مع الذين يستيقظون في الظلام
02-02-2017, 12:38 PM
مع الذين يستيقظون في الظلام!!؟.





الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

يروي الشيخ سيد سابق رحمه الله: أنه كان في مدينة أوروبية يحاضر في أحد المراكز الإسلامية هناك عندما ظهر عليه وعلى من معه مجموعة من القسس، واجتمعوا بالقائمين على المركز، وعرضوا عليهم أن يسلموهم الكنيسة التابعة لهم ليحولوها لمسجد ينشرون من خلاله دعوة الإسلام، لم يقف العرض عند هذا الحد!!؟، ولكنه تعداه إلى أن يطلب هؤلاء القسس من القائمين على المركز أن يهتموا بأولاد النصارى هناك ويربوهم تربية إسلامية صالحة، وكانت حجة هؤلاء: أن كنيستهم قد فشلت في أداء هذه المهمة؛ فاختلط عليهم أبناؤهم؛ فلم يعلموا بعدُ منهم الذكر من الأنثى في ظاهر القسمات والتصرفات، خطوة كهذه لم تأتِ نتيجة خاطرة مرت على قس واحد، فجمع أصحابه واتجه إلى المركز الإسلامي يعرض عليه ما عرضه، لكنها فكرة طال التفكير فيها، واتبعت أساليب متعددة قبل الإقدام على هذه الخطوة في سبيل عدم الإقدام عليها، ولكن الذي يبدو أنه لم يكن هناك حل أفضل من أن تسلم الكنيسة - على ما ترمز إليه - إلى المسلمين ليحولوها إلى مسجد على ما يرمز إليه.

في إحدى قنوات التلفزيون الفرنسي يستضيف برنامج مقابلات رجلي دين من المسيحيين، فيناقش معهما مقدم البرنامج مجموعة من المشكلات التي تعترض شباب فرنسا اليوم - وبالمجمل شباب أوروبا - وينتهي مقدم البرنامج إلى السؤال عما إذا كان لدى هذين القسيسين حل لبعض هذه المشكلات - إن لم يكن لمجملها أو كلها - ولكن الرجلين يجيبان بالنفي والحسرة تبدو عليهما، ثم يسأل عما إذا كان هناك حلول مطروحة على الساحة يمكن من خلالها إنقاذ الأمة مما هي فيه، فيجيب الرجلان بأن الحلول موجودة في الإسلام!!؟.

وفي مدينة من مدن أمريكا يقوم مسجد - لعله أسس على التقوى، ونحسبه كذلك - ببرنامج يومي لطيف وهادئ، يعمد المسجد إلى تقديم وجبة غذاء - وهي عادة خفيفة - لأطفال المسلمين، أولًا، ثم بدأ أطفال غير مسلمين يترددون على المسجد وقت الظهيرة، وكان يصحب الغذاء حديث - على مستوى الأطفال - عن الإسلام، فصار الأطفال غير المسلمين يكتسبون من هذا الحديث شيئًا، وخاصة أنه يركز على جوانب يراد من الطفل الذي لم يصل العاشرة من عمره أن يتسم بها أو يبتعد عنها، وتوقع البعض من القائمين على هذا البرنامج أن يخف توارد الأطفال غير المسلمين إذا علم أهلهم ما يصحب وجبة الغذاء من وجبة دينية، ولكن الذي يبدو أن الأطفال يزدادون يومًا بعد يوم، بل إن أهلهم بدؤوا يرتادون صالة الطعام مع أطفالهم، لا ليأكلوا، ولكن ليشرفوا على البرنامج ويقابلوا القائمين عليه؛ ليشكروهم على شيء من التحول في السلوك بدا على أولادهم، فيسأل أحد القائمين على البرنامج، وهو ذلكم الذي توقع أن يخف توارد الأطفال هؤلاء، يسأل الأهل عما إذا كان قد دار في خلدهم أن هناك إمكانية في تحول هؤلاء الأطفال إلى الإسلام على المدى البعيد، ويجيب بعض الأهالي بأن ذلك وارد لا شك فيه، ويدعون القيمين على هذا المسجد إلى العمل على تثقيفهم إسلاميًّا في سبيل الوصول إلى قناعة تامة تجعلهم يعلنون إسلامهم، فهم هنا لا يخافون على أولادهم دخولهم في الإسلام، ولكنهم يخافون على أنفسهم عدم دخولهم في الإسلام!!؟

