومنطقة بحر قزوين(11) .
فممارسة أمريكا وإسرائيل شتى أنواع الضغوطات والإبتزازات للأنظمة العربية والإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001م هو أحد أنواع الإرهاب الدولي ويتضح ذلك جلياً من خلال التالي :-



1- باكستان : وضعت أمريكا سيادة باكستان ومفاعلها النووي في كفة وتنفيذ طلباتها لضرب أفغانستان في كفة واحدة ولم تكتفي بهذا بل قامت بدعم الهند بمزيد من التهديد والعدوان المسلح على إثر افتعال الهند حادثة ضرب البرلمان الهندي في 12/2001م لاتهامها حركة المقاومة الكشميرية الإسلامية ( عسكر طيبة) المدعومة من باكستان.
2- السعودية : سجنت أمريكا الأميرة السعودية ( بثينه آل سعود) بتهمة ضرب خادمتها وتم اعتقالها بعد منتصف الليل مشجعة وسائل الإعلام بالتشهير بالأميرة وبنشر صورها في وسائل الإعلام الأمريكية ولم تكتفي بهذا الابتزاز الأسري بل اعتقلت مئات الموظفين السعوديين دون مسوغ قانوني في معظم مدن أمريكا ولا زال البعض منهم حتى الآن في السجون الأمريكية دون تقديمهم للمحاكمة بل شرعت بعض الدوائر الأمريكية ، إلى تهديد النظام السعودي باستبداله بعناصر متحررة تؤمن بالمفاهيم الأمريكية، علماً أن هذا النظام من أكثر الأنظمة في المنطقة العربية إخلاصاً لأمريكا(12).

إن أبشع أشكال الإرهاب هو التعامل المزدوج والكيل بمكيالين والتعامل الانتقائي الذي تسعى الحكومة الأمريكية وحليفتها إسرائيل إلى تحويله إلى سلاح استباحة العالم كله عموماً والعرب والمسلمين خصوصاً من خلال :
1- تصفية إرادة شعوب العالم العربي والإسلامي وسلب حقوقها وضرب استقلالها وسيادتها والإجهاز على السيادة الشكلية للدول المستضعفة .
2- إلصاق تهم الإرهاب بحركات التحرر الوطني العربي والإسلامي ، خصوصاً حركات التحرر الفلسطيني واللبناني والكشميري والصومالي وغيرها من عوامل تكريس عولمة الإرهاب .
3- تجفيف منابع الموارد المالية للجمعيات الخيرية الداعمة والمناصرة للقضايا العربية والإسلامية النضالية ضد الاستعمار والعنصرية،بينما تدعم المنظمات والدول الإرهابية التي تمارس أبشع أنواع الإرهاب ضد الدول العربية والشعوب الإسلامية(13) .
4- ممارسة الإرهاب المنظم المتمثل في الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية ضد الأنظمة التي لم تستجيب لمفهومها للإرهاب ، والمتقاعسة في اعتقال وقتل عناصر الحركات والمنظمات الكفاحية ضد الظلم والقهر والإذلال ، مثالا لذلك رئيس دولة فلسطين ياسر عرفات (رحمهُ الله)، الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية رغم التنازلات السياسية التي قدمها للعدو الصهيوني، والضحايا البشرية من أفراد الشعب الفلسطيني برصاص شرطته، إرضاء لإسرائيل وأمريكا في محاولة لمنعهم من تنفيذ العمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي وقواته المسلحة(14).
5- تدخل أمريكا الساذج في تغيير المناهج التعليمية الإسلامية في الجامعات والمدارس التي تناهض الاستعمار وتدعوا للجهاد والمقاومة المشروعة، وقد بدأت بعض الأنظمة الإسلامية والعربية بتنفيذ تلك المفاهيم والرضوخ للابتزاز الأمريكي (مثال ذلك حال باكستان اليوم) (15).

لقد أكدت الأحداث الدولية أن المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ما هي إلا أجهزة وأدوات لخدمة الأهداف والمصالح الإستراتيجية للدول الكبرى، وأن الصيغة القانونية والإنسانية ما هي إلا عبارة عن حلي تكتسيها تلك المنظمات ويافطة معلقة وديكورات باهتة ومزخرفة، فالقوة هي القانون ، والقوة تصنع القانون ، والقوة سيدة المواقف ، وخاصة عندما تتعرض مصالح الدول الكبرى وحلفائها للخطر(16).


