ثلاثة أسباب تحفظ الكون من الزوال
18-05-2018, 12:30 PM
تتوفر ثلاثة أسباب ضرورية ولازمة لاستمرارالعالم، لولاها لاختل نظام الكون، ولما تسنى للحياة أن توجد أصلاً:
أول هذه الأسباب ، هو المسافات الكونية الهائلة التي تتباعد بها النجوم، فالمسافة بين الشمس وأقرب نجم يليها مثلا، تبلغ حوالي (4.3) سنة ضوئية أو مايقارب 47 ألف مليار كم، لقد أصيب المهتمون بالعلوم الكونية بخيبة أمل بادئ الأمر عندما حسبت هذه المسافة، فقد بدا النظام الشمسي معزولا عن الكون، لكن العلماء يجدون هذه العزلة نعمة الآن بعد أن تعرفوا إلى أطوار حياة النجوم، وما يمكن أن ينجم عنها من ظواهر كارثية، فظاهرة السعير( (Super Nova التي تنتهي من خلالها حياة بعض النجوم بانفجار هائل، يتكرر حدوثها في المجرة بين الحين و الآخر، و يمكنها أن تهدد المدنيات التي تعيش على بعد سنتين أو ثلاث سنوات ضوئية منها، كما أن تباعد الأجرام السماوية عن بعضها يجعل إمكانية تصادمها مستحيلة. هذا و إن الكون يتمدد باستمرار، أي أن الأجرام السماوية تتباعد باستمرار وبشكل يلغي احتمال اقتراب أي نجم غريب من أحد الكواكب الآهلة بالحياة، مما قد يؤدي – إذا حصل – إلى أن يهوي الكوكب في أتون النجم، أو أن يجتذبه لينفلت من فلكه الأصلي إلى الفضاء الخارجي حيث الظلام والزمهرير الأبدي.
أما المجرات، هذه الجزر الكونية التي تتشكل من مليارات النجوم، فتتباعد عن بعضها بسرعة تفوق ملايين المرات تلك التي تتباعد بها النجوم، وهذا أيضاً من الأسباب التي تحفظ الحياة في الكون، فهناك من المجرات ما تحتوي على النجوم الدُّرّية (الكوازار-Quasar) التي يفوق ضياء أحدها أضعاف ضياء نجوم مجرتنا مجتمعة، لو وقع في حزمة ضيائه أي من الأنواع الحية لباد وفني في الحال. يعتقد العلماء بوجود بؤرة جاذبية هائلة في مركز المجرة الدُرِّية تجتذب الغبار الكوني والأجسام السماوية الأخرى نحوها بطاقة جبارة تؤدي إلى توهج هذه الأجسام عند المركز بنتيجة الاحتكاك (انظر اللون الأبيض و الأزرق في الرسم التالي).



النجوم الدريّة


مجرّات راعدة

من الممتع مراقبة المجرات الراعدة، أو الدُّرّية الألِقة من مسافة ملايين أو مليارات السنين الضوئية، لكن ليس لعاقل أن يتمنى الاقتراب منها أكثر من ذلك.
السبب الثاني الذي يحفظ الكون بشكله الآمن هو حركة الأجرام السماوية المنتظمة في أفلاكها، فكل نظام كوني مستقر، كنظام المجموعة الشمسية مثلاً، يتكون من كواكب تدور بانتظام حول جسم مركزي أو نجم كالشمس مثلا.
لا أحد يعرف مصدر الدفعة الأولى التي وضعت هذه الأجرام في أفلاكها، لكننا نعلم أنها لو توقفت عن الحركة لهوى كل ما في الكون منطبقاً على نفسه، فالأرض و الكواكب السيارة ستهوي إلى الشمس، والشمس ستهوي مع بقية النجوم إلى مركز المجرة، والمجرات ستهوي جميعاً لتتجمع في نقطة واحدة، معيدة بذلك الوضعية الأولى التي بدأ منها الكون وفق نظرية (الانفجار الأعظم)، قد تكون هذه نهاية الكون في غضون (70) مليار سنة قادمة، عندما تتباطأ حركة الأجرام السماوية، ويكون تمدد الكون واتساعه قد استهلك طاقته بنفسه، لكن الاهتمام بما سيحدث بعد (70) مليار سنة قد لا يهمنا كثيرا الآن، وإن هذه الفترة، إذا أضيفت إلى الفترة التي انقضت منذ ولادة الكون، التي يقدرها العلماء بحوالي (13.8) مليار سنة، هي فترة كافية لظهور وازدهار ملايين الحضارات العاقلة، على ملايين الكواكب في أرجاء الكون.
السبب الثالث الذي يجعل الكون آمناً هو ما يحدث في النجوم نفسها، ويجعلها تبث الطاقة اللازمة لنشوء وارتقاء الحياة، ونعني بذلك تفاعلات الاندماج لنوى الهيدروجين التي تبث الطاقة، ويتخلف عنها الهليوم كرماد، يمكن تشبيه النجوم، ومنها الشمس بقنابل هيدروجينية جبارة، من حيث أن التفاعلات فيها هي التفاعلات نفسها التي تجري في القنابل الهيدروجينية على الأرض، لكن النجوم لا تنفجر بمجرد وصولها إلى درجة الوميض النووي بعكس القنابل الهيدروجينية، بل تبث إشعاعاً مستقراً عبر ملايين السنين؟ السبب في ذلك أن النجوم، ومنها الشمس، تحرق الهيدروجين النقي أو الخفيف، بينما نستعمل في القنابل الهيدروجينية النظائر الإشعاعية الأثقل للهيدروجين والتي ندعوها (دوتريوم) و(تريتيوم).
إن تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين النظيف أبطأ مليار مرة من تفاعلات الهيدروجين الثقيل، ولو أن النجوم أحرقت الهيدروجين الثقيل لانفجرت قبل أن تولد، ولما وجد الكون أصلاً.