وجهة نظر في منهجية طلب العلم المعاصرة
28-04-2018, 05:14 PM
وجهة نظر في منهجية طلب العلم المعاصرة
سعد بن عبد الله القعود


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

بعض طرق ومناهج طلب العلم الذي ينصح بها بعض طلبة العلم اليوم يحصل بها خير كثير، لكنها للأسف قاصرة لا تُخرج طالبَ علم مؤصّل!!؟.
من خلال التجربة اتضح بأنه ما دخل الخلل على تأصيلنا العلمي إلا لما أغفلنا أصول علوم الآلة، والتي فرّط فيها كبار من تصدروا للتعليم مؤخراً، فظنوا أن الطالب ممكن أن يصل بدون التأصيل القديم وفقط بقراءة بعض متون العقيدة المتأخرة وكتب شروح أحاديث الأحكام، هذا وربي وهْمٌ!!؟.
ولقد رأيتُ ورأيتم من تكلم في كبار المسائل، فأدخل عباس على دباس -كما يُقال- وخلط الحابل بالنابل، وما أوتي إلا من خلال ضعف فهمه بسبب أنه لم يعتنِ حتى بأقل متون أصول الفقه التي تعينه على الاستنباط السليم، ولا بأخصر مختصرات متون اللغة العربية التي تعينه على الفهم الصحيح!!؟، وهكذا...

أخي المحب:
والله لقد فرّطنا في خير كثير بسبب نصيحةٍ غير موفقة من طالب علم سبقنا (بحسن نية وقلة علم وفقه) بتحذيره وذمه الاعتناء بمتون فقه المذاهب بحجة إتباع الدليل وترك التعصب!!؟.
وما درى وما علم -عفى الله عنه- أن الصيد في جوف تلك المتون التي وضعها أذكياء العالم.
ونصيحتي لكل طالب علم يروم الفائدة واختصار الطريق: أن يبدأ بالقرآن الكريم أولاً: حفظاً وتدبراً، ويعتني اعتناءً كبيراً بتقوية الجانب اللغوي لديه - لغة القرآن والسنة- وذلك بالاعتناء بمتون النحو وكتب اللغة، ومن ثم يقبل على متون أصول الفقه، ويدرسها على متخصص في الفن، ومن ثم يكثر النظر في كتب تفسير القرآن وأصوله، يبدأ في ذلك بكتب المفردات وغريبها.
ومن التأصيل الصحيح: العناية بكتب المتقدمين في:( أصول اعتقاد أهل السنة) ككتاب اللالكائي، وقبله كتب الأئمة الآجري وابن مندة وابن بطة وابن خزيمة، وكتاب عبد الله بن الإمام أحمد، وكتب التوحيد والاعتقاد في كتب السنة: ككتاب التوحيد من صحيح البخاري، ثم ينتقل بعد ذلك لأولى مجلدات فتاوى ابن تيمية -رحمة الله على الجميع- وهكذا ..
والأصل والوسيلة الصحيحة في الزمان المتأخر، ومن خلال التجربة: أن يسلك طالب العلم طريقة التمذهب الفقهي (لضبط المسائل والتعلم لا للتعصب)، فيعتني كثيراً في بداية الطلب بكتب المتون الفقهية المجرّدة من الدليل (كزاد المستنقنع ودليل الطالب)، ثم بعد دراسته بتركيز لتلك المتون وإتقانه لها يعتني لاحقاً (وليس ابتداءً) بكتب فقه الدليل من خلال كتب أحاديث الأحكام كعمدة الأحكام وبلوغ المرام والمحرر والمنتقى وشروحها (لا كما يفعله بعض الطلاب اليوم يجعلون كتب أحاديث الأحكام هي الأصل، ويهملون المتون الفقهية، فيبدؤون بتعلم الاجتهاد قبل التمكّن من سائر الفنون!!؟.
ثم لاحقاً ينتقل لكتب الفقه المقارن، يبدأ بكتاب بداية المجتهد مثلاً، ثم التمهيد أو المغني ونحوها.
ويضع برنامجاً خاصاً لجرد مطولات متون الحديث:(البخاري ومسلم وموطأ مالك والسنن) مع الرجوع لشروحها عند الحاجة.
والمنهجية الصحيحة ترتكز على الاهتمام كذلك على تتبع الآثار الواردة عن السلف -رضوان الله عليهم- لمعرفة وفهم منهجهم في تفسير النصوص وتعاطي المسائل الشرعية وطريقة خلافهم؛ ومكان هذا كتب المصنفات المعتنية بنقل تلك الآثار ومن أهمها: مصنف الإمام ابن أبي شيبة العبسي ومصنف عبد الرزاق الصنعاني.
هذا مع عدم إهمال القراءة طوال مراحل الطلب في كتب السلوك وتزكية النفوس والتربية الإيمانية والثقافة العامة أثناء هذه الفترة.
وسأعطيك أخي المحب أمثلة معاصرة حاضرة الآن في ذهني لبعض طلبة العلم "الشباب" ممن استفاد من التأصيل الجيد، وأبدعوا في شروحهم للمتون التي اعتنوا بها، وأعطَوا التخصص حظه في بواكير طلبهم للعلم بخلاف شرّاح المتون غير المتخصصين.
فيعجبني في الوقت الحالي مثلا: الشيخ يوسف الغفيص -سدده الله- في جودة الفهم وحسن العرض ودقة تحقيق المسائل العقدية وتأريخ الفِرَق.
والشيخ عبد العزيز الحربي -حفظه الله- في مجال القراءات وفقه اللغة.
والشيخ علي الصيّاح -حفظه الله- في مصطلح الحديث ومناهج المحدثين.
والشيخ عبدالسلام الشويعر -وفقه الله- لما يشرح متن زاد المستقنع.
والشيخ وليد السعيدان -حفظه الله- في شرحه القواعد الفقهية.
والشيخ مساعد الطيار -زاده الله من فضله- لما يشرح أصول التفسير.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، وأمثالهم من الجيل الجديد كثير، ولله الحمد.

واسلك طريقهمُ واتبعْ فريقهمُ ÷ تكن رفيقهمُ في حضرة القدس
تلك السعادة إن تُلمِمْ بساحتها ÷ فحُطَّ رحلَك قد عوفيت من تعس

والأصل الاعتناء بالأصول فهماً وحفظاً لمتونها - ولا يخفى على ذي لُب أهمية الحفظ -، فإن لم يستطع، فبالتكرار والمراجعة حتى يتقن مسائل المتن ويستظهره.
والمداومة المداومة: يا باغي العلم النافع، ولزوم المدارسة وتكرار النظر في الكتب والبحوث العلمية، والتأني والتؤدة في تعاطي الأمور، والبعد البعد عن الجدل العقيم، والخوض في معضلات المسائل التي كثر فيها الهرج والمرج، والتي هي من أكبر عوائق الطلب، وارتفع يا رعاك الله عن الخوض فيما لا يعنيك، واحرص كل الحرص على لزوم غرز العلماء الربانيين: تنلْ بإذن الله ما تروم.
وقبل ذلك: كثرة الالتجاء والانطراح والانكسار بين يدي الله -جل وعلا- وسؤاله بصدق وإخلاص: الهدى والسداد والنجاة والفلاح، فالأمور كلها دقيقها وجليلها: خزائنها بيده سبحانه وحده لا شريك له.

رزقني الله وإيّاك: العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.