فبينما يلاحظ الفارق الشاسع بين القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ، ضد الدول العربية والدول المغلوبة على أمرها، وغالباً ما تكون واضحة في معانيها قوية في عباراتها صارمة في إجراءات تنفيذها أو عدم تنفيذها وبالعكس عندما تكون ضد إحدى الدول الكبرى أو حليفاتها يطغى عليها أسلوب التراضي والاسترضاء، ركيكة الصياغة مبهمة الألفاظ قابلة للتلاعب والمتغيرات مخالفة بذلك نظرية الأمن الجماعي الدولي التي تقوم على مجابهة العدوان من قبل دول المجتمع الدولي التي تتمتع باستغلال كامل في تكييف مواقفها ورابطها بهدف السلام وحدة دون ما عداه من الأهداف.
ولكن أثبتت الوقائع إن المصالح المشتركة بين الدول أفقدت حرية الحركة والاستقلالية ورباطها بهدف السلام والأمن الدولي خصوصاً عندما تكون بعض الدول تربطها بمصالح معينة مع الدولة المعتدية(17).وإذا ما توقفنا في ثلاث محطات رئيسية من المعايير الانتقائية في المعاملة الدولية سنجد أن المصالح المشتركة بين الدول هي التي تسود القانون الدولي وليس العكس، وذلك على النحو التالي :-
- المحطة الأولى: فلسطين.
أصدرت الجمعية العامة ومجلس الأمن خلال (60) عاماً عشرات القرارات لصالح القضايا العربية ضد إسرائيل دون تنفيذ إحداها برغم اعتراف العرب بإسرائيل .
بسبب المساندة والدعم الأمريكي وحلفائها الذي مكن إسرائيل من المماطلة والتسويف من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بفضل العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل وأمريكا. والدليل على التعامل المزدوج في القضايا الدولية وعلاقات المجتمع الدولي ، استخدام أمريكا حق الفيتو مرتين متتاليتين خلال أسبوع واحد لصالح إسرائيل(18)، وإذا ما تمعنا في الكم الهائل من القرارات والمواقف الدولية التي صبت في صالح القضايا العربية دون تنفيذها ابتداءً من عام 1947م إلى عام 2008م سندرك أنه لا مجال للحصول على الحقوق سبيلاً سوى المقاومة المشروعة إزاء التعنت الإسرائيلي في المماطلة والتسويف والرفض المستمر .
- المحطة الثانية : العراق .
خلال ستة شهور صدر 14 قراراً ضد العراق بعد غزوه للكويت عام 1990م ونفدت جميعها بقوة التحالف الأمريكي البريطاني لقيادة ثلاثة وثلاثون دولة فكانت السرعة غير متوقعة في تنفيذ تلك القرارات وفي أيام معدودة حيث حشدت لها أمريكا وحلفائها نصف مليون جندي معززين بأحدث الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً من الاستخدام ، وأجبرت دول العالم بالمشاركة بالجند والعتاد اللوجيستي والمالي برغم مخالفة تلك القرارات لميثاق الأمم المتحدة برأي فريقين من الفقهاء في القانون الدولي(19)، ومع أن الهدف المعلن لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ضد العراق هو الإعادة للكويت سيادتها وتطبيق القانون الدولي . إلا أن الهدف الغير معلن في تلك القرارات هو حماية المصالح الأمريكية وحلفائها في منطقة الخليج البترولية وإبقاء إسرائيل دولة متفوقة عسكرياً على دول المنطقة(20) . والعمل على الاحتلال المباشر للعراق الذي تؤكده الأحداث الراهنة منذ 2003م حتى اليوم.