هذا على المستويات الاجتماعية العامة، أما على المستويات الاجتماعية الخاصة جدًّا، مثل تلكم التي يكون ميدانها البيت، فإن كثيرًا - أو نسبة لا بأس بها - من شباب المسلمين الذين يتغربون في أوروبا وأمريكا يعمدون إلى الزواج من بنات أهل البلاد، وغالبًا ما يكنَّ غير مسلمات، وبغض النظر عن الدوافع الأخرى لهذا النوع من الزواج، فإنه ينتهي بقيام علاقة متينة بين شخص مسلم هو: الرجل، وآخر غير مسلم هو: المرأة، فيثير هذا شيئًا من عدم الارتياح الروحاني لدى المرأة ولدى الرجل في غالب الأحيان، مهما كان الرجل بعيدًا عن ممارسة دينه، والقيام بالفروض والواجبات عليه، ومن هنا تبدأ مرحلة في البحث عن أسلوب للتلاقي الروحاني، غالبًا يأتي عن طريق المرأة، فتنهال الأسئلة على الرجل ليجيب عنها بما يعلم، وغالبًا تكون معلوماته عن الأصول واضحة، ولكنه يتعثر أحيانًا في الوصول إلى أجوبة حساسة في الفروع، وفي مسألة نظرة الإسلام لقضايا مصيرية، مثل:( منزلة المرأة، وتربية الأطفال، والنظرة الإسلامية للاقتصاد والسياسة والعلاقات الإنسانية الأخرى)، يجيب الرجل بما لديه، ولكنه لا يقتنع، فيحس بهذا التقصير، ويوحي بذلك لمن حوله من المسلمين، فيدلونه على بعض المعلومات التي تشبع رغبته، والنهاية أن المرأة تبدي رغبتها في الدخول في الإسلام؛ فتكون سببًا في هداية زوجها، ودافعًا له إلى العودة إلى دينه، فيرتاد المساجد والمراكز الإسلامية، وقد حدث مثل هذا في مركز إسلامي في مدينة ألمانية، وكان يعقد في هذا المركز ندوة إسلامية حضرها مجموعة غير يسيرة من الشباب المسلمين، فتأتي امرأتان يبدو عليهما شيء من الارتباك والحياء وعوامل أخرى داخلية، فتسألان عن المسؤول عن المركز، فتدلان عليه لتعلنا إسلامهما، وتبينا أنهم تحت قوامة رجلين مسلمين، ويأتي الرجلان ويحضران شيئًا من الندوة، ويبدو لهما ما لم يكن قد رأياه من قبل، وكون هذه خطوة أولى في طريق العودة إلى الله، وهذا الحديث لا يُغفِل وجود نوعيات من أبناء الإسلام تصر على عدم العودة إليه، وتقدم في سبيل ذلك صورًا مغلوطة غير واضحة عن الإسلام، ولو وقع هؤلاء في أيدي أولئك الذين يعرفون الحق: كان لهم شأن آخر؛ لأن المرء مهما شط عن طريق الفطرة، فإنه لا بد أن يعود إليه ما وُفِّق إلى من يقدمه له على حقيقته صورة واضحة جلية، وهذا الحديث لا يغفل أيضًا وجود نوعيات من الزوجات يكون تأثيرها الروحاني على زوجها أكثر من تأثيره عليها، ويبدو ذلك واضحًا في مصير الأطفال الذين يتربون على يديها، بغض النظر عن استمرار العلاقة الزوجية بين الأبوين، أو عدم الاستمرار؛ لأن القانون الغربي يقف في هذه الناحية في صف المرأة.

وإذا كان الحديث هذا لا يغفل هذه الجوانب، فإنه محاولة لإبراز جوانب مضيئة قد لا يراها الكثيرون في مجتمعات يستبعد البعض أن تقع فيه.

وهذا ربما جر إلى المستويات العلمية التي تشهد بين الفترة والأخرى دخول بعض فطاحل علماء الغرب وفلاسفته في الإسلام، أو لنقُلْ - على أقل تقدير -: تفرض بعض المواقف احترام هؤلاء العلماء للإسلام مما يكون سببًا غير مباشر لدخول الغير في الإسلام، يذكر أن مدير الغرف الصناعية في ألمانية الاتحادية دعا إلى الأخذ بالنظام الاقتصادي الإسلامي لبنوك أوروبا وأمريكا وبنوك العالم ومؤسساته المالية، جاء ذلك بعد ندوة عقدت بين علماء الاقتصاد الإسلامي وعلماء الاقتصاد الغربي، والنتيجة أن الذين يستيقظون في الظلام ويرون نور الروح يزدادون يومًا بعد يوم، وعلى مختلف مستوياتهم الثقافية والفكرية والعلمية، وفي المقابل، فإن أولئك الذين ينامون في النهار ينقصون يومًا بعد يوم كلما أتيح لهذا الدين رجال يبرزونه للآخرين على حقيقته التي جاء عليها، ورجال يقفون بما أوتوا من سعة في الرزق وراء المشروعات العلمية الإسلامية شرقًا وغربًا: يرعَوْنها ويعمرون مساجدها، ويفتحون مدارسها ويتبنون مؤتمراتها وندواتها، ورجال يقفون بما أوتوا من سعة في العلم والفكر والثقافة وراء النشاط الفكري والعلمي والثقافي الذي تتمخض عنه مثل هذه المشروعات.
كان الله في عون الجميع.

منقول بتصرف يسير.