المحطة الثالثة : أفغانستان :-

إذا ما نظرنا إلى السرعة في الإعداد والصياغة والتنفيذ للقرار رقم 1373م الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 2001م من مجلس الأمن والخاص بمحاربة الإرهاب والذي وضع العالم في حالة استسلام غير مشروط للولايات المتحدة الأمريكية بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001م في أمريكا، حيث أوكلت الأمم المتحدة مهمة تنفيذ القرار للولايات المتحدة التي حشدت الجيوش والأساطيل البحرية الضاربة في المحيطات وسخرت الإمكانيات السياسية والاقتصادية لمعظم دول العالم تحت أمرتها وقدمت لها جميع التسهيلات اللوجستية فسمحت دول الجوار لأفغانستان باستخدام القواعد العسكرية والمطارات والمجال الجوي والموانئ والسواحل البحرية للقوات الأمريكية وحليفتها بريطانيا، فخلال أيام نفذت أمريكا القرار وإعادة أفغانستان إلى القرون الوسطى لمجرد تهمة لم تثبت قانوناً إيوائها للإرهاب وعدم تسليم أسامة بن لادن(21) بينما عشرات القرارات صدرت منذ خمسين عاماً أصدرتها الشرعية الدولية ضد إسرائيل لارتكابها مجازر الإبادة الجماعية اليومية وتكريس المخططات الاستيطانية ضد الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني دون تنفيذ قرار منها.
وهكذا تتجلى بوضوح ازدواجية المعايير في تنفيذ القرارات الدولية لدى الدول الكبرى وفقدانها أي حس بالعدل والإنصاف ومبادئ الشرعية الدولية عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبدول العالم الثالث ، وكذلك عندما تتأثر مصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسي بأي قرار من القرارات الدولية ، تعمل جاهدة على إعاقة صدوره ، وإن صدر تقوم بالتسويف والمماطلة لمنع تنفيذه ، فكانت هذه الازدواجية في المعايير والانتقاء في العمل على تطبيق مقاصد ومبادئ قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .
ولم تقتصر الازدواجية على تنفيذ القرارات الدولية إنما شملت تلك المعايير المزدوجة في إطلاق المصطلحات والمسميات والأحكام المتباينة والمختلفة بظاهرة أو قضية واحدة، فإذا كان الأمر يتعلق بالدفاع الشرعي للحقوق العربية والإسلامية كتحرير وطن أو دفاع عن نفس من عدو مغتصب متغطرس ، سلب الأرض والكرامة والسيادة الوطنية فسرعان ما سيجرم المناضلين وتجرم أعمالهم النضالية وفق معايير انتقائية في نظام عولمة الإرهاب الدولي(22). صفوة القول أنه لا يعقل أن يطبق القانون ذاته بأسلوبين مختلفين ، أسلوب خاص بالدول الضعيفة ، وأسلوب مختلف بالنسبة للدول القوية وحلفائها.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد آلت على نفسها الدفاع القانوني الدولي إبان أزمة الخليج الثانية فيجب عليها ألاّ تسلك نفس النهج بغية تسوية عادلة للقضية الفلسطينية . كما أنه من الأحرى بنا ألا يسقط من اهتمامنا في معترك الأحداث الراهنة القضايا الملحة المرتبطة بإعادة بناء العراق من جديد خاصة بعد خروج المحتلين الجدد منة وإعادة بناء البنية التحتية للسلطة الفلسطينية التي دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية ، وحماية الشعب الفلسطيني الأعزل من الإرهاب الإسرائيلي الذي يمارس ضده ( وعلى وجه الخصوص في غزة) حيث يسقط الآلاف من أبنائه بين قتيل وجريح ، ويتعرض جزء كبير منه للتشريد والنفي من وطنهم ، لا لذنب اقترفوه وإنما لمطالبتهم بحقهم في تقرير مصيرهم وفقاً لقواعد القانون الدولي ونصوص ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ، مؤكدين على أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية ، وجرائم ضد الإنسانية ، ما هو إلا ضحية من ضحايا حرب أمريكا وحلفائها ضد الإرهاب كما تزعم ، ولذا فلا ريب هنا أن المسئولية حول ما جرى ويجري لهذا الشعب في هذه المنطقة تقع على عاتق جميع الدول العربية والمجتمع الدولي.
لقد أكدت الأحداث المتتالية أنه وفي ظل هذه المعايير المزدوجة لا يمكن للقانون الدولي أن يطبق ولا يمكن للعالم والشرعية الدولية أن تتمكن من القضاء علــى الإرهاب وتحقيق العدالة والمساواة طالما ظل نظام القانون الدولي أسير الدول الكبرى تستخدمه كأداة في صراعاتها السياسية وتحقيق مصالحها الإستراتيجية في مناطق نفوذها ودعم كتلها السياسية في المحافل الدولية وحماية عملائها وتوازن القوى والرعب، مؤثرة بذلك على نظام الأمن الدولي وسلطة القانون. فازدادت رقعة الإرهاب في العالم وتنوعت العمليات الإرهابية ، خصوصاً النضال المشروع لأنه الوسيلة الوحيدة للضعفاء ، لتحقيق الأهداف المصيرية والوطنية بأقل الخسائر والإمكانيات ، فإذا كان نظام الأمن الجماعي يرتكز أساسا على مبدأ حظر العدوان أو بمعنى أوضح حظر اللجوء للقوة في العلاقات الدولية لاسيما في الوقت الحاضر، حيث وجدت أسلحة الدمار الشامل، فلقد أظهرت الحروب العالمية الأولى والثانية أن الدول الكبرى هي أول من انتهكت هذا المبدأ فكانت وراء قيام أكثر العمليات الإرهابية في العالم.
إن مثل هذا الوضع يرجح فكرة تهميش الدول الصغيرة التي تعرف بأسماء شتى ، كدول عدم الانحياز أو دول العالم الثالث أو النامي، حيث لا شك أن هذه المفارقة تطرح فكرة الديمقراطية للنقاش، وتثير أكثر من سؤال حول موقف الدول الصغيرة من المنطقة ومستقبل دور ومكانة هذه الدول في النظام العالمي الجديد.


................... يتبع



................... يتبع




وكفى بالقهر داءً ...مافائدة القلم...إذا لم يفتح فكراً....أو يضمد جرحا.ً.. أو يطهر قلباً...أو يكشف زيفاً...أو يبني صرحاً...

يسعد الإنسان في ظلاله